مصباح المنهاج - كتاب الطهارة المجلد 5

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مشخصات نشر : نجف : دار الهلال، 1427 ق.= 2006 م.= 1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره:964-8276-54-4 ؛ ج.1:964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8:964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت : ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

يادداشت : ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

يادداشت : چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : اصول فقه شيعه

رده بندي كنگره : BP159/8/ ط2م6 1385

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : 1041894

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة المبحث الرابع في الغسل

تتمة المقصد الثاني في غسل الحيض

الفصل السابع في أحكام الحائض
اشارة

الفصل السابع في أحكام الحائض

(مسألة 15): يحرم علي الحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات
اشارة

(مسألة 15): يحرم علي الحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات (1)،

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا و نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) إذ لا إشكال في أنها دائمة الحدث و لا تطهر، كما يقتضيه مقابلة الحيض بالطهر في الكتاب المجيد و السنة الشريفة المتجاوزة حد التواتر، و الفتاوي الظاهرة في المفروغية عن ذلك. بل وضوح ذلك يغني عن تجشم الاستدلال عليه.

و منه يظهر أنه يحرم عليها غير العبادات مما يحرم علي المحدث، كمس القرآن الشريف، علي التفصيل المتقدم في الوضوء. و لعل إهماله في كلام بعضهم للمفروغية عن مشاركتها للجنب في المحرمات، كما يأتي من بعضهم.

هذا، إذا أخذ في موضوع التحريم عنوان المحدث، أو تضمنت الأدلة مانعية الحدث الأصغر، حيث يلزمها مانعية الأكبر بالأولوية الارتكازية، أو لما تضمن أن أسباب الحدث الأكبر نواقض للوضوء، كما تقدم في مس القرآن الشريف. و في غير ذلك لا إشكال فيما أخذ في موضوع تحريمه عنوان الحائض، كما تقدم في المكث في المسجد و قراءة العزائم.

و أما ما اختص دليله بالجنب، و هو مس اسم اللّه تعالي و الطواف المستحب

ص: 5

______________________________

- بناء علي تماميته في الجنب- فقد استدل علي حرمته علي الحائض..

تارة: بما في الجواهر من ظهور اتفاق الأصحاب علي مشاركته الحائض للجنب في أحكامه، كما صرح به بعضهم، بل قد يظهر من الغنية دعوي الإجماع علي أنه يحرم علي الحائض كل ما يحرم علي الجنب، و كان قد ذكر- في أحكام الجنب- أنه يحرم عليه مس اسمه تعالي و أسماء الأنبياء و الأئمة صلوات اللّه و سلامه عليهم.

و أخري: بأن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة، كما في المعتبر و غيره، فتثبت محرمات الجنب للحائض بالأولوية.

و يشكل الأول: بأنه لا مجال لتحصيل الاتفاق مع إهمال الحكم المذكور في الحيض و ذكره في الجنابة في المبسوط و السرائر و المعتبر و الشرائع و المنتهي و التذكرة و الإرشاد و القواعد و غيرها، فإنه و إن أمكن أن يبتني علي المفروغية عن مشاركة الحائض للجنب في المحرمات- كما تقدم احتماله في إهمال بعضهم مس الكتاب المجيد- إلا أنه لا مجال للقطع بالإجماع علي المشاركة مع ذلك.

و أما الثاني فقد استدل عليه في الجواهر بمعتبرة سعيد بن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة تري الدم و هي جنب أ تغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة و الحيض واحد؟ فقال: قد أتاها ما هو أعظم من ذلك» «1». و يشكل بظهورها في إرادة الأشدية من حيثية عدم الفائدة في الغسل بسبب استمرار الحدث قهرا، لا من حيثية مرتبة الحدث، لينفع في المقام، و إلا لم يكن مناسبا للسؤال، إذ كون الحيض أعظم من حيثية مرتبة الحدث لا يقتضي عدم الغسل للجنابة لرفع حدثها. و لا أقل من الإجمال المانع من الاستدلال.

نعم، لا يبعد فهم عدم الخصوصية للجنابة من دليله، لمسانخة حدث الحيض لحدث الجنابة ارتكازا، و لا سيما مع قيام الأدلة علي اشتراكهما في أكثر الأحكام الثابتة من حيثية الحدث. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. و يأتي بعض الكلام في الطواف

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 6

كالصلاة و الصيام و الطواف و الاعتكاف (1)

______________________________

في أحكام المستحاضة إن شاء اللّه تعالي.

(1) لا إشكال في حرمة العبادات المذكورة عليها، و النصوص به متواترة، و دعاوي الإجماع عليه مستفيضة، بل دعوي الضرورة عليه- كما عن شرح المفاتيح- غير مجازفة. و إنما الإشكال في أن حرمتها تشريعية فقط راجعة إلي اعتبار الطهارة فيها، فتبطل بدونها- كما تبطل بفقد سائر شروطها- و يكون الاتيان بها بدونها بنية المشروعية تشريعا محرما، أو هي مع ذلك ذاتية راجعة إلي حرمتها تكليفا من غير جهة التشريع أيضا، نظير حرمة الربا.

و كأن ذلك هو المراد من الترديد في كلام بعضهم بين الحرمة الذاتية و التشريعية، و إلا فثبوت الحرمة التشريعية مما لا ينبغي الإشكال فيه بالنظر لما سبق من عدم الريب في كونها دائمة الحدث، كما صرح به شيخنا الأعظم قدس سرّه في الصلاة.

و كيف كان، فقد يستدل علي الحرمة الذاتية.. تارة: بأن موضوع الحرمة التشريعية التشريع الذي هو أمر قلبي، و ظاهر الأدلة حرمة نفس الأفعال الخارجية.

و أخري: بما تضمنته النصوص الكثيرة و جملة من معاقد الإجماعات المدعاة في المقام من التعبير بالحرمة الظاهرة في الذاتية، و كذا ما تضمن النهي عن العبادات و الأمر بتركها.

و يندفع الأول: بأن المرتكزات المتشرعية، بل العقلائية، تقتضي حرمة الجري العملي علي التشريع القلبي، بحيث يكون نفس العمل محرما ثانويا يصح توجيه النهي إليه، كما يناسبه ما ورد في البدعة و أنها في النار.

و الثاني: بأن التعبير بالتحريم و النهي و نحوهما و إن كانت ظاهرة بدوا في الحرمة و الذاتية، إلا أن شيوع استعمالها في مقام بيان عدم المشروعية لبيان شروط التكليف و المكلف به و موانعهما و نحوها مما يرجع لحدود التشريع مانع من التعويل علي الظهور

ص: 7

______________________________

المذكور فيما يمكن حمله علي ذلك، كالمقام.

و منه يظهر وجه آخر في دفع الوجه الأول، فإن ظهور الأدلة في حرمة نفس الأفعال الخارجية- دون الأمر القلبي- إنما يناسب حرمتها ذاتا إذا كان المراد بها الحرمة التكليفية، لا الإرشاد لحدود التكليف. فلاحظ.

نعم، قد يستدل علي الحرمة الذاتية بجملة من النصوص.

منها: ما ورد في الاستظهار من التعبير بالاحتياط في بعض نصوصه، كموثق فضيل و زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «قال: المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها و تحتاط بيوم أو اثنين … » «1»، و قريب منه خبر الجعفي «2»، و موثقة البصري «3» الآتية.

و استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن التحيض في أيام الاستظهار حيث لا يكون مطابقا للاحتياط المطلق، لمخالفته لاحتمال وجوب العبادة و غيره، فلا بد من حمله إما علي الاحتياط بلحاظ أهمية حرمة العبادة حال الحيض من وجوبها حال الطهر، فيدل علي الحرمة الذاتية، أو علي الاحتياط بلحاظ بعض الأحكام، كحرمة الوطء و دخول المساجد و قراءة العزائم، من دون نظر للعبادة، ليدل علي حرمتها الذاتية.

قال قدّس سرّه: «و ليس الأول أولي من الثاني، بل الذي يظهر من موثقة البصري:

«عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد أيام أقرائها التي كانت تحيض فيه «4»، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين» هو الثاني. مع أن دعوي: كون الحرمة المحتملة أهم غريبة، لأن الظاهر أن ترك الصلاة من أعظم الكبائر. و يحتمل كون وجه التعبير بالاحتياط أنه الموافق للاستصحاب و قاعدة الإمكان … فتأمل».

لكنه يندفع بأنه لا ظهور للموثقة في الثاني، لأن السؤال فيها و إن كان عن الوطء و الطواف المستلزم لدخول المسجد الشريف، إلا أنه لا ينافي عموم الاحتياط

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8. لكن فيه: (تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه).

ص: 8

______________________________

فيها لترك الصلاة أيضا، بل هو الظاهر من التعبير فيها بالقعود المنصرف منه القعود عنها، و الذي هو أظهر أحكام الحيض، فيكني به عن ترتيب جميع أحكامه.

و أظهر منها خبر الجعفي المشار إليه، للتعبير فيه بالقعود من دون سؤال عن شي ء من الأحكام، فضلا عن موثق فضيل و زرارة المتقدم المصرح فيه بالكف عن الصلاة، حيث يقوي ظهوره في إرادة الاحتياط بالكف عنها، لا عن خصوص بقية المحرمات.

و أما استغرابه دعوي أهمية الحرمة المحتملة. فهو لو سلم لا أثر له، لأن الأهمية و احتمالها إنما يكونان معيارا في الترجيح عقلا عند التزاحم بين التكليفين ثبوتا، لا عند الدوران بين المحذورين إثباتا، بل المرجع فيه التخيير، علي ما حققناه في محله و اعترف به قدّس سرّه في احتمال الأهمية في أصوله، و إن أصر هنا علي الترجيح بالأهمية.

و من هنا لا بد أن يكون الاحتياط ناقصا بلحاظ أحد الاحتمالين، و إن لم يكن المحتمل أهم، لجهات لحظها الشارع الأقدس.

و أما ما ذكره أخيرا من احتمال كون التعبير بالاحتياط بلحاظ موافقة الاستظهار للاستصحاب و قاعدة الإمكان. فيدفعه أن مفاد الاستصحاب و القاعدة التعبد بالحيضية في تمام العشرة، المناسب لوجوب ترتيب أحكامها، و هو لا يناسب التخيير بين اليوم و اليومين، فالمناسب ما ذكرنا من إرادة الاحتياط الناقص. فلاحظ.

نعم، قد يشكل الاستدلال بالنصوص المذكورة. تارة: بأن الاحتياط إنما يقتضي ترك الأداء، و ظاهر نصوص الاستظهار ترتيب أحكام الحيض مطلقا من دون تدارك.

و أخري: بأن الاتيان بالصلاة برجاء المطلوبية لا ينافي الاحتياط حتي بناء علي الحرمة الذاتية، كما يأتي. فلا بد من عدم حمل الاحتياط علي المعني المعروف بيننا، و هو احتياط المكلف في مقام العمل محافظة علي الحكم الواقعي، بل علي مجرد التوثق لاحتمال الحيض مع ترتيب جميع أحكامه، و إن كانت علي خلاف الاحتياط بالمعني المذكور، لعدم بناء الشارع الأقدس علي تكليف المرأة بالاحتياط في أحكام الحيض، بل علي التعبد لها بأحد الأمرين- من الحيض و عدمه- و ترتيب جميع أحكامه

ص: 9

______________________________

فلا تنهض بالاستدلال علي الحرمة الذاتية.

لكن الانصاف أن التعبير عن التوثق لاحتمال الحيض بالاحتياط ظاهر في اهتمام الشارع الأقدس بترك الصلاة حال الحيض، الذي هو أظهر أحكامه، فيناسب حرمتها الذاتية، و إن كان الاحتياط ناقصا أو من سنخ الحكمة في التعبد بجميع أحكام الحيض. فتأمل جيدا.

و منها: قوله عليه السلام في صحيح خلف الوارد في اشتباه دم الحيض بدم العذرة:

«فلتتق اللّه فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتي تري الطهر، و ليمسك عنها بعلها، و إن كان من العذرة فلتتق اللّه و لتتوضأ و لتصل و يأتيها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتي يفعلوا ما ينبغي … ». لظهوره في كون ترك الصلاة حال الحيض مقتضي التقوي.

لكن ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن الأمر بالتقوي فيه إنما هو بمعني وجوب الفحص، لا لحرمة الصلاة، و لذا قدمه علي الشرطية الأولي. و يشهد به تأخير الأمر به عن الشرطية الثانية التي موضوعها الطهر الذي تكون الصلاة معه واجبة.

و فيه: أن ظاهر الأمر بالتقوي في الفقرتين و إن كان هو تنجز الواقع المجهول المستلزم لوجوب الفحص، و لذا سأل الراوي بعده عن طريق المعرفة، ليعمل بما ينبغي علي الوجهين، إلا أن بيان مقتضي التقوي بالنهي عن الصلاة مع الحيض و الأمر بها مع الطهر ظاهر في كون الأمر بالإمساك عن الصلاة تكليفيا تابعا للحيض الواقعي، كالأمر بإمساك الزوج، لا تشريعيا تابعا للعلم بالحيض، و لا مسوقا لبيان مجرد عدم وجوب الصلاة مع الحيض، و لذا اشتملت الشرطية الثانية علي ترخيص الزوج في الوطء، لا أمره به لبيان الترخيص، لأن ورود الأمر لبيان الترخيص لا يناسب سوقه لبيان مقتضي التقوي، كما لعله ظاهر.

و منها: ما يظهر منه حرمة الصلاة حال الحدث مطلقا و إن لم يكن من الحيض، كمعتبرة الفضل عن الرضا عليه السلام: «قال: إذا حاضت المرأة فلا تصوم

ص: 10

______________________________

و لا تصلي، لأنها في حدّ نجاسة، فأحب اللّه أن لا يعبد إلا طاهرا. و لأنه لا صوم لمن لا صلاة له» «1». لظهوره في مبغوضية العبادة حال النجاسة التي يراد منها الحدث في المقام، و بعموم التعليل يتعدي لغير الحيض من أسباب الحدث.

و موثق مسعدة ابن صدقة: «إن قائلا قال لجعفر بن محمد عليه السلام: جعلت فداك إني أمر بقوم ناصبية و قد أقيمت لهم الصلاة، و أنا علي غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاءوا أن يقولوا، أ فأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت و أصلي؟

فقال جعفر بن محمد عليه السلام: سبحان اللّه أ فما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا؟!» «2»، و صحيح صفوان عنه عليه السلام قال: «أقعد رجل من الأحبار في قبره فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه عز و جل. فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتي انتهوا به إلي جلدة واحدة، فقال: لا أطيقها. فقالوا: ليس منها بدّ، فقال:

فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك أنك صليت يوما بغير وضوء و مررت علي ضعيف فلم تنصره، فجلدوه جلدة من عذاب اللّه، فامتلأ قبره نارا» «3».

لكن قال سيدنا المصنف قدس سرّه: «و لعل الظاهر من رواية العلل كون المراد:

أحب اللّه أن يعبد في حال الطهارة، لا أنه كره أن يعبد في غير حال الطهارة، و إلا لدل علي عدم فائدة و خصوصية للطهارة، و هو بعيد، و لمثل هذا النحو من التعبير نظائر كثيرة … و أما رواية مسعدة فلا يظن إمكان الالتزام بها في موردها، فإن أدلة التقية مقدمة علي غيرها من الأدلة مهما كان لموردها من الأهمية».

و كأن مراده بما ذكره في رواية العلل أن حملها علي إرادة قيدية الطهارة في العبادة المحبوبة مستلزم لدخل الطهارة في المحبوبية، فتكون محبوبة بلحاظ فائدتها، أما حملها

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الحيض حديث: 2. و قد رواه عن علل الشرائع و عيون أخبار الرضا (ع).

لكن في الأول: (فإن قيل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم و لا تصلي؟ قيل: لأنها في حدّ نجاسة فأحب اللّه أن لا تتعبد إلا طاهرة … ): 271 طبع النجف الأشرف. و نحوه في الثاني، إلا أنه قال: (فإن قال: فلم … ) و: (فأحب اللّه أن لا تعبده إلا طاهرا … ) ج 2: 115 طبع النجف الأشرف. (منه عفي عنه).

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 2.

ص: 11

______________________________

علي إرادة رفعها لمبغوضية العبادة فهو لا يقتضي محبوبيتها، و لا ترتب الفائدة عليها.

لكن لم يتضح الوجه في استبعاد الثاني، إذ يكفي في فائدة الطهارة رفعها لمبغوضية العبادة المحبوبة ذاتا. مع أن الرواية لم ترد للحث علي الطهارة، لتناسب خصوصيتها في المحبوبية، بل لبيان امتناع العبادة بدونها، فلا وجه للخروج عن ظاهر التركيب من كون المحبوب ترك العبادة حال الحدث المستلزم لمبغوضيتها حاله.

و دعوي: عدم ظهور المحبوبية في الإلزام. مدفوعة بأن ذلك لو سلم في سائر الموارد لا مجال له في المقام، لأن الحكم المعلل إلزامي.

كما أن ما ذكره قدّس سرّه من منافاة موثق مسعدة لأدلة التقية ممنوع، لعدم الإشعار فيه بتعذر الوضوء للصلاة معهم، فضلا عن الظهور. و لعل سؤال السائل عن الصلاة معهم بدون الوضوء لأنها أسهل عليه، خصوصا مع قرب عزمه علي الإعادة علي كل حال، الذي لا يبعد عمل كثير من الشيعة عليه بعد الصلاة مع المخالفين. و من يظهر الإشكال فيما يظهر من الوسائل من حرمة الصلاة بدون الوضوء حتي مع التقية.

فتأمل. علي أنه يشكل رفع اليد عن الكبري بمجرد منافاة تطبيقها للتقية.

و أما صحيح صفوان فلم يتعرض قدّس سرّه للاستدلال به. فإن كان لأجل وروده في أهل شريعة أخري، أشكل بظهور حال المعصومين عليهم السلام في أن نقلهم لثواب أهل الشرائع السابقة و عقابهم بداعي الترغيب و الترهيب، لا لمحض بيان قضية خارجية لا يراد ترتب العمل عليها. علي أنه قد يتمسك بأصالة عدم النسخ علي كلام محرر في الاستصحاب.

و من جميع ما تقدم يظهر وفاء النصوص بالحرمة الذاتية، فيتعين البناء عليها.

ثم إنه يتجه لأجل النصوص الأخيرة عموم الحرمة الذاتية لما إذا طهرت المرأة من الحيض و لم تغتسل، لعدم خروجها بذلك عن الحدث، الذي يستفاد من النصوص المذكورة أنه المعيار في الحرمة. و لا مجال معه لما في الجواهر من إمكان الفرق و اختصاص الحرمة الذاتية بحال الحيض، بل هو الذي جزم به الفقيه الهمداني قدّس سرّه.

ص: 12

______________________________

و كأنه مبني علي إغفال هذه النصوص و النظر لخصوص ما ورد في الحائض، الذي لا إشكال في قصوره عن حال انقطاع الحيض و بقاء حدثه.

كما أن الظاهر اختصاص الحرمة الذاتية بالصلاة دون بقية العبادات المحرمة علي الحائض، لأنها المنصرف من القعود في نصوص الاستظهار و مورد بقية النصوص.

نعم، قد تضمنت رواية الفضل إطلاق النهي عن العبادة. إلا أنه لا يبعد كون المراد بها خصوص الصلاة، و لذا احتيج لتعليل حرمة الصوم فيها بأنه لا صوم لمن لا صلاة له. و احتمال كونه تعليلا ثانيا في الصوم مع عموم التعليل الأول له، لعموم العبادة لغير الصلاة، لو لم يكن خلاف الظاهر فلا أقل من عدم بلوغه مرتبة الظهور، حيث يمنع التعليل المذكور من انعقاد ظهور العبادة في العموم.

بل لا يبعد كون إطلاق العبادة علي مطلق ما يعتبر فيه قصد القربة إنما شاع في ألسنة الفقهاء مع كون المراد بها في عصر صدور الروايات خصوص الصلاة و ما يسانخها، كما يناسبه تطبيقها في بعض نصوص كراهة الاستعانة في الوضوء علي الصلاة، دون الوضوء كقوله عليه السلام: «أما سمعت اللّه عز و جل يقول: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد» «1» و غيره.

بقي الكلام في ثمرة الحرمة الذاتية.

و ظاهر غير واحد أنها تظهر في تعذر الاحتياط لها لو شكت في الحيض، لدوران الأمر بين محذورين، بخلاف ما لو كانت تشريعية محضة، حيث يتيسر لها الاحتياط بالإتيان بالعبادة برجاء المطلوبية، لعدم التشريع معه، بل ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن ما ذكره جماعة، بل ادعي عليه الاتفاق من حسن الاحتياط للمضطربة مؤيد لكون الحرمة تشريعية محضة، ثم قال: «و تتبع كلمات الفقهاء يشرف الفقيه علي القطع بما ذكرنا».

و في الجواهر بعد تقريب كون الحرمة ذاتية قال: «و عليه بني ردّ ما يذكر في

______________________________

(1) الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 1.

ص: 13

______________________________

بعض المقامات من الاحتياط لها بفعل العبادة بأنه معارض بمثله، لكون الترك بالنسبة إليها عزيمة». و قريب منه ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه.

لكن من الظاهر أن الصلاة مثلا لا تصدق علي نفس الأفعال الخارجية بما هي هي، بل لا بد فيه من قصد عنوان الصلاة بها. و حينئذ إن كان الإتيان بها برجاء المطلوبية راجعا إلي الجزم بكونها صلاة مع احتمال الامتثال بها- نظير الكون في المسجد برجاء المطلوبية- اتجه تحريمها مع مصادفة الحيض بناء علي الحرمة الذاتية، فيخالف الاحتياط، كما ذكر في تقريب الثمرة.

أما إذا كان راجعا إلي قصد عنوان الصلاة بها معلقا علي عدم الحيض و علي ثبوت الأمر بها، و أنها مع عدمهما ليست بصلاة- نظير الطلاق عند الشك في الزوجية- فلا وجه للتحريم مع مصادفة الحيض، حتي بناء علي الحرمة الذاتية، لعدم تحقق موضوعها، و هو الصلاة. و الظاهر إمكان الثاني، لأن عنوان الصلاة لما كان قصديا كان قابلا للتعليق، كعنوان الامتثال القابل للتعليق علي وجود الأمر.

كما أن الظاهر ابتناء الاحتياط علي ذلك في الصلاة و كثير من الأمور القصدية، كالصوم و الوضوء، و ليس هو كالاحتياط بقراءة القرآن برجاء المطلوبية، حيث يبتني غالبا علي الجزم بكونها قراءة للقرآن مع اختصاص التعليق بالامتثال. و حينئذ لا تتم الثمرة المذكورة.

إن قلت: بعض أدلة الحرمة الذاتية تقتضي عموم الحرمة لحال الاحتياط، فإن نصوص الاستظهار حيث تضمنت أن الاحتياط بترك الصلاة مع الشك في الحيض دلت علي مخالفة الصلاة للاحتياط و لو برجاء المطلوبية من جهة احتمال الحرمة، و إلا لكان الاحتياط بفعلها معه. و كذا صحيح خلف بن حماد، إذ لو تيسر لها الاحتياط بالصلاة لاحتمال كون الدم من العذرة- كما أفتي به فقهاء العامة- لم يكن الفحص لازما، و لم يكن ترك الصلاة مع الحيض مقتضي التقوي، بل الحكم بحرمة الصلاة مع الحيض الواقعي قد يكون تعريضا بالعامة و ردعا عما أفتوا به من الاحتياط لها بالصلاة برجاء عدم الحيض. بل قد يستفاد من موثقة مسعدة بن صدقة حرمة الإتيان لغير

ص: 14

______________________________

المتوضئ حتي بصورة الصلاة من دون نية أصلا، إذ لو لا ذلك لكان المناسب التنبيه عليه، لتأدي التقية به.

قلت: ذكرنا آنفا أنه لا يراد بالاحتياط في نصوص الاستظهار احتياط المكلف لإصابة الحكم الواقعي، بل التوثق لاحتمال الحيض مع التعبد بتمام أحكامه حتي ما خالف منها الاحتياط، لعدم بناء الشارع الأقدس علي إرجاع المرأة للاحتياط. بل علي التعبد بأحد الأمرين، فلا ينافي جواز الاحتياط لها لتحصيل الواقع المحتمل بالصلاة برجاء المطلوبية.

كما أن صحيح خلف لم يتضمن الأمر بالفحص، و إنما تضمن تنجز أحكام الواقع المردد بين الحيض و الطهر، و هو يقتضي التخيير بين الاحتياط و الفحص، في مقابل الاقتصار علي إحدي الوظيفتين من دون فحص، لا تعين الفحص و المنع من الاحتياط.

نعم، لو أشير في السؤال لفتوي فقهاء العامة بالاحتياط لكان جواب الإمام عليه السلام ظاهرا في الردع عنه، و حيث لم يشر إليه فيه فلا مجال لاستفادة الردع عنه في مورد الحديث- كما أشرنا إليه في أواخر المسألة الأولي- فضلا عن غيره من موارد الشك في الحيض.

و أما موثقة مسعدة فعدم التنبيه فيها للإتيان بصورة الصلاة من دون نية لا يدل علي حرمته من دون وضوء، كيف و لا يظن بأحد الالتزام بذلك، بل لعله لخروجه عن مفروض كلام السائل، أو لكونه بنفسه مرجوحا و لو مع الوضوء، كما يشهد به صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه، فصلي بهم، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغي له أن ينويها [صلاة] و إن كان قد صلي، فإن له صلاة أخري، و إلا فلا يدخل معهم. و قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» «1».

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

ص: 15

______________________________

و من هنا كان الظاهر عدم نهوض النصوص بحرمة الصلاة برجاء عدم الحيض إذا رجع إلي تعليق قصد الصلاة علي عدم الحيض، بحيث لا تكون معه صلاة، بل صورة صلاة.

و أما ما سبق من الجواهر من ردهم ما يذكر في بعض المقامات من الاحتياط بفعل العبادة بأنه معارض بمثله. فلعل جملة مما ذكروا رد لرد الاستدلال بالاحتياط علي لزوم الاقتصار علي المتيقن في التحيض مع البناء فيما زاد عليه علي الطهر، فيؤتي معه بالصلاة تعبدا بشرعيتها، لا برجاء مشروعيتها.

كما أن كون ترك الصلاة للحائض عزيمة إنما هو بمعني عدم مشروعيتها لها في مقابل مشروعيتها من دون وجوب، كمشروعية الصوم للذين يطيقونه، فلا يدل علي الحرمة الذاتية، فضلا عن تعذر الاحتياط علي تقديرها. و من هنا لا مجال لتوجيه الثمرة بما سبق.

و قد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه وجها آخر للثمرة، و هو أنه بناء علي الحرمة الذاتية تحرم العبادة علي الحائض مطلقا، سواء جي ء بها بقصد الأمر أم بداعي أنها عبادة بالذات من دون قصده، أما علي عدمها و تمحض الحرمة التشريعية فلا تحرم إلا إذا جي ء بها بقصد الأمر المستلزم للتشريع. و قد دفعه قدّس سرّه بأن الثمرة المذكورة موقوفة علي القول بثبوت العبادة الذاتية، و التحقيق عدمه و اختصاص منشأ انتزاع العبادية بالأمر بلحاظ كشفه عن ثبوت ملاك المحبوبية، و قصده مستلزم للتشريع مطلقا علي ما أوضحه قدس سرّه و أطال الكلام فيه. فراجع.

و الذي ذكرناه في محله من مبحث التعبدي و التوصلي أن العبادة هي كون الشخص في منتهي الخضوع للمعبود، بحيث يكون فانيا فيه. و لذلك مظهران:

ذاتي، و هو إطاعة أوامره و نواهيه علي نحو الانقياد له، و مقربيتها ذاتية. و عرفي، و هو الإتيان بأمور تباني العرف علي كونها مظهرا للخضوع و الفناء، كالركوع و السجود و التقديس و نحوها. و هو بطبعه يقتضي التقرب بلا حاجة إلي الأمر به ما لم يردع عنه

ص: 16

و يحرم عليها جميع ما يحرم علي الجنب مما تقدم (1).

(مسألة 16): يحرم وطؤها في القبل عليها و علي الفاعل (2)،

______________________________

كسائر الأمور العرفية القابلة للردع. فإن كان مرجع الردع إلي مجرد عدم صلوحه لأن يعبد المولي به كان النهي وضعيا موجبا لانسلاخ عنوان العبادة عنه، و إن كان مرجعه إلي النهي عن أداء العبادة به من دون ردع عما عليه العرف من كونه مظهرا لها كان النهي تكليفيا.

و كيف كان، فالعبادة بالمعني المذكور لا تحرم علي الحائض لا تشريعا و لا ذاتا، و إنما المحرم خصوص الصلاة بما هي ماهية خاصة مخترعة للشارع و عباديتها ليست ذاتية، و لا عرفية، بل متقومة بالتعبد بأمرها، فمع إتيان الحائض بها بقصد أمرها تحرم مطلقا، سواء كانت الحرمة ذاتية أم تشريعية.

و من هنا كان الظاهر انحصار الثمرة في أنه مع الاتيان بالعبادة للبناء علي عدم الحيض خطأ لا تكون محرمة واقعا بناء علي تمحض الحرمة في التشريعية، لعدم التشريع، و تكون محرمة بناء علي كونها ذاتية، فيستحق عليها العقاب لو كان البناء علي عدم الحيض لتقصير في مقدماته و لو مع الغفلة حين العمل. فلاحظ.

و يحرم عليها جميع ما يحرم علي الجنب.

(1) كما تقدم في أول الفصل، و تقدم الإشكال في مشاركتها للجنب في حرمة مس اسمه تعالي. كما تقدم في أحكام الجنب الإشكال في مشاركتها للجنب في لزوم التيمم للخروج من المسجد الحرام و مسجد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم.

مسألة 16: يحرم وطؤها في القبل عليها و علي الفاعل

(2) أما تحريمه علي الفاعل فهو المدعي عليه الإجماع من جماعة كثيرة جدا، و جملة منهم ادعوا عليه إجماع العلماء، بل في المسالك و الروض و كشف اللثام و الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم و عن جماعة أنه من ضروريات الدين التي يكفر مستحلها من دون شبهة.

و يقتضيه قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي

ص: 17

______________________________

الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّي يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1»، و النصوص الكثيرة المتجاوزة حد التواتر، و التي يظهر من جملة كثيرة منها المفروغية عن أصل الحكم، حيث وردت في فروعه، كتعيين وظيفة المستحاضة، و ما يحل للزوج من الحائض و كفارة الوطء، و تعزيره و غير ذلك.

هذا، و قد صرح جملة من الأصحاب بعموم الحكم للزوج و السيد. و هو الذي يقتضيه إطلاق الآية الشريفة و جملة من النصوص، بل كثير منها صريح في الزوج و بعضها صريح في السيد، كحديث عبد الملك بن عمرو أو موثق عبد الكريم بن عمرو: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أتي جاريته و هي طامث. قال: يستغفر ربه … » «2» و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي عند الكلام في وجوب الكفارة.

بل المناسبات الارتكازية تقضي بعدم خصوصية كل منهما و عموم الحكم حتي المزني بها كما صرح به بعضهم، فتتأكد الحرمة مع حيضها، كما لعله مقتضي إطلاق الآية الشريفة، حيث لا يبعد عدم صلوح قوله تعالي: وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰي يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ للمنع من انعقاد الإطلاق في الصدر بنحو يشمل من يحرم وطؤها، و لذا لا يظن من أحد دعوي منعه من شموله للمحلوف علي ترك وطئها. و لو صلح لذلك كفي عموم التعليل بأنه أذي في استفادة العموم.

و أما تحريمه عليها بمعني عدم جواز تمكينها فهو المصرح به في الغنية و المراسم و الوسيلة و جامع المقاصد و الروض و غيرها. و قد يظهر من تصريح جملة من الأصحاب بعدم ثبوت الكفارة عليها المفروغية عنه و ربما كان ما في المقنعة من وجوب إعلام المرأة الرجل بحيضها يبتني علي ذلك. و لعله لذا كان ظاهر الغنية دعوي الإجماع عليه، بل صريح الجواهر أنها كالرجل في الإجماع و الضرورة.

و قد استدل عليه في جامع المقاصد بقوله تعالي:

______________________________

(1) البقرة: 222.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 2. لكن الموجود في الطبعة الحديثة مضطرب السند.

ص: 18

______________________________

وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ «1».

و يشكل بأن التعاون علي الشي ء إنما يكون بالاشتراك فيه، كالتعاون علي غلق الباب و رفع الحجر، بنحو لا يصلح نسبة الفعل إلي واحد بعينه، و هو غير حاصل في المقام، لأن الأدلة إنما تضمنت حرمة الوطء الذي هو فعل الزوج، و ليس التمكين إلا مقدمة اعدادية له، فلا يصدق عليه إلا الإعانة، و لا دليل علي عموم حرمتها.

نعم، لو استلزمت الاعانة التشجيع علي الحرام حرمت، لفحوي ما دل علي وجوب النهي عن المنكر. و كذا يحرم الإكراه عليه، و إن كان المكره معذورا، علي ما ذكرناه في محله. لكنه لا ينفع مع غفلة الزوج أو نحوها مما يكون معه معذورا و غير مجبور. و لعله لذا حكي عن بعضهم احتمال جواز التمكين حينئذ، و في المستند أن عموم حرمة التمكين غير معلوم بعد أن كان الدليل عليه حرمة الإعانة علي الإثم.

و من هنا استدل عليه سيدنا المصنف بخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:

«سألته عن الرجل يطلق امرأته متي تبين منه؟ قال: حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها. قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: نعم، و لكن لا تمكن من نفسها حتي تطهر من الدم» «2». و دلالته و إن كان وافية إلا أن سنده محتمل للإرسال، حيث رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه أظنه محمد ابن عبد اللّه بن هلال أو علي بن الحكم عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم.

لكن لا يبعد ظهوره في أن المظنون هو كون الراوي محمد بن عبد اللّه و الموهوم كونه علي بن الحكم مع الجزم برواية أحد الرجلين له، لا أن المظنون كون الراوي أحد الرجلين مع احتمال كونه شخصا ثالثا، ليكون مرسلا. و حيث كان محمد بن عبد اللّه من رجال كامل الزيارة و علي بن الحكم ثقة، كبقية رجال السند، كان الاعتماد عليه قريبا جدا.

مضافا إلي تأيده بمعتبرة إسماعيل بن الفضل: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن

______________________________

(1) المائدة: 2.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب العدد من كتاب الطلاق حديث: 1.

ص: 19

بل قيل: انه من الكبائر (1). بل الأحوط وجوبا ترك إدخال بعض الحشفة

______________________________

رجل أتي أهله و هي حائض. قال: يستغفر اللّه و لا يعود. قلت: فعليه أدب؟ قال:

نعم، خمسة و عشرون سوطا ربع حد الزاني و هو صاغر، لأنه أتي سفاحا» «1»، و نحوه خبر محمد بن مسلم «2»، لظهورهما في كون الحرمة من سنخ حرمة السفاح التي يشترك فيها الرجل و المرأة.

كما قد يستفاد من قوله عليه السلام في صحيح خلف المتقدم: «فلتتق اللّه، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة و ليمسك عنها بعلها … » «3»، حيث لا يبعد ظهوره في كون إمساك بعلها عنها مقتضي تقواها للّه تعالي.

و كذا ما تضمن أن المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها و لا يقربها بعلها، أو أنها تستظهر ثم يأتيها بعلها، لظهوره في أن حرمة وطء الزوج لها من أحكامها التي لأجلها يجب عليها طريقيا الرجوع للوظيفة الظاهرية في الحيض، لا من الأحكام المختصة بالزوج التي يجب عليه فقط الرجوع فيها للوظيفة الظاهرية، و لو كانت هي اختيارها.

و لعله بلحاظ ذلك أو نحوه قال سيدنا المصنف قدس سره بعد ذكر خبر محمد ابن مسلم الأول: «و ربما يستفاد من غيره بعد سبر النصوص. و لا سيما بملاحظة مرتكزات المتشرعة من بنائهم علي حرمته عليها ذاتا، لا من باب المعاونة».

(1) كما في كشف اللثام. و هو الظاهر ممن حكم بكونه موجبا للفسق، كما في التذكرة و عن جماعة، بل نفي الريب فيه في المدارك، و نفي الإشكال فيه في الجواهر، لما تقدم في المسألة الثامنة و الشعرين من مباحث التقليد من أن ظاهر الأصحاب- كما هو صريح جملة منهم- عدم قدح الصغائر في العدالة.

هذا، و قد تقدم في المسألة المذكورة أن المعيار في كون الذنب من الكبائر عده منها في النصوص، أو ورود الوعيد عليه بالنار في الكتاب المجيد و السنة الشريفة، أو

______________________________

(1) الوسائل كتاب الحدود و التعزيرات باب: 13 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الحدود و التعزيرات باب: 13 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 20

أيضا (1).

______________________________

كونه أكبر أو مساويا لبعض أفراد أحد القسمين، و الكل غير ثابت في المقام.

نعم، قد يستفاد من معتبرة إسماعيل بن الفضل المتقدمة و خبر محمد بن مسلم أنه من سنخ السفاح الذي هو من الكبائر.

لكنه يشكل: بأن مقتضي تحديد تعزيره بأنه ربع حد الزاني كون حرمته بمرتبة ضعيفة بالإضافة إلي السفاح و إن كانت من سنخها، و من الظاهر أن مقتضي ما تضمن عدّ الزنا من الكبائر إرادة الزنا ذي الحرمة التامة، لا مطلق ما كان مسانخا له موضوعا أو حكما و إن لم يبلغ مرتبته. و لبعض ما ذكرنا تنظر فيه في المستند.

(1) ففي الجواهر أنه قد يظهر من كاشف الغطاء تعميم وجوب الكفارة لإدخال بعض الحشفة و قد استدل سيدنا المصنف قدس سره لعموم التحريم له بما تضمن النهي عن الإيقاب و الأمر باتقاء موضع الدم و الفرج و القبل و نحوها مما يشمل بإطلاقه إدخال بعض الحشفة. قال: «و اعتبار التقاء الختانين في وجوب الغسل للجنابة لا يوجب تقييد ما ذكر».

لكن ما تضمن النهي عن الإيقاب هو صحيح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها و لا يوقب» «1»، و هو ظاهر في الإيقاب في الدبر، لظهوره في الاستثناء مما بين الأليتين، و لأنه المحتاج للبيان، أما الإيقاب في القبل فوضوح تحريمه لأنه المتيقن من جميع الأدلة يغني عن التنبيه له، كما لا مناسبة لذكره بعد تحليل ما بين الأليتين.

و لزوم رفع اليد عنه لما دل علي انحصار الحرمة بالقبل- لو تم- لا يكون بحمله علي الإيقاب في القبل، بل بحمله علي شدة الكراهة. علي أنه لو حمل علي الإيقاب في القبل فوضوح حرمته قرينة علي عدم كون ذكره لبيان تحريمه ليكون له إطلاق يشمل

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 21

و أما وطؤها في الدبر فالأحوط وجوبا تركه (1).

______________________________

إدخال بعض الحشفة، بل للتأكيد علي اجتنابه مع المفروغية عن تحريمه، فلا يكون له إطلاق من هذه الجهة.

و منه يظهر الحال فيما تضمن اتقاء موضع الدم أو القبل أو الفرج، كيف و لو كان له إطلاق لكان اللازم حرمة مسه من دون إدخال أصلا، و لا يظن منهم البناء عليه أو فهمه من الأدلة. علي أن ظاهر جملة مما تضمن ذلك إرادة الحرمة من حيثية الموضع من جسد المرأة من دون نظر لكيفية المباشرة، ليشمل بإطلاقه المس أو إدخال بعض الحشفة، كما يناسبه وروده فيه جوابا عن السؤال عما يحل للرجل من الحائض، الظاهر في إرادة ما يحل من جسدها، لا من مباشرتها.

فيتجه الاقتصار في المباشرة علي المتيقن و هو إدخال تمام الحشفة، لأنه المعهود منها عرفا، بل شرعا، لكونه سبب الجنابة التي هي أظهر آثار المباشرة، مؤيدا بظهور نصوص دية قطع الذكر في كون الحشفة هي المعيار في أدائه لوظيفته، لجعل قطعها معيارا في ثبوت الدية كاملة «1». فتأمل جيدا.

(1) كأنه لدعوي دخوله في إطلاق الاعتزال في الآية الشريفة، و إطلاق الفرج المستثني مما للرجل من الحائض في جملة من النصوص الآتي بعضها. لكن سبق في مسألة الوطء في الدبر من مباحث الجنابة الإشكال في عموم الفرج للدبر، و لا سيما في المورد، لأن المناسب للحيض المنع عن موضعه لا غير.

بل في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض. قال: لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع» «2». فإن السؤال فيه و إن كان عن إتيانها فيما دون الفرج، إلا أن قوله عليه السلام: «إذا اجتنب ذلك الموضع» ظاهر في انحصار الحرمة بموضع واحد معهود، و ليس هو إلا القبل.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب ديات الأعضاء.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 22

______________________________

و به يخرج عن إطلاق الاعتزال في الآية الشريفة لو تم شموله للوطء في الدبر و لم ينصرف لخصوص الوطء في القبل، لمناسبة الحيض، و للتعليل بأنه أذي، و لا سيما مع معلومية عدم إرادة معناه الحقيقي المقابل لمطلق الاتصال و الملامسة.

و أظهر منه في ذلك مرسل ابن بكير عنه عليه السلام: «قال: إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقي موضع الدم» «1»، و حديث عبد الملك بن عمرو: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال: كل شي ء ما عدا القبل منها بعينه» «2». و إن أشكل الأول بالإرسال، و الثاني بعدم النص علي وثاقة عبد الملك، غاية ما ورد فيه أنه روي هو عن الصادق عليه السلام أنه يدعو له دعاء مهتم به «3»، و حجية الرواية فرع وثاقته.

فالعمدة في الجواز صحيح هشام بن سالم مؤيدا بالخبرين المذكورين. و لذا صرح بعضهم بالجواز، بل هو ظاهر جملة من الأصحاب، حيث خصوا التحريم بموضع الدم، و في الجواهر: «علي المشهور في الجملة شهرة كادت تكون إجماعا»، بل ظاهر التبيان و مجمع البيان الإجماع علي اختصاص التحريم بموضع الدم، و في الجواهر أنه ادعي هنا الإجماع المركب علي عدم الفصل بين الدبر و غيره مما بين السرة و الركبة عدا القبل.

نعم، سبق ظهور صحيح عمر بن يزيد في النهي عن الوطء في الدبر. و حمله علي الوطء في القبل بقرينة ما سبق بعيد. فلا بد إما من حمله علي الكراهة محافظة علي ما تضمن انحصار الحرمة بالوطء في القبل، أو إبقائه علي ظهوره في الحرمة مع حمل الحصر المذكور علي الحصر الإضافي في قبال الاستمتاع بظاهر الجسد، لانصراف الأسئلة إليه بعد كون الوطء في الدبر أمرا مغفولا عنه غير متعارف و لا معهود و الأول أنسب بملاحظة المناسبة الارتكازية بين الحكم و الموضوع و بالنظر لما سبق من الأصحاب.

و إن كان الأمر غير خال عن الإشكال.

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) رجال الكشي: 332 طبعة النجف الأشرف.

ص: 23

و لا بأس بالاستمتاع بغير ذلك (1)، و إن كره بما تحت المئزر مما بين السرة

______________________________

(1) هذا في الجملة مما لا إشكال فيه، فلا يجب اعتزالها رأسا إجماعا بيننا قد استفاضت دعواه في كلماتهم، بل في جملة منها أنه إجماعي بين المسلمين و أنه لا خلاف في جواز الاستمتاع بها فوق المئزر.

و النصوص به متظافرة قد تقدم بعضها و يأتي بعضها. و لأجل ذلك يلزم حمل الاعتزال في الآية الشريفة علي الكناية عن ترك الوطء في القبل أو مطلقا، لا علي المعني الحقيقي، لاستلزامه تخصيص الأكثر. و أما حمل المحيض فيها علي موضع الحيض- كما ذكره جماعة- فهو مخالف لظاهر الآية جدا، بل ظاهرها أنه مصدر ميمي بمعني الحيض، لأنه الذي يسأل عنه و يجهل حكمه، و المناسب للوصف بالأذي، و لجعله ظرفا للاعتزال، لا متعلقا له. كما أن ما قد يظهر من المنتهي من التفكيك بين صدرها و ذيلها، بحمل المحيض في الأول علي الحيض و الثاني علي موضعه، بعيد جدا.

هذا، و في صحيح عبد الرحمن أو موثقة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ما يحل له من الطامث؟ قال: لا شي ء حتي تطهر» «1». لكنه لا ينهض في قبال ما سبق.

و ربما حمل علي خصوص الوطء في القبل أو مطلقا. و هو بعيد، لاستبعاد السؤال عنه بعد كون تحريمه متيقنا من الآية و غيرها، كما أنه لا يناسب التركيب اللفظي للكلام.

و مثله حمله علي التقية، لما سبق من دعوي اتفاق المسلمين علي جواز الاستمتاع في الجملة. و من هنا كان الأقرب حمله علي الكراهة.

و مثله في ذلك موثق حجاج الخشاب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض و النفساء ما يحل لزوجها منها؟ قال: تلبس درعا ثم تضطجع معه» «2»، فإن الدرع هو القميص علي ما ذكره غير واحد من اللغويين. و لعله لذا أطلق في اللمعة كراهة الاستمتاع بغير القبل، و إن ذكر في الروضة أن المعروف من مذهب الأصحاب كراهة

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الحيض حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 24

و الركبة (1)، بل الأحوط استحبابا الترك.

و إذا نقت من الدم جاز وطؤها و إن لم تغتسل (2)، و لا يجب غسل

______________________________

ما بين السرة و الركبة لا غير.

(1) و لا يحرم علي المعروف من مذهب الأصحاب، و نسبه في المعتبر لجمهورهم، و في التذكرة و جامع المقاصد و الروض و محكي المختلف و غيره إلي المشهور، و في المنتهي إلي أكثر علمائنا، بل صريح الخلاف الإجماع عليه، كما هو ظاهر ما سبق من التبيان و مجمع البيان. و عن المرتضي التحريم.

و استدل له بصحيح الحلبي: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض و ما يحل لزوجها منها. قال: تتزر بإزار إلي الركبتين و تخرج سرتها، ثم له ما فوق الإزار» «1»، و قريب منه موثق أبي بصير «2».

لكن لا بد من حملهما علي الكراهة، للنصوص المتضمنة انحصار التحريم بالقبل- و قد تقدمت- و المتضمنة انحصاره بالفرج، كموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: ما دون الفرج» «3»، و غيره «4»، و صحيح عمر بن يزيد المتقدم المصرح بتحليل ما بين الأليتين، و معتبرة عمر بن حنظلة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين الفخذين» «5»، و لذا كان المعروف بين الأصحاب الكراهة.

بل قرب في الحدائق حمل الموثقين علي التقية، لأن العامة بين قائل بالحرمة و قائل بالكراهة. لكن لا مجال له بعد كون الكراهة مقتضي الجمع العرفي.

(2) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب المدعي عليه الإجماع صريحا في الانتصار و الخلاف و الغنية، و ظاهرا في التبيان و السرائر و مجمع البيان و كشف اللثام و محكي أحكام الراوندي، و عن شرح المفاتيح أنه لا قائل بالتحريم من الشيعة. لكن

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 2، 3، 4، 9، 7.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 2، 3، 4، 9، 7.

(5) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 2، 3، 4، 9، 7.

ص: 25

______________________________

نسب للمشهور في التذكرة و جامع المقاصد و محكي المختلف و غيره، و للأشهر في الروض و محكي الذكري، و للأكثر في المنتهي.

و قد نسبوا الخلاف للصدوق، و كأنه لقوله في الفقيه: «و لا يجوز مجامعة المرأة في حيضها، لأن اللّه عز و جل نهي عن ذلك فقال: وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰي يَطْهُرْنَ يعني:

بذلك الغسل من الحيض، و نحوه في المقنع و الهداية. إلا أنه صرح بعد ذلك في الفقيه و المقنع بالاكتفاء بغسل الفرج مع شبق الزوج، و في الهداية بالاكتفاء به مع استعجاله.

و هو يناسب حمل التعميم لما بعد الطهر قبل الغسل علي الكراهة، حيث يبعد جدا ارتفاع التحريم بالشبق و الاستعجال.

فما في محكي المختلف من نسبة المنع له إلا أن تغلبه الشهوة فيأمرها بغسل فرجها و يطؤها، بعيد. و أشكل منه ما في كلام غيره من نسبة المنع إليه من دون تنبيه إلي الاستثناء، مع تصريحه به.

و كيف كان، فيدل علي الجواز جملة من النصوص، كموثق علي بن يقطين عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: «سألته عن الحائض تري الطهر أيقع فيها [عليها.

يب. بها. صا] زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: لا بأس، و بعد الغسل أحب إلي» «1»، و موثق عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أو عن بعض أصحابنا عن علي بن يقطين عنه عليه السلام «2» «قال: إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» «3»، و مرسل عبد اللّه بن المغيرة عن العبد الصالح عليه السلام: «في المرأة إذا طهرت من الحيض و لم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتي تغتسل، و إن فعل فلا بأس به. قال: تمس الماء أحب إلي» «4».

نعم، في موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: سألته عن المرأة كانت طامثا فرأت

______________________________

(1) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 5.

(2) فقد رواه بالوجه الأول في الاستبصار، و بالثاني في التهذيب، فيكون مرسلا. لكنه لا يخلو عن بعد، لأن عبد اللّه بن بكير أعلي من علي بن يقطين طبقة، فكيف يروي عنه بواسطة، و لا سيما مع ما ذكره النجاشي من أن أصحابنا ذكروا أنه لم يرو علي بن يقطين عن الصادق (ع) إلا حديثا واحدا. (منه عفي عنه).

(3) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 26

______________________________

الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: لا حتي تغتسل. قال: و سألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين أ يحل لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ لا يصلح حتي تغتسل» «1»، و في موثق سعيد بن يسار عنه عليه السلام: «قلت له:

المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل، أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: لا حتي تغتسل» «2»، و قريب منهما ما يدل علي اعتبار التيمم عند عدم الماء و غيره مما يأتي.

لكن يتعين حملها علي الكراهة التي يدل عليها بعض نصوص الجواز. و ربما حملت علي التقية، لموافقتها للمشهور بين العامة، بل لم ينقل القول بالجواز مطلقا عنهم، و إنما حكي عن أبي حنيفة الجواز مع انقطاع الدم علي أكثر الحيض. و هو و إن كان قريبا إلا أن مقتضي الجمع العرفي الأول. علي أنه لا أثر له بعد ظهور بعض نصوص الجواز في الكراهة.

و أما الجمع بين الطائفتين بالتفصيل بين شبق الزوج و عدمه- كما سبق عن المختلف حكايته عن الصدوق- لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:

«في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيامها. قال: إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن تغتسل» «3». فهو بعيد جدا، لما أشرنا إليه من بعد ارتفاع التحريم بالشبق، خصوصا مع إمكان سد الحاجة بالتفخيذ و نحوه، فجعله دليلا علي الكراهة أنسب. و لا سيما مع إباء قوله عليه السلام في حديث ابن بكير: «إن شاء» عن الحمل المذكور. فلا مخرج عما ذكره الأصحاب.

هذا، و أما الآية الشريفة فعلي قراءة: «يطهرن» بالتشديد يتطابق الصدر و الذيل في الدلالة علي النهي عن الوطء قبل الغسل. و يتعين حمله علي الكراهة، لما تقدم من النصوص. و يختص بالتحريم قوله تعالي: فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ. و هو المناسب للتعليل بالأذي المختص ارتكازا بالحيض. و لا مانع من التفكيك بينه و بين

______________________________

(1) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 27

______________________________

ما بعده في الإلزام بعد أن كانا جملتين مختلفتي الموضوع.

و علي قراءته بالتخفيف يكون مقتضي مفهوم الغاية في الصدر عدم النهي عن الوطء قبل الغسل، و مقتضي مفهوم الشرط في الذيل النهي عنه. و ما في الروض من أن الطهر بالتخفيف حقيقة شرعية في الطهارات الثلاث، و هي مقدمة علي الحقيقة اللغوية. كما تري، لأن الذي يطلق علي الطهارات الثلاث هو الطهارة، لا الطهر، و إطلاق الطهارة عليها تابع لاصطلاح فقهي، لا لوضع شرعي. كيف و قد شاع في النصوص التي هي متأخرة عن الآية كثيرا إطلاق الطهر علي ما يقابل الحيض، تبعا لمعناه اللغوي و العرفي. و من هنا لا بد من الجمع بين الصدر و الذيل.

و من البعيد جدا تنزيل أحدهما علي الآخر بحمل الطهر في الصدر علي الغسل، أو حمل التطهر في الذيل علي انقطاع الدم، لعدم مألوفية كل منهما في الاستعمالات، و لظهور اختلاف هيئتهما في اختلاف معناهما.

و من هنا ربما يجمع بينهما بأحد وجهين:

أولهما: إلغاء مفهوم الغاية في الصدر، كي لا ينافي الذيل. و يتعين حملهما علي الكراهة، كما سبق في قراءة التشديد.

ثانيهما: حمل خصوص الذيل علي بيان ارتفاع مطلق المرجوحية و لو كانت تنزيهية، لا خصوص الحرمة، مع المحافظة في الصدر علي مفهوم الغاية و علي ظهوره في الحرمة تأكيدا لقوله تعالي: فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ.

و استقرب سيدنا المصنف قدّس سرّه الأول. لكن يبعد جدا إلغاء مفهوم الغاية، و لا سيما بعد ظهور سوق الجملة تأكيدا لما قبلها و مطابقته لمقتضي التعليل بالأذي.

و من هنا لا يبعد كون الأقرب الثاني. لو لم يكن هو الظاهر من الآية بنفسها مع قطع النظر عن النصوص المتقدمة، لما فيه من المحافظة علي خصوصية الحيض في الحكم المناسبة لأخذه في موضوعه، و لجعل الغاية الطهر، و لتعليله بالأذي، و لتعليل الذيل بما يناسب ارتفاع الكراهة أو حدوث الرجحان لا مجرد ارتفاع الحرمة،

ص: 28

______________________________

و هو قوله تعالي: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.

و أما ما يظهر من غير واحد من توجيه الآية بحمل التطهر في الذيل علي غسل الفرج أو الوضوء. فهو إنما ينفع لو قيل بوجوب أحدهما قبل الوطء، أما لو بني علي عدم وجوب أحدهما كان خروجا عن الظاهر من غير فائدة. فلاحظ.

بقي شي ء، و هو أنه لو تعذر الغسل ففي قيام التيمم مقامه في ارتفاع الحرمة أو الكراهة به- كما في الفقيه و في الدروس و جامع المقاصد و عن الذكري و ظاهر المنتهي- أو عدم قيامه مقامه، بل ترتفع الحرمة أو الكراهة من غير تيمم- كما يظهر من محكي نهاية الأحكام- أو لا ترتفع بالتيمم، وجوه:

و الأول مقتضي معتبرة أبي عبيدة الآتية و رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال: نعم» «1».

و هو مقتضي إطلاق قوله عليه السلام في موثق عبد الرحمن أو صحيحه في المستحاضة: «و كل شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» «2».

نعم، مقتضي موثق أبي بصير المتقدم الثالث. و قريب منه موثق عبد الرحمن أو صحيحه «3». لكن يتعين الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية علي الكراهة مع التيمم لو قيل بالحرمة بدونه، و علي خفتها لو قيل بالكراهة بدونه، كما يناسبه التعبير فيه بقوله عليه السلام: «لا يصلح». و هو المناسب أيضا لكون التيمم بدلا اضطراريا. و منه يظهر أن أضعف الوجوه الثاني. فلاحظ.

هذا، و لا مانع من إيقاع التيمم بداعي رفع كراهة الوطء أو حرمته، لأنه من الدواعي القربية الكافية في صحة الطهارات، علي ما تقدم نظيره في المسألة السابعة و التسعين من فصل غايات الوضوء. فراجع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 29

فرجها قبل الوطء (1)، و إن كان أحوط.

______________________________

(1) كما في ظاهر السرائر و صريح المعتبر و المنتهي و جامع المقاصد و محكي الذكري و البيان، كما هو الظاهر من كل من أهمل التعرض له، كما في الإرشاد و اللمعة و غيرهما، و كذا من لم يتعرض لحكم الوطء قبل الغسل و اقتصر علي تحريم وطء الحائض، كما في المبسوط و الاقتصاد و الشرائع، و نسبه في الروض لأكثر القائلين بجواز الوطء قبل الغسل، و في محكي شرح المفاتيح إلي المشهور.

خلافا لظاهر الأمر به في كلام جملة من الأصحاب، كما في المقنعة و النهاية و الغنية و المراسم و السرائر و القواعد و ما تقدم من الصدوق، بل هو صريح بعضهم، بل في كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر، و في مفتاح الكرامة أنه ظاهر أكثر كتب الأصحاب.

و يستدل له بصحيح محمد بن مسلم المتقدم و معتبرة أبي عبيدة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض تري الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة. قال: إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي. قلت: فيأتيها زوجها في تلك الحالة؟ قال: نعم، إذا غسلت فرجها و تيممت فلا بأس» «1».

و قد استشكل سيدنا المصنف قدّس سرّه في الصحيح بأنه إنما يكون ظاهرا في الوجوب لو كان من قبيل الأمر بالتبليغ، كي يكون الأمر شرعيا، و هو غير ظاهر، بل هو نظير أمر الولي الصبي بالعبادات. نعم، يدل علي الرجحان، و هو أعم من الوجوب.

كما استشكل فيهما معا بأن الحكم المشروط بغسل الفرج هو المشروط بشبق الزوج أو التيمم، و هو الجواز بلا كراهة أو مع خفتها، فلا يدل علي ثبوت الحرمة بدون غسل الفرج، بل المتيقن الكراهة، فلا مخرج عما تقتضيه المطلقات من عدم وجوب غسل الفرج.

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 30

______________________________

لكن الأول إنما يتوجه علي ما في المستند من دعوي وجوب غسل الفرج نفسيا، و الظاهر عدم إرادته في المقام و إن نسبه لبعضهم في المستند، بل المراد هو الوجوب العقلي لتحليل الوطء، نظير وجوب الغسل لمس المصحف، و لا ريب في ظهور الصحيح فيه، لأن تعقيب الأمر بغسل الفرج بالترخيص في الوطء ظاهر في توقف الترخيص عليه.

نظير ما ورد في وطء الرجل جاريته التي زوجها من عبده، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سمعته يقول: إذا زوج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها قال له: اعتزلها، فإذا طمثت وطأها … » «1»، فإن أمر العبد باعتزالها و إن لم يكن من قبيل الأمر بالتبليغ إلا أنه ظاهر في توقف حل وطء المولي للجارية عليه.

و أما الثاني فيندفع: بأن ظاهر الصحيح كون الشبق رافعا للكراهة أو مخففا لها من حيثية عدم الغسل مع توقف الحل حينئذ علي غسل الفرج، لا في أن الحل من دون كراهة موقوف علي كل من الشبق و غسل الفرج، كي يكون مجملا من حيثية ما يتوقف علي غسل الفرج، و أنه أصل الحل أو ارتفاع الكراهة.

مثلا إذا ورد: إن رأي الجنب مصحفا ملقي علي الأرض فليتوضأ ثم له رفعه قبل أن يغتسل، كان ظاهرا في توقف حل حمل الجنب للمصحف علي الوضوء، و إن كان تعرض المصحف للإهانة رافعا لكراهة حمل الجنب للمصحف.

علي أن الإشكال المذكور لو تم مختص بالصحيح الظاهر في رافعية الشبق للكراهة، لما سبق من استبعاد رافعيته للحرمة، و لا مجال له في حديث أبي عبيدة، لظهوره في توقف الحل علي كل من التيمم و غسل الفرج، و قيام الدليل الخارجي علي عدم توقفه علي التيمم، بل هو رافع للكراهة لا يوجب رفع اليد عن ظهوره في توقف الحل علي غسل الفرج. فتأمل.

فالعمدة في وجه حمل الحديثين علي الكراهة عدم التنبيه علي غسل الفرج في

______________________________

(1) الوسائل باب: 45 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 2.

ص: 31

(مسألة 17): الأحوط وجوبا للزوج دون الزوجة (1) الكفارة عن الوطء (2) في أول الحيض بدينار، و في وسطه بنصف دينار، و في

______________________________

النصوص الدالة علي عدم وجوب الغسل مع شدة الحاجة للتنبيه عليه. و إن كان في بلوغ ذلك حدّ القرينية إشكال.

نعم، التعبير بعدم مس الماء في حديث عبد اللّه بن المغيرة صالح للقرينية، لو لا الإشكال فيه بالإرسال. كما أن الظاهر من غسل الفرج هو تطهيره من نجاسة دم الحيض، و من البعيد جدا اعتبار ذلك في حلّ الوطء، و لذا لا يظن بأحد البناء علي وجوب تطهيره منه لو تنجس به بعد ذلك، و الفرق بين النجاسة المتصلة بالحيض و النجاسة الطارئة بعد النقاء بعيد جدا. إلا أن في صلوح ذلك لرفع اليد عن ظاهر الأمر في الحديثين و حمله علي الاستحباب إشكالا. فلا يترك الاحتياط.

هذا، و في التبيان حمل التطهر في الآية علي الوضوء، و ظاهره وجوبه قبل الوطء، بل ظاهره الإجماع عليه، و حيث كان مخالفا لظاهر الآية كان حملها عليه و التكليف به محتاجا إلي دليل، و هو مفقود. إلا أن يريد به غسل الفرج، لأنه المذكور في صدر كلامه، فيبتني علي ما سبق.

و مثله ما يظهر من مجمع البيان و عن أحكام الراوندي من وجوب أحد الأمرين من الوضوء و غسل الفرج، بل يظهر من الأول أنه إجماعي. و كذا ما عن محكي الجامع من وجوبهما معا.

مسألة 17 كفارة وطء الحائض
اشارة

(1) كما صرح به غير واحد و ادعي في الروض الإجماع عليه. لاختصاص النصوص بالزوج.

(2) حيث ذهب إلي وجوبها في الفقيه و الهداية و المقنع و المقنعة و التهذيب و الاستبصار و التبيان و الاقتصاد و طهارة المبسوط و إشارة السبق و الوسيلة و المراسم و السرائر و عن مصباح المرتضي و الجمل و العقود و الجامع و ظاهر كشف الرموز

ص: 32

______________________________

و الدروس و المسالك، و إن لم يتضح صدق النسبة للأخيرين، و جعله أحوط القولين في الشرائع، و أحوط الروايتين في النافع، كما جعل الوجوب احتياطيا في اللمعة.

و هو المشهور مطلقا كما في الدروس و الروض و كشف اللثام، و بين المتقدمين، كما في الحدائق، و مذهب الأكثر، كما في التذكرة و جامع المقاصد و محكي الذكري و شرح الجعفرية، بل في الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و في مفتاح الكرامة أنه قد يحصل اتفاق قدماء الأصحاب عليه.

لكن لا مجال له بعد حكاية الشيخ في نكاح المبسوط عن أصحابنا الخلاف و قول بعضهم بالاستحباب و اختاره فيه و في النهاية- في مبحث الحيض، و إن كان مقتضي إطلاقه في كتاب الكفارات الوجوب-، و جري عليه في المعتبر و التذكرة و المنتهي و الإرشاد و القواعد و الإيضاح و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المدارك و كشف اللثام و الوسائل و محكي التحرير و المختلف و التلخيص و حاشية الإيضاح و حواشي الشهيد و فوائد الشرائع و الجعفرية و الموجز و مجمع البرهان و شرح المفاتيح و ظاهر الذكري و البيان و غيرها، و في الحدائق أنه المشهور بين المتأخرين، و عن شرح المفاتيح نسبته لأكثرهم.

و منشأ ذلك اختلاف الأخبار، فقد تضمن جملة منها ثبوت الكفارة، كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في كفارة الطمث أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار. قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفر؟

قال: فليتصدق علي مسكين واحد، و إلا استغفر اللّه و لا يعود، فإن الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلي شي ء من الكفارة» «1»، و قريب مما في صدره مرسل المقنع «2»، بل لعله هو منقولا بالمعني.

و صحيح محمد بن مسلم: «سألته عمن أتي امرأته و هي طامث. قال: يتصدق بدينار و يستغفر اللّه تعالي» «3»، و خبره: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة و هي

______________________________

(1) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 33

______________________________

حائض قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار و في استدباره نصف دينار … » «1»،

و موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: من أتي حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به» «2»، و موثق الحلبي عنه عليه السلام: «في الرجل يقع علي امرأته و هي حائض ما عليه؟ قال: يتصدق علي مسكين بقدر شبعه» «3»، و صحيحه: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي حائض. قال: إن واقعها في استقبال الدم فليستغفر اللّه و ليتصدق علي سبعة نفر من المؤمنين بقوت كل رجل منهم ليومه، و لا يعد، و إن كان واقعها في إدبار الدم في آخر أيامها قبل الغسل فلا شي ء عليه» «4»، و مرسل علي ابن إبراهيم: «قال الصادق عليه السلام: من أتي امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه أن يتصدق بدينار، و عليه ربع حدّ الزاني خمسة و عشرون جلدة، و إن أتاها في آخر أيام حيضها فعليه أن يتصدق بنصف دينار و يضرب اثنتي عشرة جلدة و نصفا» «5».

كما تضمن بعضها نفي الكفارة، كصحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث. قال: لا يلتمس فعل ذلك و قد نهي اللّه أن يقربها.

قلت: فإن فعل أ عليه كفارة؟ قال: لا أعلم فيه شيئا، يستغفر اللّه» «6»، و موثق زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «سألته عن الحائض يأتيها زوجها قال: ليس عليه شي ء، يستغفر اللّه و لا يعود» «7»، و خبر ليث المرادي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقوع الرجل علي امرأته و هي طامث خطأ. قال: ليس عليه شي ء، و قد عصي ربه» «8».

و قد جمع الشيخ قدّس سرّه بين الطائفتين بحمل الأولي علي العلم بكون المرأة حائضا و الثانية علي الجهل بذلك بشهادة خبر ليث، بحمل الخطأ فيه علي ذلك، مدعيا أن الحكم فيه بأنه قد عصي ربه و الحث علي الاستغفار في الصحيح و الموثق لا ينافي ذلك، و لا يلزم بحملها علي العمد، إذ يمكن أن يكون بلحاظ تفريطه في ترك السؤال.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 22 من أبواب الكفارات حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 6.

(6) الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 1.

(7) الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 2.

(8) الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 34

______________________________

و يشكل ما ذكره بأن الفحص عن الموضوع غير لازم، خصوصا مع كون الحل مقتضي الاستصحاب، أما مع استصحاب الحيض فيجري حكم العمد.

نعم، يمكن حمل الحكم بالمعصية في الخبر علي إرادة المعصية الواقعية. و لعله أقرب مما ذكره سيدنا المصنف قدس سرّه من حمل الخطأ فيه علي الخطيئة. لكن تنزيل الصحيح و الموثق علي الخطأ بعيد جدا بعد كونه علي خلاف الأصل، و لا سيما مع الأمر فيهما بالاستغفار، و مع قوله في الصحيح: «لا يلتمس فعل ذلك و قد … » الذي هو كالصريح في صلوح النهي للداعوية، و لا يكون إلا مع العمد، و قوله في الموثق:

«و لا يعود» إذ لا معني للنهي عن العود في الخطأ و أبعد منه تنزيلهما بقرينة الطائفة الأولي علي نفي شي ء غير الكفارة، أو علي صورة عدم القدرة علي الكفارة، بل هما لا يناسبان السؤال عن ثبوت الكفارة في الصحيح.

و مثله الإشكال في الصحيح و الموثق بما في الجواهر من عدم مقاومتهما للإجماعات المتقدمة، و لا سيما مع إعراض من عرفت من الأصحاب عنهما. لاندفاعه بعدم حجية الإجماع المنقول في نفسه خصوصا ما كان منقولا في الكتب الثلاثة المتقدمة، لكثرة دعاواه فيها في مورد الخلاف، بل شيوعه. و لا سيما مع خروج الشيخ عليه الذي هو أحد نقلته و اعترافه باختلاف الأصحاب الظاهر في سبق الخلاف عليه.

كما لا مجال معه لدعوي الإعراض الموهن للخبرين مع اعتبار سنديهما.

و كذا الإشكال في الطائفة الأولي بأن ما عليه الفتوي منها و هي الرواية الأولي ضعيفة بالإرسال و غيره، لإمكان اندفاعه بانجبارها بعمل الأصحاب، و لا سيما مع ما في المنتهي من اتفاق الأصحاب علي صحتها و إن ضعف سندها، و إنما خلافهم في حملها علي الوجوب أو الاستحباب.

و دعوي: أنه يحتمل كون ذكر جماعة منهم لذلك لبنائهم علي الاستحباب الذي يتسامح في أدلته، و إنما لم ينبهوا لذلك لتعودهم علي الاقتصار علي ذكر مضامين النصوص.

مدفوعة: بمخالفة ذلك لظاهر جملة منهم و صريح آخرين، و لأن شيوع

ص: 35

______________________________

التحديد المذكور بينهم دون بقية التحديدات المذكورة في النصوص المعتبرة قد يوجب الوثوق باطلاعهم علي ما يوجب اعتبارها. فتأمل. و يأتي بقية الكلام في ذلك عند الكلام في مقدار الكفارة.

و من هنا كان الأقرب الجمع بين الطائفتين بحمل الأولي علي الاستحباب، كما يناسبه شدة الاختلاف بينها في مقدار الكفارة، بنحو يصعب الجمع العرفي بتنزيلها علي التفصيل الذي تضمنه الأول منها، بل يتعذر في بعضها. و لا سيما مع عدم ظهور الخبر المذكور في الوجوب، لوروده لبيان مقدار الكفارة مع المفروغية عن مشروعيتها، من دون أن يتضمن الأمر بها.

و لا وجه معه لحمل إحدي الطائفتين علي التقية، لأنه فرع استحكام التعارض، بل لا مجال له بعد اختلاف العامة، فقد حكي في التذكرة القول بالوجوب عن الحسن البصري و عطاء الخراساني و أحمد و الشافعي في القديم، و القول بالاستحباب عن سفيان الثوري و أصحاب الرأي و مالك و الشافعي في الجديد.

و منه يظهر أنه لو فرض استحكام التعارض كان المتعين التساقط و الرجوع للبراءة، لا ترجيح نصوص الوجوب، بدعوي مخالفتها للعامة. كما لا مجال لدعوي ترجيحها بالشهرة لأنها أكثر، لأنها ليست بالنحو الكافي في الترجيح، و لا سيما مع الاختلاف بينها في المقدار اختلافا يصعب أو يتعذر معه الجمع. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

هذا، و في طهارة المبسوط: «و هل الكفارة واجبة أو مندوب إليها؟ فيه روايتان، إحداهما- و هي الأظهر- أنها علي الوجوب، و الثانية: أنها علي الاستحباب».

و ظاهره دلالة بعض الروايات علي الاستحباب، و لم أعثر علي ذلك عدا ما عن دعائم الإسلام: «و روينا عنهم عليهم السلام: أن من أتي حائضا فقد أتي ما لا يحل له. و عليه أن يستغفر اللّه و يتوب إليه من خطيئته، و إن تصدق بصدقة مع ذلك فقد أحسن» «1»،

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الحيض حديث: 1.

ص: 36

آخره بربع دينار (1). و الأحوط وجوبا أيضا دفع الدينار نفسه مع

______________________________

بناء علي أن الذيل من تتمة الرواية لا من المؤلف. و ربما يحمل ما في المبسوط علي أن الاستحباب مقتضي الجمع بين النصوص كما ذكرنا، لا أنه مقتضي رواية خاصة دالة علي الرجحان من دون إلزام.

(1) كما جري عليه جمهور الأصحاب في بيان مقدار الكفارة سواء قيل بوجوبها أم باستحبابها، و ادعي جملة منهم الشهرة علي ذلك، و هو معقد الإجماعات المتقدمة المدعات علي الوجوب، و عن المهذب البارع دعوي الإجماع عليه أيضا، و ذكر في المعتبر اتفاق الأصحاب علي اختصاص رواية داود بن فرقد بالمصلحة الراجحة إما وجوبا أو استحبابا، و قال: «فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع، لا بالرواية، لأنه لو لا أحد الأمرين يلزم خروجها عن الإرادة، و هو منفي بالاتفاق».

نعم، يظهر التردد فيه من الصدوق، كما اعترف به في الجملة في المعتبر و غيره، فإنه و إن اقتصر في نكاح المقنع و الهداية علي ذلك، إلا أنه في الفقيه بعد أن ذكره قال: «و روي أنه إذا جامعها و هي حائض تصدق علي مسكين بقدر شبعه»، بل في طهارة المقنع قال: «و إذا وقع الرجل علي امرأة و هي حائض فإن عليه أن يتصدق علي مسكين بقدر شبعه. و روي: إن جامعها في أول الحيض … » ثم ذكر مضمون رواية داود بن فرقد. كما قد يظهر من اقتصار الكليني في نوادر الكفارات علي صحيح الحلبي فتواه بمضمونه.

و كيف كان، فالوجه فيما في المتن رواية داود بن فرقد مع تنزيل غيرها عليها، فينزل صحيح محمد بن مسلم علي أول الحيض، و موثق أبي بصير علي وسطه، و موثق الحلبي علي تعذر التصدق بالدينار و أبعاضه، حيث تضمنت رواية داود الاكتفاء حينئذ بالصدقة علي مسكين واحد.

و أما ما في التهذيب من حمل الموثق علي ما إذا كانت قيمته ما يبلغ الكفارة، فغريب.

ص: 37

الإمكان (1)،

______________________________

لكن لا يخفي بعد التنزيلات الأول أيضا كتعذر التنزيل في صحيح الحلبي و خبر محمد بن مسلم و مرسل علي بن إبراهيم. و هذا ما يؤيد ما سبق من كون الحكم استحبابيا. بل قد يقوي معه احتمال كون ذكر غير واحد من القدماء لمضمون رواية داود ليس لبنائهم علي وجوبه، بل لاستحبابه، و لم ينبهوا علي ذلك كما لم ينبهوا في كثير من المستحبات التي اثبتوها بلسان نصوصها التي قد تظهر بدوا في الوجوب، و إنما رجحوا رواية داود لأنها أقرب للاعتبار، لأن مبناهم علي التسامح في المستحبات.

و من هنا كان المناسب العمل بجميع النصوص و الجمع بينها بالحمل علي اختلاف مراتب الفضل أو التخيير، قال في محكي مجمع الفائدة و البرهان: «أن الظاهر من التكفير مطلق التكفير، مثل شبع شخص و عشرة، كما هو في بعض الروايات، و يكون المذكور مستحبا في مستحب».

(1) كما جزم به في جامع المقاصد و المسالك و المدارك، و هو ظاهر الروضة و عن غيرها. جمودا علي مفاد النص.

و يشكل: بأن إطلاق التكليف بالعناوين النقدية كالدينار و الدرهم و التومان و الليرة و غيرها ينصرف إلي إرادة المالية المحفوظة في النقد المسكوك المتداول في مورد تداول النقد المكلف به، لأنها الغرض النوعي من النقود المضروبة، بنحو يكون سببا لإلغاء خصوصياتها عرفا، فإذا كلف في زماننا بالدينار العراقي اجتزأ بدفع ما يساويه من نقد العراق، كنصفي دينار، و نصف و ربعين، و عشرين درهما و غيرها، لا من باب التبديل، بل لفهمها من الإطلاق. و يناسبه وروده في النص في سياق نصف الدينار و ربعه مع أن الظاهر عدم ضربهما في عصر الصدور. و حملهما علي التصدق بالكسر المشاع بعيد جدا، بل المفهوم ما ذكرنا.

و عليه لا يلزم الجمود علي الدينار، و لا التعدي لمطلق النقد، فضلا عن كل ما يساويه في القيمة و لو من غير النقد. و كأن هذا هو مراد جملة ممن وصف الدينار بما

ص: 38

و إلا دفع القيمة (1)

______________________________

يكون قيمته عشرة دراهم جياد، حيث وصفه بذلك جماعة كثيرة كالشيخين و العلامة و غيرهم، بل في جامع المقاصد أنه المعروف من مذهب الأصحاب، فلا يبعد أن يكون مراد جملة منهم جواز دفع الدراهم، لأنها بقدره في البلاد الإسلامية التي يتعارف فيها استعمال الدينار، كما احتمله منهم في كشف اللثام و نسبه صريحا للجامع، لا أن مرادهم تقييد الدينار بها بحيث لا يجب دفعه بتمامه لو زادت قيمته عليها، و لا يجزي لو نقصت قيمته عنها، فإنه بعيد جدا، و لا أن مرادهم مجرد تعريفه بذلك، لبيان وجوب كون الدينار ذهبا خالصا بوزن مثقال، لأن التصريح بذلك أخصر و أفيد.

و منه يظهر أنه لا مجال لما ذكره جماعة كثيرة من إطلاق عدم إجزاء دفع القيمة، و لا لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه و سبقه إليه في المنتهي و محكي التحرير و نهاية الأحكام من الاكتفاء بالذهب غير المسكوك. قال قدّس سرّه: «إذا كانت قرينة السياق مانعة من حمل الدينار علي خصوص المسكوك يدور الأمر بين حمله علي القيمة و حمله علي المقدار من الذهب، و الثاني أولي، لأنه أقرب إلي الحقيقة و إلي الاحتفاظ بخصوصية الذهب، فيكون هو المتعين».

و فيه: أن الأقربية للحقيقة و الاحتفاظ بخصوصية الذهب لا تصلح قرينة في المقام ما لم ترجع للأقربية ذهنا، و هي ممنوعة بعد ما ذكرنا. و أضعف منه ما في المنتهي من تناول الاسم للذهب المضروب و غيره. لأن اختصاصه بالمضروب من الواضحات، و التعدي لما ذكرنا للخصوصية التي أشرنا إليها آنفا، لا لعموم الاسم له.

(1) قال سيدنا المصنف قدّس سرّه بعد أن جزم بعد إجزاء القيمة اختيارا: «ثم إنه لو تعذر الدينار فلا كلام في الاجتزاء بالقيمة، و العمدة فيه الإجماع المذكور. و لو لاه أشكل الحكم، لأن قاعدة الميسور علي تقدير تماميتها كلية فاقتضاؤها وجوب القيمة غير واضح، لعدم صدق الميسور علي القيمة».

و ما ذكره قدّس سرّه في محله، لأن قيمة الشي ء ارتكازا بدل عنه لا ميسور منه. علي أن

ص: 39

وقت الدفع (1).

______________________________

القاعدة غير تامة، كما أشرنا إليه غير مرة.

هذا، و في جامع المقاصد: «و مع تعارض القيمة و التبر يحتمل التخيير، و ترجيح التبر لقربه من المنصوص».

و فيه- مع ما سبق من الإشكال في الترجيح بالقرب من المنصوص-: أن التبر و إن كان أقرب من حيثية الماهية و الحقيقة، إلا أن القيمة أقرب من حيثية المالية، التي هي أنسب ارتكازا بالملاحظة في أمثال المقام مما يكون التكليف فيه بالمال، بل حيث كان أصل التعدي عن الدينار مع تعذره من جهة الإجماع فالظاهر من حال المجمعين تعين القيمة، و إنما ذهب من ذهب للاكتفاء بالذهب لتخيل كونه في عرض الدينار، كما سبق. فتأمل.

نعم، يقع الكلام في الاجتزاء بكل ما يساوي الدينار في المالية أو بخصوص النقد، قد ينسب لظاهر كلماتهم الأول. لكنه لا يخلو عن إشكال، لانصراف القيمة إلي النقد دون غيره بل هو مساو للمضمون في القيمة، لا قيمة له. و لا أقل من لزوم الاقتصار علي المتيقن. اللهم إلا أن يدعي أن المرجع البراءة، بناء علي ما يأتي من احتمال التكليف بالقيمة مع التعذر، لا بالدينار و القيمة مسقطة له. فتأمل.

هذا، و بناء علي ما سبق منا يتجه التخيير بين الدينار الذهب المضروب و الدراهم، و مع تعذرهما- كما في عصورنا- ينتقل للقيمة بالنقد، و المتيقن الاقتصار علي نقد البلاد التي تدفع بها الكفارة أو تجب فيها- علي ما يأتي نظيره في وقت القيمة- أما نقد غيرها فهو فيها كسائر أفراد العروض الأخري، فيجري فيه ما سبق فيها.

(1) لأنه وقت الانتقال إليها، بناء علي ما هو الظاهر من إمكان انشغال الذمة وضعا- الذي هو بمعني الضمان- بالمتعذر، بلحاظ إمكان تفريغها ببدله. إلا أن يدعي أن مرجع الأمر بالكفارة ليس إلي انشغال الذمة بها وضعا، بل إلي وجوب أو استحباب دفعها تكليفا، و حيث يمتنع التكليف بالمتعذر يتعين الانتقال للقيمة المستلزم لوجوب قيمة

ص: 40

نعم لا شي ء علي الساهي، و الناسي (1)،

______________________________

وقت التعذر لو كان متأخرا عن التكليف و قيمة وقت التكليف لو كان متأخرا عن التعذر.

هذا، و حيث كان الدينار الشرعي مساويا للمثقال الشرعي الذي سبق تحديده في مبحث الكر كان اللازم مراعاة قيمته، و المعيار فيها علي قيمة الذهب المقدر بذلك.

و لا مجال لملاحظة قيمة بعض الدنانير الأثرية- التي هي عالية جدا- لأن نسبة القيمة إليها ليس بلحاظ كونها دينارا، بل بلحاظ قدمها و أثريتها، و الظاهر خروج ذلك عن مقام التقدير في الماليات. بل لا يبعد عدم وجوب دفعها مع التمكن منها، لانصراف الدينار إلي ما يتعامل به. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) فقد صرح بعدم وجوبها مع النسيان في التذكرة و المنتهي و المسالك، و هو مقتضي التقييد بالعلم و العمد في المبسوط و الشرائع و الدروس، بل الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم و إن قصرت عنه بعض عباراتهم. لانصراف إطلاق الكفارة إلي كونها عقوبة علي الذنب أو مسقطة له كالتوبة، فيقصر عما لو لم يكن الفاعل مسئولا به لعذر من نسيان أو نحوه، و لعله إليه يرجع استدلال بعضهم بحديث رفع النسيان، لأن المرفوع به ما هو من سنخ المسؤولية و شئونها، كالعقاب و نحوه، دون غيره من الآثار.

و لا ينافي ذلك ثبوت الكفارة في قتل الخطأ و الصيد خطأ في الإحرام، لأن قيام الدليل الخاص علي شي ء لا ينافي انصراف الإطلاق عنه. بل لعل السقوط مقتضي إطلاق الخطأ في خبر ليث المتقدم بناء علي ما سبق في الاستدلال به. مضافا إلي اختصاص أكثر نصوص المقام بصورة تحقق المعصية، للأمر فيها بالاستغفار، و تضمنها أنه توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلي شي ء من الكفارة، لوضوح أن الاستغفار و التوبة من شئون الذنب الذي يسأل به.

بل رواية داود بن فرقد التي هي دليل الأصحاب في المقام، واردة في مقام بيان مقدار الكفارة بعد الفراغ عن مشروعيتها، لا في مقام تشريعها، ليكون لها إطلاق يقتضي تشريعها مع السهو و النسيان. فلاحظ.

ص: 41

و الصبي (1)، و المجنون (2)، و الجاهل بالموضوع (3)، بل بالحكم (4) إذا

______________________________

(1) كما في المنتهي و التذكرة، بل في الأول دعوي الإجماع عليه. و الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم. لما سبق في السهو و النسيان. مضافا إلي حديث رفع القلم، حيث يخرج به عن عموم وجوب الكفارة لو تم، بناء علي ما أشرنا إليه في تعيين وقت القيمة من أن وجوبها تكليفي لا وضعي، بل و إن كان وضعيا بناء علي ما هو الظاهر من عموم حديث رفع القلم للوضعي إذا كان من سنخ المسؤولية و شئونها، كنفوذ العقد. و وجوبها عليه بعد البلوغ يحتاج إلي دليل، لظهور نصوصها في وجوبها بمجرد الوطء من دون فصل.

(2) الكلام فيه هو الكلام في الصبي.

(3) و هو كون المرأة حائضا، كما صرح به في المقنعة و التهذيب و الاستبصار و الخلاف و التذكرة و المنتهي و ظاهر المسالك، و هو مقتضي التقييد بالعمد ممن سبق، و بالعلم بحالها في الروض و كشف اللثام، بل لعله لا إشكال فيه بينهم، بل ظاهر الخلاف نفي الخلاف فيه. و الوجه فيه ما سبق في الساهي و الناسي.

(4) و هو حرمة وطء الحائض، فقد أطلق سقوط الكفارة مع الجهل بذلك في الخلاف و التذكرة و المنتهي. و هو مقتضي التقييد بالعلم ممن سبق، كما هو المحكي عن الجامع و التحرير و نهاية الأحكام و المختلف الذكري، و ظاهر الخلاف نفي الخلاف فيه، و عن الهادي أنه إجماعي.

و يقتضيه ما سبق في الساهي و الناسي من انصراف إطلاق الكفارة إلي صورة المسؤولية بالذنب و المؤاخذة عليه، مؤيدا باختصاص جملة من نصوصها بذلك، لاشتمالها علي الاستغفار و التوبة. لكنه يختص بما إذا كان الجهل عذرا، كما قيده به في المتن، دون ما لو كان عن تقصير.

إلا أن يتمسك لإطلاق سقوط الكفارة مع الجهل بالإجماع المتقدم، و بما سبق التنبيه عليه من عدم الإطلاق في رواية داود التي هي دليل الأصحاب في المقام، حيث

ص: 42

كان عن عذر. و لو وطأ السيد أمته في الحيض فالأحوط وجوبا أن يتصدق بثلاثة أمداد (1)

______________________________

يلزم الاقتصار معه علي المتيقن. و لا يهم إطلاق غيرها بعد عدم العمل به و صعوبة تنزيله علي مفادها أو تعذره، كما سبق فتأمل.

و أما مع الجهل بثبوت الكفارة و العلم بالتحريم فظاهرهم ثبوت الكفارة، و هو قريب جدا، لمناسبته لما عرفت من كون الكفارة من شئون المسؤولية بالذنب. و لا يهم معه ما ذكرناه من عدم الإطلاق في رواية داود بعد الإشارة فيها للجهة المذكورة التي لا دخل فيها ارتكازا للعلم بثبوت الكفارة، و ليس هو كالعلم بحرمة الوطء، حيث يكون الجهل بها موجبا لتخفيف الذنب و إن كان عن تقصير، فلا يبعد سقوط الكفارة به. فافهم.

هذا، و في مفتاح الكرامة: «و أما التفصيل بالمضطر و غيره و الشاب و غير- كما قاله الراوندي- فلا عبرة به. و هو في محله. إلا أن يراد بالاضطرار ما يرفع الحرمة، فيتجه سقوط الكفارة لما سبق.

(1) كما في المقنع و الهداية و الفقيه و المقنعة و الانتصار و السرائر و الوسيلة و محكي كشف الالتباس، و نفي في السرائر الخلاف فيه، و ادعي في الانتصار أنه إجماعي، و صريحه كمحكي كشف الالتباس الوجوب، كما هو ظاهر غيرهما، بل في كشف اللثام أنه ظاهر أكثر من ذكره.

و صرح بالاستحباب في المعتبر و المنتهي، كما لعله الظاهر ممن صرح باستحباب التكفير بوطء الزوجة بالدينار و نصفه و ربعه، كما في النهاية و القواعد و محكي نهاية الأحكام و التحرير و البيان، بل عدم الوجوب كالصريح من جامع المقاصد و الروض.

و قد يظهر من إطلاق جملة منهم مشاركة الأمة للزوجة في التكفير بالدينار و نصفه و ربعه، بل هو كالصريح من الشيخ في التهذيبين، حيث حمل ما تضمن التصدق علي عشرة مساكين في الأمة علي ما إذا كان في آخر الحيض، فيحسن توزيع الربع دينار عليهم.

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من قيام الإجماع علي انتفاء الكفارة بذلك في

ص: 43

______________________________

الأمة غير ظاهر، كيف و في حاشية المدارك نسبته للمشهور.

هذا، و قد استدل في الانتصار لوجوب الأمداد الثلاثة بعد الإجماع بإطلاق ما تضمن الأمر بفعل الخير و الطاعة، الذي لا يمنع من الاستدلال به الخروج عنه في بعض الموارد. لكن لا مجال لدعوي الإجماع بعد ما سبق. و عموم الأمر بفعل الخير لما كان استغراقيا- كما هو مبني الاستدلال- فلا مجال لحمله علي الوجوب المولوي لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن، بل يحمل علي الاستحباب. أو الإرشاد الذي هو المتعين في أوامر الطاعة.

نعم، في الرضوي: «و إن جامعت أمتك و هي حائض فعليك أن تتصدق بثلاثة أمداد من الطعام» «1». بل من البعيد جدا فتوي الأصحاب بمثل هذا الحكم التعبدي من دون رواية به.

لكن ضعف الرضوي و عدم العثور علي الرواية و النظر في لسانها مانع من الاستدلال بهما. و احتمال اعتمادهم علي الرضوي بعيد جدا، لعدم ظهوره إلا في العصور المتأخرة. بل ذكرنا في بعض مواضع هذا الشرح إلي أن بعضه أشبه بكلام الفقهاء منه بكلام الأئمة عليهم السلام و إن كانت موافقة الصدوق له في كثير من الموارد و الخصوصيات التي قد ينفردان بها قد تكشف عن اطلاعه و اعتماده عليه، أو أخذهما من مشرب واحد.

و قد يستدل لمشاركة الأمة للزوجة في الدينار و نصفه و ربعه بإطلاق بعض ما سبق في الزوجة و بعضه و إن كان مختصا بالزوجة إلا أن خصوصيتها ملغية عرفا، لقضاء المناسبات الارتكازية بأن الكفارة لحيثية حرمة الوطء. و يشكل بأن عمدة الدليل علي التفصيل المذكور هو رواية داود بن فرقد، التي سبق أنها واردة لتحديد الكفارة بعد الفراغ عن مشروعيتها، فلا إطلاق لها يقتضي مشروعيتها بوطء غير الزوجة فضلا عن وجوبها.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الحيض حديث: 1.

ص: 44

______________________________

نعم، لو علم بثبوت الكفارة في الأمة كان مقتضي إطلاق الرواية المذكورة أنها بالمقدار الذي تضمنته، لكن لا طريق للعلم بذلك. و أما الاستدلال عليه بإطلاق قوله عليه السّلام في موثق أبي بصير السابق: «من أتي حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به»، كما هو مقتضي إطلاق خبر محمد بن مسلم المتقدم المتضمن للتفصيل في الدينار و نصفه بين استقبال الحيض و استدباره. فهو لا يخلو عن إشكال، لصعوبة تنزيل الموثق علي مفاد الرواية، و امتناع تنزيل الخبر عليه، كما سبق، فمبني الاستدلال بالرواية علي طرحهما، و معه كيف يستدل بإطلاقهما في المقام.

و أما إلغاء خصوصية الزوجة فهو يحتاج إلي لطف قريحة، خصوصا مع ظهور القول بالفرق بينها و بين الأمة.

هذا كله مع أن النصوص النافية للكفارة و إن اختصت بالزوجة إلا أنها تصلح لرفع اليد عن ظهور نصوص الكفارة في الوجوب حتي في الأمة- لو تم شمول إطلاقها لها- لأن حملها علي خصوص الأمة بعيد جدا، و علي التفصيل بينها و بين الزوجة في الوجوب و الاستحباب متعذر عرفا.

و لا سيما مع ما رواه الشيخ بطريق معتبر في الاستبصار عن عبد الكريم بن عمرو الموثق، و في التهذيب عن عبد الملك بن عمرو الذي لا يخلو عن مدح: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أتي جاريته و هي طامث. قال: يستغفر اللّه ربه. قال عبد الكريم [عبد الملك]: فإن الناس يقولون: عليه نصف دينار أو دينار. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فليتصدق علي عشرة مساكين» «1». فإنه كالصريح في عدم وجوب الدينار و نصفه. بل اقتصاره عليه السلام أول الأمر علي الاستغفار و عدم ذكره للصدقة إلا بعد ذكر الراوي ما يقوله الناس ظاهر جدا في عدم وجوب الصدقة أيضا. بل قد يكون ذكر الصدقة علي عشرة مساكين مماشاة للناس في الجملة. لا لاستحبابها شرعا.

و لعله لذا لم يذكرها الأصحاب. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 45

من الحنطة أو الشعير (1) علي ثلاثة مساكين (2).

______________________________

هذا، و قد استظهر منه سيدنا المصنف قدس سرّه كون الصدقة بعشرة أمداد. و كأنه لبعد إرادة الإطلاق المستلزم للاكتفاء بمسمي الصدقة، و صلوح معهودية الصدقة علي المسكين بمد في كثير من الموارد للقرينية علي إرادته هنا.

(1) لم يتضح الوجه في الاقتصار عليهما مع إطلاق الطعام في الفتوي و الرضوي و معقد الإجماع و نفي الخلاف في الانتصار و السرائر.

(2) كما في المقنعة و النهاية و عن المهذب و الجامع، و هو داخل في معقد الإجماع المدعي في الانتصار، و معقد عدم الخلاف المدعي في السرائر. و ينحصر الدليل عليه بذلك، و إلا فالرضوي خال عنه. و دعوي: أن ذلك هو المنسبق من إطلاقه، غير ظاهرة.

بقي في المقام أمور..
الأول: الظاهر عدم الفرق في الأمة بين القنة و المدبرة و أم الولد و المكاتبة

التي لم يتحرر منها شي ء، كما صرح به بعضهم، و هو مقتضي إطلاق غيره. لإطلاق الرضوي و معقد الإجماع المتقدم. بل يجري ذلك في المزوجة إذا وطأها مالكها، كما صرح به في الروض. اللهم إلا أن يكون الدليل هو الإجماع دون الرضوي، حيث تخرج عن المتيقن منه، لأنها بحكم الأجنبية، و ليست كأحد الأقسام المتقدمة، فيتعين ابتناء حكمها علي ما يأتي في غير الزوجة و الأمة.

و كذا الحال في المبعضة بناء علي حرمة وطء مالك البعض لها مطلقا، و في المشتركة و إن قيل بجواز وطئها لأحد الشركاء بتحليل الباقي- كما تضمنته بعض النصوص «1» - لخروجهما عن عنوان الزوجة و الأمة معا. و أما لو قيل بجواز وطء المبعضة بالمهاياة في يومه و بالتمتع في يومها- كما تضمنه النص المذكور أيضا- فلا ينبغي التأمل في لحوق حكم وطء المتمتع بها مع وطئها في يومها بالتمتع.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 1.

ص: 46

______________________________

و أما وطؤها بالمهاياة في يومه فقد يدعي جريان حكم الأمة فيه، لأنه و إن لم يصدق عليها الأمة إلا أن ظاهر النص الدال علي جواز الوطء كونه من باب وطء المملوكة، فيجري عليه حكمه.

لكنه يشكل بأن التصدق بثلاثة أمداد ليس من أحكام وطء المملوكة، بل هو حكم من وطأ أمته، الذي لا يصدق في المقام. بل لو فرض صدقه فحيث يحتمل انحصار الدليل عليه بالإجماع الذي يخرج المقام عن المتيقن منه، كان المتعين التوقف عن إجرائه فيه، و الرجوع فيه لحكم وطء غير الزوجة و الأمة، نظير ما تقدم في الزوجة إذا وطأها مالكها. و كذا الحال في المحللة، لأن وطأها و إن أمكن أن يكون من باب وطء مالك اليمين بنحو من التعمل، إلا أنه ليس وطأ لأمته. فما عن ظاهر كشف الغطاء من عموم حكم الأمة لها غير ظاهر.

الثاني: الظاهر عدم الفرق في الزوجة بين الحرة و الأمة و الدائمة و المنقطعة،

كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب و صرح به غير واحد، بل لعله لا إشكال فيه بينهم، لأن الظاهر دخول الزوجة بأقسامها في المتيقن من رواية داود بن فرقد، و إن لم يكن لها إطلاق من هذه الجهة، كما تقدم. و لا سيما مع دخولها في إطلاق بقية نصوص الكفارة و إن لم يعول عليها في تحديدها. فتأمل.

الثالث: لو لم تكن الموطوءة زوجة و لا أمة

- كالمزني بها و الموطوءة شبهة- فلا إشكال في عدم وجوب التكفير بثلاثة أمداد، لاختصاصه بوطء الأمة، و هل يجب بالدينار و نصفه و ربعه، كما في المنتهي و الحدائق و محكي الذكري و غيرها، أو لا كما قواه بعض الأعاظم قدس سرّه؟

وجهان مبنيان علي ما تقدم عند الكلام في حكم الأمة من استفادة العموم لغير الزوجة من نصوص التكفير المذكور و عدمها. و أما الاستدلال لوجوب التكفير لو لم يتم العموم بالأولوية في المزني بها، لتأكد الحرمة فيها، فلا يخلو عن إشكال، خصوصا مع ما في الروض و غيره من احتمال كون الكفارة مسقطة للذنب، فلا يتعدي للأقوي،

ص: 47

______________________________

لأنه بتفاحشه قد لا يقبل التكفير، كما مثل له في الحدائق بالصيد ثانيا.

و مثله ما في الجواهر من التوقف في وجوب الكفارة حتي لو تم الإطلاق في النصوص، بدعوي: الشك في شموله لنحو المقام. و كأن مراده انصراف الإطلاق عنه. لكنه بدوي لا يعتد به.

الرابع: الظاهر عدم الإشكال في جواز دفع كفارة وطء الزوجة لمسكين واحد،

و به صرح جماعة، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه». لإطلاق النصوص.

لكن في العروة الوثقي بعد الفتوي بذلك: «الأحوط صرفها علي ستة أو سبعة مساكين» و عن نجاة العباد الاحتياط بالسبعة أو بالعشرة. و ذكر سيدنا المصنف قدس سرّه أن وجه الاحتياط بالسبعة صحيح الحلبي المتقدم في نصوص الكفارة، ثم قال: «لكن ينبغي حينئذ أن يكون مقدار ما يكفي لكل منهم قوت يومه، كما قيد به فيه».

و هو موقوف علي أن مفاد الصحيح جواز دفع قيمة القوت، لا عينه، أو علي أنه يجوز دفع عين القوت بدل الدينار في الكفارة، و الثاني ممنوع، كما تقدم، و الأول مشكل. مع أن الصحيح مختص باستقبال الحيض. و أما الاحتياط بالستة فقد ذكر سيدنا المصنف قدس سرّه أنه غير ظاهر الوجه.

و أما الاحتياط بالعشرة فقد وجهه قدس سرّه بالنص المتقدم في الأمة. لكنه- مع اختصاصه بالأمة- قد تقدم احتمال ظهوره في التصدق علي كل مسكين بمد، فيشكل الاحتياط المذكور بنظير ما تقدم في صحيح الحلبي.

نعم، أشرنا آنفا إلي أن الشيخ قدس سرّه في التهذيبين حمل النص المذكور علي ما إذا كان الوطء في آخر الحيض و كان ربع الدينار مساويا لمقدار الصدقة علي عشرة مساكين.

و لو تم وجب توزيع ربع الدينار عليهم. لكن ظاهره في التهذيب حمل التوزيع فيه علي الاستحباب. و لم يتضح وجهه، لأن ما سبق منا في وجه عدم حمل النص المذكور علي الوجوب إنما يرجع إلي عدم وجوب التصدق الذي تضمنه- و المفروض في كلامه وجوبه- و لا ينافي لزوم التوزيع في الصدقة التي تضمنها- مستحبة كانت أو واجبة- كما هو

ص: 48

______________________________

ظاهر النص. فالعمدة أن أصل الحمل المذكور في كلامه ليس عرفيا، بل هو بعيد جدا.

بل لما كان واردا في الأمة كان اللازم الاقتصار علي مورده، و العمل بإطلاق الصدقة فيه، أو حمله علي الصدقة علي كل مسكين بمدّ، لما سبق.

الخامس: قال في العروة الوثقي: «وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم. لكنه أحوط».

و قال سيدنا المصنف قدس سره: «لابتنائها علي حرمة وطئها في الدبر، و قد تقدم منه الإشكال فيه».

و لا ينبغي التأمل في عدم وجوب الكفارة بناء علي جواز وطء الحائض في الدبر، حيث تقدم أن منصرف الكفارة كونها من شئون الذنب، و لا سيما مع اشتمال بعض نصوص الكفارة علي التوبة و الاستغفار. و أما بناء علي حرمته فقد يستشكل في وجوب الكفارة به، و لعله المراد في العروة الوثقي، لدعوي: انصراف إطلاق النصوص عنه، بل قد خص في مرسل علي بن إبراهيم بالإتيان في الفرج، و سبق عدم الإطلاق في رواية داود بن فرقد التي هي دليل الأصحاب في المقام. فتأمل.

هذا، و أما إدخال بعض الحشفة فالظاهر ابتناء ثبوت الكفارة به علي حرمته.

السادس: حكي في الجواهر عن ظاهر كشف الغطاء تعميم وجوب الكفارة لما إذا كانت المرأة ميتة،

و به أفتي في العروة الوثقي و أقره غير واحد من محشيها. و يظهر من الجواهر دعوي انصراف الإطلاق عن الميتة. لكن التحقيق قصوره عنها، لعدم صدق الحائض عليها، و إنما يحرم وطؤها لبينونتها بالموت كما لو لم تكن حائضا.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدس سرّه من استصحاب حرمة الوطء إلي حال الموت، لبقاء الموضوع عرفا، فإذا ثبتت الحرمة ثبتت الكفارة، لأنها تابعة لها. فيشكل- مضافا إلي المنع من بقاء الموضوع في المقام و غيره من موارد استصحاب الأحكام التكليفية، علي ما ذكرناه غير مرة في هذا الشرح- بأنه لا شك في حرمة الوطء و إن تبدل الموضوع، لما ذكرناه من بينونتها بالموت.

و لا مجال لاستصحاب خصوصية الحرمة من حيثية الحيض، لعدم الأثر لها،

ص: 49

______________________________

لأن وجوب الكفارة ليس من آثار حرمة الوطء شرعا، بحيث تكون مأخوذة في موضوعه، بل هما متلازمان في الجملة خارجا.

نعم، قد يتمسك بالاستصحاب التعليقي لوجوب الكفارة بالوطء، فيقال:

كانت لو وطئت لوجبت الكفارة فهي كما كانت. لكن التحقيق عدم جريان الاستصحاب التعليقي، كما أشرنا إليه في غير موضع من هذا الشرح. و لسيدنا المصنف قدس سرّه تتمة لهذا الكلام لا مجال للتعرض لها.

هذا، و أما الاستدلال بما تضمن أن حرمة الميت كحرمة الحي، فلا يخلو عن إشكال، لعدم كون التكفير من شئون احترام المرأة الموطوءة. فراجع ما تقدم في سببية وطء الميتة للجنابة في المسألة الخامسة من فصل سبب الجنابة. مضافا إلي أنه إنما يقتضي اشتراكهما في الحكم مع اشتراكهما في علته، دون ما إذا اختص الحي بها، كما في المقام، لما ذكرنا من عدم صدق الحائض علي الميتة.

السابع: الظاهر أن المعيار في الأول و الوسط و الآخر علي الحيض الذي يقع فيه الوطء،

فتختلف باختلاف مقداره و إن خالف العادة، كما صرح به في كشف اللثام و المستند و الجواهر، و هو ظاهر المقنعة و المعتبر و الحدائق و غيرها، بل ظاهر كل من أطلق أول الحيض و وسطه و آخره. و الوجه فيه ظهور رواية داود التي هي دليل التفصيل في أن مرجع الضمائر في أوله و وسطه و آخره هو الطمث المذكور في صدرها، لا عادته، و حيث لا يراد به كلي الطمث، لعدم تحديد أوله و وسطه و آخره بسبب اختلاف أفراده، و لأن الوطء لا يقع فيه، تعين حمله علي الفرد الخاص منه.

خلافا لما في التذكرة و المنتهي و القواعد و جامع المقاصد و الروض و المسالك و المدارك من أن المعيار علي أيام عادة المرأة، و زاد عليه في الروضة ما في حكمها من التمييز و الروايات.

و لازمه أن الحيض الذي يقع فيه الوطء قد يخلو عن الآخر، بل عن الوسط أيضا، كما لو كانت عادتها عشرة أيام و كان حيضها الذي وطئت فيه ستة أو ثلاثة. بل

ص: 50

______________________________

قد يتجاوز الآخر فلا تجب الكفارة بالوطء في زمن التجاوز، كما لو زاد حيضها علي عادتها و وطئت في الزائد.

بل يشكل حينئذ حال المبتدئة و المضطربة التي لم تنعقد لها عادة، حيث لازم القول المذكور عدم الكفارة بوطئها. و لا يظن بهم الالتزام باللوازم المذكورة.

نعم، يتجه الرجوع للعادة لو كانت مرجعا في تعيين الحيض، كما في مستمرة الدم، كما يتجه الرجوع لغيرها مما يكون مرجعا فيه، مما تقدم من الروضة و غيره. لكن كلامهم لا يختص بمستمرة الدم. و من ثم كان في غاية الإشكال.

و من هنا قد ينزل علي القول الأول المختار، بأن يكون مفروض كلامهم صورة مطابقة الحيض الذي يقع فيه الوطء للعادة، و يكون ذكرهم للعادة لأنها مقتضي الأصل في النساء، أو بأن يكون مرادهم من العادة الحيض.

و حمل كلامهم علي ذلك و إن لم يناسب الجمود علي عباراتهم، إلا أنه يناسب استدلال بعضهم لهذا القول بما سبق منا في تقريب دلالة الرواية علي المختار، و عدم تنبيههم للازم الذي ذكرناه أولا مع ذكرهم لنظيره في بيان القولين الآخرين، و عدم إشارة الأكثر للخلاف المذكور بين هذين القولين، و إنما اقتصروا علي قول واحد نسبوه للمشهور في قبال قولين آخرين:

الأول: ما عن الراوندي من أن المعيار فيها علي أكثر الحيض دون عادة المرأة.

الثاني: ما في المراسم من أن الوسط ما بين الخمسة و السبعة. و لازمهما أن الحيض قد يخلو عن الآخر، بل و الوسط أيضا، نظير ما تقدم.

هذا، و يظهر الإشكال مما تقدم من ظهور النص في كون موضوع التقسيم هو الحيض الذي يقع فيه الوطء، حيث لا مجال لملاحظته في أكثر الحيض، كما يشكل الثاني- مضافا إلي نظير ذلك- بأن تعيين الوسط بذلك لا يتم حتي لو كان موضوع التقسيم أمرا غير الحيض الذي يقع فيه الوطء.

نعم، ذكر في كشف اللثام أنه موافق لرواية حنان بن سدير: «قلت: لأي علة

ص: 51

______________________________

أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما و لم تعط أقل منها و لا أكثر؟ قال: لأن الحيض أقله ثلاثة أيام و أوسطه خمسة أيام و أكثره عشرة أيام، فأعطيت أقل الحيض و أوسطه و أكثره» «1»، و لما تضمن التحيض بسبعة أيام.

و كأن مراده بالأخير مرسلة يونس الطويلة المتضمنة تحيض مستمرة الدم مع عدم العادة و التمييز بالسبعة. لكنها- كما تري- لا تدل علي أن السبعة منتهي الوسط، بل و لا الوسط، كما لا تدل رواية حنان علي أن الخمسة أول الوسط. علي أن ظاهر الأوسط في رواية حنان ما يقابل الأقل و الأكثر، لا ما يقابل الأول و الآخر، كما هو المراد به في المقام. فلاحظ.

الثامن: الظاهر تعدد الكفارة بتعدد الوطء،

من دون فرق بين تخلل التكفير و عدمه، و لا بين كون الوطء المتعدد في أزمنة تختلف فيها الكفارة و كونه في أزمنة لا تختلف فيها، بأن يكون في ثلث واحد. و به صرح في الدروس و جامع المقاصد و الروض و المسالك و محكي البيان و فوائد الشرائع.

لأصالة عدم التداخل الراجعة إلي ظهور دليل السببية في كون كل فرد سببا لتكليف مستقل، المستلزم لكون ما يجب بكل فرد مباينا لما يجب بالآخر، لا محض الطبيعة المتحقق بالفرد الواحد. إذ الاكتفاء به إن كان لتأثير الفرد الأول لا غير فهو مخالف لإطلاق السبب، و إن كان لاشتراك الأفراد في تأثير تكليف واحد، بأن يستند للأول أصل وجوده و للباقي تأكده، فهو خلاف ظهور دليل الشرطية في كون الأثر هو التكليف المستقل، لا التأكد في التكليف الواحد.

و إن كان للاجتزاء بالواحد و مع تعدد التكليف لصدق المكلف به في كل منهما- و هو الطبيعة- عليه.

ففيه: أنه يمتنع تعدد التكليف مع وحدة المكلف به، و هو محض الطبيعة الصادقة بالفرد الواحد، لأن التكليف كسائر الإضافات التي يتوقف تعددها علي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 7 و هامشه في الطبعة الحديثة.

ص: 52

______________________________

تعدد أطرافها، بل لا بد مع تعدده من تعدد المكلف به، بأن يكون المكلف به في كل منها فرد من الطبيعة مباين للفرد المكلف به في الآخر.

و بهذا يخرج عن إطلاق الواجب المقتضي للاجتزاء بصرف الطبيعة و لو مع تعدد السبب، حيث لا ينعقد مع الظهور المذكور لدليل السببية. كما يخرج به عن أصالة البراءة، لحكومته عليها. و منه يظهر ضعف ما ذكره جماعة من الأصحاب من الحكم بعدم التكرر مطلقا أو في الجملة، لأصالة البراءة، و لا سيما مع الاعتراف بأن مقتضي العموم التكرار، كما في طهارة المبسوط.

و دعوي: أن مقتضي الإطلاق كون السبب هو الطبيعة الصادقة علي الواحد و المتعدد، ففي ظرف التعدد ليس السبب إلا واحدا يقتضي مسببا واحدا، لا متعددا كي يلزم تعدد المسبب. و لذا لا يجب تعدد الكفارة مع تعدد الأكل في نهار شهر رمضان.

مدفوعة: بأنه لا مجال لذلك في الأفراد التدريجية، لأن الطبيعة حيث كانت تصدق علي الفرد الأول فالمسبب الواحد يستند إليه، و حينئذ فالفرد الثاني إن لم يكن سببا فهو خلاف إطلاق السببية، لانطباق الطبيعة عليه، و إن كان سببا فحيث يمتنع استناد المسبب السابق عليه إليه، لامتناع تقدم المعلول علي علته و الحكم علي موضوعه فلا بد أن يكون أثره تأكيد المسبب الأول أو فردا آخر مستقلا مباينا له، و قد سبق ان الثاني هو ظاهر دليل السببية دون الأول.

نعم، قد يتجه ذلك في الأفراد الدفعية- التي تمتنع في المقام، و إن كانت المناسبات الارتكازية تشهد غالبا بكون كل منها سببا مستقلا. بل لعله مقتضي الإطلاق أيضا لأن صدق الطبيعة علي المجموع في ظرف التعدد لا ينافي صدقها علي كل واحد أيضا، و تعدد السبب و إن لم يلزم بلحاظ الأول، إلا أنه يلزم بلحاظ الثاني، فيتعين العمل عليه. إلا أن يراد من السبب الوجود الذي يخرق به العدم، حيث لا يصدق مع التدرج إلا علي الأول، و بدونه إلا علي المجموع.

لكنه مخالف لإطلاق السبب الظاهر في إرادة الطبيعة منه، التي تصدق علي كل

ص: 53

______________________________

فرد. و لا سيما مع ارتكاز تبعية الكفارة للحرمة و المعصية، و لا إشكال في تعدد الحرمة تبعا لتعدد الأفراد. كيف و لازم التداخل عدم تعدد الكفارة مع تعدد المرأة أو تعدد الحيض. و لا يظن التزام أحد به.

و إنما لا تتعدد الكفارة بتعدد الأكل في نهار شهر رمضان لأن المستفاد من دليلها كون سببها الإفطار غير القابل للتعدد في النهار الواحد و المستند للفرد الأول، لا الأكل بنفسه الذي هو قابل للتعدد. و لذا تتعدد مع تعدد الإفطار لتعدد اليوم و لو مع اتحاد جنس المفطر، و لا تتعدد مع وحدة الإفطار لوحدة اليوم و لو مع اختلاف الجنس المفطر. و تعددها مع تعدد الجماع في اليوم الواحد لو تم للنصوص الخاصة.

و منه يظهر أنه لا مجال لجعل كفارة المقام و كفارة الأكل في نهار شهر رمضان من باب واحد في عدم التكرار، كما يظهر من السرائر، أو في التكرار، كما يظهر من الروض.

هذا، و في جملة من كتب العلامة و المدارك و محكي الذكري و الموجز و كشف الالتباس و التنقيح الاقتصار في لزوم الكفارة علي ما إذا كان الوطء اللاحق بعد التكفير عن السابق، أو كان الوطء المتعدد في أزمنة تختلف فيها الكفارة، و اقتصر في نكاح المبسوط علي الأول، و في الشرائع و المعتبر علي الثاني. لكن استبعد شيخنا الأعظم قدّس سرّه الخلاف في لزوم التكرار في الفرض الأول.

و لعله لذا احتمل في كشف اللثام كون مراد السرائر من إطلاق عدم التكرار ما إذا لم يتخلل التكفير، و إن كان ذلك غير مناسب لقياس المقام بالتكفير للأكل في نهار شهر رمضان.

و كيف كان، فالوجه في لزوم التكرار مع تخلل التكفير إطلاق دليل السببية بعد ما سبق من أن السبب هو الطبيعة لا خصوص الوجود الذي يخرق به العدم، و الذي يختص بالفرد الأول.

و لعل الفرق بينه و بين صورة عدم التكفير أنه في صورة عدم التكفير إنما يجتزأ بالواحد لدعوي أنه يكفي في تأثير السبب اللاحق تأكيده للتكليف السابق الذي لم

ص: 54

______________________________

يسقط بالامتثال بعد من دون أن يوجب تكليفا مستقلا، أو دعوي: أن تعدد التكليف يمكن مع وحدة المكلف به- و هو الطبيعة الصادقة بالفرد الواحد- و لا يتوقف علي تعدده. و إن سبق بطلان الثانية و مخالفة الأولي لظاهر دليل السببية.

و أما الوجه في تعدد الكفارة مع كون الوطء المتعدد في أزمنة تختلف فيها الكفارة فهو ما ذكره غير واحد من أنه مع اختلاف سبب التكليف باختلاف قيوده و اختلاف المكلف به باختلاف قدره فمقتضي إطلاق دليل السببية في كل منها تأثير كل سبب لمسببه.

و هو إنما يتم بناء علي كون وجه التداخل مع كون الأزمنة لا تختلف فيها الكفارة حمل إطلاق السبب علي الطبيعة الصادقة علي الفرد الواحد و الأفراد المتعددة، أو علي الوجود الأول الذي يخرق به العدم، حيث لا مجال لهما مع كون الأزمنة تختلف فيها الكفارة، لأن الطبيعة المقيدة بأحد الأزمنة تختص بأفرادها و لا يخرق عدمها غيرهما.

أما لو كان وجه التداخل مع كون الأزمنة لا تختلف فيها الكفارة دعوي: أنه يكفي في تأثير السبب اللاحق تأكيده للتكليف السابق، أو دعوي: أنه يمكن تعدد التكليف مع وحدة المكلف به، و هو الطبيعة الصادقة بالفرد الواحد، فيتعين التداخل مع كون الأزمنة تختلف فيها الكفارة أيضا بالاجتزاء بالأكثر، لأنه حيث كان متضمنا للأقل فسبب التكليف بالأقل المتأخر حدوثا يقتضي تأكد وجوبه الثابت في ضمن وجوب الأكثر سابقا، أو وجوبا آخر متعلقا بصرف وجوده و لو في ضمن الأكثر الذي يمتثل به التكليف السابق.

و منه يظهر أن الجمع في عدم التداخل بين كلتا الصورتين لا يناسب تخصيصه بهما، بل لا بد إما من تخصيص عدم التداخل بإحداهما أو تعميم عدم التداخل لغيرهما، لتنافي دليلي التفصيلين. فتأمل جيدا.

ثم إنه بناء علي ما ذكرنا من عدم التداخل مع تكرار الوطء ففي المسالك و الروض أنه يصدق التكرار بالإدخال بعد النزع و إن كان في وقت واحد، و ظاهر

ص: 55

______________________________

الجواهر أنه لا بد فيه من صدق التعدد عرفا. و كأنه لإخراج الفرض المذكور. و لعله لغفلة العرف عن التعدد في مثل ذلك، لكثرة الابتلاء به مع قصد الوطء الواحد، حتي كأنه من شئونه و حالاته، فلو كان كافيا في لزوم تعدد الكفارة لناسب التنبيه عليه في النصوص، فعدم التنبيه عليه فيها يوجب انصرافها عنه، و ليس هو كصورة تعدد المجلس و نحوها مما يغفل عن التعدد فيها، كي يستغني عن التنبيه.

و لا سيما مع أن الوطء و الإدخال و نحوهما لم تؤخذ في موضوع الكفارة في النصوص، و إنما هي بين ما لم يتعرض فيه لتحديد موضوعه- كرواية داود بن فرقد- و ما تضمن أخذ عنوان إتيان المرأة و مواقعتها و الوقوع عليها، و يشكل صدق المتعدد فيها في الفرض.

كما لا ينبغي الإشكال في عدم تعدد الكفارة باستمرار الإدخال و إن طال، بل و إن حدث في وقت و بقي لآخر تختلف فيه الكفارة، إذ المعيار في تعدد السبب علي تعدد الحدوث. خلافا لما في الذكري و يأتي منه نظيره في النفساء.

التاسع: الظاهر عدم الإشكال في أن الحيض لو فجأ في أثناء الإدخال لزوم التخلص و يحرم الاستمرار فيه،

كما صرح به غير واحد. للأمر بالاعتزال في الآية الشريفة و بعض النصوص «1»، و إطلاق تحديد ما يحل للرجل من الحائض في جملة من النصوص بأنه ما عدا الفرج «2»، و قضاء المناسبات الارتكازية بعدم الفرق بين الحدوث و البقاء، و لا سيما مع التعليل في الآية بالأذي.

و قد صرح في المنتهي بوجوب الكفارة لو تعمد في الاستمرار، كما صرح به في العروة الوثقي و أقره علي ذلك جملة من محشيها، و قد يظهر من الروض، حيث قال بعد بيان حرمة الوطء: «و لو اتفق الحيض في أثناء الوطء وجب التخلص منه في الحال، فإن استدام فكالمبتدئ».

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض.

ص: 56

______________________________

و استدل له سيدنا المصنف قدّس سرّه بإطلاق الدليل. و هو لا يخلو عن إشكال، لتحديد موضوع الكفارة في النصوص بإتيان المرأة و مواقعتها و الوقوع عليها، و هي قاصرة أو منصرفة عن الاستمرار.

و دعوي: أنه يكفي في التعميم ظهور تفرع الكفارة علي الحرمة الثابتة في الفرض. مدفوعة بأنه لا مجال للبناء علي ذلك كلية، حيث لا إشكال في حرمة الاستمرار في الوطء الحادث بعد الحيض من دون أن يوجب تعدد الكفارة، كما سبق.

فتأمل جيدا.

العاشر: ذكر في العروة الوثقي أنه لو خرج حيضها من غير الفرج حرم وطؤها في الفرج،

و لا يجب اجتناب موضع الدم، و أقره علي ذلك جملة من محشيها، و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لما عرفت من النصوص الدالة علي حلية ما عدا القبل فإطلاقها محكم. و موضع الدم في مرسل ابن بكير «1» يراد به الفرج، فهو مرآة إليه، لا عنوان لموضوع الحكم. فالتوقف فيه- كما في نجاة العباد- تورع عن الفتوي، و إلا فهو ضعيف». و ما ذكره قريب حتي لو فرض عدم وضوح حمل موضع الدم في المرسل علي الفرج، لأن ضعف سنده مانع من الخروج به عن ظاهر الأدلة الأخر من الكتاب و السنة المستفيضة.

هذا، و قد صرح فيها كحواشيها المذكورة أيضا بوجوب الكفارة بالوطء في الفرج حينئذ. و استدل له سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن الكفارة تابعة للحرمة وجودا و عدما. و هو لا يخلو عن إشكال. و الأولي الاستدلال بإطلاق إتيان المرأة و مواقعتها و الوقوع عليها في نصوص الكفارة. فلاحظ.

الحادي عشر: صرح في العروة الوثقي بعدم سقوط الكفارة بالعجز عنها،

بل متي تيسرت وجبت، و أقره علي ذلك جملة من محشيها، و مال إليه في الجواهر. و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «كما هو ظاهر كلماتهم، حيث أطلقوا وجوبها بالوطء. لكن في

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 57

______________________________

ذيل رواية داود: أنها يكفي عنها الصدقة علي مسكين، و مع العجز عنه يسقط، و يكفي حينئذ الاستغفار. إلا أنه لضعفه و عدم الجابر له لا مجال للاعتماد عليه».

و يشكل بأن اعتمادهم عليها في مقدار الكفارة- بناء علي وجوبها- يكفي في جبرها من جهة السند.

نعم، لو ثبت إعراضهم عنها في هذا الحكم كان موهنا لها من جهة الدلالة أو الجهة. لكنه غير ثابت، لقرب أن يكون عدم تعرض جملة من الأصحاب لذلك لعدم اهتمامهم بفروع المسألة التي أهملوا جملة منها، أو لاكتفائهم بما يذكرونه في باب الكفارات.

و لا سيما مع تصريح العلامة في المنتهي بالسقوط مع العجز سواء قيل بالوجوب أم بالاستحباب، و مع تصريح الشيخ في النهاية بعد ذكر استحباب الكفارة بأن من لم يتمكن فليس عليه شي ء و ليستغفر اللّه و لا يعود، و ذكره لرواية داود في باب الكفارات من التهذيب بنحو قد يظهر منه التعويل عليها، و جعله لها في الاستبصار شاهدا علي حمل موثق الحلبي المتقدم- المتضمن الصدقة علي مسكين بقدر شبعه- علي صورة تعذر الكفارة، و إن حمله في التهذيب علي تعذر ما إذا كان بقدر الكفارة، الذي هو بعيد جدا. و لعله لذا عمل بها في المقام في جامع المقاصد.

علي أن الدليل لا يختص برواية داود، بل يدل أيضا علي بدلية الاستغفار صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب علي صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرم [حرمت] عليه أن يجامعها و فرق بينهما إلا أن ترضي المرأة أن يكون معها و لا يجامعها» «1».

معتضدا بموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «سألته عن شي ء من كفارة اليمين

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 1.

ص: 58

______________________________

فقال: يصوم ثلاثة أيام. قلت: إن ضعف عن الصوم و عجز؟ قال: يتصدق علي عشرة مساكين. قلت: إن عجز عن ذلك؟ قال: يستغفر اللّه و لا يعد، فإنه أفضل الكفارة و أقصاه و أدناه «1»، فليستغفر اللّه و يظهر توبة و ندامة» «2»، لظهور ذيله في عموم بدلية الاستغفار، و إن اختص مورده بكفارة اليمين.

و مؤيدا بخبر علي ابن جعفر: «سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه» «3».

و في المسالك بعد ذكر مراتب الكفارة: «و أما الاستغفار بعد العجز عن جميع ذلك فهو بدل مشهور بين الأصحاب و مختص بهم، و لا يختص عندهم بكفارة، بل يجزي في جميع الكفارات عند العجز عن خصالها إلا الظهار، فقد تقدم الخلاف فيه» و ادعي في المدارك في كفارة الصوم أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهرهم أنه موضع وفاق، و استظهر سيدنا المصنف قدّس سرّه فيها عدم الخلاف فيه، مستدلين بصحيح أبي بصير المتضمن للعموم و غيره.

هذا، و مقتضي إطلاق بدلية الاستغفار في النصوص عدم وجوب الكفارة مع تجدد القدرة بعده، كما هو الحال في بقية أبدال الكفارة الاضطرارية التي تضمنتها النصوص المتقدمة و غيرها، كما يظهر من جامع المقاصد، و يظهر من الجواهر الميل إليه.

و دعوي: أنه بتجدد القدرة ينكشف عدم تحقق موضوع البدلية، لاختصاصها بالعجز المستمر، كما هو مقتضي كون البدلية اضطرارية.

مدفوعة بأنه- مع توقفه علي عدم وجوب المبادرة للكفارة في الجملة، إذ لو قيل بوجوبها يصدق الاضطرار بالعجز غير المستمر- مخالف لظاهر الأدلة جدا للغفلة عن

______________________________

(1) لا يبعد كون المراد بكونه أقصي تأخره عن سائر مراتب الكفارة و بكونه أدني أنه أيسر أفراد الكفارة و أسهلها. (منه عفي عنه)

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.

ص: 59

______________________________

وجوب التدارك بعد فعل البدل، فعدم التنبيه فيها له ظاهر في الإجزاء، بل الالتزام بخروج العجز غير المستمر عن موضوع الاستثناء لكفارة الظهار في صحيح أبي بصير لعدم تحقق موضوع البدلية معه مما لا يظن بأحد التزامه.

مضافا إلي ما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه من ندرة العجز المستمر عن الصدقة بالقليل التي هي الكفارة في كثير من الموارد منها الصدقة علي مسكين واحد في المقام عند تعذر الدينار و نصفه و ربعه، فيبعد اختصاص النصوص به.

لكن في صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه و ينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع، و قد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلي ما يكفر يوما من الأيام فليكفر … » «1».

و مورده و إن كان الظهار إلا أنه احتمل في الدروس و المسالك تعميمه لغيره من الكفارات، بل هو الذي قربه سيدنا المصنف قدّس سرّه قال: «كما يساعده الارتكاز العرفي، و لا سيما مع البناء علي وجوبه [يعني الاستغفار] مع فعل الكفارة، كما يظهر من بعض نصوص قصة الأعرابي الذي واقع أهله في شهر رمضان «2». و علي هذا فالمسقط للكفارة عدم الوجدان لا فعل الاستغفار لأنه بدل. فلاحظ».

و هو كما تري، إذ لا مجال للتعدي عن الظهار بعد التصريح في صحيح أبي بصير باستثنائه من عموم البدلية فإنه و إن كان معارضا بصحيح إسحاق و قد يجمع بينهما بالكراهة في الظهار، أو يكون مستثني من بدلية الاستغفار وحده، فلا ينافي بدليته فيه بضميمة نية عدم العود للظهار، إلا أنه كاف في قوة احتمال خصوصية الظهار في وجوب التدارك بعد القدرة المانع من التعدي لغيره.

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 4.

(2) و هو صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (ع): (أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، فقال: إن رجلا أتي النبي (ص) فقال: هلكت يا رسول اللّه، فقال: و ما لك؟ قال: النار يا رسول اللّه.

قال: و مالك؟ قال: وقعت علي أهلي. قال: تصدق و استغفر [ربك] … ). الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2. (منه عفي عنه)

ص: 60

______________________________

و مناسبته للارتكاز العرفي غير ظاهرة بنحو معتد به، و لا سيما مع سوقه في مساق الابدال الاضطرارية في موثق زرارة و رواية داود بن فرقد. و ما ورد في قصة الأعرابي ظاهر في الاستغفار لتكفير الذنب دفعا للهكلة و النار التي فزع منها السائل، لا الاستغفار الواجب بدلا عن الكفارة التي تضمنتها نصوص المقام. و ما في ذيل كلامه من عدم مسقطية الاستغفار و عدم بدليته، و إنما المسقط عدم الوجدان ما دام باقيا، خروج عن مفاد النصوص الذي هو كالصريح منها. فالبناء علي عدم وجوب الكفارة بتجدد القدرة عليها في المقام و غيره قريب جدا.

نعم، حيث تضمنت رواية داود بدلية الاستغفار بعد العجز عن الصدقة علي مسكين واحد فاللازم البناء علي ذلك بعد فرض حجيتها بعمل الأصحاب بها في مقدار الكفارة الواجبة. فلاحظ.

هذا، و لو بني علي سقوط الكفارة بالعجز ففي الجواهر أن المعيار فيه علي العجز عند تعلق الكفارة، لا العجز المتجدد، لمكان شغل الذمة به سابقا و هو الذي استظهره في جامع المقاصد بدوا معللا بذلك. و عليه جري بعض المعاصرين قدّس سرّه في فتواه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 61

و يشكل بأن شغل الذمة به سابقا لا يمنع من البناء علي سقوطه لإطلاق النصوص المتقدمة و لذا احتمل في جامع المقاصد العموم بعد الاستظهار المتقدم.

نعم، لو غض النظر عنها فقد يدعي أن مقتضي الأصل عدم السقوط مع تجدد العجز، لاستصحاب انشغال الذمة بها تكليفا أو وضعا، بخلاف ما لو كان العجز من أول الأمر، حيث يكون مقتضي الأصل براءة الذمة بعد تجدد القدرة، للشك في حدوث الانشغال.

لكنه يندفع بأن مقتضي إطلاق دليل السببية ثبوت الكفارة بتحقق السبب حتي مع سبق العجز حينه، إما لكونها من سنخ الدين الذي يمكن انشغال الذمة به مع العجز عن وفائه أو لكونها من سنخ التكليف الذي ينكشف بتجدد القدرة قابلية المكلف له من أول الأمر بنحو الواجب المعلق، فيدخل تحت الإطلاق لما هو

ص: 61

______________________________

المعلوم من أن العجز الموقت لا يمنع من دخول المكلف تحت إطلاق التكليف، و إلا لخرج عن الإطلاق بالعجز من غير جهة المال، كتعذر الوصول للمسكين و نحوه، و لا يظن منهم البناء عليه في المقام و غيره. بل لامتنع لأجل ذلك الاستصحاب مع العجز الطارئ بعد انشغال الذمة بالكفارة، للعلم بسقوطه حينه، فيستصحب عدمه بعد تجدد القدرة، فلا يتجه التفصيل، و ليس بناؤهم علي ذلك في غير المقام.

ثم إن عدم الوجدان في النصوص و غيرها و إن كان ظاهرا في العجز من جهة المال، لا من بقية الجهات- كعدم وجدان الفقير أو تعذر الوصول إليه- كما يناسبه اختصاص التعبير بذلك في الكفارات المالية و التعبير في غيرها بعدم الاستطاعة أو بالعجز، إلا أن ظاهر التعبير بالعجز عن الكفارة في صحيح أبي بصير و بعدم وجدان السبيل إلي شي ء من الكفارة في رواية داود إرادة مطلق التعذر، و لا يبعد العمل علي ذلك و إلغاء خصوصية العجز المالي في موارد التعبير بعدم الوجدان.

و أما معيار عدم الوجدان المالي فقد تضمنه صحيح إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام: «سألته عن كفارة اليمين في قوله: «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» ما حدّ من لم يجد؟ و إن الرجل ليسأل في كفه و هو يجد. فقال: إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله فهو ممن لا يجد» «1»، و الظاهر أن المراد به الفضل عن قوت العيال بلحاظ السنة، لأن ذلك هو المنصرف، و لا سيما بلحاظ ما ورد في مستحق الزكاة و غيره، و إلا فلو أريد به مطلق الفضل عنه و لو بلحاظ اليوم أو ما دونه صدق الوجدان في حق من يسأل بكفه كثيرا، و هو الذي يظهر من السائل المفروغية عن عدم الاكتفاء به و من الإمام عليه السلام إقراره عليه.

و هو و إن كان مختصا بكفارة اليمين إلا أن التعدي لسائر موارد اعتبار عدم الوجدان في الكفارات قريب جدا. و الأمر محتاج إلي مزيد تتبع و تأمل في النصوص و كلمات الأصحاب. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الكفارات حديث: 1.

ص: 62

الثاني عشر: المدار في مقدار الكفارة واقعا علي الموضوع الواقعي من حيثية المرأة و أنها زوجة أو أمة،

______________________________

و حيثية زمان الحيض من الأول و الوسط و الآخر، لا علي ما اعتقده الرجل حين الوطء، كما صرح بذلك في الجملة في الجواهر و محكي كشف الغطاء و غيرهما، عملا بظاهر النص و الفتوي. و لم يتضح تبعية مقدار الكفارة لشدة المعصية و التمرد، كي يحتمل إناطته بعلم العاصي بأهميتها، و ليس هو كأصل الكفارة المتفرعة ارتكازا علي التمرد و المعصية، و لذا تسقط بدونهما للجهل و غيره علي ما سبق.

كما أن الظاهر أن من وطأ باعتقاد الحيض خطأ فلا كفارة عليه، كما هو ظاهر الأصحاب و صريح العروة الوثقي و أقره جملة من محشيها. لأن مناسبة الكفارة للمعصية و التمرد إنما تكون قرينة علي اختصاص موضوعها- و هو الوطء في الحيض- بهما، لا علي أنهما تمام الموضوع، بحيث يكفي فيها التجري من دون حرمة واقعية، فإنه محتاج إلي مؤنة دليل، و ليس البناء عليه في غير المقام من موارد الكفارات و غيرها.

الثالث عشر: قال في المنتهي في فروع مسألة كفارة وطء الحائض: «الثاني عشر: يجب الامتناع من الوطء وقت الاشتباه،

كما في حالة استمرار الدم، لأن اجتناب حالة الحيض واجب، و الوطء حالة الطهر مباح، فيحتاط بتغليب الحرام، لأن الباب باب الفروج»، و قريب منه ما في الذكري في المتحيرة.

و لا يخفي أن حرمة الوطء مع الاشتباه إنما تتجه إذا كانت مقتضي أمارة معتبرة- كما في أيام العادة- أو أصل معتبر- كما في وقت الاستظهار- أو علم إجمالي منجز في حق الرجل، و في غير ذلك تكون السعة مقتضي الأمارة- كالعادة التي هي أمارة الطهر بعد أيامها- أو الأصل الاحرازي- كاستصحاب الطهر- أو غير الاحرازي، كأصل البراءة.

و دعوي: انقلاب الأصل في الفروج- لو تمت- مختصة بما إذا كان احتمال الحرمة من جهة الشك في الزوجية أو ملك اليمين، دون مثل الشك في الحيض أو اليمين علي ترك الوطء أو نحوهما من الطوارئ. علي أن ذلك ليس بنحو يمنع من الرجوع لمقتضي الأمارة أو الأصل الإحرازي أو التعبدي المقتضي للسعة، بل يختص بالمنع من الرجوع للأصل العملي المحض، كالبراءة.

ص: 63

______________________________

هذا، و أما مستمرة الدم فحيث شرعت لها وظائف خاصة جاز الاقتصار في حرمة الوطء علي مقتضاها لها و للزوج، لظهور تشريعها في تحديد الحيض بها ظاهرا بلحاظ جميع الأحكام، بل بعض نصوص الرجوع للعادة صريح في جواز وطئها بعد مضيها مطلقا أو بعد الاستظهار، و لا وجه مع ذلك لوجوب الاحتياط. و قد تقدم من التذكرة في التحيض بالعدد و من المنتهي فيه و في الناسية ما يناسب ذلك. فراجع.

ثم إنه لو تم وجوب الاحتياط فالظاهر عدم وجوب الكفارة بمخالفته إذا لم يعلم إجمالا بتحقق سببها، للشك في التكليف بها من دون منجز، نظير ما يذكر في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة.

نعم، لو انكشف تحقق سببها بعد ذلك انكشف وجوبها، و لا يسقطها الجهل بالحيض بعد أن لم يكن معذرا، نظير ما تقدم في الجهل بالحكم عن تقصير.

الرابع عشر: قال في الجواهر: «لا إشكال عندهم، بل لا خلاف في قبول قول المرأة في الحيض إن لم تكن متهمة،

بل أطلق بعضهم وجوب القبول من غير تقييد، كما أنه صرح آخر بذلك حتي مع ظن الزوج الكذب»، و نفي الخلاف فيه مع التهمة في الرياض. و يقتضيه صحيح زرارة: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: العدة و الحيض إلي النساء» «1»، و نحوه صحيحه الآخر، و زاد فيه: «إذا ادعت صدقت» «2»، و صحيح ميسر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ألقي المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها:

أ لك زوج؟ فتقول: لا فأتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة علي نفسها» «3» حيث لا يبعد عموم التعليل فيه للحيض و نحوه.

و أما الاستدلال بقوله تعالي: وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ «4» بدعوي: إنه لو لا وجوب القبول للغي تحريم الكتمان. فهو لا يخلو عن إشكال، إذ

______________________________

(1) الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب النكاح و أولياء العقد حديث: 2.

(4) البقرة: 228.

ص: 64

______________________________

لو تمت الملازمة فالظاهر مما خلق اللّه في أرحامهن خصوص الحمل، كما فسر به في مرسلة العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: يعني: لا يحل لها أن تكتم الحمل إذا طلقت و هي حبلي و الزوج لا يعلم بالحمل، فلا يحل لها أن تكتم حملها» «1».

نعم، في مجمع البيان: «و قيل أراد الحيض و الحبل … و هو المروي عن الصادق عليه السلام قال: قد فوض اللّه إلي النساء ثلاثة أشياء الحيض و الطهر و الحمل» «2».

إلا أن إرساله مانع من الاعتماد عليه.

و مثله في الإشكال الاستدلال بخبر محمد بن عبد اللّه الأشعري: «قلت للرضا عليه السلام: الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا، فقال: و ما عليه؟ أ رأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟!» «3»، بدعوي: أن مقتضي عموم التعليل قبول قولها في كل ما لا يتيسر إقامة البينة فيه، و منه الحيض.

لاندفاعه بعدم وضوح سوق الذيل للتعليل الذي يدور الحكم مداره، لعدم مناسبة التركيب اللفظي له، بل لمجرد رفع الوحشة من الحكم و تقريبه للذهن ببيان الحاجة له و فائدته. و لو سلم فليس هو تعليلا لحجية قولها، بل لعدم الحاجة للبينة، و لعله لاستصحاب عدم كونها ذات زوج، فلا ينفع فيما نحن فيه. فالعمدة ما تقدم.

مضافا إلي سيرة العقلاء الارتكازية علي تصديق الإنسان في شئون نفسه بملاك تصديقه علي ما تحت يده. و لعله إليه يشير ما تقدم في صحيح ميسر.

هذا، و في التذكرة و ظاهر التهذيب و الاستبصار و المدارك تخصيص قبول قول المرأة في الحيض بما إذا لم تكن متهمة. و كأنه لاختصاص ما تضمن قبول قول صاحب اليد بذلك، كما تقدم، و لموثق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «ان أمير المؤمنين عليه السلام قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض. فقال: كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضي علي ما ادعت، فإن شهدن صدقت، و إلا فهي

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 1: 115. و الوسائل باب: 9 من أبواب العدد حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب العدد حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب المتعة حديث: 5.

ص: 65

______________________________

كاذبة» «1»، حيث جمع الشيخ بينه و بين بعض ما سبق بحمله علي صورة التهمة.

و في صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه، فأراد مراجعتها فقال لها: إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري. فقالت له: قد تزوجت زوجا غيرك و حللت لك نفسي أ يصدق قولها و يراجعها؟ و كيف يصنع؟

قال: إن كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» «2»، فإن مقتضي مفهومه عدم حجية قولها لو لم تكن ثقة.

لكن قصور ما دل علي حجية قول صاحب اليد عن صورة التهمة لا يقتضي الاختصاص بعد إطلاق النصوص. و الموثق مختص بالدعوي الخارجة عن المتعارف، كما في المستند، بل الظاهر أن دعوي الثلاث حيض في الشهر الواحد للتوصل إلي دعوي الخروج عن العدة، فالبناء علي تعميمه لمطلق الدعوي الخارجة عن المتعارف، فضلا عن بقية موارد التهمة، لا يخلو عن إشكال، بل منع.

و الصحيح مختص بمورده. مع أن مقتضاه اعتبار كون المرأة ثقة، لا مجرد كونها غير متهمة، و الظاهر عدم بنائهم علي ذلك. و لذا اختار عموم الحجية للصورة المذكورة في المستند، و هو مقتضي ما في العروة الوثقي و أقره جملة من محشيها من الاقتصار في عدم تصديقها علي العلم بالكذب.

هذا، و قد تنظر في الروض في حجية دعواها الحيض مع ظن الكذب، ردا لما في الذكري و محكي نهاية الأحكام من وجوب الاجتناب معه. فإن كان مراده الظن المصاحب للتهمة- كما هو مورد تنظر جامع المقاصد- جري فيه ما سبق لعدم وضوح خصوصية الظن من بين صور التهمة و ان كان مراده مطلق الظن كان أشكل، لأن الظاهر عدم كفايته في الخروج حتي عن قول صاحب اليد.

نعم، يظهر من الذكري أن وجوب الاجتناب مع ظن الكذب ليس لحجية قولها،

______________________________

(1) الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه حديث: 1.

ص: 66

______________________________

بل للاحتياط، قال: «لأنه إقدام علي ما لا يؤمن قبحه. و نبه عليه قول الصادق عليه السلام:

من أتي الطامث خطأ عصي اللّه». و يظهر حاله مما تقدم في الفرع السابق. و كأن مراده بالحديث خبر ليث المتقدم في أدلة الكفارة. لكنه سبق أنه محمول علي المعصية الواقعية، أو علي أن المراد بالخطإ الخطيئة، و إلا فحمل الخطأ علي التردد و اشتباه الحال لم يعهد في الاستعمالات، و لا تشهد به قرينة.

ثم إن الظاهر عدم الإشكال في قبول قولها في الطهر لو كان مقتضي الاستصحاب الحيض، لأن إطلاق القبول في الحيض ظاهر في القبول في وجوده و عدمه و لو بضميمة عدم خصوصية الوجود عرفا، بل هو مقتضي عموم التعليل في صحيح ميسر و ما سبق من سيرة العقلاء.

نعم، في عموم القبول لصورة التهمة أو ظن الكذب ما تقدم. و من بني هناك العمل بقولها للاحتياط يلزمه هنا عدم العمل به لذلك.

و مما ذكرنا يعلم قبول قولها في زمان الوطء بالإضافة إلي الحيض و أنه في أي ثلث منه، كما قربه في العروة الوثقي و أقره جملة من محشيها، لأن الجمود علي صحيحي زرارة إن لم يناسب التعميم أمكن البناء عليه بضميمة ما سبق. بل لما كان مرجع ذلك إلي تعيينها لزماني حدوث الحيض و ارتفاعه رجع إلي قبول قولها في الحيض و الطهر،

نعم، لو لم يرجع لذلك بل تمحض في تعيين زمان الوطء فلا دليل علي قبول قولها فيه، كما لو علم بأن الحيض في تمام الاسبوع الأول من الشهر و تردد الوطء بين الثاني و الرابع منه، لقصور جميع ما سبق عنه حتي سيرة العقلاء، لعدم كون الوطء من شئونها فقط، بل مشتركا بينها و بين الزوج الذي يختص بحكمه. فلا بد في التعيين من طريق آخر و بدونه يكون مقتضي الأصل الاقتصار علي الأقل. فلاحظ.

الخامس عشر: صرح جملة من الأصحاب بمشاركة النفساء للحائض في حكم الكفارة.

و كأنه لعموم الاشتراك بينهما في الأحكام، المدعي في كلماتهم، علي ما يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي.

ص: 67

(مسألة 18): لا يصح طلاق الحائض (1)

______________________________

و قد فرع علي ذلك في الذكري أنه حيث قد يقصر زمان النفاس فقد يستوعب الوطء الواحد زمانين أو ثلاثة تختلف بحسبها الكفارة، فتتعدد الكفارة، و هو المحكي عن جماعة بناء علي تعدد الكفارة بتعدد الوطء. و تردد فيه في الروض و محكي البيان، بل ظاهر جامع المقاصد و غيره المنع منه، لعدم صدق التعدد عرفا، و هو محله، لكن كان المناسب لهم منع صدق التعدد حقيقة أيضا. و قد سبق نظيره في آخر الفرع الثامن.

مسألة 18: طلاق الحائض و ظهارها
اشارة

(1) بلا إشكال فيه بيننا، و قد استفاضت دعوي الإجماع عليه من أصحابنا رضي اللّه عنهم.

و تقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يطلق امرأته و هي حائض. قال: الطلاق علي غير السنة باطل» «1».

هذا، و في المعتبر و التذكرة و المنتهي و محكي التحرير إجماع علماء الإسلام علي تحريمه و أن الخلاف بيننا و بينهم في وقوعه.

و قد استدل للتحريم في المنتهي بقوله تعالي: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ … ) «2»، لإجماع المفسرين علي أن المراد به الطلاق في غير الحيض.

و يشكل بأن الأمر المذكور لما لم يكن للوجوب فكما يمكن أن يكون لبيان الطلاق الجائز يمكن أن يكون لبيان الطلاق الصحيح الذي يترتب عليه الأثر، بل لعل الثاني أظهر في الماهيات ذات الأجزاء و الشرائط القابلة للاتصاف بالصحة و الفساد.

و مثله الاستدلال بما تضمن مخالفة الطلاق حال الحيض للسنة، لأن السنة قابلة للوجهين أيضا، و لا سيما مع مقابلته بالبدعة الظاهرة في حرمة ما خالف السنة تشريعا.

و أما الإجماع ففي نهوضه بإثبات الحرمة التكليفية إشكال، لقرب كون منشئه المفروغية عن عدم مشروعية الطلاق المذكور بالنحو القابل للوجهين و المردد بينهما.

و من هنا يشكل إثبات الحرمة التكليفية الذاتية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث: 3.

(2) الطلاق: 1.

ص: 68

و ظهارها (1) إذا كانت مدخولا بها (2)

______________________________

نعم، لا ريب في الحرمة التشريعية، و قد سبق في مسألة حرمة العبادة علي الحائض الكلام في الثمرة بينهما.

(1) بلا إشكال أيضا، بل في الجواهر أنه لا خلاف فيه بيننا، بل إجماعنا بقسميه عليه. و يقتضيه جملة من النصوص، كصحيح زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الظهار. فقال: هو من كل ذي محرم … قلت فكيف يكون؟ قال: يقول الرجل لامرأته و هي طاهر من غير جماع: أنت عليّ كظهر أمي … » «1».

(2) و لا يعتبر في طلاق غير المدخول بها عدم الحيض بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر.

و يقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة عدها من الخمس اللاتي يطلقن علي كل حال، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: لا بأس بطلاق خمس علي كل حال: الغائب زوجها، و التي لم تحض، و التي لم يدخل بها زوجها، و الحبلي، و التي قد يئست من المحيض» «2».

و النسبة بينها و بين ما دل علي مانعية الحيض و إن كانت هي العموم من وجه، إذ كما يمكن في الحائض أن تكون مدخولا بها يمكن في غير المدخول بها أن لا تكون حائضا، فيتنافيان في الحائض غير المدخول بها، إلا أن هذه النصوص حاكمة علي أدلة شروط المطلقة و موانعها حكومة عرفية، لظهورها في النظر إلي تلك الشروط و الموانع و إلغائها في الخمس المذكورات.

بل لو حملت هذه النصوص علي خصوص صورة تحقق جميع الشروط و ارتفاع جميع الموانع لزم إلغاء خصوصية الخمس المذكورات، و لو حملت علي صورة تحقق بعضها كان بلا مرجح عرفي، لأن ألسنة أدلتها بنحو واحد، فيتعين العمل بعموم هذه

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من كتاب الظهار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث: 3.

ص: 69

و لو دبرا (1)،

______________________________

النصوص و تقديمه علي أدلة الشروط و الموانع المذكورة.

و أما الظهار فظاهر المتن وقوعه حال الحيض مع عدم الدخول، بنحو عبارته عبر في العروة الوثقي. و هو لا يناسب ما يأتي في كتاب الظهار من اعتبار الدخول في صحته، كما عن الصدوق و جماعة من المتأخرين.

و لو بني علي عدم اعتباره و جواز ظهار غير المدخول بها- كما عن جماعة- فلم أعثر علي من صرح بعدم مانعية الحيض من ظهارها خروجا عن إطلاق مانعيته منه في النص و الفتوي. كما لم أعثر علي ما يدل عليه عدا مرسل ابن فضال عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: لا يكون الظهار إلا علي مثل موضع الطلاق» «1»، بناء علي ظهور الاستثناء فيه في وقوعه في موضع صحة الطلاق بنحو القضية الكلية لا بنحو القضية المهملة في مقابل عدم وقوعه أصلا في غير موضعه، كما لعله الأظهر أو المتيقن، فلا ينهض بالاستدلال.

اللهم إلا أن يكون قرينة عرفية علي تنزيل إطلاق ما تضمن اشتراطه ببعض شروط الطلاق- كالطهر- علي أنه علي نحو اشتراطها في الطلاق. فتأمل.

نعم، إرساله مانع من التعويل عليه في الخروج عن إطلاق اعتبار الطهر في الظهار إلا أن يستفاد مما يأتي منهم في الغائب المفروغية عن مفاده و لو بنحو يكفي في انجباره. هذا و قد يكون المراد من المتن إلحاق الظهار بالطلاق في مانعية الحيض منه، دون الاستثناء، كما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه فهمه من عبارة العروة الوثقي، حيث لم يشر للاستدلال عليه في الظهار. فلاحظ.

(1) لصدق الدخول بذلك، فتخرج عن مورد النص و الفتوي باستثناء غير المدخول بها. و لا مجال لقياسه علي ما سبق في الغسل من قصور الأدلة عن إثبات وجوبه بالوطء في الدبر، لاختلاف ألسنة الأدلة في المقامين، و عدم ثبوت التلازم بينهما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من كتاب الظهار حديث: 3.

ص: 70

و كان زوجها حاضرا (1) و في حكمه (2)،

______________________________

(1) فيصح طلاق الغائب عنها زوجها و إن كانت حائضا. للنصوص الكثيرة، كخبر أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يطلق امرأته و هو غائب، فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا. قال: يجوز» «1» و غيره مما تضمن عدها من الخمس اللاتي يطلقن علي كل حال «2»، و قد تقدم بعضها، و ما تضمن حدّ الغيبة «3» و غيرها.

نعم، اختلفوا في حدّ الغيبة بما لا مجال لإطالة الكلام فيه هنا، بل يوكل إلي محله من كتاب الطلاق.

و أما ظهار من غاب عنها زوجها ففي الشرائع و ظاهر النافع و القواعد و اللمعة أنه يقع مع الحيض، و في الجواهر بعد ذكر جملة أحكام هو منها: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل إجماعنا بقسميه عليه». و كأنه لاستفادتهم من دليل شرطية الطهر في الظهار أنه علي نحو شرطيته في الطلاق و لو بضميمة مرسل ابن فضال، علي ما تقدم بيانه منا في غير المدخول بها.

(2) كما في الإرشاد في الطلاق، و في الرياض في الظهار. و لعل مرادهما ما في الروضة و الجواهر و العروة الوثقي، و هو ما إذا تيسر للغائب الاطلاع علي حالها.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لاختصاص أدلة استثناء الغائب بمن لا يتمكن من العلم، و لو بملاحظة صحيح ابن الحجاج الآتي، فيرجع في المتمكن منه إلي عموم ما دل علي اعتبار الطهر». لكن لم يتضح الوجه في اختصاص أدلة استثناء الغائب بمن لا يتمكن من العلم بعد عدم الإشارة إليه في نصوصه، بل قد لا يناسب تحديد مدة الغيبة في بعضها. و غاية ما يدعي هو انصرافها لمن لا يعلم فعلا و إن كان متمكنا من العلم، لمناسبة الغيبة له جدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث: 6.

(2) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

(3) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

ص: 71

إلا أن تكون حاملا (1)

______________________________

نعم، لا يبعد كون غلبة تعذر العلم علي الغائب خصوصا في تلك العصور، حكمة في رفع الشرط المذكور لا أنه علة يدور مدارها.

و أما صحيح ابن الحجاج فهو ما رواه عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها [أهله. فقيه] و هي في منزل أهلها [أهله. فقيه] و قد أراد أن يطلقها و ليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت و لا يعلم بطهرها إذا طهرت. قال: فقال:

هذا مثل الغائب عن أهله يطلق بالأهلة و الشهور … » «1»، و من الظاهر أن تنزيل الحاضر الذي يتعذر عليه معرفة حال زوجته منزلة الغائب لا يدل علي التعذر في حق الغائب أيضا. بل قد يكون علي خلافه أدل، لظهوره في خصوصية الغائب في الحكم- كما هو ظاهر جميع نصوص المقام- و أن ثبوته في الحاضر الذي يتعذر عليه العلم لتنزيله منزلته، لا أن موضوع الحكم مطلق من يتعذر عليه العلم من دون خصوصية للغائب.

و من هنا كان ما ذكره قدّس سرّه في غاية الإشكال. و لعله لما ذكرنا حمل في الروض حضور الزوج علي كونه عند الزوجة، لا ما يقابل السفر، و حمل ما في حكم الحضور علي قربه منها، بحيث يمكنه استعلام حالها. و إن كان الحمل المذكور مخالف لظاهر كلماتهم جدا.

نعم، حمل في المسالك من بحكم الحاضر علي الغائب دون المدة المسوغة للطلاق. و هو قريب في نفسه لو لا ما عرفت من بعضهم من إرادة المعني الأول.

و كيف كان، فقد كان الأولي لسيدنا المصنف قدّس سرّه التنبيه علي ما نبه له في النهاية و الشرائع و غيرهما من إلحاق الحاضر الذي يتعذر عليه العلم بالغائب، عملا بصحيح ابن الحجاج.

هذا، و أما إلحاق الظهار بالطلاق في ذلك فهو يبتني علي ما تقدم في الغائب.

(1) بناء علي ما سبق من اجتماع الحيض مع الحمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث: 1.

ص: 72

فلا بأس به حينئذ (1). و إذا طلقها علي أنها حائض فبانت طاهرة صح، و إن عكس فسد (2).

______________________________

(1) أما في الطلاق فهو بلا إشكال ظاهر و قد تظافرت به كلماتهم، و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه». و يقتضيه النصوص الكثيرة التي عدتها من الخمس اللاتي يطلقن علي كل حال «1»، و قد تقدم بعضها.

و أما في الظهار فهو المصرح به في الروضة و كشف اللثام. و العمدة فيه ما سبق في ظهار الغائب عنها زوجها من ابتنائه علي استفادتهم من دليل شرطية الطهر في الظهار أنه علي نحو شرطيته في الطلاق. و لعله لذا قال في الروضة مستدركا علي إطلاق اللمعة مانعية الحيض: «و كان عليه أن ينبه عليه. و لعله أهمله لظهور أن هذه شرائط الطلاق».

(2) عملا بإطلاق الدليل الظاهر في أن المدار علي الواقع، لا علي اعتقاد المطلق.

و كذا الحال في الظهار.

بقي في المقام أمران:
الأول: تقدم في الفرع الثالث عشر من فروع كفارة الوطء إلزام بعضهم بالاحتياط مع اشتباه الحيض و لو كان لاستمرار الدم.

و قد ذكرنا أنه مع وجود الوظيفة الشرعية لتعيين الحيض بأمارة أو أصل يجب الرجوع إليها في التعيين، فيبني علي حيضية ما تقتضي حيضيته و طهرية ما تقتضي طهريته، لظهور دليل جعلها في أنه لتحديد الحيض ظاهرا بلحاظ جميع الأحكام.

و قد يدعي أن لازم ذلك فيما إذا كانت الوظيفة مبنية علي التخيير بين الأقل و الأكثر- كالتحيض بالعدد و الاستظهار، بناء علي المختار فيهما- عدم التعبد بكل من الحيض و الطهر قبل الاختيار، فلا يترتب حكم أحدهما علي العمل الصادر حينئذ كالوطئ و الطلاق، بل يكون مراعي بالاختيار، فإذا اختارت أحد الأمرين ترتب

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

ص: 73

______________________________

حكمه من أول الأمر، و لو لم تختر تسامحا أو لتعذر الاختيار لها- بجنون أو موت أو نحوهما- فحيث لا يحرز موضوع أحد الحكمين يلزم الرجوع في نفس الحكمين للأصل، كأصالة البراءة من وجوب الكفارة، و أصالة عدم ترتب الأثر علي الطلاق.

لكن ذلك لو تم يقتضي جواز الرجوع للأصل في نفس الحكمين من أول الأمر أيضا، فيبني علي جواز الوطء المستلزم لعدم وجوب الكفارة، و علي عدم ترتب الأثر علي الطلاق. غايته أنه يرفع اليد عن مقتضاه باختيار ما يخالفه، فإن اختارت الطهر يبني علي صحة الطلاق من أول الأمر، و إن اختارت الحيض يبني علي حرمة الوطء حين وقوعه، و إن لم يعاقب عليه، لعدم المنجز لحرمته حينئذ، كما لا كفارة عليه لذلك.

مع أنه مبني علي عدم جريان استصحاب الحيض قبل الاختيار، لظهور أدلة الوظيفة في الردع عنه، و إلا كان اللازم التعبد بحكم الحيض مع عدم اختيار الأقل، فإذا تعقبه اختيار الطهر ثبت حكمه ظاهرا و كان رافعا لحكم استصحاب الحيض.

و حينئذ ففي مشروعية الاختيار لها بلحاظ الزمان السابق عليه بحيث يشرع لمستمرة الدم مثلا في اليوم التاسع اختيار التحيض بالسبعة، ليكون موجبا لانقلاب الحكم عما اقتضاه إشكال، و إن كان هو مقتضي الإطلاق. كيف و لازمه جواز العدول عما اختارته أولا، لأنه مقتضي الإطلاق أيضا. فتأمل جيدا.

و كيف كان، فقد سبق جريان استصحاب الحيض في مورد الاستظهار و التحيض بالعدد، غايته أنه يجوز رفع اليد عنه باختيار الطهر في مورد التخيير. فراجع التنبيه الرابع من تنبيهات الكلام في وجوب الاستظهار، و الكلام في القول الثاني من الأقوال المخالفة للمختار في التحيض بالعدد.

الأمر الثاني: لا يخفي أن ما كان من الأحكام المتقدمة قد أخذ في أدلته عنوان الحائض

فالأصل فيه الاقتصار علي حالة الحكم بالحيضية، لخروج الدم أو لتخلل النقاء بين الدميين- بناء علي إلحاقه بالحيض- و لا يترتب مع الحكم بعدمها و إن بقي الحدث، لعدم الغسل. و لا مخرج عن ذلك في الطلاق و الظهار، بل ظاهر المسالك

ص: 74

______________________________

أنه اتفاقي. كما أنه الذي دلت عليه النصوص الخاصة في حرمة الوطء- علي ما سبق- و يتفرع عليه الكفارة، لما سبق من اختصاصها بالوطء المحرم. و من هنا كان العمل في الأحكام المذكورة علي ذلك.

كما أنه لا إشكال في توقف صحة الصلاة و الطواف الواجب علي الغسل، لأخذ الطهارة شرطا فيهما. و أما الصوم ففيه خلاف منشؤه بعض النصوص الخاصة «1» يوكل إلي محله من كتاب الصوم.

و أما الحرمة الذاتية- التي سبق منا البناء عليها في الصلاة- فنصوصها الواردة في الحائض و إن اختصت بحال الحيض، إلا أنه تقدم ظهور بعض النصوص في الحرمة مع مطلق الحدث، فيتعين لأجله البناء علي أن غايتها الغسل. و كذا حرمة مس القرآن الشريف، لاعتبار الطهارة من الحدث الأصغر في جوازه فضلا عن الأكبر. و مثله مس اسمه تعالي، لأن الاستدلال المتقدم علي حرمته- لو تم- يناسب كون المعيار فيها الحدث، كالجنب.

و أما تحريم دخول المساجد- علي التفصيل المتقدم في الجنب- و قراءة العزائم فظاهر المسالك عدم الخلاف في إناطته بالحدث، دون خصوصية حالة الحيض. و كأنه لأن المستفاد من سوق الحائض مساق الجنب في نصوصه أن المعيار فيه الحدث، كما هو المناسب لارتكاز ابتنائه علي احترام المساجد و العزائم باجتناب المحدث لها.

بل هو الظاهر مما في صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «قلنا له: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن اللّه تبارك و تعالي يقول: و لا جنبا إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا … » «2»،

فإن الاكتفاء في الاستدلال علي حكم الحائض و الجنب معا بالآية الشريفة الواردة في الجنب ظاهر في المفروغية عن كون موضوع الحكم هو الجهة المشتركة بينهما، و هي الحدث. و يؤيده ما في مرفوع أبي حمزة «3» من أمر من يفجؤها الحيض في المسجدين

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 3.

ص: 75

(مسألة 19): يجب الغسل من حدث الحيض لكل مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر (1).

______________________________

الشريفين بالتيمم و الخروج، لوضوح أن التيمم إنما يوجب تخفيف الحدث، و لا دخل بحالة الحيض مع قطع النظر عنه.

و من هنا كانت إناطة الجواز بالغسل قريبة جدا. و ما عن بعضهم من تقوية عدم وجوب الغسل في غير محله ظاهرا، و لا سيما في دخول المساجد. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(مسألة 19): يجب الغسل من حدث الحيض لكل مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر
شارة

(1) كما هو مقتضي الشرطية لو أريد بالوجوب ما يساق اللابدية. و لو أريد منه الوجوب الغيري- بناء علي ثبوت الأمر الغيري- كان مشروطا بوجوب المشروط، إذ مع استحبابه يكون مستحبا غيريا. كما أنه لو لم يكن شرطا في صحة العمل، بل كان العمل محرما بدونه- كمس الكتاب الشريف- أو مكروها فلا مجال للبناء علي وجوب الغسل أو استحبابه غيريا بسببه.

نعم، لو وجب الفعل المذكور أو اضطر إليه كان الغسل لازما أو راجحا عقلا، محافظة علي غرض الشارع من دون أمر شرعي به. و هو الحال أيضا لو وجب المشروط بالغسل أو استحب نفسيا، بناء علي ما هو الظاهر من عدم الأمر الغيري المولوي بالمقدمة. و قد تقدم منا في المسألة السابعة و التسعين من مباحث الوضوء أنه كما يكفي في التقرب المعتبر في الطهارات قصد إحدي الغايات الواجبة أو المستحبة المشروطة بها كذلك يكفي قصد استباحة ما يحرم أو يكره بدونها، سواء وجب أم لا. فراجع.

هذا، و الظاهر عدم وجوب غسل الحيض نفسيا، كما هو الحال في سائر الأغسال، و هو المعروف بين الأصحاب الظاهر من جملة من كلماتهم المفروغية عنه، بل في جامع المقاصد: «لا خلاف في أن غير الجنابة لا يجب لنفسه» و ادعي في الروض الإجماع علي أن وجوبه غيري. لكن في المنتهي أن للنظر فيه مجالا، لإطلاق الأمر به، و في المدارك:

أن قوته ظاهرة. و يظهر ضعفه مما تقدم في أول الفصل السابع من مباحث الوضوء.

ص: 76

و يستحب للكون علي الطهارة (1). و هو كغسل الجنابة في الكيفية (2)،

______________________________

(1) الظاهر عدم الإشكال فيه، لاستفادته مما تضمن استحباب الوضوء للكون علي الطهارة بالأولوية العرفية، أو لأن أسباب الحدث الأكبر نواقض للوضوء. مضافا إلي عموم ما تضمن الأمر بالطهارة الذي تقدم التعرض له عند الاستدلال علي استحباب الوضوء للكون علي الطهارة في الفصل السابع و المسألة المائة من مباحث الوضوء.

هذا، و أما استحبابه لنفسه مع قطع النظر عن الكون علي الطهارة فلا طريق لإثباته، لأن ما تضمن الأمر به لما كان ظاهرا أو صريحا في الوجوب فهو محمول علي الأمر به غيريا أو إرشادا لمقدميته للواجب أو لبيان شرطيته. و لو رود ما ظاهره استحبابه فهو منصرف للأمر به لأجل ترتب الطهارة عليه، نظير ما تقدم في الوضوء للكون علي الطهارة. فراجع.

كيفية غسل الحيض

(2) الظاهر عدم الإشكال فيه، حيث صرح به جماعة كثيرة، و يظهر من غير واحد المفروغية عنه، و في المدارك: «هذا مذهب العلماء كافة»، و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و عن كثير دعوي الإجماع عليه صريحا و ظاهرا».

و يقتضيه موثق الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: غسل الجنابة و الحيض واحد. و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب؟ قال:

نعم» «1»، و موثق أبي بصير عنه عليه السلام: «سألته أ عليها غسل مثل غسل الجنب؟ قال:

نعم. يعني الحائض» «2»، فإن مقتضي إطلاق المماثلة المساواة في الكيفية.

و أما تضمن أن غسل الجنابة و الحيض واحد- كصدر موثق الحلبي و موثقة الآخر «3» و غيرهما- فهو كما يحتمل إرادة الوحدة في الكيفية يحتمل إرادة الوحدة في العدد لبيان تداخل الغسلين. بل لعل الثاني أظهر، و لا سيما مع ورود المضمون المذكور في صحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام: «سألته عن المرأة تحيض و هي جنب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 77

______________________________

هل عليها غسل الجنابة؟ قال: غسل الجنابة و الحيض واحد» «1».

نعم، التداخل مناسب لاتحاد الكيفية، بل عدم التعرض في نصوصه لكيفية الغسل المجزي عن الغسلين أو الأغسال ظاهر في المفروغية عن اتحاد الأغسال في الكيفية. و لعله لذا استدل بعضهم بالنصوص المذكورة و بجميع نصوص التداخل.

نعم، لا مجال لما يظهر من الوسائل من الاستدلال بمعتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: «قال: و غسل الجنابة فريضة و غسل الحيض مثله» «2».

لاندفاعه: بأن المتيقن منه إرادة المماثلة في كونه فريضة، لا ما يعم الكيفية أو يختص بها.

و أضعف منه الاستدلال بموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن التيمم عن الوضوء و من الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم» «3». لوضوح ان اتحاد كيفية التيمم الذي هو بدل عن هذه الأغسال لا يستلزم اتحاد كيفيتها. فالعمدة ما سبق.

هذا، و أما قول العلامة في المنتهي: «يجب في الغسل الترتيب. و هو مذهب علمائنا أجمع». فالظاهر عدم منافاته لما تقدم، و أن مراده وجوب الغسل مع كون الغسل تدريجيا لا بنحو يمنع من الارتماس الثابت في غسل الجنابة بلا إشكال، كما هو مقتضي استدلاله بما تضمن أن غسل الجنابة و الحيض واحد بدعوي: أن الوحدة تقتضي اعتبار شرائط غسل الجنابة، و تصريحه بعد ذلك باتحاد الغسلين في الأحكام، جريا علي مقتضي الوحدة التي تضمنتها النصوص.

نعم، في النهاية: «و تستعمل في غسل الحيض تسعة أرطال من الماء، و إن زادت علي ذلك كان أفضل، و إن كان دون التسعة أرطال أو كان مثل الدهن في حال الضرورة لم يكن به بأس، و أجزأها عن الغسل».

و قد يستفاد منه إن إجزاء ما دون التسعة مختص بحال الضرورة، فيخالف

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 78

______________________________

غسل الجنابة. لكنه غير ظاهر، لقرب كون الضرورة قيدا لخصوص ما يكون بمثل الدهن- كما ذكره في غسل الجنابة أيضا- لأنه المناسب لتخصيصه بالذكر من بين ما يكون دون التسعة أرطال. علي أن الظاهر أن التقييد بالضرورة ليس لعدم الاجتزاء بالمقدار المذكور اختيارا، بل لأنه لا ينبغي اختياره مع إمكان الإسباغ بالتسعة أرطال، كما يناسبه مقابلته بين الضرورة و الإسباغ في غسل الجنابة، حيث قال: «و أقل ما يجزيه من الماء للغسل ما يكون كالدهن للبدن، و هذا يكون عند الضرورة. و الإسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء، و إن استعمل أكثر من ذلك جاز». و غاية ما يستفاد منه الفرق بين غسل الجنابة و غسل الحيض باستحباب الزيادة علي التسعة أرطال في الثاني دون الأول، حيث نص علي جواز الزيادة فيه دون أفضليتها. لكن هذا لا ينافي ما تضمن أن غسل الحيض مثل غسل الجنابة، لأن ذلك إنما يقتضي استحباب إيقاع غسل الحيض بالصاع كغسل الجنابة، و لا ينافي أفضلية إيقاعه بالأكثر.

و كيف كان، فيدل علي الاستحباب المذكور رواية محمد بن الفضيل: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال: فرق» «1»، حيث حكي عن أبي عبيدة أن الفرق ثلاثة أصوع بلا خلاف. بل قد يدل عليه ما تضمن إيقاعه بتسعة أرطال بحملها علي الرطل المدني، فتكون صاعا و نصفا، لا علي العراقي لتكون صاعا كغسل الجنابة. و قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في مستحبات غسل الجنابة.

بقي شي ء، و هو أنه قال في جامع المقاصد: «و لو تخلل الحدث في أثنائه فقولان مبنيان علي الخلاف في غسل الجنابة. و يمكن الجزم بعدم الإعادة هنا، كما قطع به المصنف في التذكرة و جزم به في النهاية».

و لا يخفي أن بناء الخلاف هنا علي الخلاف في غسل الجنابة- مع عدم مناسبته لما حكاه عن التذكرة و نهاية الأحكام من عدم الانتقاض هنا مع اختيار انتقاض غسل الجنابة فيهما- لا يتضح وجهه بعد الفرق بين الغسلين بالإجماع علي إجزاء غسل الجنابة

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 79

______________________________

عن الوضوء و الخلاف في إجزاء غسل الحيض عنه.

بل اللازم النظر في وجه الانتقاض في غسل الجنابة. فإن كان هو عموم قوله تعالي: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) «1»، بالتقريب المتقدم هناك، فمن الظاهر اختصاصه بغسل الجنابة، و لا يعم غيره حتي لو قيل بإجزائه عن الوضوء.

و إن كان هو رواية عرض المجالس للصدوق «2» المتقدمة هناك فلا يبعد البناء علي التعميم، لأن المخاطب فيها و إن كان هو الرجل الذي لا يبتلي بأغسال الدماء، إلا أن إطلاق الغسل فيها شامل لغير غسل الجنابة مما يجب علي الرجل، و هو غسل مس الميت، الذي هو كغسل الحيض في الخلاف المذكور.

و إن كان هو دعوي ملازمة ذلك لإجزائه عن الوضوء، كان اللازم البناء علي ذلك في غسل الحيض، لو قيل بإجزائه عنه أيضا، و إن قيل بعدم إجزائه عنه فإن بني علي أن الغسل ينفرد برفع الحدث الأكبر و الوضوء ينفرد برفع الحدث الأصغر لزم البناء علي عدم انتقاض غسل الحيض بالحدث الأصغر، لعدم دخله به، و إن بني علي اشتراكهما في رفع الحدثين بمجموعهما كان غسل الحيض كغسل الجنابة في الجهة الموجبة للانتقاض، لأنه يكون مؤثرا في رفع الحدث الأصغر في الجملة، كما يكون الحدث المتخلل له ناقضا له في الجملة.

و ما حكاه في جامع المقاصد عن الذكري من تعليل عدم الانتقاض بالاشتراك المذكور، في غير محله جدا- كما نبه له في جامع المقاصد- أولا: لما ذكرنا من أنه بالانتقاض أنسب.

و ثانيا: لأن الاشتراك المذكور بعيد في نفسه، علي ما أوضحناه في مبحث تداخل الأغسال من المسألة الثالثة و السبعين من مباحث الوضوء. فراجع.

لكن لا يبعد كون مراد الذكري التعليل بأن الوضوء هو الدخيل في رفع

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الجنابة حديث: 4.

ص: 80

من الارتماس و الترتيب (1). نعم المشهور أنه لا يجزي عن الوضوء كغيره

______________________________

الحدث الأصغر فلا موجب لبطلان الغسل به. قال: «لو تخلل الحدث الغسل المكمل بالوضوء أمكن [القول. ظ] بالمساواة في طرد الخلاف و أولوية الاجتزاء بالوضوء هنا، لأن له مدخلا في إكمال الرفع أو الاستباحة. و به قطع الفاضل في النهاية مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة» حيث لا يبعد رجوع الضمير في قوله: «لأن له مدخلا» إلي الوضوء دون الغسل.

هذا، و ربما يدعي أن مقتضي ما دل علي أن غسل الحيض كغسل الجنابة مشاركته له في الانتقاض بتخلل الحدث الأصغر لو قيل به فيه. و به يوجه ما تقدم من جامع المقاصد من بناء الحكم هنا علي الخلاف هناك. لكنه يشكل بأن منصرف المماثلة خصوص الكيفية دون سائر الأحكام.

اللهم إلا أن يقال: انتقاض الغسل بالحدث الأصغر المتخلل بين أجزائه ليس من أحكامه اللاحقة له في فرض وجوده و ترتب الأثر عليه نظير إجزائه عن الوضوء، بل هو راجع إلي اعتبار عدم تخلل الحدث الأصغر في ترتب الأثر عليه، فهو نظير الموالاة لو قيل باعتبارها راجع إلي الكيفية المعتبرة في التأثير، فيشمل إطلاق المماثلة.

نعم، لو كان انتقاضه تابعا لرافعيته للحدث الأصغر فلا موضوع للانتقاض في غسل الحيض بناء علي عدم دخله في رفعه و انفراد الوضوء برفعه، و يلزم رفع اليد عن إطلاق المماثلة في ذلك.

و لعل ذلك هو مراد سيدنا المصنف قدّس سرّه و إن كانت عبارته لا تفي به.

(1) بناء علي وجوب الترتيب في غسل الجنابة غير الارتماسي. أما بناء علي عدمه فالمتعين عدم وجوبه في غسل الحيض، لإطلاق أدلة المماثلة المتقدمة، و لخصوص بعض النصوص الواردة في غسل المرأة الذي كان غسل الحيض من أظهر أفراده، و قد تقدمت عند الكلام في وجوب الترتيب. و ما سبق من المنتهي من دعوي الإجماع علي وجوب الترتيب في غسل الحيض ليس بنحو يصلح لرفع اليد عما ذكرنا.

ص: 81

من الأغسال عدا غسل الجنابة (1). و هو غالبا أحوط.

______________________________

و لا سيما مع قرب ابتنائه علي دعوي الإجماع عليه في غسل الجنابة، و المفروض عدم التعويل عليها.

هل يجزي الغسل عن الوضوء
قول الأول عدم الإجزاء
اشارة

(1) فقد صرح بعدم إجزائها عن الوضوء جمهور الأصحاب، كالصدوق و الشيخين و بني زهرة و حمزة و إدريس و سلار و الفاضلين و الشهيدين و الكركي و غيرهم، و نسبه في المعتبر و كشف اللثام للأكثر، و في الروض و المدارك و المفاتيح و الحدائق و محكي المختلف للمشهور، و في السرائر للمحققين المحصلين الأكثرين من أصحابنا، و عن الذكري أنه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، و عدّه الصدوق في الأمالي من دين الإمامية.

خلافا لما حكاه في المبسوط و السرائر عن بعض أصحابنا، و هو المحكي عن المرتضي و ابن الجنيد، و قد يستفاد من الكليني حيث ذكر الطائفتين من النصوص بضميمة ما ذكره في ديباجة الكافي من أنه مع تعارض النصوص فالتخيير عند عدم المرجح، و جري علي ذلك جماعة من متأخري المتأخرين، كأصحاب المدارك و المفاتيح و الوسائل و الحدائق و حكي عن جماعة غيرهم.

و قد يستدل علي الأول بأمور:

الأول: الإجماع

المستفاد مما تقدم من الأمالي مؤيدا بالشهرة المذكورة، قال في الجواهر: «و فيها من لا يعمل إلا بالقطعيات و ما هو كمتون الأخبار، كالنهاية و الفقيه و الهداية. و هو المنقول عن والد الصدوق أيضا. مع أنه علله في الفقيه و الهداية مما [بما. ظ] ينبئ عن ذلك، حيث قال في الأول: … لأن الغسل سنة، و الوضوء فرض، و لا تجزئ سنة عن فرض. و نحوه في الهداية، كالمنقول عن فقه مولانا الرضا عليه السلام مع زيادة تأكيد لعدم الإجزاء».

لكن كلام الأمالي غير ظاهر في الإجماع، بل ملاحظة تمامه تشهد بأن مراده بيان ما هو من دين الإمامية بنظره الشريف، و ما في صدر كلامه من ذكر الإقرار في بيان الدين

ص: 82

______________________________

الظاهر في كون المقرّ به ضروريا من دينهم لا بد من حمله علي خصوص أصول الدين أو مع الفرائض التي صدر بها الكلام، دون خصوصياتها و فروعها التي فرعها بعد ذلك و التي لا ريب في عدم توقف الدين علي الإقرار بها، و عدم بلوغها مرتبة الضرورة.

و أما الشهرة فهي لا تصلح لتأييد الإجماع مع الاطلاع علي الخلاف. و اشتمالها علي من لا يعمل إلا بالقطعيات- لو تم- و من يفتي بمتون الأخبار إنما يكشف عن وجود نص في المسألة، و ليس هو موردا للإشكال، لا عن كون الحكم إجماعيا قطعيا.

و كذا ما أشير إليه في الفقيه و الهداية من أنه لا تجزي سنة عن فريضة لو أريد به الإشارة إلي مضمون نص لا مجرد قضية اجتهادية.

علي أنه لا يناسب ما تقدم من التداخل في جميع الأغسال التي فيها السنة. بل لو تم فالاستدلال به لا يناسب ما في الأمالي و الهداية من أن غسل الحيض فريضة كغسل الجنابة، الذي هو مقتضي ذكره في الكتاب المجيد في آية اعتزال النساء في المحيض، و ما في معتبرة الفضل بن شاذان «1» المتقدمة في كيفية غسل الحيض.

نعم، قد لا يناسب ذلك ما في خبر سعد بن أبي خلف: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنة» «2». إلا أن يكون عدم شرحه للأغسال المذكورة مانعا من دلالته علي عدم كون غسل الحيض فريضة.

و كيف كان، فلا مجال في المقام لدعوي الإجماع، بحيث يكون الحكم قطعيا، بل هو تابع للاستفادة النظرية و الاجتهاد في مفاد النصوص، و لذا جعله في موضع من المبسوط الأظهر من الروايات الأحوط، مع الاعتراف فيه و في غيره بالخلاف فيه.

الثاني: إطلاق ما دل علي سببية أسباب الحدث الأصغر للوضوء

بضميمة عدم الفصل بين ما لو قارن سبب الغسل أحدها و ما لو لم يقارنه.

و فيه: أنه ليس بأولي من الاستدلال علي إجزاء الغسل عن الوضوء بظهور

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 11.

ص: 83

______________________________

نصوص أغسال الأحداث الكبري في كونها رافعة لتلك الأحداث بتمامها و موجبة للطهارة التامة منها من دون حاجة للوضوء، إذ بضميمة عدم الفصل المذكور يستفاد عدم الحاجة للوضوء فيما لو حصل سبب الحدث الأصغر.

بل الثاني هو الأولي، لأن المستفاد من مجموع الأدلة- و لو بضميمة عدم الفصل المذكور- أن أسباب الحدث الأكبر نواقض للوضوء، أو حيث كانت النواقض تتداخل في الرافع، فإجزاء الغسل عن الوضوء- كما هو ظاهر نصوص أغسال الأحداث الكبري بالبيان المتقدم- ليس لعدم كون سبب الحدث الأصغر موجبا للوضوء، لينافي إطلاق دليل سببيته له، بل لقيام الغسل مقام الوضوء في رافعيته للحدث المسبب عنه. فلاحظ.

الثالث: النصوص الخاصة،

ففي صحيح ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة» «1» و في صحيحه الآخر عن حماد أو غيره عنه عليه السلام: «في كل غسل وضوء إلا الجنابة» «2» و يعضدهما خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام: «قال: إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ [ثم. يب] و اغتسل» «3».

و لا يقدح في الأولين الإرسال بعد كون المرسل لهما ابن عمير- علي ما تقدم في مبحث تحديد الكر بالوزن- و لا سيما مع ظهور اعتماد الأصحاب عليهما. بل عن المختلف و الذكري رواية الثاني عن حماد بعينه، فيكون من الصحيح المصطلح، و إن كان الظاهر أنه و هم منهما، لما ذكره غير واحد من أن الموجود في كتب الأخبار ما تقدم، كما هو الحال فيما في التهذيب. فالعمدة ما ذكرنا.

القول الثاني إجزاء الغسل عن الوضوء
اشارة

لكنها معارضة بجملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: الغسل يجزي عن الوضوء، و أي وضوء أطهر من الغسل؟!» «4».

و لا مجال لحمل اللام فيه علي العهد فيراد منه غسل الجنابة، لعدم تقدمه في الكلام.

كما لا مجال لما في المنتهي من عدم دلالة اللام علي الاستغراق. لأنها لو لم تدل

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 1.

ص: 84

______________________________

عليه وضعا فهي تدل عليه إطلاقا بعد عدم العهد. و لا سيما مع مناسبة التعليل فيه للعموم، لأن ارتكازيته تقتضي عدم الفرق فيه بين الأغسال.

و منه يظهر الاستدلال بصحيح حكم بن حكيم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة … قلت: إن الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة، فضحك و قال:

و أي وضوء أنقي من الغسل و أبلغ؟!» «1».

و أصرح منهما في العموم موثق عمار: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال:

لا ليس عليه قبل و لا بعد، قد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد، قد أجزأها الغسل» «2»، و في مرسل حماد عنه عليه السلام: «في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أ يجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أي وضوء أطهر من الغسل؟!» «3»، و في مكاتبة الهمداني إلي أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة «فكتب: لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره» «4»، و في مرسلة الكليني: «و روي أنه ليس شي ء من الغسل فيه وضوء إلا غسل يوم الجمعة، فإن قبله وضوء» «5».

و يدل علي ذلك أيضا نصوص الأغسال من الأحداث، لما أشرنا إليه في الوجه الثاني من ظهورها في إزالتها لتمام آثار أسبابها، و لا سيما مع تعقيبها بالصلاة في مثل قوله عليه السلام في صحيحة الصحاف: «فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل و لتصل» «6»، و في مرسلة يونس الطويلة: «و إذا أدبرت فاغتسلي و صلي … و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي وصلي … » «7»، و في مرسلته الأخري: «و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت … فإذا حاضت المرأة و كان حيضها

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 7.

(6) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 3.

(7) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 85

______________________________

خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت» «1»، و غيرها.

و أظهر منها جملة من نصوص المستحاضة المتضمنة لذكر الوضوء في بعض الفروض و الاقتصار علي الغسل في مورد الحاجة إليه، لأن إهمال الوضوء مع الغسل مع ذكره منفردا كالصريح في عدم الحاجة له مع الغسل في إزالة أثر السبب الموجب له. غاية الأمر أن هذه الطائفة لا تنهض ببيان الاكتفاء بالغسل في فرض تحقق سبب الحدث الأصغر، لعدم النظر فيها إليه، فلا بد من تتميمه بعدم الفصل، كما تقدم في الوجه الثاني.

نعم، قد لا يحتاج للمتمم المذكور في معتبرة أبي عبيدة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض تري الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة. قال: إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي … » «2»، لوضوح عدم انفكاك الحائض في مدة حيضها عن سبب الحدث الأصغر فعدم التعرض فيه للوضوء مع وجدان ما يكفي له من الماء و لتكرار التيمم مع فقده كالصريح في كفاية التيمم الواحد لرفع أثري الحيض و سبب الحدث الأصغر معا. و ربما ظهر بسبر النصوص ألسنة أخر تناسب ذلك. و بما ذكرنا يتضح أنه لا مجال لطعن هذه النصوص بضعف السند، لاعتبار سند كثير منها.

نعم، ردها في الجواهر بإعراض الأصحاب عنها، فإن النصوص كلما كثرت و صحت و صرحت و كانت بمرأي من الأصحاب و مسمع كان إعراضهم عنها أدعي لطرحها و عدم الركون إليها.

لكن لم يتضح كون بناء المشهور علي وجوب الوضوء لإعراضهم عن هذه النصوص و هجرها باطلاعهم علي خلل مانع من الاعتماد عليها، بل لعله للجمع بينها و بين النصوص الأول بما يقتضي ذلك أو لترجيح تلك النصوص عليها بموافقتها للاحتياط أو بغير ذلك، كما هو مقتضي تعرض القدماء و المتأخرين للخلاف و لوجه

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 86

______________________________

الترجيح أو الجمع بين النصوص من دون إشارة إلي ما يوهن هذه النصوص في نفسها من شذوذ أو نحوه.

و هو المناسب لما تقدم من المبسوط من أن عدم الإجزاء هو الأظهر من الروايات و الأحوط، و من السرائر من نسبته للمحققين المحصلين المشعر بكونه مقتضي التحقيق و التحصيل بنظره لا مقتضي المفروغية و التسالم. و من هنا لا مجال لدعوي و هن هذه النصوص بالهجر، بل لا بد من النظر في وجه الجمع بينها و بين النصوص السابقة.

و قد حاول غير واحد ممن ذهب لعدم إجزاء الغسل عن الوضوء حمل هذه النصوص علي ما لا ينافي ذلك، إما لأنه خير من الطرح، أو لأنه مقتضي الجمع العرفي و لو بقصر النظر علي بعضها دون بعض. فحملها في التهذيب و الاستبصار علي ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة.

لكنه- كما تري- بعيد جدا مخالف لما هو كالمقطوع به منها من خصوصية هذه الأغسال في الإجزاء، و لا سيما بملاحظة التعليل المتقدم في جملة منها و غيره مما يظهر بالتأمل فيها.

و أضعف منه ما في المنتهي من إمكان حملها علي بيان كمال الأغسال المذكورة فيما شرعت له من دون حاجة للوضوء، و إنما يحتاج للوضوء لأجل الصلاة، فبغسل الحيض مثلا يرتفع حدثه و تبقي المرأة كغيرها من المكلفين إذا أرادت الصلاة يجب عليها الوضوء. لاندفاعه بأنه تكلف لا مجال لحمل النصوص عليه، لعدم مناسبته للتعليل و لا لظهور ترتب الصلاة علي الغسل في جملة منها و لا لظهور رافعية الغسل لتمام الحدث الحاصل بأسباب الحدث الأكبر، كما تقدم. علي أنه أشبه بالجمع التبرعي.

و أما ما في المعتبر من حملها علي خصوص غسل الجنابة، فهو مخالف لصريح بعضها و للتعليل في آخر. و ما في الجواهر من تأييده بظهور بعض النصوص في أنه هو الذي وقع الخلاف فيه بيننا و بين العامة. كما تري لعدم صلوح ذلك للتأييد بعد عدم ظهور تلك النصوص في انحصار الخلاف بيننا و بينهم فيه، و عدم القرينة علي

ص: 87

______________________________

اختصاص الإجزاء عن الوضوء بمورد الخلاف المذكور.

نعم، قد يتوجه جعل نصوص عدم الإجزاء قرينة علي حمل الطائفة الأخيرة من نصوص الإجزاء- و هي نصوص الأغسال الظاهرة في رافعيتها لتمام أثر الحدث- علي مجرد لزوم الغسل و إن لم يكن رافعا لتمام أثر سببه. و إن كان ذلك قد لا يناسب كثرة النصوص المذكورة، حيث يبعد جدا إهمال التنبيه علي الوضوء فيها لو كان واجبا. بل لعله لا يمكن في معتبرة أبي عبيدة المتقدمة.

و لعله لضعف هذه التوجيهات و غيرها مما أجيب به عن هذه النصوص اعتمد عليها من ذهب إلي إجزاء الغسل عن الوضوء و هو في محله بعد حجيتها في نفسها و قوة دلالتها. و لا سيما مع ظهور تعليل الإمام عليه السلام الحكم في اهتمامه بإثبات مضمونه و دفع الشبه عنه، بنحو قد يكشف عن خلل إجمالي في النصوص الظاهرة في وجوب الوضوء.

و قد ذكر غير واحد أن تلك النصوص محمولة علي الاستحباب جمعا مع نصوص الإجزاء، كما هو المتبع في أمثال المقام مما تضمن بعض أدلته تشريع الفعل بنحو يظهر في وجوبه مع تصريح بعضها بعدم وجوبه، بل لعله في المقام أظهر، و بوجه أبعد عن التنافي بين النصوص.

و توضيح ذلك أن تشريع الوضوء مع الغسل..

تارة: لكونه مستقلا بأثره في قبال الغسل، بحيث لو كان واجبا لكان هو الرافع للحدث الأصغر، و إن كان مستحبا لزم معه تأكد الطهارة كما يلزم مع الوضوء التجديدي.

و أخري: لكونه من شئون الغسل و لواحقه، بحيث لو كان واجبا لكان شرطا فيه، و لو كان مستحبا كان من آدابه الموجبة لكماله، كالمضمضة و الاستنشاق، مع انفراد الغسل بالتأثير، و إن كان الظاهر المفروغية عن أن تشريعه بهذا الوجه يكون بنحو الاستحباب، و أن وجوبه يبتني علي الوجه الأول.

هذا، و الظاهر أن الثاني هو الأنسب بمجموع الأدلة، أما نصوص الإجزاء

ص: 88

______________________________

فلأنها ظاهرة في قيام الغسل بأثره المعهود و هو رفع الحدث الأصغر بنحو يغني عنه فيه، و لا تنافي مشروعيته علي أنه من آدابه الموجبة لكماله.

و أما نصوص مشروعية الوضوء فلأن رواية ابن أبي عمير الثانية قد تضمنت مشروعية الوضوء في الغسل، لا معه، و هو يناسب كونه من لواحقه المعدودة كالجزء منه، كما هو المناسب لما في روايته الأولي- و هو المنصرف من خبر ابن يقطين- من الأمر به قبله و لما تضمنته جملة من أن الوضوء بعد الغسل بدعة، كموثق سليمان بن خالد أو صحيحه عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: الوضوء بعد الغسل بدعة» «1» و غيره، فإنه لو كان مستقلا بأثره- واجبا أو مستحبا- لم يظهر وجه تقديمه، بل قد يكون الأنسب تأخيره، لما هو المتعارف من إزالة الأقوي قبل الأضعف، و لأن تقديم الوضوء معرض له للانتقاض قبل ترتب غايته من الصلاة و غيرها، و لا سيما مع كثرة إيقاع الغسل قبل الوقت، فتقديمه يناسب كونه من شئون الغسل كسائر مقدماته، التي لا موضوع لها بعده، بل تكون بدعة، كما لا موضوع لها مع الانتقال للتيمم بدلا عن الغسل.

نعم، قد ينافي الوجه المذكور صحيح حكيم المتقدم، لتضمنه استنكار ما يقوله الناس من لزوم الوضوء قبل غسل الجنابة و تعليله بما يناسب الإجزاء، لا عدم كونه من مقدمات الغسل، و مكاتبة الهمداني النافية للوضوء في جميع الأغسال، لا معها، و كذا مرسلة الكليني المثبتة له قبل غسل الجمعة و النافية له في غيره، لا معه، و مرسلة محمد بن أحمد: «ان الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة» «2».

اللهم إلا أن يدفع ما ذكره في الصحيح بأنه عدم مناسبة لزوم كون الوضوء قبل الغسل لكونه واجبا في قباله لا ينافي جري العامة علي ذلك، فاحتيج لردعهم بالتعليل المناسب للإجزاء.

و في المكاتبة بأن حرف الجر و إن كان مناسبا لكون الوضوء من آداب الغسل لا في قباله، إلا أن قوله: «للصلاة» ظاهر في بيان غاية الوضوء لا نوعه، و هو يناسب

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الجنابة حديث: 5.

ص: 89

______________________________

نفي شرطيته للصلاة في قبال الغسل، لا نفي مشروعيته لتكميله.

كما أن مرسلة الكليني- مع أنها قد تضمنت التفصيل بوجه لا قائل به- لا يبعد كونها منقولة بالمعني، و قد غفل فيها عن الفرق بين مفاد (في) و مفاد (مع). و أما مرسلة محمد بن أحمد فمن القريب كون الواو فيها عاطفة بين جملتين، لا بين الظرفين، فهي لا تدل علي عدم مشروعية الوضوء لا قبل الغسل و لا بعده، بل علي مشروعيته قبله و عدم مشروعيته بعده، فتناسب الجمع المذكور.

علي أن ضعف المكاتبة و المرسلتين مانع من التعويل عليها في الخروج عما ذكرناه إذا اقتضاه الجمع بين النصوص.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في أن مقتضي الجمع العرفي بين الطائفتين هو البناء علي الاستحباب بأحد الوجهين المتقدمين، و إن كان الثاني هو الأظهر بالنظر لمجموع النصوص.

و بذلك لا تصل النوبة للترجيح بين الطائفتين، ليكون مع نصوص الإجزاء بسبب مخالفتها للعامة، لما في الحدائق من أن الظاهر أنه لا خلاف بينهم في وجوب الوضوء. علي أنه لو سلم استحكام التعارض و وصول النوبة للترجيح فلم يتضح تحقق المرجح المذكور، لأن ظاهر المنقول عنهم عدم الفرق بين غسل الجنابة و غيره في حكم الوضوء و أن غسل الحيض مشارك له فيه، فتكون نصوص التفصيل مخالفة لهم أيضا.

و مثله ترجيح نصوص الإجزاء بالشهرة بسبب كثرة عددها. للإشكال في كفاية ذلك في الترجيح، بل الظاهر الاقتصار فيه علي ترجيح المشهور علي الشاذ النادر، و لم يتضح كون نصوص وجوب الوضوء من الشاذ النادر.

و نظير ذلك في الضعف دعوي: أن الترجيح لنصوص وجوب الوضوء، إما لشهرة مضمونها بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا- كما عن الذكري- أو لموافقتها للكتاب، لأن مقتضي إطلاق آية الوضوء وجوبه بحصول سببه و لو مع حصول سبب غسل غير الجنابة أيضا.

ص: 90

______________________________

لاندفاعها بعدم كون الشهرة الفتوائية من المرجحات، و عدم ثبوت الإطلاق في الآية الشريفة بعد معلومية عدم كون الموضوع هو القيام إلي الصلاة، بل ذكره فيها مبني علي المفروغية عن تحقق الموضوع، و هو الحدث الأصغر من دون إطلاق له يشمل فرض مقارنته للحدث الأكبر.

بل بناء علي أن المراد القيام من النوم فمقتضي التفصيل فيها بين صورتي الجنابة و عدمها بلزوم الغسل في الأولي و الوضوء في الثانية كون المفروض مع عدم الجنابة انفراد حدث النوم و عدم مصاحبته لما يوجب الغسل، فيقصر عن المقام.

و بعبارة أخري: لما كان ظاهر الآية الشريفة بيان تمام الوظيفة في صورتي القيام من النوم كانت قاصرة عن صورة اجتماع غير الجنابة من الأحداث الكبري مع النوم.

و لا مجال لدعوي: أن خروجه عن إطلاقها إنما هو في انحصار الوظيفة بالوضوء، لا في أصل وجوبه و لو مع الغسل. لبعد التفكيك المذكور، و لا سيما مع ذكر الغسل في الجنب، حيث يبعد إهماله في غير الجنب لو كان الإطلاق شاملا لمورد لزومه. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي في المقام أمر، و هو أنه هل يجب تقديم الوضوء علي الغسل أو يجوز تأخيره عنه؟

وجهان صرح بالأول في الغنية، كما هو ظاهر الفقيه و الهداية و المقنعة و النهاية و المراسم و ما عن الصدوق الأول و الحلبيين و الوحيد في شرح المفاتيح، و عن الذكري أنه الأشهر. و صرح بالثاني في النهاية و موضع من المبسوط و الوسيلة و السرائر و جملة من كتب الفاضلين و الشهيدين و جامع المقاصد و غيرها، و قد يظهر من إطلاق بعضهم و في الحدائق أنه المشهور، كما قد يظهر من المعتبر نسبته للأكثر، بل في السرائر بعد أن حكي عن بعض كتب أصحابنا ما ظاهره وجوب التقديم: «فإن أراد يجب تقديم الوضوء علي الغسل فغير صحيح بغير خلاف».

نعم، صرح باستحباب تقديمه في النهاية و اللمعة. و لعله إليه يرجع ما في

ص: 91

______________________________

موضع آخر من المبسوط من قوله: «و يلزمها تقديم الوضوء، ليسوغ لها استباحة الصلاة … فإن لم تتوض قبله فلا بد منه بعده»، و إلا فمن البعيد إرادته الوجوب التكليفي، بل هو لا يناسب جعل غايته تسويغ الصلاة، و لا معني لإرادة الوجوب الشرطي مع الصحة لو خولف.

و كيف كان، فيشهد بالأول رواية ابن أبي عمير الأولي، من دون فرق بين مباينتها للثانية- كما هو مقتضي الأصل- و اتحادهما مع الاختلاف بينهما في المعني، لأن الفرق بينهما عرفا ليس بنحو التباين ليسقطا معا عن الحجية، بل بالإجمال و التفصيل، و معه يكون العمل علي التفصيل الذي تضمنته الأولي.

و لا سيما مع قرب إشعار التعبير ب «في» في الثانية في كون الوضوء من شئون الغسل المناسبة لتقديمه و مع اعتضاده بخبر ابن يقطين، لأن ظاهر الأمر بشي ء عند إرادة آخر تقديمه عليه. هذا لو كان العطف فيه بالواو و لو كان ب (ثم) فالأمر أظهر.

مضافا إلي ما تضمن أن الوضوء بعد الغسل بدعة. و دعوي: أنه معارض بإطلاق ما تضمن وجوب الوضوء مع غسل غير الجنابة المقتضي لجواز تأخيره عن الغسل، و كما يمكن حمل الإطلاق المذكور علي الوضوء قبل الغسل لأجل هذه النصوص يمكن حمل هذه النصوص علي غسل الجنابة لأجل الإطلاق المذكور، و بعد تساقطهما يكون المرجع إطلاق ما تضمن سببية أسباب كل من الحدث الأكبر و الأصغر للغسل و الوضوء المقتضي لعدم الترتيب بينهما عند الاجتماع، و يبني علي ذلك في صورة انفراد سبب الحدث الأكبر، لعدم الفصل المشار إليه آنفا.

مدفوعة- بعد تسليم حجية عدم الفصل في المقام-.. أولا: بانحصار دليل الإطلاق المذكور برواية ابن أبي عمير، و هي إن بني علي مباينتها للأولي لزم تقييدها بها و إن بني علي اتحادهما و أنهما رواية مضطربة سقطتا معا عن الحجية، و علي كلا الحالين لا يبقي إطلاق ينهض بمعارضة إطلاق ما تضمن بدعية الوضوء.

و ثانيا: بأنه لا ينبغي التأمل في تقديم ما تضمن بدعية الوضوء علي الإطلاق

ص: 92

______________________________

المذكور، لأن الأول أقوي في العموم لغسل غير الجنابة الذي هو الأكثر من الثاني في العموم من حيثية محل الوضوء، فيحمل الثاني علي أصل تشريع الوضوء من دون نظر لمحله، و لا سيما بناء علي عدم مشروعية الوضوء مع غسل الجنابة حتي قبله، حيث يلزم من حمل ما تضمن بدعية الوضوء علي غسل الجنابة إلغاء خصوصية البعدية في البدعية.

و دعوي: أن بناء المشهور علي جواز تأخير الوضوء، بل نفي الخلاف فيه في السرائر مانع من التعويل علي ما دل علي المنع منه و علي وجوب التقديم و ملزم بحمله علي بيان مجرد لزوم الوضوء مع الغسل أو أفضلية التقديم.

مدفوعة بأن الشهرة المتقدمة ليست بحد يخرج بها عن ظاهر النصوص، بل عن صريح نصوص بدعية الوضوء بعد الغسل. و حملها علي البدعية مع قصد وجوب التأخير لا مطلقا تكلف لا مجال له، و لا سيما مع ظهور الخلاف ممن تقدم. و مع قرب أن يكون منشأ ذهاب المشهور لذلك بناؤهم علي استقلال الوضوء بأثره في قبال الغسل، بضميمة ما أشرنا إليه آنفا من استبعاد خصوصية التقديم مع ذلك، مع أن الاستبعاد المذكور لو تم لا يكون قرينة علي رفع اليد عن دلالة النصوص علي لزوم التقديم، بل علي ما ذكرناه من كون الوضوء من مقدمات الغسل من دون أن يستقل بالأثر، و يكون ملزما بالبناء علي استحباب الوضوء.

و أما الاستدلال علي جواز التأخير بالرضوي: «و إذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ و أعد الصلاة» «1» بضميمة ما في الجواهر من القطع بعدم خصوصية النسيان.

فلا مجال له بعد ما تكرر من عدم بلوغه مرتبة الحجية. و مجرد موافقة المشهور له- لو تم- لا يكفي في جبره مع عدم ظهور اعتمادهم عليه، كما تكرر في نظائر المقام. و بالجملة:

بناؤهم علي جواز تأخير الوضوء لا يناسب اعتمادهم علي النصوص المتقدمة في أصل وجوبه، و هو كاشف عن اضطرابهم في مفاد نصوص المقام.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 1.

ص: 93

______________________________

ثم إن ظاهر النصوص كون تقديم الوضوء شرطا في ترتب الأثر، فلا يصح الغسل بدونه، و هو ظاهر من تقدم عدا الوحيد فحكم بوجوبه تكليفا مع عدم الشرطية. و لعله لما في الرياض عن بعض مشايخه من نفي الخلاف في عدم الشرطية و لذا جعله المتعين في الرياض علي القول بالوجوب. و لم يتضح وجهه بعد ظهور النص و الفتوي في الشرطية.

نعم، إنما يظهر أثر الفرق في تقديم الغسل نسيانا، و إلا فمع تقديمه عمدا يبطل علي القول بوجوب تقديم الوضوء تكليفا، لتعذر التقرب به، لكونه مفوتا للواجب، فلا وجه لما في الرياض من أنه لو أثم بالتأخير عمدا- علي القول بالوجوب- صح غسله و وجب عليه الوضوء.

هذا، و بناء علي جواز تأخير الوضوء فقد اقتصر أكثر من قال بذلك علي التخيير بينه و بين التقديم منهم العلامة في القواعد، و في جامع المقاصد: «و قد يفهم من عبارة المصنف عدم جواز تخلل الوضوء الغسل. و ليس بمراد». و كأنه لأن دليل جواز تأخير الوضوء لما كان هو الإطلاق فهو يقتضي جواز إيقاعه في أثنائه- كما يقتضي جواز إيقاع الغسل في أثناء الوضوء، و إيقاع بعض كل منهما في أثناء الآخر- و معه لا وجه للمنع منه.

بل قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «بل لعله أولي من التأخير، لسلامته من شبهة البدعة. بل لعله أولي من التقديم أيضا، لمخالفته لمرسل نوادر الحكمة و الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة» «1».

لكن ما ذكره أخيرا مبني علي كون العطف في المرسل بين الظرفين، و قد تقدم في ذيل الكلام في الجمع بين النصوص قرب أن يكون بين جملتين. مضافا إلي أنه لو تم فالمستفاد منه عدم مشروعية الوضوء مع الغسل مطلقا، لا في خصوص تقديمه و تأخيره. بل حمل دليل مشروعية الوضوء مع الغسل علي الإتيان بأحدهما في أثناء الآخر مقطوع بعدمه. علي أن لا ريب في أن مراعاة لزوم التقديم للنصوص المتقدمة

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 5.

ص: 94

(مسألة 20): يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان (1) دون غيره (2)،

______________________________

أولي من مراعاة عدم جوازه للمرسل المذكور.

ثم إنه تقدم في مبحث تداخل الأغسال و عدم وجوب الوضوء لو كان في أحدها جنابة أن لزوم الوضوء لو تم ليس بنحو يتوقف عليه ترتب الأثر علي الغسل، فلو انفرد الغسل- بناء علي جواز تأخير الوضوء عنه- كان رافعا للحدث الأكبر، و جاز ترتيب آثار الطهارة منه، كالمكث في المسجد و غيره، و به صرح بعضهم. فراجع و تأمل جيدا و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

مسألة 20: يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان دون غيره
اشارة

(1) بلا إشكال، ففي صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصيام. قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان … » «1».

و هو المتيقن من معقد الإجماع علي وجوب قضاء الصوم المدعي في السرائر و التذكرة و الروض و المدارك و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و الذكري، و ظاهر الأولين أنه إجماعي بين المسلمين، كصريح المعتبر و المنتهي مستثنيا فيه الخوارج. و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا … بل كاد يكون ضروريا».

و النصوص به مستفيضة، بل قيل: انها متواترة «2»، و يأتي بعضها، و ظاهر جملة منها كجملة من كلماتهم المفروغية عنه.

(2) يعني: من أفراد الصوم الموقت كصوم من نام عن صلاة العشاء لو قيل بوجوبه. و لا يخفي أن مقتضي إطلاق معقد الإجماعات المتقدمة عدم الفرق بين صوم رمضان و غيره، كما هو مقتضي إطلاق غير واحد من النصوص كصحيح الحسن [الحسين. خ ل] بن راشد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الحائض تقضي الصلاة؟ قال:

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض.

ص: 95

______________________________

لا، قلت: تقضي الصوم؟ قال: نعم. قلت: من أين جاء هذا؟ قال: إن أول من قاس إبليس … » «1».

و الانصراف إلي صوم رمضان بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق.

كاختصاص بعض النصوص- كالصحيح المتقدم- بصوم شهر رمضان، لعدم منافاته للإطلاق بعد كونهما مثبتين.

كما لا ينافيه ما تضمن تعليل الفرق بين الصوم و الصلاة بأن الصوم إنما هو في السنة شهر، و الصلاة في كل يوم و ليلة «2». لأن التعليل و إن اختص بصوم رمضان، إلا أن ظاهر النص كونه حكمة لا علة يدور الحكم مدارها وجودا و عدما.

علي أن الظاهر إلغاء خصوصية الشهر في التعليل، و أن المعيار فيه عدم استمرار الصوم في مقابل الصلاة التي تجب كل يوم، لأنه الأنسب بارتكازية التعليل و بما في معتبرة الفضل بن شاذان من تعليل الفرق بين الصلاة و الصوم بقوله عليه السلام: «و منها:

أنه ليس من وقت يجي ء إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها و ليلتها، و ليس الصوم كذلك، لأنه ليس كلما حدث عليها يوم وجب الصوم، و كلما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة» «3». مضافا إلي عموم التعليل الآتي الذي تضمنته أيضا.

نعم، الظاهر عدم ورود الإطلاق لبيان خصوصية الحيض في وجوب قضاء الصوم الذي يترك بسببه، ليكون مقتضاه وجوب قضاء الصوم و إن لم يثبت من دليل آخر أن من شأنه أن يقضي، بل لبيان عدم خصوصيته في سقوط قضاء الصوم الذي يترك بسببه، كما هو الحال في مسقطيته لقضاء الصلاة.

و من هنا لا ينهض ببيان لزوم قضاء الصوم الذي لم يثبت أن من شأنه أن يقضي، بل لا بد في لزوم قضاء الصوم الذي يترك في الحيض من أن يثبت من الخارج أن من شأنه أن يقضي، و إن لم يكن صوم شهر رمضان. و لا يسعنا استقصاء مفاد أدلة أقسام الصوم الواجب و المستحب من هذه الجهة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 96

حتي المنذور في وقت معين علي الأقوي (1). و لا يجب عليها قضاء الصلاة اليومية (2)،

______________________________

(1) أما مع ضيق الوقت فلأن الحيض يكشف عن بطلان النذر، للعجز عن المنذور. و أما مع سعته- كما لو نذرت صوم ثلاثة أيام من العشرة الأولي من الشهر، فلم تبادر للصوم حتي حاضت فيها- فلما ذكرناه آنفا من عدم نهوض إطلاق وجوب قضاء الصوم علي الحائض بوجوبه فيما لم يثبت أن من شأنه أن يقضي.

نعم، لو ثبت أن من شأن صوم النذر المعين أن يقضي مع العجز عن أدائه في الوقت أو بدونه يتجه قضاؤه لو فات بسبب الحيض. و النصوص مختلفة في ذلك، و الكلام فيه موكول لكتابي الصوم و النذر. و منه يظهر أن المنذور في وقت معين ليس أولي بوجوب القضاء من غيره من أفراد الصوم الموقت غير رمضان، كما قد يظهر من المتن.

لا يجب علي الحائض قضاء الصلاة

(2) فإنها المتيقن مما دل علي عدم وجوب قضاء الصلاة علي الحائض من الإجماعات المدعاة و النصوص المتقدمة، فإنه يشارك وجوب قضاء الصوم فيها.

هذا، و في جامع المقاصد: «عدم وجوب قضاء الصلاة الموقتة موضع وفاق بين العلماء، و به تواترت الأخبار».

لكن معاقد الإجماعات و النصوص لم يؤخذ فيها عنوان التوقيت، و إنما يتعين أخذه لتوقف صدق القضاء عليه، مع ما هو المعلوم من أن الحيض لا يسقط ما انشغلت به الذمة، كقضاء الصلاة الفائتة قبل الحيض. كما أن التعميم لكل صلاة موقتة مبني علي التمسك بإطلاق معقد الإجماع و النصوص المذكورة.

و الانصراف إلي اليومية بسبب أنس الذهن بها بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. كتعليل الفرق بين الصوم و الصلاة بأن الصلاة تجب كل يوم و وقت بخلاف الصوم. لما سبق من أنه ظاهر في بيان الحكمة لا العلة التي يدور الحكم مدارها وجودا و عدما.

علي أنه قد يكون المراد بالتعليل أن وجوب الصلاة عليها كل يوم أو وقت علة

ص: 97

و كذلك المنذورة في وقت معين (1). و يجب عليها قضاء صلاة الآيات

______________________________

لعدم وجوب قضاء كل ما يفوتها من الصلوات، لا خصوص ما يكون من سنخ ما يجب عليها و هو اليومية، فيعمم المقام، كالتعليل في معتبرة الفضل بأن الصلاة فيها عناء و تعب و اشتغال بالأركان، بخلاف الصوم «1».

(1) و في جامع المقاصد لعل الأقرب وجوب القضاء فيه. و لا يبعد كون مراده- كالمتن- ما إذا استغرق الحيض الوقت. و حينئذ يكفي في وجه عدم وجوب القضاء عدم انعقاد النذر بسبب العجز عن المنذور من دون حاجة إلي أدلة المقام. و لو كان هناك عموم بالقضاء في ذلك كان مقتضي إطلاق أدلة المقام نفي القضاء مع الحيض.

و دعوي: أن بين إطلاق القضاء في ذلك لو تم و إطلاق عدم قضاء الحائض الصلاة عموما من وجه.

مدفوعة: بأن ظهور الثاني في خصوصية الحيض في نفي القضاء أقوي من ظهور الأول في خصوصية النذر في وجوب القضاء. و لو سلم عدم الترجيح فبعد تساقط الإطلاقين فمقتضي الأصل البراءة من وجوب القضاء.

و منه يظهر عدم وجوب القضاء لو لم يستغرق الحيض الوقت، كما لو نذرت صلاة ركعتين يوم الجمعة فلم تبادر لهما حتي حاضت فيه. فإنه حتي لو فرض ورود إطلاق يقتضي وجوب القضاء في ذلك، إلا أن مقتضي إطلاق عدم وجوب قضاء الحائض الصلاة عدم وجوب القضاء فيه.

اللهم إلا أن يقال: إطلاق عدم قضاء الحائض الصلاة مختص- كما سيأتي- بما إذا انحصر سبب الفوت بالحيض، و لا يشمل ما لو كان هناك سبب آخر مع إمكان الأداء قبل طروء الحيض أو بعده و من هنا يتعين قصور الإطلاق المذكور عن مفروض الكلام، بل يتعين فيه الرجوع لإطلاق وجوب القضاء لو تم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 98

و صلاة الطواف و نحوها من الصلوات غير الموقتة (1).

______________________________

(1) لما سبق من عدم صدق القضاء حينئذ، فيجب أداؤها بمقتضي إطلاق أدلتها، كما صرح به في ركعتي الطواف في القواعد و الدروس و جامع المقاصد و محكي كشف الالتباس، و عن البيان أن ركعتي الطواف تابعة للطواف. و يقتضيه صحيح زرارة أو موثقة: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين.

فقال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين» «1» و قريب منه حديث أبي المصباح «2».

نعم، صرح في جامع المقاصد بعدم وجوب قضاء صلاة الآيات، بناء منه علي انها موقتة، ثم قال: «و الظاهر أن الزلزلة لا يجب تداركها، كغيرها، لأنها موقتة» و تحقيق المبني المذكور موكول إلي محله من مبحث صلاة الآيات.

إذا طرأ الحيض أثناء الوقت
اشارة

بقي في المقام أمر أهمله سيدنا المصنف هنا و أشار إليه في مبحث قضاء الصلوات، و هو حكم الصلاة التي تحيض المرأة أو تطهر في أثناء وقتها. و الأنسب التعرض له هنا.

و ينبغي تقديم الكلام فيما تقتضيه القواعد العامة قبل النظر في مقتضي الأدلة الخاصة، فنقول بعد الاستعانة باللّه تعالي:

الظاهر اختصاص ما دل علي قضاء الحائض الصلاة بما إذا انحصر سبب الفوت بالحيض، دون ما إذا شاركه سبب آخر كتأخير الصلاة عن أول الوقت أو غيره، لأن المستفاد منه ابتناء الحكم علي الإرفاق بالحائض لعجزها عن الأداء، دون ما إذا لم تعجز عنه من حيثية الحيض و إن عجزت عنه من حيثية أخري.

و ذلك لو لم يكن هو الظاهر من النصوص بدوا فلا أقل من استفادته منها بضميمة ما تضمن وجوب القضاء و الأداء مع طروء الحيض أو الطهر في أثناء الوقت، حيث يبعد جدا ابتناؤها علي تقييد دليل سقوط القضاء، بل الظاهر عدم منافاتها له، لكون المراد به ما ذكرنا، و لذا تقدم منا ذلك في المنذورة مع سعة الوقت

______________________________

(1) الوسائل باب: 88 من أبواب الطواف حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 88 من أبواب الطواف حديث: 2.

ص: 99

______________________________

و عدم استغراق الحيض له. و عليه يكون المعيار في سقوط القضاء كون الحيض بنحو يمنع من التكليف بالأداء، فلو لم يمنع منه لم يسقط القضاء، و إن لم يكلف بالأداء للعجز من جهة أخري غير الحيض، لعدم مسقطية العجز المذكور.

إذا عرفت هذا، فالظاهر أنه يكفي في عدم مانعية الحيض من التكليف بالأداء أن يتأخر حدوثه عن أول الوقت بقدر أداء الصلاة، أو يرتفع قبل خروج الوقت بقدر أدائها مع الطهارة الحدثية و الخبثية التي لا بد منها بسببه و ما يستلزمه الغسل من التستر للصلاة، دون بقية الشروط، لإمكان تهيئتها حال الحيض، كما يمكن تهيئة جميع الشروط حتي الطهارة في الفرض الاول قبل الوقت.

و لذا لا ينبغي الإشكال في أنها لو علمت بالحال وجب عليها تهيئة الشروط المذكورة بالنحو الذي تتمكن معه من فعل الصلاة، علي ما هو المقرر في جميع المقدمات المفوتة. فتعذر الصلاة لعدم حصول الشروط المذكورة بسبب غفلتها أو لتعذر تهيئتها لا يكون مستندا للحيض، بل لسبب آخر لا يسقط القضاء.

و أما ما في كشف اللثام من خصوصية الطهارة في ذلك، لأن لطهارة لكل صلاة موقتة بوقتها- كما عن الشهيد أيضا- و لأن الصلاة لا تصح بدون الطهارة علي حال، و تصح بدون غيرها من الشروط عند الاضطرار. قال: «نعم، لو أوجبنا التيمم لضيق الوقت عن الطهارة المائية أمكن هنا اعتبار مقدار التيمم و الصلاة». فهو غير ظاهر، لاندفاع الأول بعدم وضوح خصوصية الطهارة في ذلك، بل إن بني علي عدم وجوب تهيئة المقدمات المفوتة قبل الوقت لم يفرق بين الطهارة و غيرها، و إن بني علي وجوبه- كما هو الظاهر- جري في الطهارة أيضا.

و لا ينافيه ما تضمن الأمر بها بدخول الوقت، لأن الظاهر كونه مقدميا، فيلحقه حكم سائر المقدمات. و لعله يأتي في بعض مسائل التيمم ما ينفع في ذلك.

و أما الثاني فلازمه وجوب المبادرة لفاقد الشرط لو علم بضيق الوقت، في المقام و غيره، كما لو بلغ الصبي و قد بقي من الوقت ما لا يسع تحصيل الشروط الاختيارية،

ص: 100

______________________________

و لا يخلو عن إشكال، لأن المتيقن من دليل بدلية الأبدال الاضطرارية ما إذا تم ملاك المبدل الاختياري، فبدلية البدل الاضطراري تختص بمقام الأداء، دون مقام تعلق الملاك، فلا بد في البدلية من عدم كون التعذر رافعا لملاك المبدل الاختياري، كتعذر الطهارة الخبثية لعدم الماء، أما التعذر من جهة الحيض فلم يتضح بقاء ملاك التكليف معه، إذ لا إشكال ظاهرا في عدم وجوب منع الحيض أو تقليله مع عدم الضرر مع وضوح وجوب المحافظة علي القدرة علي التكليف التام الملاك.

نعم، بناء علي ما ذكرنا من وجوب تهيئة الشروط قبل الوقت لا يكون ضيق الوقت عن الشروط الصالحة لأن تهيأ قبله منافيا للقدرة علي الواجب الاختياري، و لا مانعا من تمامية ملاكه، فيتجه الانتقال مع التفريط فيها للبدل الاضطراري.

و كيف كان، فالظاهر الاكتفاء بسعة الوقت للصلاة التامة بنفسها دون شروطها من غير فرق بين الطهارة و غيرها. و حيث ظهر ما تقتضيه القواعد العامة

يقع الكلام فيما ذكره الأصحاب و في نصوص المقام و هو في مسألتين:
المسألة الأولي: إذا طرأ الحيض في أثناء الوقت
اشارة

فقد أطلق في النهاية و الوسيلة وجوب القضاء علي من لم تصل فيه.

و قد يستدل له بصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: نعم» «1»، و موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهر فأخرت الصلاة حتي حاضت. قال: تقضي إذا طهرت» «2».

لكن مقتضي الجمود عليهما و إن كان هو الاكتفاء في وجوب القضاء بمجرد عدم المبادرة للصلاة و لو مع عدم إدراكها بتمامها، إلا أن منصرفهما ما إذا أمكن تحصيل الصلاة بالمبادرة إليها لسعة الوقت.

و لعل ذلك هو مراد النهاية و الوسيلة، و لا سيما مع الحكم فيهما بعدم وجوب

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 101

______________________________

القضاء لو طهرت في أثناء الوقت فتأهبت للغسل و خرج الوقت، إذ لو كان لحدوث الحيض خصوصية في وجوب القضاء علي خلاف الطهر منه كان المناسب التأكيد عليها بعد أن لم تكن ارتكازية. بل الإنصاف أن ذكر التأخير في الموثق موجب لانصرافه إلي ما لو كان عدم الصلاة في الوقت مع القدرة عليها لحصول شروطها أو لسعة الوقت لتحصيلها، و لا يشمل ما لو ضاق الوقت عنها لعدم حصول شروطها.

نعم، لما لم يكن ظاهرا في انحصار وجوب القضاء بذلك، خصوصا مع وقوع التعبير به في كلام السائل، فلا مجال للخروج به عما سبق من القاعدة المعتضد بإطلاق الصحيح من الاكتفاء بمضي وقت أداء الصلاة لا غير، كما احتمله في محكي نهاية الأحكام. و لعله لذا اكتفي في الخلاف و المعتبر بإدراك أربع ركعات بعد الظهر في وجوب قضاء صلاته. و قد يحمل عليه ما تقدم من النهاية و الوسيلة، كما قد يحمل عليه إطلاق التمكن من أداء الصلاة في المبسوط و اللمعة و عن غيرهما.

و قد يحمل علي ما إذا وسعها مع الطهارة، كما اعتبره في الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الدروس و المدارك و محكي التحرير و غيرها. كما ربما يحمل علي ما إذا وسعها مع جميع شروطها المفقودة، لدعوي: توقف التمكن منها علي ذلك مع المنع من خصوصية الطهارة لما سبق. و لذا اعتبر ذلك في جامع المقاصد و المسالك و الروض و محكي الذكري و الموجز و فوائد الشرائع و كشف الالتباس و غيرها. بل قد يظهر من جامع المقاصد تنزيل كلام من اقتصر علي الطهارة علي أنه خرج مخرج المثال، و إن مراد الكل تمام الشروط و كيف كان، فيظهر ضعفه مما تقدم.

نعم، لو كانت الشروط حاصلة في أول الوقت فقد صرح غير واحد منهم بالاكتفاء بقدر الصلاة وحدها. و لا ينبغي التأمل فيه، لفعلية القدرة عليها، و إن كان قد يظهر مما عن نهاية الأحكام من أن ذلك هو الأقرب نوع تردد فيه.

هذا، و المعروف بين الأصحاب عدم وجوب القضاء لو لم يسع الوقت الصلاة بتمامها، كما نسبه إليهم في المدارك، بل ادعي في الخلاف الإجماع عليه. لكن ذهب

ص: 102

______________________________

المرتضي في جملة إلي وجوب القضاء لو اتسع الوقت لأكثرها، و هو المحكي عن الإسكافي، و قد يناسبه ما في الفقيه و المقنع من التعبير بمضمون حديث أبي الورد الآتي. و قد يستدل له بموثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة صلت من الظهر ركعتين ثم أنها طمثت و هي جالسة. فقال: تقوم من مكانها [مسجدها] و لا تقضي الركعتين» «1»، و الصحيح عن أبي الورد: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلت ركعتين ثم تري الدم. قال: تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين، و إن كانت رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها، فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» «2»، بحملهما علي ما إذا صلت في أول الوقت.

و يشكل: بأنه لا قرينة علي الحمل المذكور، بل هو بعيد في نفسه بعد كون الفرض المذكور كالنادر. و أبعد منه ما في الاستبصار و المختلف من الجواب بحمل حديث أبي الورد علي ما إذا فرطت في المغرب دون الظهر. قال في المختلف: «و إنما يتم قضاء الركعة بقضاء الباقي، و يكون إطلاق الركعة علي الصلاة مجازا». فإنه كما تري تكلف مخالف للمقطوع به من الحديث.

و من هنا كان الظاهر شمولهما لما إذا اتسع الوقت و أنهما واردان لبيان التفصيل في صحة الصلاة و عدم بطلانها بطروء القاطع لها في الأثناء، الذي تضمنته بعض النصوص فيمن نسي ركعة أو ركعتين «3».

نعم، قد يظهر من الحكم فيهما بعدم قضاء الركعتين من دون تنبيه إلي استئناف الصلاة المفروغية عن عدم وجوبه و حيث عرفت قوة عمومهما لما إذا وسع الوقت تمام الصلاة كانا مخالفين لما تقدم منا و من الأصحاب.

و لعل فتوي الصدوق لأنس ذهنه بعدم بطلان الصلاة بطروّ القاطع في الأثناء،

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ص: 103

______________________________

حيث يظهر منه في الفقيه البناء علي ذلك في السهو، و لبنائه علي عدم وجوب القضاء و لو مع سعة الوقت، حيث أطلق في المقنع أن المرأة إذا طمثت بعد ما تزول الشمس و لم تصل الظهر فليس عليها قضاء تلك الصلاة، حيث يستفاد من مجموع كلامه أنه لا قضاء عليها إن لم تصل أصلا أو صلت ركعتين من الظهر، لأنها بسبب بطلانهما بحكم من لم تصل، بخلاف ما لو صلت ركعتين من المغرب فإنهما لما لم يبطلا بالحيض لا يكون وجوب إتمام الصلاة بالركعة منافيا لعدم وجوب القضاء علي من لم تصل.

نعم، لا يبعد أن يكون مراده من إطلاق عدم وجوب القضاء في فرض عدم صلاتها ما إذا حاضت قبل خروج وقت الظهر الفضيلي لموثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأول عليه السلام: قال في ذيله: «و إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة إقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر، لأن وقت الظهر دخل عليها و هي طاهر و خرج عنها وقت الظهر و هي طاهر، فضيعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها» «1»، و صحيح أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في ذيله: «و إذا طهرت في وقت فأخرت الصلاة حتي يدخل وقت صلاة أخري ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها» «2».

لظهورهما في أن المعيار في القضاء علي تضييع الصلاة في تمام وقتها، و صراحة الأول في أن المراد به الوقت الفضيلي، بل لعله ظاهر الثاني أيضا، فيصلحان قرينة علي حمل حديثي سماعة و أبي الورد علي الصلاة في أثناء الوقت المذكور. و لأجل ذلك كله يحمل إطلاق حديثي ابن الحجاج و يونس علي الحيض بعد خروج الوقت الفضيلي- كما هو غير بعيد عن التعبير بالتأخير في الثاني- أو علي أصل مشروعية القضاء و إن لم يكن واجبا. و بهذا يجمع بين جميع نصوص المسألة بوجه عرفي قريب، كما يخرج عن مقتضي القاعدة المتقدمة.

لكن يشكل التعويل علي النصوص المذكورة بعد ظهور إعراض الأصحاب

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 104

______________________________

عنها، لشدة وضوح وجوب القضاء مع القدرة علي الصلاة، كما في كشف اللثام حتي استظهر الإجماع عليه، و نسبه في المدارك للأصحاب بل ظاهر التذكرة و صريح شيخنا الأعظم قدّس سرّه الإجماع عليه. و لا سيما بعد اشتمال حديث أبي الورد علي جواز تفريق الصلاة الذي يصعب البناء عليه جدا و عدم صراحة الأخيرين في سقوط القضاء مع الحيض قبل خروج الوقت الفضيلي، كعدم صراحة كلام الصدوق في العمل بها، فل ا تنهض برفع اليد عما سبق من القاعدة و إطلاق حديثي ابن الحجاج و يونس.

اللهم إلا أن يقال: لا يقدح عدم صراحة النصوص المذكورة بعد قوة ظهورها.

و اشتمال حديث أبي الورد علي التفريق في المغرب لو لم يمكن الالتزام به غير ضائر بعد كون الاستدلال بصدره، و كفاية بقية النصوص في المطلوب. كما أن عدم صراحة كلام الصدوق بالعمل بالنصوص علي الوجه المذكور لا يهم بعد كفاية ظهوره أو إشعاره فيه في عدم إحراز تسالم الأصحاب علي بطلانه، و لا سيما مع ظهور حال الكليني في البناء عليه، حيث اقتصر في باب المرأة تحيض بعد الوقت علي أحاديث أبي الورد و الفضل و أبي عبيدة و لم يذكر حديثي ابن الحجاج و يونس.

مضافا إلي مناسبة الحكم للإرفاق بالمرأة بعد صعوبة الصلاة في أول الوقت الحقيقي و صعوبة تحديد ما يسع الصلاة منه، و عدم كون المرأة مضيعة للصلاة بالتأخير، خصوصا بالإضافة إلي الصلاة الثانية التي لم يدخل وقتها الفضيلي لو فرض تأخر الحيض بمقدار يسع الصلاتين، فإن عدم وجوب قضائها مناسب لاستحباب تأخيرها جدا، و لما يظهر من جملة من نصوص المسألة الآتية من أن المدار فيها علي الوقت الفضيلي، و منها صدر موثق الفضل الذي يظهر من قوله عليه السلام فيه في مقام تقريب الحكم: «و ما طرح اللّه عنها من الصلاة و هي في الدم أكثر» الاهتمام برفع استبعاد الحكم لمخالفته للقاعدة.

كما أن من القريب أن يكون منشأ إعراض من سبق عن ذلك شدة استحكام مفاد القاعدة في أذهانهم و مطابقته للاحتياط. و من هنا يصعب طرح هذه النصوص جدا. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 105

بقي في المقام أمور..
الأول: بناء علي اعتبار سعة الوقت للطهارة في وجوب القضاء فقد صرح في كشف اللثام بأنه لو كان ضيق الوقت مسوغا للتيمم كفي سعة الوقت له.

______________________________

و يظهر الإشكال فيه مما سبق في بيان مقتضي القاعدة من أن مشروعية الإبدال الاضطرارية فرع تمامية ملاك المبدل الاختياري، و لا مجال له في المقام.

و أما ما في الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الظاهر الإجماع علي خلافه. فلا مجال له بعد خلو كلام جمع عن ذكر الطهارة، و عدم ظهور كلامهم في أنها لو كانت معتبرة لكان المعتبر منها المائية بنحو يستفاد منه الإجماع علي عدم الفصل.

علي أنه لا تعويل علي الإجماع في هذه المسألة و نحوها مما يظهر منهم استفادة حكمه من القاعدة و النصوص. فالعمدة في الإشكال فيه ما ذكرنا.

و منه يظهر الإشكال فيما في جامع المقاصد من البناء علي الاكتفاء بسعة الوقت للتيمم من وظيفتها التيمم لمرض أو نحوه. إذ فيه أن التيمم حيث لا يشرع إلا في ظرف تمامية ملاك الطهارة المائية فلا مجال له في المقام بعد كون الحيض موجبا لتعذر الطهارة المائية في حقها. كما يتضح بذلك أن المعيار في مقدار الصلاة علي الصلاة الاختيارية التامة، دون الاضطرارية. إلا أن تزيد عليها في الوقت فيلزم مراعاة وقتها، إذ مع النقص عنه تتعذر الصلاة بسبب الحيض، فيسقط القضاء.

الثاني: بناء علي ما هو المعروف من وجوب القضاء مع سعة الوقت للصلاة وحدها أو مع شروطها فالمعيار في الصلاة علي أقل المجزي،

كما في التذكرة و جامع المقاصد و محكي نهاية الأحكام و الذكري و غيرها. إذ مع سعة الوقت لها لا يكون الحيض موجبا لتعذر الصلاة فيجب قضاؤها، بمقتضي ما سبق من القاعدة و إطلاق حديثي ابن الحجاج و يونس. و عليه يكفي سعة الوقت للقصر في موارد التخيير بينه و بين التمام، كما ذكره غير واحد.

الثالث: ربما يظهر مما في مبحث الحيض من التذكرة من إناطة القضاء بالقدرة علي الصلاة مع الطهارة

ص: 106

______________________________

و سعة الوقت لها اعتبار القدرة علي الصلاة من غير جهة الوقت أيضا، فلو تعذرت لحبس و نحوه لم يجب القضاء. و يشكل بأن التعذر المذكور لما لم يكن من جهة الحيض فلا دليل علي سقوط القضاء معه.

و من هنا لا يبعد كون مراده بالقدرة ما يساوق سعة الوقت لا أمرا آخر في قباله، و يبتني جمعه معه علي التأكيد، و لذا اقتصر علي سعة الوقت في مبحث المواقيت.

الرابع: لو علمت المرأة بأن الحيض يفجؤها لزمها التعجيل بالصلاة أداء، لتضيق وقتها.

كما أنه بناء علي ما ذكرنا من أن المدار علي سعة الوقت للصلاة وحدها فلو علمت قبل الوقت بضيقه عما زاد عليها وجب عليها تحصيل الشروط قبل الوقت، علي ما سبق. فلو لم تحصلها كانت آثمة و لزمها الانتقال للصلاة الاضطرارية، لأن العجز عن الاختيارية حينئذ لا يستند إلي الحيض، ليكون مانعا من تمامية ملاكها، كما تقدم.

و لو احتملت مفاجأة الحيض فالظاهر لزوم الاحتياط عليها بتعجيل الصلاة، للزوم إحراز الامتثال و فراغ الذمة، حيث لا يفرق فيه ارتكازا بين احتمال حصول الامتثال سابقا و احتمال تجدده لاحقا. و إنما لا يجب التعجيل إذا كان احتمال العجز منافيا لأصالة السلامة، دون مثل المقام، لعدم كون الحيض مرضا. و أولي بذلك ما لو ظهرت أمارات العجز، حيث لا يعول معها حتي علي أصالة السلامة، كما تقدم في مبحث الفور و التراخي.

نعم، لو لم يكن لاحتمال العجز مثير عرفي لم يبعد البناء علي عدم وجوب المبادرة، للسيرة. فتأمل جيدا.

هذا كله بناء علي وجوب القضاء بمجرد سعة الوقت للصلاة وحدها أو مع شروطها، أما بناء علي عدم وجوبه إلا بمضي الوقت الفضيلي فحيث كان مقتضي القاعدة وجوب الأداء، و مع عدمه فالقضاء فدلالة نصوص المقام علي عدم وجوب القضاء مع عدم الأداء لا يستلزم عدم وجوب الأداء، بل يمكن وجوبه واقعا و إن لم يجب القضاء بفوته إرفاقا بالمرأة. فيتعين البناء علي ذلك، عملا بالقاعدة.

ص: 107

______________________________

بل التعبير بالتضييع و التفريط في حديثي الفضل و أبي عبيدة ظاهر في المفروغية عن وجوب الأداء. كما لعله المناسب للأمر بقضاء الركعة من المغرب في حديث أبي الورد، فإنه و إن أمكن أن يكون وجوب إتمام المغرب لمجرد الشروع فيها و إن لم يكن واجبا إلا أن الأنسب تفرعه علي وجوبها بعد اختصاص السقوط بقضاء الصلاة التامة.

بل قد يدعي انصراف نصوص سقوط القضاء إلي صورة عدم التفريط بالأداء، لعدم المنجز لوجوب المبادرة، و قصورها عن صورة تنجزه للعلم بتعجيل الحيض أو مثير لاحتماله، بل يرجع فيها للقاعدة المقتضية لوجوب الاحتياط فتأمل جيدا.

الخامس: قال في العروة الوثقي: «إذا شكت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة»

و أقره علي ذلك جملة من المحشين. و قد يوجه بوجوب الاحتياط مع الشك في القدرة. و يشكل بأنه يقصر عما لو كان التعذر رافعا للملاك كما في المقام، لما سبق من رافعية الحيض له.

و أما الاستدلال باستصحاب عدم الحيض بناء علي جريان الاستصحاب في الأمر الاستقبالي، فهو مختص بما إذا كان الشك في مقدار الوقت، دون ما إذا علم مقداره و شك في كفايته للصلاة، لاختصاص الاستصحاب بالشك في الامتداد و الاستمرار، علي ما أوضحناه في مبحث مجهولي التاريخ. و قد نبه لما ذكرنا سيدنا المصنف قدّس سرّه.

السادس: ذكر في مبحث المواقيت من القواعد استحباب القضاء لو قصر الوقت عن الطهارة و الصلاة التامة،

و ذكر في كشف اللثام أنه لم يجده في غيره. و ما في مفتاح الكرامة من نسبته لجامع المقاصد في غير محله، إذ لم يذكره إلا في شرح مراد العلامة.

و كيف كان، فقد يوجه بإطلاق حديثي ابن الحجاج و يونس بعد حملهما علي أصل مشروعية القضاء دون خصوص الوجوب، جمعا بين الأدلة.

و يشكل بأن ذلك قد يتجه لو بني علي العمل بما تضمن عدم القضاء مع الحيض بعد خروج الوقت الفضيلي، كما تقدم احتماله، أما بناء علي عدم العمل به، فإن بني علي عموم الحديثين لما إذا لم يسع الوقت الصلاة لزم البناء علي ظاهرهما، و هو الوجوب،

ص: 108

______________________________

و الخروج به عن القاعدة، كما ذهب إليه في الجملة المرتضي و الإسكافي، و إن بني علي انصرافهما إلي ما تقتضيه القاعدة من سعة الوقت للصلاة لم يبق وجه للاستحباب.

إلا أن يبتني علي قاعدة التسامح في أدلة السنن بناء علي شمولها لفتوي الفقيه، أو يريد الاحتياط الاستحبابي خروجا عن شبهة الخلاف. لكن لازمه الاقتصار فيه علي مورد الخلاف، و هو ما إذا وسع الوقت أكثر الصلاة.

المسألة الثانية: إذا طهرت من الحيض أثناء الوقت فالكلام يقع في أمور.
الأول: إذا لم يسع الوقت الطهارة و ركعة من الصلاة لم يجب عليها الأداء، فضلا عن القضاء،

كما صرح به غير واحد، بل ظاهر التذكرة و المنتهي و جامع المقاصد و كشف اللثام الإجماع عليه. و يقتضه- مضافا إلي النصوص الآتية- القاعدة التي سبق ذكرها.

و ظاهر المعتبر الميل إلي وجوب القضاء إذا أدركت من الوقت بقدر الغسل و الشروع في الصلاة و إن لم تتم ركعة. و الظاهر أنه لا يبتني علي اكتفائه في إدراك الوقت بما دون الركعة، حيث صرح باعتبار الركعة في مبحث المواقيت، فلا وجه لرده بما يظهر من الخلاف و المختلف من الإجماع علي عدم وجوب الأداء مع عدم إدراك الركعة، بل هو مبني- كما يظهر من كلامه- علي استفادته من خصوص نصوص المقام.

و كأنه لإطلاق جملة منها، كموثق عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال:

إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء» «1»، و خبر منصور بن حازم عنه عليه السلام: «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر و العصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر» «2» و غيرهما.

لكن مقتضي إطلاقها الاكتفاء بإدراك شي ء من الوقت و إن لم يكف مقدار الغسل، و لا وجه لحملها علي خصوص ما يكفي الغسل و الشروع في الصلاة إلا أدلة المواقيت و النصوص الآتية و غيرهما مما سنشير إليه، و هي تقتضي لزوم إدراك الركعة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 109

______________________________

نعم، فصل في النهاية في وجوب القضاء بين التواني عن الغسل و عدمه ثم ذكر أن قضاء الظهرين يجب إذا طهرت قبل وقت العصر و يستحب إذا طهرت بعده، و أن قضاء العشاءين يجب إذا طهرت قبل نصف الليل و يستحب بعده، ثم قال: «و يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس علي كل حال».

و قد يدعي ابتناء ما ذكره في صلاة الفجر علي العمل بإطلاق النصوص السابقة.

لكن لا يبعد كون مراده عدم التفصيل في قضاء الفجر بالوجوب و الاستحباب- علي نحو ما ذكره في بقية الصلوات- و أنه ليس إلا واجبا و إن كان مشروطا بما إذا وسع الوقت الطهارة، علي ما ذكره في صدر كلامه. و إلا فالنصوص المذكورة واردة في الظهرين و العشاءين، دون صلاة الفجر، فلا وجه للعمل بإطلاقها في خصوص صلاة الفجر.

مع أنها لا تنهض بالإطلاق المذكور، لظهورها في إرادة المبادرة للصلاة أداء، لإدراك وقتها- و إن كان اضطراريا- فتكون محكومة لأدلة الأوقات، و منها ما تضمن توقف إدراكه علي إدراك الركعة، و محمولة علي ما إذا وسع الوقت الطهارة مع ذلك، لامتناع التكليف بالصلاة مع العجز عنها، و للنصوص الآتية.

و إن غض النظر عن ذلك و ادعي ظهورها في بيان الأمر بالصلوات المذكورة فيها مطلقا و إن كان قضاء لعدم إدراك وقتها، من دون نظر إلي وقت الإتيان بها لزم الخروج عن إطلاقها بما تضمن عدم وجوب القضاء لو لم يسع الوقت الغسل، كصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: أيما امرأة طهرت و هي قادرة علي أن تغتسل وقت صلاة ففرطت فيها حتي يدخل وقت صلاة أخري كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، و إن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة و دخل وقت صلاة أخري فليس عليها قضاء و تصلي الصلاة التي دخل وقتها» «1»، و صحيح أبي عبيدة عنه عليه السلام: «قال: إذا رأت المرأة الطهر و قد دخل عليها وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتي يدخل وقت صلاة أخري كان عليها

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 110

______________________________

قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها … » «1»، و قد تقدم تمامه في المسألة الأولي، و موثق الحلبي عنه عليه السلام: «في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي طهرها حتي تفوتها الصلاة و يخرج الوقت أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: إن كانت توانت قضتها و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي» «2».

فلا بد من حمل تلك النصوص علي بيان الصلاة التي تقضي من دون نظر لشروط القضاء، أو علي صورة إدراك الغسل. كما أنه حيث كان التعجيل بالغسل لأداء الصلاة في وقتها، و كان صدق التفريط مع التواني فيه لتفويت الصلاة الأدائية، كان الظاهر منها إرادة سعة الوقت للغسل الذي تحصل معه الصلاة الأدائية، إما لوقوعها بتمامها في الوقت، أو لوقوع ركعة منها فيه، علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و منه يظهر ضعف ما عن نهاية الأحكام من احتمال عدم اعتبار وقت للطهارة، بناء علي عدم اختصاصها بوقت. فإنه- مع منافاته للنصوص السابقة- لا يناسب القاعدة المتقدمة، لوضوح أن تعذر الطهارة قبل الطهر من الحيض يستلزم كون تعذر الصلاة بعده لضيق الوقت عن الطهارة مستندا للحيض، و قد سبق أنها تقتضي سقوط القضاء حينئذ.

ثم أن مقتضي إطلاق قوله عليه السلام في صحيح عبيد: «فقامت في تهيئة ذلك» اعتبار سعة الوقت لمقدمات الغسل أيضا. كما أن مقتضي إطلاق قوله عليه السلام في موثق الحلبي:

«إن كانت توانت … » أن المدار في الغسل علي المتعارف الذي لا يصدق معه التواني عرفا، لا علي المبادرة الحقيقة الدقية و بذلك يخرج عن مقتضي القاعدة المتقدمة من الاقتصار في عدم وجوب القضاء علي ضيق الوقت عن مطلق الغسل، و لو بالمبادرة الحقيقة الممكنة، دون مقدماته التي يمكن عادة تهيئتها قبل الطهر من الحيض.

كما أنه يستفاد من النصوص تبعا اعتبار سعة الوقت لما لا بد منه بين الاغتسال و الصلاة من لبس ثيابها و الانتقال لمصلاها و نحوهما بالوجه المتعارف، لظهورها في

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 8.

ص: 111

______________________________

الجري علي المتعارف، فلو لم يعتبر لزم التنبيه عليه.

بل قد يستفاد منها و من ذكر التفريط في صحيح عبيد لزوم سعة الوقت لجميع الشروط من دون خصوصية للطهارة. و قد يجعل ذلك هو الوجه لاعتباره في الدروس و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك و محكي الموجز و فوائد الشرائع و كشف الالتباس، بل احتمل في مفتاح الكرامة كون اقتصار جملة من الأصحاب علي الطهارة جار مجري المثال للتنبيه علي اعتبار إدراك جميع الشروط أو محمول علي الغالب من حصولها.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لأن الظاهر من النصوص إرادة تهيئة الغسل و التفريط به و التواني فيه، لا تهيئة الصلاة، ليعم جميع شروطها. و لم يظهر ممن بني علي التعميم لبقية الشروط استفادته منها، بل صرح بعضهم بأنه مقتضي القاعدة، لدعوي امتناع التكليف بما لا يطاق. و يظهر اندفاعه مما سبق من لزوم تهيئة المقدمات المفوتة قبل الوقت.

بل منع سيدنا المصنف قدّس سرّه من كون المقام من صغريات المقدمات المفوتة، لفرض دخول الوقت قبل الطهر فيجب تهيئة المقدمات لفعلية وجوب ذيها بعد فرض تحقق الطهر، و احتمال كون الطهر كالوقت شرطا للوجوب بعيد. لكن لم يتضح الوجه في استبعاده بعد ما سبق منا و اعترف به من رافعية الحيض للملاك، لملازمة ذلك لكون الطهر شرطا للوجوب، كما لا يخفي. فالعمدة ما ذكرنا.

هذا، و الظاهر وجوب القضاء لو وسع الوقت الغسل، إلا أنه لا يمكن السعي للغسل، لقصور النصوص عنه، و حيث لا يستند تعذر الصلاة حينئذ للحيض وحده كان مقتضي القاعدة المتقدّمة وجوب القضاء، و يأتي الكلام في وجوب التيمم حينئذ إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: إذا وسع الوقت الطهارة و الصلاة التامة وجب أداؤها

بلا إشكال ظاهر، و هو المتيقن من معاقد إجماعاتهم و من النصوص الآتية، و يظهر مما يأتي في

ص: 112

______________________________

إدراك الركعة المفروغية عنه، و إنما الكلام في أن المعيار في ذلك علي الوقت الاختياري أو الاضطراري أو الفضيلي.

فقد ذكر في التهذيب و الاستبصار و المبسوط أن المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس قبل أن يمضي منه أربعة أقدام وجب عليها قضاء الظهرين معا، و إن طهرت بعد ذلك إلي مغيب الشمس وجب عليها قضاء العصر و استحب لها قضاء الظهر.

و الظاهر أن ما تقدم من النهاية من استحباب قضاء الصلاتين إذا طهرت في وقت العصر راجع إلي ذلك، و لا ينافي وجوب قضاء العصر. و قد زاد علي ذلك في الاستبصار و المبسوط و النهاية استحباب قضاء العشاءين لو طهرت بعد نصف الليل.

و يناسبه ما عن الإصباح و المهذب من استحباب قضاء الظهرين إذا أدركت خمس ركعات قبل مغيب الشمس و العشاءين إذا أدركت أربعا قبل الفجر. و لم يفصل في المبسوط في قضاء صلاة الفجر، بل أطلق وجوبه لو طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، بل تقدم من النهاية التصريح بالتعميم. فراجع.

و كيف كان، فيدل علي عدم وجوب قضاء الظهر لو لم تدرك من وقتها الفضيلي ما يسعها مع الطهارة موثق يونس بن الفضل: «سألت أبا الحسن الأول عليه السلام قلت:

المرأة تري الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال: إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر، لأن وقت الظهر دخل عليها و هي في الدم و خرج عنها الوقت و هي في الدم، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر، و ما طرح اللّه عنها من الصلاة و هي في الدم أكثر … » «1»، و قد تقدم تمامه في المسألة الأولي.

و موثق محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «قلت: المرأة تري الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتي يدخل وقت العصر. قال: تصلي العصر وحدها، فإن ضيعت فعليها صلاتان … » «2»، و ما في ذيل موثق الحلبي المتقدم: «و عن أبيه قال: كانت المرأة

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 113

______________________________

من أهلي [أهله. يب] تطهر من حيضها فتغتسل حتي يقول القائل: قد كادت الشمس تصفر بقدر أنك لو رأيت إنسانا يصلي العصر تلك الساعة قلت: قد أفرط. فكان يأمرها أن تصلي العصر» «1»، و صحيح معمر «2»: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلي الأولي؟ قال: لا، إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها» «3».

و بهذه النصوص ترفع اليد عن ظاهر ما تضمن قضاء الظهرين مع الطهر قبل مغيب الشمس، كموثق عبد اللّه بن سنان المتقدم في الأمر الأول و غيره، فتحمل علي التفصيل المذكور الذي قد يناسبه خبر منصور بن حازم المتقدم، أو علي الاستحباب، كما لعله الأظهر.

و أما حمل الثلاثة الأخيرة علي الوقت المختص بالعصر وجوبا، و هو مقدار أربع ركعات قبل مغيب الشمس، كما يظهر من بعضهم. فهو بعيد جدا، بل لا يناسب ما في موثق ابن مسلم من فرض الطهر عند الظهر، و التعبير بدخول وقت العصر، لا بتضيقه، و ما في موثق الحلبي من فرض الطهر عند قرب الشمس من الاصفرار، و ما في صحيح معمر من السؤال عن صلاة الأولي الظاهر في المفروغية عن سعة الوقت للصلاتين. فلا وجه لتكلف الحمل المذكور. و لا سيما مع كفاية موثق الفضل، لصراحته في المطلوب.

و مثله دعوي: ابتناء هذه النصوص علي اختصاص الظهر بالوقت المذكور وجوبا، الذي قد يظهر من بعض النصوص، و حيث يلزم رفع اليد عنه بنصوص اشتراك الصلاتين في الوقت الذي هو المعروف بين الأصحاب، فلا مجال للعمل بها

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 9.

(2) رواه عن (معمر بن يحيي) الثقة في التهذيب بسنده عن محمد بن يحيي، و في الاستبصار بسنده عن الكليني، و هو الموجود في بعض نسخ الكافي و في بعض نسخه الأخري: (معمر بن عمر) المجهول، و هو الموجود في الوسائل، و حيث تسقط نسختا الكافي بالمعارضة، و مثلها رواية الاستبصار، لأنها بمنزلتها قد تضمنت النقل عن الكليني، تبقي نسخة التهذيب حجة لعدم المعارض، و يكون الحديث صحيحا.

(منه عفي عنه).

(3) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 114

______________________________

في قضاء الصلاة في المقام.

لاندفاعها: بعدم وضوح الملازمة بين الأمرين. و لا سيما مع التفكيك بينهما عند العامة، حيث كان المعروف بينهم اختصاص كل صلاة بوقتها، و المشهور عندهم وجوب قضاء الصلاتين في المقام، فتكون نصوص المقام مخالفة للمشهور بينهم، و نصوص الاختصاص موافقة لهم، و مع ظهور قوله عليه السلام في موثق الفضل: «و ما طرح اللّه عنها من الصلاة و هي في الدم أكثر» في كونه عليه السلام بصدد رفع استبعاد الحكم المذكور، المناسب لابتنائه علي مخالفة القاعدة، و لو كان مبتنيا علي اختصاص الظهر بالوقت الأول لم يكن مخالفا للقاعدة.

و من هنا يشكل طرح هذه النصوص مع قوة دلالتها و كثرتها و اعتبار أسانيدها و عدم ظهور الإعراض الموهن لها بعد عمل من عرفت بها، معتضدا بظهور حال الكليني قدّس سرّه في الاعتماد عليها، حيث اقتصر في الباب المناسب علي حديثي الفضل بن يونس و معمر اللذين هما من نصوص المقام، و علي حديثي أبي عبيدة و عبيد بن زرارة المتقدمين في الأمر الأول، و اللذين يسهل حملهما علي ما يناسب نصوص المقام، و لم يذكر شيئا من نصوص قضاء الصلاتين معا التي تقدمت في الأمر الأول. كما هو ظاهر حال الصدوق في الفقيه و المقنع حيث أفتي بمضمون صحيح معمر.

و لا سيما مع قرب كون منشأ ذهاب المشهور إلي وجوب قضاء الصلاتين استحكام القاعدة في مرتكزاتهم، خصوصا مع موافقتها للاحتياط، و اعتضادها بنصوص قضاء الصلاتين المرجحة بنظرهم علي النصوص المتقدمة، لموافقتها للقاعدة، و لتخيل ابتناء النصوص المتقدمة علي اختصاص كل صلاة بوقتها الفضيلي الذي هو خلاف المعروف من مذهب الإمامية، و حيث ظهر عدم تمامية ذلك لم يتجه الإعراض عن هذه النصوص.

هذا، و لو تم ذلك فالظاهر أنه يكفي في عدم وجوب صلاة الظهر الفراغ من الغسل من دون توان بعد مضي الأربعة أقدام و إن سبق الطهر من الدم علي ذلك،

ص: 115

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 116

______________________________

للتصريح بذلك في موثق محمد بن مسلم المؤيد أو المعتضد بما سبق فيمن طهرت في وقت صلاة فانشغلت بغسلها حتي خرج وقتها. و به ترفع اليد عن عموم المفهوم في موثق الفضل المقتضي لوجوبها حينئذ.

ثم إن هذه النصوص مختصة بالظهر، و لم أعثر علي ما يقتضي التعميم لغيرها من الصلوات لو طهرت المرأة بعد خروج وقتها الفضيلي، و مقتضي القاعدة وجوب قضائها، كإطلاق النصوص المتقدمة، و ظاهر موثق الحلبي المتضمن الأمر بصلاة العصر قرب اصفرار الشمس، و الذي هو وقت المفرط فيها، و الذي لا يكون إلا بعد خروج الوقت الفضيلي لها.

و دعوي: أن النصوص المتقدمة في الظهر قرينة علي حمل الوقت في صحيح عبيد و صدر موثق الحلبي المتقدمين علي الوقت الفضيلي، فيكون مقتضي إطلاقهما العموم في عدم القضاء مع الطهر بعده لغير الظهر.

مدفوعة بأن ذلك ليس بأولي من إبقاء الصحيح و الموثق علي ظهورهما في وقت الوجوب و تقييدهما بالنصوص المتقدمة في الظهر.

نعم، قد يستفاد من تعليل عدم قضاء الظهر في موثق الفضل بن يونس بأن وقت الظهر دخل عليها و هي في الدم و خرج عنها الوقت و هي في الدم عدم خصوصية وقت الظهر الفضيلي في ذلك، لأنه الأنسب بارتكازية التعليل، كما قد يشعر بذلك أيضا صحيح معمر، لأن السؤال فيه و إن اختص بصلاة الظهر، إلا أن عدم الاكتفاء في جوابه بنفي القضاء فيها حتي أضيف إليه قوله: «إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها» مشعر بعدم اختصاص الحكم عندها، بل يعم غيرها.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لإمكان اختلاف نحو التوقيت بالوقت الفضيلي باختلاف الصلوات و يكون لصلاة الظهر خصوصية في كيفية التوقيت به تصحح نسبة الوقت إليها، دون غيرها.

مع أنه لو تم معارض بذيل موثق الحلبي، لقوة ظهوره في وجوب العصر في

ص: 116

______________________________

الوقت المذكور، لعدم اختصاص الاستحباب بها، و بظهور جملة من النصوص مما تقدم و غيره في وجوب صلاة العشاءين مع الطهر بعد نصف الليل الذي لا يناسب استحباب قضائهما مع الطهر بعد خروج وقتهما الفضيلي. و جعل ما تقدم قرينة علي حمل جميع ذلك علي الاستحباب صعب جدا. و لا سيما مع عدم ظهور قائل به، لظهور حال الشيخ و غيره في الاختصاص بالظهر. و لا أقل من التوقف و الرجوع للقاعدة في وجوب القضاء. فتأمل جيدا.

هذا، و ظاهر فتواهم بوجوب أو استحباب صلاة الظهرين إذا طهرت و فرغت من غسلها في وقت العصر إرادتهم تقديم الظهر. و هو الذي يقتضيه ظاهر النصوص، لأن المفروغية عن وجوب الترتيب بين الصلاتين تقتضي انصرافها إليه حتي لو كان الأمر بالظهر استحبابيا.

لكن في صحيح أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام: «في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلي العصر ثم تصلي الظهر» «1». و قد حمله في الاستبصار علي من فرطت في الظهر حتي ضاق وقت العصر. و عن المنتقي أنه استحسنه، و احتمل الحمل علي التقية.

و من الظاهر بعد الحمل المذكور، لأن ظاهر الاغتسال في وقت العصر سعة الوقت لا تضيقه، بل فرض التفريط في الظهر لا شاهد له في النص، بل عدم التنبيه عليه و الاقتصار علي بيان الغسل وقت العصر ظاهر في عدمه. و أما الحمل علي التقية فهو لا يناسب المنقول عن العامة في المقام من تقديم الظهر.

و من هنا يشكل العمل بالصحيح، لأنه إن ابتني علي المشهور من وجوب الصلاتين مع إمكان أدائهما قبل مغيب الشمس فالظاهر عدم الإشكال في وجوب تقديم الظهر عندهم كما هو ظاهر النصوص المتقدمة الآمرة بالصلاتين. و إن ابتني علي ما سبق من استحباب قضاء الظهر مع الطهر في وقت لا يسع أداءها قبل مضي

______________________________

(1) الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 14.

ص: 117

______________________________

أربعة أقدام، فوجوب تأخيرها- كما هو ظاهر الصحيح- لا يخلو عن غرابة.

بل لا يمكن البناء عليه بعد ظهور بناء الأصحاب علي تقديم الظهر، حيث يبعد جدا خطؤهم في هذه المسألة التي يشيع الابتلاء بها بنحو تكون فتواهم علي خلاف المجزي. و أما حمله علي استحباب تأخير الظهر فهو إنما يناسب المبني المذكور في فرض ضيق وقت العصر الفضيلي، و لا شاهد بحمله علي ذلك. فهو غريب المضمون يرد علمه إلي قائله عليه السلام.

بقي الكلام في صلاة العشاءين مع الطهر قبل الفجر. و لا يخفي أن ظاهر جملة من النصوص وجوبهما كموثق عبد اللّه بن سنان المتقدم في الأمر الأول. فما تقدم من الشيخ و غيره من البناء علي استحبابهما إن أريد به استحباب كل منهما، فالوجه فيه إن كان هو ما تقدم في الظهر، لدعوي استفادة العموم لغيرها، فمن الظاهر أنه لو تم فمقتضاه الاستحباب بخروج وقتهما الفضيلي، مع أنه صرح في النهاية بوجوبهما إذا طهرت قبل نصف الليل.

و إن كان هو أدلة توقيت العشاءين بما قبل ذلك- كنصف الليل- لدعوي: أن مقتضاه عدم وجوب القضاء مع استيعاب الدم الوقت. ففيه- مع أن أدلة التوقيت بذلك معارضة بنصوص تقتضي امتداد الوقت للفجر، و لو لذوي الأعذار، و تمام الكلام في ذلك في مبحث المواقيت- أن التوقيت لا يمنع من وجوب القضاء مع استيعاب الدم الوقت، لا في الحيض و لا في غيره.

غاية الأمر أن مقتضي الأصل البراءة من وجوب القضاء، بل هو في الحيض مقتضي إطلاق ما تضمن عدم قضاء الحائض الصلاة، و من الظاهر أنهما لا ينهضان برفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب، بل هي تنهض بتقييد الإطلاق المذكور، و بالحكومة علي أصالة البراءة.

و أشكل من ذلك ما لو أريد به استحباب الجمع بينهما مع وجوب العشاء الراجع لاستحباب المغرب فقط- نظير ما تقدم في الظهرين- كما يناسبه ما ذكره في

ص: 118

______________________________

المبسوط في مبحث المواقيت من أن من لحق من ذوي الأعذار مقدار ركعة أو أربع ركعات قبل الفجر وجب عليه صلاة العشاء، ثم قال: «و إذا لحق ما يصلي خمس ركعات صلي المغرب أيضا معها استحبابا، و إنما يلزمه وجوبا إذا لحق قبل نصف الليل بمقدار ما يصلي فيه أربع ركعات، و قبل أن يمضي مقدار ما يصلي ثلاث ركعات من المغرب».

وجه الإشكال: عدم ظهور وجه الفرق بين العشاءين مع اشتراكهما في خروج الوقت الفضيلي و الأدائي الاختياري، و في نصوص المقام و غيرها مما تضمن وجوبهما علي من نسي أو نام و ذكر أو انتبه قبل الفجر «1»، و عدم فوت صلاة الليل حتي يطلع الفجر «2».

و من هنا كان اللازم البناء علي وجوب الصلاتين معا علي من طهرت في الليل بنحو تدركهما فيه. و لعله لذا قال في الخلاف في مسائل الأوقات: «مسألة 14: إذا أدرك بمقدار ما يصلي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، و إن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا. و كذلك القول في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر».

نعم، في كونهما أدائيتين أو قضائيتين كلام محله مبحث المواقيت. و ربما يأتي هناك ما ينفع في المقام. فلاحظ.

الثالث: ذكرنا عند الكلام في مفاد القاعدة أن مقتضاها عدم الاجتزاء في وجوب الصلاة

بإدراك مقدار من الوقت يسع الواجب الاضطراري. و الظاهر عدم الإشكال فيه بالإضافة إلي الطهارة هنا، و إن سبق من كشف اللثام الاجتزاء بإدراك التيمم في المسألة الأولي، و سبق منا توجيهه علي المختار من الاكتفاء في تلك المسألة بإدراك مقدار الصلاة دون شروطها، للفرق بين المسألتين بالنصوص المتقدمة في هذه المسألة، الصريحة في عدم وجوب الصلاة إذا خرج وقتها للانشغال بالغسل من دون

______________________________

(1) الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 3، 4.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 9.

ص: 119

______________________________

توان، و بأن القاعدة تقتضي اعتبار سعة الوقت للغسل كما سبق، بخلاف تلك المسألة.

و ما في العروة الوثقي من الاحتياط الاستحبابي بالتيمم في المقام ضعيف.

و لأجل القاعدة المذكورة يتجه عدم الاكتفاء بمقدار التيمم حتي لمن وظيفته التيمم من غير جهة ضيق الوقت، خلافا لما يظهر من العروة الوثقي هنا. و يتضح وجهه بملاحظة ما ذكرناه ردا لما سبق من جامع المقاصد في تلك المسألة. فتأمل.

كما أن مساق كلماتهم في المقام إرادة مقدار الواجب الاختياري من سائر الجهات، لأن ذلك هو المنساق من النصوص المتقدمة، لظهورها في إرادة الصلاة المعهودة، بسبب عدم التنبيه فيها علي إرادة ما دونها مع كونه مغفولا عنه. بل لعله أولي مما أشرنا إليه في الأمر الأول من ظهورها في لزوم سعة الوقت بالإضافة إلي بعض الشروط التي يتعارف صرف الوقت لها بين الغسل و الصلاة.

هذا، و قد صرح جمهور الأصحاب بالاجتزاء في إدراك الوقت في المقام بإدراك ركعة، بل ادعي الإجماع عليه في الخلاف و المدارك، و نفي الخلاف فيه في التذكرة. بل ظاهر جملة من عباراتهم في باب المواقيت المفروغية عن أن المقام من صغريات كبري إدراك الوقت بإدراك ركعة التي ادعي الإجماع عليها في كلماتهم، و وردت بها بعض النصوص.

و أما ما في باب أحكام السهو من الفقيه من أن من فاته الظهران ثم ذكر و قد بقي من الوقت قدر ما يصلي إحداهما بدأ بالعصر، و إن بقي منه قدر ما يصلي ست ركعات بدأ بالظهر، حيث قد يظهر منه لزوم إدراك ركعتين. فهو- مع خلوه عن الدليل- خلاف في الكبري المذكورة من دون خصوصية للمقام.

نعم، عن السرائر: أنها إذا طهرت قبل غروب الشمس في وقت متسع لفعل الطهارة و الصلاتين وجب عليها أداؤهما، و في الوسيلة: أنها إذا طهرت و توانت في الاغتسال و الصلاة وجب عليها القضاء. و إن لم يمكنها ذلك لم يجب. و استظهر بعضهم منهما اعتبار إدراك تمام الصلاة في الوقت، و عدم الاجتزاء بإدراك الركعة.

ص: 120

______________________________

و لا يخلو عن إشكال، لأنهما بصدد بيان وجوب الصلاة مع اتساع الوقت لها و إمكانها فيه، لا بصدد تحديد الاتساع المحقق للإمكان، بل هو موكول للكلام في الأوقات.

و كيف كان، فقد استدلوا علي ذلك بما تسالموا عليه ظاهرا تبعا للنصوص «1» من أن من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت. و كأنه لدعوي: حكومته علي ما تضمن عدم قضاء الحائض الصلاة بعد تنزيله- كما سبق- علي الصلاة التي تتعذر في وقتها بسبب الحيض، لأنه يحكم بتوسيع الوقت لما يساوي الركعة، فلا تتعذر الصلاة بسبب الحيض في الفرض، ليسقط قضاؤها.

لكنه إنما يتم لو عم التنزيل المذكور حال الاختيار، حيث يستلزم تمامية ملاك الوقت بإدراك الركعة فتجب بعد عدم مانعية الحيض منها. أما إذا كان اضطراريا- كما لعله ظاهرهم- فيشكل بما تقدم من أن المتيقن من أدلة الأبدال الاضطرارية بدليتها في مقام الأداء و الامتثال، دون مقام الجعل و الملاك، و حيث كان الحيض رافعا لملاك الصلاة المتعذرة في وقتها بسببه، فلا تنهض أدلة التنزيل المذكور بإثبات قيام الصلاة المدرك بها ركعة من الوقت مقام الصلاة التي تتم في الوقت في واجديتها للملاك، ليجب أداؤها، فضلا عن قضائها.

و تحقيق أن التنزيل المذكور اختياري أو اضطراري موكول لمبحث الأوقات، كتحديد منتهي الركعة، و كالكلام في كون الصلاة أدائية أو قضائية، و غير ذلك مما لا مجال لإطالة الكلام فيه هنا، لعدم خصوصية الحيض فيه، و لأن الكلام فيه إنما يتجه بعد تحقيق الكبري المذكورة.

هذا، و يظهر مما تقدم من فروع المسألة الأولي جريان بعضها في هذه المسألة، فلا ينبغي إطالة الكلام فيها هنا. و إنما نقتصر علي الكلام فيما في التذكرة و المنتهي و محكي نهاية الأحكام من استحباب القضاء لو طهرت قبل خروج الوقت بمقدار لا يسع الركعة، و حكاه في مفتاح الكرامة عن التهذيب و الاستبصار و النهاية، و لم أجد فيها

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت.

ص: 121

(مسألة 21): الظاهر أنها تصح طهارتها من الحدث الأكبر غير الحيض، فإذا كانت جنبا و اغتسلت عن الجنابة صح (1).

______________________________

إلا ما تقدم من استحباب قضاء الظهر لو طهرت قبل مغيب الشمس و العشاءين إذا طهرت قبل طلوع الفجر.

و الظاهر أنه يختص بإمكان إدراك أداء الصلاة قبل مغيب الشمس أو طلوع الفجر، كحكمه بوجوب صلاة العصر إذا طهرت قبل مغيب الشمس.

و كيف كان، فقد استدل له في مفتاح الكرامة بإطلاق ما تضمن الأمر بصلاة الظهرين إذا طهرت قبل مغيب الشمس و العشاءين قبل طلوع الفجر، كموثق عبد اللّه بن سنان و غيره مما تقدم في الأمر الأول.

و يشكل بأنه إن بني علي اختصاص النصوص المذكورة- انصرافا أو بقرينة خارجية- بصورة إدراك الصلاة في الوقت فلا مجال لاستفادة استحباب القضاء منها مع عدم الإدراك، و إن بني علي عمومها لصورة عدم الإدراك لزم البناء علي وجوب القضاء، خروجا عن مقتضي القاعدة المتقدمة، لا استحبابه.

و دعوي: أنه إنما يبني علي عدم الوجوب مع عدم الإدراك للنصوص النافية للقضاء لو انشغلت بالغسل من دون توان حتي خرج الوقت. مدفوعة بأن تلك النصوص كما تصلح للقرينية علي حمل هذه النصوص علي الاستحباب في صورة عدم الإدراك تصلح للقرينية علي حملها علي صورة الإدراك، بل لعل الثاني أقرب.

مسألة 21 غسل الحائض من الحدث الأكبر

(1) كما هو ظاهر التهذيب و الاستبصار. لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل. قال: إن شاءت ان تغتسل فعلت، و إن لم تفعل فليس عليها شي ء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة» «1». مضافا إلي إطلاق أدلة الأغسال المقتضية لرافعيتها لأحداثها مطلقا و إن اجتمعت مع غيرها من دون أن يرتفع بالغسل- كما في المقام- و لذا كان ظاهرهم

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 7.

ص: 122

______________________________

المفروغية عنه مع عدم تداخل الأغسال الذي قال به بعضهم في بعض الموارد. و منه يظهر عموم المشروعية لغسل غير الجنابة.

بل يظهر من التهذيب و الاستبصار قوة احتمال استحباب غسل الجنابة لها، لموثق سماعة عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام: «قالا: في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة. قال: غسل الجنابة عليها واجب» «1»، بدعوي: أنه بعد تعذر حمله علي الوجوب للنصوص الكثيرة الدالة علي الاجتزاء بغسل واحد «2» يحمل علي الاستحباب.

نعم، احتمل أيضا حمله علي بيان كيفية الغسل الواجب عليها و أنه كغسل الجنابة، أو علي إجزاء غسل الجنابة بعد الطهر من الحيض عن غسله. كما يحتمل حمله علي بقاء حدث الجنابة و عدم اندكاكه بالحيض، و أن زواله مشروط بالغسل و إن لم يستحب التعجيل به.

لكن الحمل علي الاستحباب أقرب، خصوصا من الحملين الأولين.

و لا سيما مع اعتضاده بإطلاق الأمر بالطهارة، الذي يقرب ارتكازا حمله علي استحباب الطهارة من كل حدث بنحو الانحلال، لا خصوص الطهارة من جميع الأحداث بنحو المجموعية. و لذا لا يظن منهم التوقف في ذلك في غير الحائض مع عدم تداخل الأغسال الذي قال به بعضهم في بعض الموارد، فيتعين البناء عليه في الحائض بعد ثبوت مشروعية غسل الجنابة لها، لما تقدم، و من هنا كان الاستحباب قريبا جدا.

هذا، و قد صرح في التذكرة و محكي المنتهي و التحرير بأنه لا يصح لها الغسل للجنابة قبل انقطاع الدم، و قد يرجع إليه ما في المبسوط و السرائر من أنها لا يصح منها الغسل و الوضوء علي وجه يرفعان الحدث، و ما في النافع و المعتبر من أنه لا يرتفع لها حدث، مدعيا عليه في الثاني الإجماع، بل قد يرجع إليه ما في الشرائع و القواعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 8.

(2) راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة و غيرها.

ص: 123

______________________________

من أنها لو تطهرت لم يرتفع حدثها، و في المدارك أنه مجمع عليه بين الأصحاب، و في الدروس أنه لا يرتفع حدثها بوضوء و لا غسل، بل نسبه في الجواهر إلي ظاهر جملة من الأصحاب ظهورا يكاد يكون كالصريح من بعضهم، بل استظهر الاتفاق عليه.

بل عن المنتهي دعوي الإجماع صريحا عليه.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لقرب كون مراد جمع منهم استمرار حدثها باستمرار الحيض و أنها لا تخلو عنه بالغسل أو الوضوء، من دون نظر إلي غير حدث الحيض.

و لعله الظاهر مما تقدم من الشرائع و القواعد و الدروس، بل قد يحمل عليه بعض ما تقدم من غيرها.

و من هنا لا مجال للاستدلال بالإجماع المدعي في كلام من تقدم من قرب ابتناء دعواه علي ارادة ذلك و من هنا لا مجال للتعويل عليه بعد ما سبق من التهذيب و الاستبصار. و مثله الاستدلال عليه بما في المعتبر من أن الطهارة ضد الحيض، فلا تتحقق مع وجوده. لوضوح أنه إنما يكون وجها لاستمرار حدثها حال الحيض، لا لعدم ارتفاع غير حدث الحيض عنها.

نعم، قد يستدل عليه بصحيح الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض و هي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل؟ قال: قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل» «1». لكن يقرب وروده لبيان دفع توهم وجوب غسل الجنابة، بل ذلك هو المناسب للتعليل. و لا أقل من حمله علي ذلك بقرينة ما سبق.

و أضعف منه الاستدلال بحديث سعيد بن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

المرأة تري الدم و هي جنب أ تغتسل عن الجنابة أو غسل الجنابة و الحيض واحد؟ فقال:

قد أتاها ما هو أعظم من ذلك» «2».

لوضوح أنه لم يتضمن النهي عن الغسل، و التعليل فيه إنما ينهض ببيان عدم وجوب التعجيل به. و مثله الاستدلال بصحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام: «سألته

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 124

______________________________

عن المرأة تحيض و هي جنب هل عليها غسل الجنابة؟ قال: غسل الجنابة و الحيض واحد» «1»، و في موثق أبي بصير: «تجعله غسلا واحدا» «2».

لاندفاعه باحتمال كون المقصود بهما بيان تداخل الغسلين بعد الطهر من الحيض، للمفروغية عن عدم وجوب التعجيل به قبله، من دون أن يتضمنا الردع عن التعجيل به، كما هو ظاهر موثق حجاج الخشاب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن رجل وقع علي امرأته فطمثت بعد ما فرغ أ تجعله غسلا واحدا إذا طهرت أو تغتسل مرتين؟

قال: تجعله غسلا واحدا عند طهرها» «3».

و بالجملة: هذه النصوص بين ما هو ظاهر أو محمول علي عدم وجوب التعجيل بغسل الجنابة، و ما هو ظاهرا او محتمل لبيان التداخل في فرض تأخيره إلي الطهر من الحيض، فلا مجال للخروج بها عن إطلاقات الأغسال، فضلا عن موثقي عمار و سماعة.

و أضعف من ذلك الاستدلال بصحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة و تذكر اللّه. قال: أما الطهر فلا، و لكنها توضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة و تذكر اللّه» «4».

لاندفاعه بأنه إن ابتني علي دعوي ظهوره في عدم مشروعية الغسل لها. فهو مختص- لو تم- بغسل الجمعة، و لا مجال للتعدي لغيره، خصوصا مع صراحة ما يأتي في مشروعية غسل الإحرام لها.

و إن ابتني علي ظهوره في عدم مطهرية الغسل لها فالظاهر منه عدم مطهريته لها من حدث الحيض، لا من مطلق الحدث، ليدل في نفسه علي عدم مشروعية غسل الجنابة لها، فضلا عن أن يرفع به اليد عن الموثقين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 125

و تصح منها الأغسال المندوبة حينئذ (1)،

______________________________

(1) كما صرح به في السرائر و المعتبر و غيرهما، و قد يستفاد مما تقدم من المبسوط من تقييد الغسل الممنوع منه بما إذا كان علي وجه يرفع الحدث، بل في الجواهر أنه لا ينبغي الإشكال فيه. لاطلاقات أدلتها.

معتضدة بخصوص النصوص المتضمنة الأمر بغسلها للإحرام، كصحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تحرم و هي حائض. قال:

نعم. تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلي» «1» و غيره. فما قد يظهر من المبسوط من عدم مشروعية غسل الإحرام لها، حيث ذكر بدله وضوء الصلاة- و هو المحكي عن ظاهر الخلاف- في غير محله. و أشكل منه ما في الاقتصاد من أنها تؤخر الصلاة و الغسل.

نعم، قد يستفاد من صحيح محمد بن مسلم المتقدم عدم مشروعية غسل الجمعة لها. و حمله علي مجرد عدم مطهرية الغسل لها مع مشروعيته في نفسه بعيد. كحمله علي أن الوضوء لا يوجب لها الطهارة- كما احتمله سيدنا المصنف قدّس سرّه- لأن خصوصية يوم الجمعة في السؤال تناسب كون المراد بالطهر غسله، دون الوضوء الذي لا يختص به، كما هو المناسب للأمر بعد ذلك بالوضوء.

نعم، قد يحمل علي بيان أن وظيفة الغسل المستحب لا تؤدي أو لا تتوقف علي غسله، بل علي الوضوء، من دون أن ينافي استحباب الغسل في نفسه.

هذا، و لو تمت دلالته علي عدم مشروعية غسل الجمعة لها فلا مجال للتعدي منه لغيره من الأغسال المندوبة و الخروج به فيها عما عرفت من الإطلاق. و لا سيما مع ورود نصوص مشروعية غسل الإحرام لها.

نعم، يشكل التمسك بإطلاق أدلة الأغسال المستحبة لبعض الغايات- كدخول

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الإحرام حديث: 4.

ص: 126

و كذلك الوضوء (1)، (مسألة 22): يستحب لها (2)

______________________________

مكة- بناء علي انتقاضها بالحدث الأصغر أو الأكبر، لنظير ما يأتي في الوضوء.

مسألة 22: استحباب الوضوء و الذكر للحائض
اشارة

(1) حيث لا إشكال في مشروعيته لها للذكر المستحب، كما سيأتي. و أما مشروعيته لها في سائر موارد استحبابه لغيرها- كالوضوء للنوم و نحوه- فلا يخلو عن إشكال، لظهور أدلته في استحبابه بلحاظ ترتب الطهارة من الحدث الأصغر عليه، و لذا لا يكفي لو انتقض، و لا مجال لذلك في الحائض، لاستمرار حدثها و ناقضيته للوضوء.

و مجرد مشروعيته لتخفيف الحدث عند أداء وظيفة الذكر- كما يأتي- لا يستلزم مشروعيته في الموارد المذكورة لتخفيفه بعد قصور أدلة مشروعيته فيها عن ذلك.

نعم، في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل، و إذا كان وقت الصلاة توضأت و استقبلت القبلة و هللت و كبرت و تلت القرآن و ذكرت اللّه عز و جل» «1». و ظاهره استحباب الوضوء للأكل. و حمله علي غسل اليدين، كما تقدم في الوضوء المستحب لكل أحد قبل الأكل و بعده- في ذيل الكلام في نواقض الوضوء- لا يناسب السياق، فلا يبعد البناء علي خصوصيتها في استحباب الوضوء لها قبل الأكل.

(2) هذا الحكم في الجملة من متفردات أصحابنا، كما عن الذكري. و ذكر ذلك في الخلاف و الروض أيضا بعد التصريح بأنه استحبابي، مدعيا عليه في الخلاف إجماع أصحابنا.

لكن نسب القول بالاستحباب للأكثر في كشف اللثام و للمشهور في المختلف و جامع المقاصد و الحدائق و غيرها. و نسب القول بالوجوب لرسالة علي بن بابويه،

______________________________

(1) الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 127

______________________________

و به عبر ولده في الفقيه، و في الهداية في بيان أحكام الحيض: «قال الصادق عليه السلام: يجب علي المرأة إذا حاضت أن تتوضأ عند كل صلاة و تجلس مستقبلة القبلة و تذكر اللّه مقدار صلاتها كل يوم» «1»، كما قد ينسب للكليني، حيث جعل نصوص المسألة في باب ما يجب علي الحائض في أوقات الصلاة، و تحتمله عبارة النهاية، حيث قال: «فإذا حاضت المرأة فيجب عليها أن تعتزل الصلاة و تفطر الصوم، و تتوضأ عند كل صلاة و تحتشي … »،

و إن أمكن حمله علي الاستئناف، و إليه مال في الحدائق و عن الأردبيلي أنه قواه.

كل ذلك لظاهر النصوص، كصحيح معاوية المتقدم و صحيح زرارة عن أبي جعفر [أبي عبد اللّه. خ ل] عليه السلام: «قال: إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة، و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّه عز و جل و تسبحه و تهلله و تحمده كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها» «2»، و غيره، خصوصا مرسل الهداية المتقدم و نحوه الرضوي «3»: «و يجب عليها عند حضور كل صلاة أن تتوضأ وضوء الصلاة و تجلس مستقبل القبلة و تذكر اللّه بمقدار صلاتها كل يوم».

لكن في المدارك: أن مقتضي الجمع بين النصوص البناء علي الاستحباب، لما في صحيح زيد الشحام: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة و تذكر اللّه مقدار ما كانت تصلي «4» بدعوي: ظهور:

«لا ينبغي» في الاستحباب، و هو الظاهر من جامع المقاصد.

لكنه كما تري، فإنه لو تم فظهور النصوص المتقدمة في الوجوب أقوي منه و تنزيله عليها أقرب عرفا.

فالعمدة في البناء علي الاستحباب أن عموم الابتلاء بالحكم مانع من خفائه لو كان وجوبيا. و لا سيما مع اعتضاده بصحيح الحلبي عنه عليه السلام: «قال: و كن نساء

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الحيض حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 128

التحشي (1) و الوضوء (2) وقت كل صلاة واجبة (3)

______________________________

النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لا يقضين الصلاة إذا حضن، و لكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضين ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّه عز و جل» «1»، و بما عن دعائم الإسلام عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة فيسبغن الوضوء و يحتشين بخرق ثم يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة فيسبحن و يكبرن و يهللن و لا يقربن مسجدا و لا يقرأن قرآنا … » «2».

لظهورهما في أن ذلك مما يؤمر به خواص النساء و ليس حكما عاما شايعا بين المسلمين. و لا بد مع ذلك من حمل النصوص المتقدمة علي الاستحباب. بل لا يبعد لأجله كونه مراد الصدوقين و الكليني من الوجوب، لشيوع ذلك في كلام القدماء.

(1) كما تقدم من النهاية. و يقتضيه صحيح الحلبي و خبر الدعائم المتقدمان.

(2) لم يذكره في الدروس مقدمة للذكر المستحب. و لم يتضح الوجه فيه بعد ظهور النصوص و الفتاوي في عدم تأدي الوظيفة بدونه. و مثله ما يظهر من الوسيلة من استحباب كل من الأمرين من دون ارتباطية بينهما.

(3) كما في العروة الوثقي و قد يستفاد من إطلاق أو عموم كلام الأصحاب، و منه معقد إجماع الخلاف.

و يقتضيه عموم صحيح زرارة المتقدم و إطلاق غيره. و إن كان من القريب انصرافها إلي اليومية الموقتة بالخصوصيات الزمانية من أجزاء اليوم و الليل، لانصراف التعبير بالوقت و بدخوله في النصوص إليها، دون خصوصية الحوادث، كالكسوف و الخسوف و نحوهما. و أما العموم للصلوات المستحبة فلا يظن احتماله من أحد.

هذا، و لا يبعد كون المراد من وقت الصلاة هو الوقت الفضيلي، لتعارف

______________________________

(1) الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الحيض حديث: 3.

ص: 129

و الجلوس (1) في مكان طاهر (2)

______________________________

الصلاة فيه في عصر صدور النصوص. و لظهور نسبته لكل صلاة في عدم اشتراك صلاتين في وقت واحد.

نعم، لا يبعد كون خصوصيته فضيلية في هذه الوظيفة، كما في الصلاة التي هي بدل عنها، فلو لم تأت بها في الوقت الفضيلي شرعت في غيره من الوقت الأدائي.

لكن لا بنحو يقتضي جمع الصلاتين بوضوء واحد، لخروجه عن المتيقن من العفو عن الحدث المستمر بسبب الحيض بعد ظهور النصوص في اختصاص كل صلاة بوضوئها. كما لا يبعد لأجل ذلك لزوم تعقيب الصلاة بالوضوء بالنحو المتعارف و عدم الفصل بينهما.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، و منه معقد إجماع الخلاف، و لعله المراد من إطلاق المعتبر و المنتهي و محكي تخليص التلخيص، حيث نسب في الأولين ذلك للشيخ الذي صرح بالجلوس، كما أشير فيهما للخلاف في تعيين المصلّي مكانا للجلوس، و استدل في الثاني بصحيحي زرارة و الشحام مع تضمن الأول له.

و كيف كان، فحيث ذكر في بعض النصوص و أهمل في بعضها كان مقتضي الجمع بينها البناء علي أفضلية الجلوس، لأن ذلك هو مقتضي الجمع بين المطلق و المقيد في المستحبات. و أما حمل ما تضمن الجلوس علي مجرد الاجتزاء به لأنه الأسهل فبعيد.

(2) كما تضمنه صحيح زرارة، و يجمع بينه و بين إطلاق غيره بالحمل علي الأفضلية. بل قد يدعي أن توظيف هذا الذكر بدل الصلاة يناسب كونه مثلها في اعتبار تجنب النجاسة الخبثية، و مرجعه إلي لزوم عدم نجاسة المكان بنجاسة متعدية، فيكون ذلك هو المراد من النصوص المطلقة، و عليه ينزل اعتبار طهارة المكان في الصحيح. لكنه لا يخلو عن إشكال.

هذا، و قد قيد بالجلوس في المصلي في النهاية و المبسوط و الخلاف و الوسيلة و النافع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و محكي الجامع و الإصباح

ص: 130

مستقبلة القبلة (1)

______________________________

و المهذب و نهاية الأحكام و التحرير و البيان، بل هو داخل في معقد الإجماع المدعي في الخلاف، و إليه يرجع ما في السرائر و المراسم من الجلوس في محرابها.

نعم، في الروض و الروضة أنه يختص بما إذا كان لها مكان معدّ للصلاة، و إلا فحيث شاءت. و قد يظهر من الروض أن ذلك من قيد بالمصلي، و في المقنعة: أنها تجلس ناحية من مصلاها. لكن لم يتضح الوجه في جميع ذلك بعد خلو النصوص عنه، و لذا اختار عدم التقييد بذلك في المعتبر و المنتهي وفاقا لإطلاق جماعة.

اللهم إلا أن يستفاد مما في صحيح الحلبي المتقدم من أنهن يجلسن قريبا من المسجد كون المطلوب الأولي هو الجلوس في المصلي، و أن تعذر ذلك إذا كان المصلي مسجدا أوجب التنزل للمكان القريب منه، لأنه كالميسور منه.

و أما ما احتمله سيدنا المصنف قدّس سرّه من كون المراد بالمسجد فيه المصلي، فيناسب ما تقدم من المقنعة- بناء علي ان المراد به القرب من المصلي لا مكان منه- فهو بعيد جدا لأن خفاء الوجه في امتناعها من الجلوس في المصلي يؤكد ظهوره في المسجد المعهود المفروغ عن حرمة الجلوس فيه. و من ثم كان ما ذكرناه أقرب. مع اعتضاده ما في الخلاف من دعوي إجماع الفرقة و أخبارهم. و إن كان في نهوض ذلك بالاستدلال إشكال. علي أنه لو تم فهو لا ينهض بتقييد إطلاق بقية النصوص، لما سبق من الجمع بين المطلق و المقيد في المستحبات يقتضي اختلاف مرتبة الفضل.

(1) كما في الفقيه و المسالك و ظاهر الروض و عن الإصباح و النفلية. و قد يحمل عليه إطلاق غيرهم، لاستدلالهم ببعض النصوص الذي تضمنته، و لا سيما من اعتبر الجلوس في المصلي، لظهور حاله في إرادة التشبه بحال الصلاة.

و كيف كان، فيقتضيه صحاح محمد بن مسلم و معاوية بن عمار و زيد الشحام و مرسل الهداية و خبر الدعائم و الرضوي. و قد ينزل عليه إطلاق غيرها، حيث لا يبعد كون الجمع بينها بالتقييد لمناسبته لإرادة التشبه بحال الصلاة أقرب من الجمع

ص: 131

ذاكرة للّه تعالي (1). و الأولي لها اختيار التسبيحات الأربع (2).

______________________________

باختلاف مراتب الفضل. فتأمل.

(1) كذا أطلق جملة من الأصحاب. و هو معقد الشهرة في المختلف و جامع المقاصد و كشف اللثام و الحدائق، و الإجماع في الخلاف. و يقتضيه إطلاق صحيحي محمد بن مسلم و زيد الشحام و مرسل الهداية و الرضوي و ظاهر صحيح الحلبي.

و أما ذكر التهليل في صحيحي معاوية بن عمار و زرارة و التكبير في الأول و التسبيح و التحميد في الثاني. فلا يبعد ظهوره في عدم خصوصيتها، بل مجرد كونها من أفراد الذكر لذكره معها فيهما. و لعل ذلك هو المراد من الاقتصار عليها في خبر الدعائم.

كما أنه لا يبعد ذلك في تلاوة القرآن التي تضمنها صحيح معاوية بن عمار، إذ من البعيد جدا إهمالها في النصوص الأخر لو كان لها خصوصية في الاستحباب، خصوصا صحيح الحلبي المتضمن ما تفعله نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم حيث يبعد جدا تركهن لها مع أوليتها أو إهماله عليه السلام لبيانها مع فعلهن لها.

نعم، الظاهر أن الصحيح المذكور صالح لتقييد ما تضمن كراهة قراءة الحائض القرآن بغير المورد، لأنه أقرب من حمله علي مجرد بيان تأدي الوظيفة بها مع كراهتها.

و لا ينهض خبر الدعائم بمعارضته. كما لا يخفي. و إن كان مجموع ذلك صالحا للبناء علي أولوية الذكر منها.

هذا، و في المقنعة: «فتحمد اللّه و تكبره و تهلله و تسبحه» و اقتصر في المراسم علي التسبيح، و عن النفلية أنها تجلس مسبحة بالأربع مستغفرة مصلية علي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم.

و كأن مرادهم مجرد التمثيل بما هو من أفراد الذكر من دون خصوصية للمذكورات، كما يناسبه ما عن البيان: «و ليكن الذكر تسبيحا و تهليلا و تحميدا و شبهه». و إلا كان ما ذكروه خاليا عن الوجه.

(2) كما في العروة الوثقي. و كأنه لاشتمالها علي ما تضمنته النصوص مع خصوصية الترتيب الخاص المشروع، كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه. و أما عدم

ص: 132

______________________________

تضمنه تلاوة القرآن فهو لا ينافي ذلك بعد ما سبق من أن الظاهر كون الذكر أولي منها.

نعم، عن القطب الراوندي في لب اللباب: «و في الخبر: إذا استغفرت الحائض وقت الصلاة سبعين مرة كتب اللّه لها ألف ركعة و غفر لها سبعين ذنبا و رفع لها سبعين درجة و أعطاها سبعين نورا، و كتب لها بكل عرق في جسدها حجة و عمرة» «1».

و الأولي أداء الوظيفة بما يشتمل علي ذلك.

هذا، و قد صرح الأصحاب بكون الذكر بقدر الصلاة، كما تضمنه صحيحا زرارة و زيد الشحام و مرسل الهداية و الرضوي، و هو المنصرف من إطلاق غيرها، لمناسبته لبدلية هذه الوظيفة عن الصلاة، حيث يبعد معه الاكتفاء بصرف الوجود جدا. و لا أقل من كونه موجبا لأولوية الجمع بالتقييد من الجمع باختلاف مراتب الفضل. فلاحظ.

بقي في المقام أمور..
الأول: قال في التذكرة: «و لا يرفع هذا الوضوء حدثا و لا يبيح ما شرطه الطهارة»

و نحوه عن التحرير و نهاية الأحكام و قريب منه في المنتهي.

و يشكل بأن إطلاق الوضوء ينصرف إلي الطبيعة المعهودة المطهرة. و مجرد استمرار حدثها- و لذا لا يباح به ما شرطه الطهارة- لا ينافيه، لإمكان تخفيف الحدث به و حصول مرتبة من الطهارة، كما في وضوء المسلوس. و هو المناسب لكون غايته الذكر المشروع بدلا عن الصلاة.

و أشكل من ذلك ما رتبه عليه في المنتهي من أنها لو توضأت بتخيل أنها حائض فبانت طاهرا لم يترتب عليه الطهارة، لأنها لم تنو طهارة فلم يقع.

إذ فيه: أنه يبتني- مع ذلك- علي اعتبار نية الطهارة في صحة الوضوء، و قد تقدم في مبحث نية الوضوء أنه لا يعتبر فيه إلا نيته و التقرب به، و هما حاصلان في المقام.

نعم، لو لم يكن المشروع في حق الحائض وضوءا، بل شبيها بالوضوء تعين عدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الحيض حديث: 4.

ص: 133

______________________________

الاجتزاء به بعد فرض عدم نية الوضوء به. لكن لا مجال لتنزيل نصوص المقام عليه.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا بد في أداء الذكر الموظف به من عدم تخلل أحد نواقض الوضوء بينهما، لإطلاق دليل ناقضيتها. و ما في التذكرة من الإشكال فيه في غير محله.

بل لو فرض عدم كونه وضوءا حقيقة لم يبعد ظهور نصوصه في ترتب أحكام الوضوء عليه، و منها الانتقاض بالنواقض المذكورة.

و علي ما ذكرنا يبتني ما أشرنا إليه آنفا من قرب لزوم تعقيب الوضوء بالذكر و عدم الفصل المعتد به بينهما لأن ارتكاز كون الغرض منه تخفيف الحدث، و تجدد الحدث باستمرار الحيض المقتضي لانتقاضه يوجب انصراف إطلاق النصوص للتعجيل اقتصارا في الحدث علي ما لا بد منه، كما يذكر في المسلوس و المستحاضة.

الثاني: قال في المنتهي: «لو فقدت الماء هل تتيمم أم لا؟

الوجه: لا، لأنها طهارة اضطرارية و لا ضرورة هنا. و لعدم تناول النص له»، و جري علي ذلك في المقام في جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك و محكي التحرير.

و يشكل: بأن التيمم و إن كان طهارة اضطرارية إلا أن المعيار في الاضطرار المسوغ له ليس علي وجوب الطهارة، بل علي مشروعيتها مع تعذر المائية منها، و هما حاصلان في المقام.

و أما عدم تناول النص له فإن أريد به نصوص المقام فهو غير ضائر بعد كونها محكومة لأدلة بدلية التيمم. و إن أريد به نصوص بدلية التيمم فلا وجه لقصورها مع إطلاق ما تضمن أنه أحد الطهورين، و أنه يكفيك الصعيد عشر سنين «1»، فإن إطلاقهما شامل للمقام بناء علي ما سبق من طهورية الوضوء في المقام بلحاظ تخفيفه الحدث. بل إطلاق الثاني شامل له حتي لو لم يكن طهورا. فلاحظ.

و لعله لذا استشكل في محكي نهاية الأحكام في عدم بدلية التيمم في المقام، بل ظاهر المدارك وجود قول ببدليته. و لعله لما في جامع المقاصد، حيث قال في بيان التيمم

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم.

ص: 134

______________________________

المندوب: «لا إشكال في استحبابه إذا كان المبدل رافعا أو مبيحا، إنما الإشكال فيما سوي ذلك. و الحق أن ما ورد به النص أو ذكره من يوثق به من الأصحاب- كالتيمم بدلا من وضوء الحائض للذكر يصار إليه، و ما عداه فعلي المنع إلا أن يثبت بدليل».

لكن ظاهره أن استحبابه ليس لإطلاق الأدلة، بل لذكر من يوثق به من الأصحاب به له. كما أن ظاهر الروض احتمال استحبابه لأولوية بدليته عن غير الرافع منه عن الرافع. و هما معا كما تري لا ينهضان بإثبات المشروعية.

نعم، ظاهرهما المفروغية عن البدلية عن الرافع، و قد عرفت أن الوضوء في المقام رافع بلحاظ تخفيفه من الحدث. بل ظاهر جامع المقاصد ذلك في المبيح أيضا، و الوضوء في المقام مبيح، لتوقف الدخول في الذكر الموظف عليه.

و كيف كان، فالظاهر بدلية التيمم في المقام، كما قواه في الجواهر.

الثالث: ذكر في المنتهي أن الغسل لا يقوم مقام الوضوء في أداء الوظيفة المذكورة، لعدم تناول النص له.

و هو ظاهر لو أريد به عدم تشريع الغسل بدلا عن الوضوء في المقام.

أما لو أريد به عدم إجزاء الأغسال المشروعة في حق الحائض- علي ما تقدم في المسألة السابقة- عن هذا الوضوء. فهو لا يتجه في غسل الجنابة، بل و لا في غيره من الأغسال الواجبة و المستحبة- بناء علي ما تقدم من إجزائها عن الوضوء- لشمول إطلاق دليل إجزائها عن الوضوء لهذا الوضوء، بناء علي ما سبق من مطهريته في الجملة.

و ما في الجواهر من المنع عن ذلك، لظهور أن مراد القائل بإجزاء الغسل عن الوضوء إجزاءه عن الوضوء الرافع للحدث. غير ظاهر لو أريد به خصوص الموجب للطهارة التامة من كل حدث، بل الظاهر عمومه لما يوجب الطهارة في الجملة و لو بتخفيف الحدث، لإطلاق دليل الإجزاء.

نعم، بناء علي ما يظهر منه من عدم مطهرية الوضوء في المقام أصلا يتجه عدم

ص: 135

(مسألة 23): يكره لها الخضاب (1) بالحناء أو غيرها (2)، و حمل

______________________________

إجزاء الغسل عنه، لظهور دليل الإجزاء في الإجزاء من حيثية المطهرية و لا أقل من كونه المتيقن منه. و أولي بذلك ما لو لم يكن وضوءا حقيقة، بل شبيها بالوضوء. لكن سبق ضعف المبني المذكور، فالمتجه الإجزاء. غاية الأمر أنه يختص بصلاة واحدة، كالوضوء المجزي عنه.

الرابع: هل يجزي الوضوء المذكور للحائض إذا كانت محدثة بالأكبر غير الحيض،

كالجنابة و نحوها، أو لا بد من الغسل عنه لها؟

و جهان، قد يدعي قصور إطلاق النصوص المتقدمة عن إثبات عدم الحاجة للغسل، لورودها لبيان وظيفة الحائض من حيثية حيضها، لا من حيثية أخري، كالجنابة و نحوها. لكن لا يبعد استفادة العموم تبعا بسبب عدم التنبيه فيها علي الغسل بعد تعرض الحائض للأحداث الأخري، خصوصا الجنابة، مع الغفلة عن لزوم رفعها مقدمة لأداء هذه الوظيفة بسبب مسانختها للحيض الذي يتعذر رفعه، و لا سيما مع التأكيد في نصوص حيض المرأة الجنب علي عدم الحاجة للتعجيل بغسل الجنابة مع ظهور اهتمام الشارع بهذه الوظيفة.

علي أنه لو فرض عدم الإطلاق أمكن الإتيان بالذكر بدونه بداعي الأمر به المعلوم علي ما هو عليه من التردد بين التقييد بالغسل و عدمه، نظير التقرب بالأقل في موارد دوران المكلف به بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، علي ما ذكرناه في خاتمة البراءة و الاشتغال من الأصول.

مسألة 23: مكروهات الحائض

(1) كما صرح به الأصحاب، بل في المعتبر و المنتهي و ظاهر المعتبر الإجماع عليه. و يظهر الوجه فيه مما تقدم في مكروهات الجنب.

(2) كما هو مقتضي إطلاق النص و الفتوي. و اقتصر في المراسم علي الخضاب بالحناء. و قد تقدم في مكروهات الجنب الكلام فيه و فيما في المقنعة من الاقتصار علي خضاب الأيدي و الأرجل.

ص: 136

المصحف و لمس هامشه و ما بين سطوره و تعليقه (1).

______________________________

(1) لما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام: «قال: المصحف لا تمسه علي غير طهر و لا جنبا و لا تمس خطه و لا تعلقه، إن اللّه تعالي يقول: (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)» «1» المحمول علي الكراهة بقرينة غيره مما تقدم في مبحث ما يحرم علي الجنب. و تقدم ضعف ما نسب للمرتضي من القول بالحرمة. كما يظهر مما تقدم هناك الكلام في كراهة قراءة القرآن لها، لمشاركتها للجنب في كثير من النصوص.

نعم، ما تضمن المنع مما زاد علي سبع آيات أو سبعين أية مختص بالجنب.

فراجع.

هذا، و قد وقع الكلام بين الأصحاب في جواز سجود التلاوة و وجوبه علي الحائض، و لم يتعرض له سيدنا المصنف قدّس سرّه هنا اكتفاء بما يأتي منه في ذيل مباحث السجود من كتاب الصلاة من التعرض لأحكام سجود التلاوة. و نسأله تعالي أن يوفقنا لبحث تلك الأحكام، إنه ولي الأمور، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و قد انتهي الكلام في مبحث الحيض ليلة السبت غرة ربيع الثاني في السنة الواحدة بعد الألف و الأربعمائة للهجرة. كما انتهي تبييضه ضحي الأحد الثاني من الشهر المذكور. و الحمد للّه رب العالمين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 137

ص: 138

المقصد الثالث في الاستحاضة

اشارة

المقصد الثالث في الاستحاضة

مسألة 24: تحديد موارد الاستحاضة
اشارة

(مسألة 24): دم الاستحاضة (1)

______________________________

(1) تقدم الكلام في معني المستحاضة عند الاستدلال علي المختار في وجه الجمع بين نصوص الاستظهار و نصوص الاقتصار علي العادة في المسألة التاسعة من مبحث الحيض، و ذكرنا هناك أن موضوع الأحكام هي التي يخرج دمها من غير المحيض، و هو المستفاد من جملة من النصوص، كقوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: «ان دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد» «1»، و في مرسلة يونس الطويلة: «فقال لها النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: ليس ذلك بحيض، إنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلي. و كانت تغتسل في وقت كل صلاة … » «2» و غيرهما.

نعم، لا بد من عدم كونه دم نفاس أيضا، و إنما لم ينبه له لوضوحه. و منه يظهر أن ذكر الصفات في النصوص و الفتاوي ليس لكونها موضوع الأحكام، بل لبيان حال الدم الموضوع لها، أو للأمارية عليه عند الشك، و سيأتي بعض الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي. كما ظهر تباين دميي الحيض و الاستحاضة ذاتا، لا أنهما دم واحد يختلف حكمه باختلاف الأحوال و الأوقات.

و أما استبعاد تباين الدميين ذاتا مع اتصالهما- كما في مستمرة الدم- فهو لا ينهض برفع اليد عن ظاهر النصوص و الفتاوي أو صريحهما. علي أنه يمكن دفعه

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

ص: 139

في الغالب (1) أصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع و حرقة، عكس دم الحيض (2)، و ربما كان بصفاته (3). و لا حدّ لكثيره و لا لقليله (4)،

______________________________

باحتمال خروج دم الاستحاضة مع دم الحيض مختلطا به، لأن الاستحاضة من سنخ المرض الذي يمكن حصوله حال الحيض، غايته أنه لا أثر لها معه، و إنما يترتب عليها الأثر بعد انتهاء أمد الحيض، فيتمحض الدم بدمها.

(1) كما صرح بذلك جماعة كثيرة، و في الجواهر أنه مراد من تركه. لما يأتي.

(2) تقدم في المسألة الخامسة من مبحث الحيض الكلام في صفات دم الحيض الغالبية، و حيث كانت مسوقة في النص و الفتوي في مقابل صفات دم الاستحاضة يعلم منها صفات دم الاستحاضة و حكم تعارض الصفتين.

لكن تحقيق ذلك إنما يهم في مورد حجية الصفات، و قد سبق اختصاصه بمستمرة الدم الفاقدة للعادة، و أما في غيرها فمع جريان قاعدة الإمكان في حقها يبني علي حيضية الدم و إن فقد صفات الحيض و كان بصفة الاستحاضة، و بدونه يبني علي عدم حيضيته و إن كان بصفات الحيض.

و حينئذ فالبناء علي كونه استحاضة موقوف علي انحصار الدم بهما و أن كل ما لم يكن حيضا فهو استحاضة واقعا أو ظاهرا. و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(3) بلا إشكال و به صرح جماعة، بل ادعي الإجماع عليه في جملة من الموارد.

و يشهد به ما تضمن تحديد الحيض بحدوده الواقعية، لدلالته علي عدم حيضية الفاقد لها و إن كان بصفة الحيض، فيكون استحاضة بناء علي التلازم بينهما علي ما أشرنا إليه و يأتي. و كذا ما تضمن كون ما زاد علي العادة مطلقا أو بعد الاستظهار استحاضة من دون نظر للصفات، و ما ورد في التحيض بالعدد، و ما يأتي إن شاء اللّه تعالي من جريان أحكام المستحاضة مع استمرار دم النفساء.

(4) بلا إشكال ظاهر. لإطلاق أدلة أحكام الاستحاضة، بل بعض نصوصها

ص: 140

و لا للطهر المتخلل بين أفراده (1). و يتحقق قبل البلوغ و بعده و بعد اليأس (2)

______________________________

صريح في قصور الأمد كمرسل داود فيمن تري الدم يوما و تطهر يوما «1»، و بعضها صريح في طويله، كجملة من نصوص مستمرة الدم.

(1) قطعا، لإطلاق أدلة أحكام الطهر و الاستحاضة، فمقتضي الأولي جريان أحكام الطهر علي النقاء، و الثانية جريان أحكام الاستحاضة علي الدم، من دون فرق فيهما بين طول أمد الطهر و قصره. مضافا إلي ما تضمنته جملة من النصوص من تعليق الحكم بالاستحاضة أو بأحكامها علي رؤية الدم، حيث يدل بمفهومه علي ثبوته بدونه و منها مرسل داود فيمن تري الدم يوما و تطهر يوما الذي أشرنا إليه آنفا.

(2) كما في الشرائع و النافع و جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و التحرير و غيرها، و نبه في القواعد و الإرشاد و اللمعة علي ما يكون بعد اليأس دون ما يكون قبل البلوغ، و في جامع المقاصد أنه ينبغي التنبيه عليه لأنه أخفي مما بعد اليأس. و ظاهره المفروغية عن إرادتهم له، و إن قصر بيانهم، و هو غير بعيد عنهم، بل لا يبعد عن جميع الأصحاب إرادة الأمرين و إن لم يذكرها جملة منهم معا، لأن اهتمامهم بتحديد الحيض بالسن دون دم الاستحاضة ظاهر في عدم بنائهم علي أنه من حدوده.

نعم، قد يستفاد خلاف جملة منهم فيه من تعرضهم للمستحاضة في مستمرة الدم و تقسيمهم لها إلي المبتدئة و المضطربة و المعتادة، حيث قد يظهر في اختصاصها بمن يكون من شأنها الحيض.

لكن الظاهر أن موضوع التقسيم في كلماتهم المستحاضة ببعض معانيها.

و هي التي يستمر بها الدم بعد الحيض أو خصوص التي لا ينقطع دمها، و هي التي تعرضت لها بعض النصوص المشهورة، كمرسلة يونس الطويلة، دون التي هي

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 141

______________________________

موضوع الأحكام، إذ لا إشكال بعد النظر في النصوص و الفتاوي في أن موضوعها المستحاضة بالمعني الذي تقدم منا آنفا، و هي مطلق ذات الدم الخاص المباين لدمي الحيض و النفاس و إن لم تكن مستمرة الدم.

قال في محكي نهاية الأحكام: «الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمي الحيض و النفاس خارج من الفرج مما ليس بعذرة و لا قرح، سواء اتصل بالحيض كالمجاوز لأكثر الحيض أو لم يكن، كالذي تراه المرأة قبل التسع، فإنه و إن لم توجب الأحكام عليها في الحال، لكن فيما بعد يجب الغسل أو الوضوء علي التفصيل، أو توجب الأحكام علي الغير، فيجب النزح و غسل الثوب من قليله. و قد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده. و بهذا المعني ينقسم المستحاضة إلي معتادة و مبتدأة، و أيضا إلي مميزة و غيرها، و يسمي ما عدا ذلك دم فساد. لكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف». و قريب منه في الروض، بل جعل المعني الذي ذكرناه هو المشهور في إطلاقاتهم.

و كيف كان، فبعد أن كان المستفاد من النصوص مباينة دم الاستحاضة للحيض، و أن دم الاستحاضة موجب للحدث فلا ينبغي التأمل في عدم دخل السن في سببيته للحدث، لعدم خصوصية عرفا في ذلك، كسائر الأحداث التابعة لأسبابها من دون خصوصية للسن، و بذلك يستغني عن تكلف تحصيل الإطلاق من هذه الجهة، لأن إلغاء الخصوصية عرفا من القرائن التي يستفاد بمعونتها العموم.

و إنما الإشكال في إحراز كون الدم الخارج قبل البلوغ أو بعد اليأس دم استحاضة واقعا أو ظاهرا، ليترتب حكمه، و هو موقوف علي تحديد دم الاستحاضة مفهوما و مصداقا، و إن الدم هل ينحصر بين الحيض أو النفاس و الاستحاضة، بحيث يكفي في إثبات كونه استحاضة واقعا أو ظاهرا عدم كونه حيضا و لا نفاسا أولا.

فنقول: أشرنا آنفا إلي أن دم الاستحاضة التي هي موضوع الأحكام هو الدم الخارج من غير مخرج الحيض و النفاس. و حينئذ فالانحصار..

ص: 142

______________________________

تارة: يكون واقعيا مفهوميا، لتقوم الاستحاضة التي هي موضوع الأحكام بخروج الدم من دون حيض أو نفاس.

و أخري: يكون واقعيا خارجيا، بأن تكون عبارة عن خروج دم خاص مباين لدم الحيض و النفاس، من دون أن يؤخذ في مفهومه عدمهما، كما لم يؤخذ في مفهومهما عدمه، غاية الأمر أن دم المرأة لا يخرج عن الدماء الثلاثة.

و ثالثة: يكون ظاهريا شرعيا، بمعني أن الدم لا يحكم عليه شرعا بأنه حيض أو نفاس أو حكم معه بعدمهما يحكم معه ظاهرا بالاستحاضة، فيترتب عليه أحكامها، و إن أمكن ثبوتا كونه دما رابعا و احتمل ذلك.

و علي الأول يكفي البناء علي الاستحاضة التعبد بعدم الحيض و النفاس باستصحاب أو غيره، حيث يتعبد بسببه بالاستحاضة فتترتب أحكامها. و لا يعارضه أصالة عدم الاستحاضة، لأنه مسببي بالإضافة إليه.

و كذا علي الثالث، لأن التعبد بعدم الحيض و النفاس تعبد بموضوع الحكم الظاهري بالاستحاضة و إن لم تحرز حدودها المفهومية، نظير استصحاب عدالة الشاهد بالنجاسة بالإضافة إلي الحكم بها.

أما علي الثاني فلا مجال للبناء علي الاستحاضة إلا مع إحراز عدم الحيض و النفاس بالوجدان أو بقاعدة تنهض بإثبات اللوازم الخارجية لمؤداها، دون مثل الاستصحاب.

نعم، حيث كان مقتضي استصحاب عدم الحيض و النفاس ثبوت أحكام الطاهر، و لا يعارضه استصحاب عدم الاستحاضة في ذلك، لعدم تبعية ارتفاع أحكام الطاهر لعدم الاستحاضة شرعا، بل للحيض و النفاس الملازمين له خارجا، فاللازم البناء علي ثبوت الأحكام المذكورة، و منها وجوب الصوم و الصلاة. غايته أن مقتضي استصحاب عدم الاستحاضة صحتهما بدون القيام بوظيفتها، و حيث يعلم بكذب ذلك و بطلانهما حينئذ إما لثبوت الحيض أو النفاس أو لثبوت الاستحاضة،

ص: 143

______________________________

يتعين سقوط الأصل المذكور.

و قد تقدم توضيح ذلك عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض. فراجع.

و منه يظهر حال ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه بناء علي الوجه المذكور فأصالة عدم كون الدم حيضا لا تثبت كونه استحاضة، بل هي معارضة بأصالة عدم الاستحاضة. فإن عدم إثبات أصالة عدم كون الدم حيضا لكونه استحاضة و إن كان تاما، إلا أن معارضتها بأصالة عدم كونه استحاضة غير تامة، لسقوط الثانية بالعلم بكذب مؤداها، كما ذكرنا. و عليه لا أثر عملي للفرق بين الوجهين الأولين.

كما أنهما يشتركان في أنه يتعين البناء علي الاستحاضة في ظرف ثبوت عدم حيضية الدم، فتترتب أحكامها مطلقا من دون نظر للسن، لما سبق من عدم خصوصيته في سببيتها للحدث عرفا، أما علي الثالث فهو تابع لعموم دليل التعبد الظاهري بالاستحاضة عند عدم الحيض، إذ لا استبعاد في اختصاص التعبد المذكور ببعض الأحوال، لاختصاص منشئه من غلبة أو نحوها به.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه حيث بني علي الوجه الثاني مستدلا عليه بالنصوص، ثم قال: «نعم، النصوص جميعها موردها البالغة غير اليائسة، فتعميم الحكم لدم غيرها غير ظاهر».

إذ فيه: أنه مع فرض الانحصار فتعذر الحيض و النفاس في اليائسة و الصغيرة مستلزم لكون الدم استحاضة. اللهم إلا أن يبنتني علي احتمال اختصاص الانحصار بالبالغة غير اليائسة، و أن هناك دم آخر تبتلي به الانثي قبل بلوغها ثم ينقطع عنها بالبلوغ و يعود إليها باليأس. لكنه كما تري بعيد جدا، بل لا يعتد به عرفا بنحو يمنع من فهم عموم الانحصار من الأدلة. فلاحظ.

إذا عرفت هذا، فقد صرح الأصحاب رضي اللّه عنهم بالانحصار المشار إليه في الجملة بنحو يظهر في المفروغية عنه. قال في القواعد: «و كل ما ليس بحيض و لا قرح و لا جرح فهو استحاضة، و إن كان مع اليأس»، و تستفاد هذه الكلية من جملة من الكتب

ص: 144

______________________________

كالشرائع و النافع و الإرشاد و جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام و ما تقدم عن نهاية الأحكام و محكي التحرير و البيان و الكفاية و غيرها، مع التنبيه في بعضها إلي استثناء النفاس، و في آخر إلي أن عدم استثنائه لمعلوميته أو لإلحاقه بدم الحيض، و في جملة منها التنبيه إلي التعميم لما قبل البلوغ، كما تقدم، و عن شرح المفاتيح نسبة هذه الكلية للفقهاء، بل في الجواهر أنه يظهر منه دعوي الإجماع علي انتفاء دم آخر غير الدماء المذكورة.

و هو غير بعيد، بلحاظ أن اهتمامهم بتحديد مصاديق دم الحيض و النفاس و العذرة و القرحة و ذكر الضوابط لها في مقام العمل و عدم اهتمامهم بذلك في دم الاستحاضة و اقتصارهم علي الحكم بها في موارد عدم الحيض و النفاس ظاهر في مفروغيتهم عن عمومها لكل دم يباين الدماء المذكورة، و أنه ليس هناك دم لا يحكم بأحكامها ليتوقف عن الحكم بالاستحاضة عند انتفاء الحيض و النفاس و القرح و الجرح.

و يمكن استفادة هذه الكلية بعد النظر في النصوص الحاكمة بالاستحاضة أو بأحكامها مع خروج الدم بمجرد عدم كونه حيضا أو نفاسا، كنصوص الاستظهار، و مستمرة الدم، و من يتقطع عليها الدم، و النفساء، و من تري الدم قبل مضي أقل الطهر، و الحامل التي لا يحكم علي دمها بالحيضية، و هي كثيرة لا مجال لاستقصائها، و قد تقدم جملة منها في محالها المناسبة، كما ذكر و أشار إلي جملة منها سيدنا المصنف قدّس سرّه هنا. فلتلحظ في الأبواب المناسبة من الوسائل.

و هذه النصوص و إن اختص أكثرها أو كلها بموارد خاصة إلا أن إلغاء خصوصية تلك الموارد عرفا قريبة جدا بعد كثرتها و المفروغية عن التعدي عنها في الجملة، حيث يستفاد منها العموم لكل مورد يخرج فيه الدم الذي ليس بحيض و لا نفاس.

و لما كانت ظاهرة في أن الحكم علي المرأة بأنها مستحاضة ذات وظائف خاصة واقعي بسبب الدم الخاص الموجب للحدث، و لا ظاهري بسبب الشك في نوعه، كان لازم ذلك انحصار الدم بالحيض و النفاس و الاستحاضة، و حيث سبق أن احتمال

ص: 145

______________________________

اختصاص الانحصار المذكور بحال دون حال غير عرفي كان المتحصل منها انحصار دماء الأنثي بالدماء المذكورة كما فهمه الأصحاب و جروا عليه.

بل التصدي في النصوص لتحديد الحيض و النفاس و جعل الظوابط لهما دون الاستحاضة شاهد المفروغية عن ذلك و وضوحه عند المتشرعة حتي لا يحتاج إلي بيان. بل لا يبعد كونه كذلك عند العرف لأن الظاهر متابعة المتشرعة لهم في المعني إذا لم يتصد الشارع الأقدس لشرحه و تحديده. و بذلك يظهر أنه لا مجال لابتناء الانحصار المذكور علي الوجه الثالث، بل يتردد بين الوجهين الأولين.

هذا، و قد يقرب الوجه الثاني بما ذكره غير واحد من اللغويين من أن دم الاستحاضة يخرج من عرق العاذل، إذ مقتضاه أنه دم مخصوص في قبال دم الحيض لم يؤخذ عدم أحدهما في مفهوم الآخر.

لكنه يندفع بأن ظهور النصوص المتقدمة في انحصار دم المرأة بالحيض أو النفاس و الاستحاضة لا يناسب ذلك، حيث يبعد جدا عدم خروج الدم غير الطبيعي للمرأة و الذي هو من سنخ المرض لها إلا من عرق واحد مع تعرضها كسائر الناس لشتي أنواع المرض و نحوه من أسباب خروج الدم.

بل هو لا يناسب قوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: «و كذلك أفتي أبي عليه السلام و سئل عن المستحاضة فقال: إنما ذلك عرق عابر [غابر. عائذ] أو ركضة من شيطان» «1»، و في مرسلته القصيرة: «فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنما كان من علة إما من قرحة في جوفها و إما من الجوف» «2»، بناء علي كون الدم المذكور في الثانية استحاضة، لدلالتها علي عدم اختصاص الاستحاضة بعرق خاص.

و لعله لذا أطلق بعض اللغويين أن المستحاضة هي التي يخرج دمها من غير عرق الحيض. بل لا يبعد رجوع التعريف الأول إليه، لما هو المعلوم من عدم تيسر

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 146

______________________________

إدارك العرق الخاص، فضلا عن خروج الدم منه في تلك العصور، خصوصا للعامة، و إنما المدرك لهم خروج الدم عن الوضع الطبيعي و مباينته للحيض، فلو لا عموم الاستحاضة عندهم لكل دم خارج من الرحم غير الحيض و النفاس لم يتيسر لهم تشخيصها، و سهولة تشخيصها عليهم شاهد بعموم مفهومها، و إنما نسبوها للعرق الخاص من باب الحدس و التخمين.

لكن عموم دم الاستحاضة لا يكفي في إثبات الوجه الأول، لإمكان أن يراد بها كل دم خارج عن طبيعة المرأة من أي منبع يخرج، فيقابل الحيض و النفاس من دون أن يؤخذ عدمهما في مفهومه، و أخذ عدمهما في مفهومها كأخذ عدمها في مفهومها يبتني علي عناية تحتاج إلي دليل.

نعم، لو كان لسان أدلة أحكام الاستحاضة ثبوتها في كل دم، و كان خروج دم الحيض و النفاس عنها بلسان التخصيص اتجه أخذ عدمهما في موضوع أحكام الاستحاضة، بنحو يكفي في ترتيبها إحراز عدمهما بالأصل، بناء علي ما هو التحقيق من أن أصالة عدم عنوان الخاص تكفي في إثبات حكم العام. إلا أن من الظاهر عدم كون الأدلة بهذا اللسان، بل هي واردة علي عنوان الاستحاضة.

و من هنا لا طريق لإثبات الوجه الأول، بل يتردد الأمر بينه و بين الثاني. لكن يهون الأمر عدم الفرق بين الوجهين عملا، كما سبق.

و من جميع ما سبق يظهر ضعف ما في المدارك من عدم الحكم بالاستحاضة إلا مع كون الدم بصفتها أو قيام الدليل الخاص علي ذلك، كما فيما زاد علي أكثر الحيض و النفاس. وجه الضعف أن ما سبق في تقريب استفادة عموم الانحصار من الأدلة كاف في عموم البناء علي الاستحاضة بمجرد عدم كون الدم حيضا و لا نفاسا.

و لو غض النظر عنه فالتعويل علي الصفات موقوف.. أولا: علي عموم حجيتها لغير مستمرة الدم.

و ثانيا: علي إطلاقها من حيثية سائر الاحتمالات و عدم اختصاصها بصورة

ص: 147

______________________________

التردد بينها و بين الحيض.

و مما سبق في الحيض يتضح عدم ثبوت الأول، لأنهما في مساق واحد.

و الثاني في حيز المنع، كما يظهر من النظر في أدلة الصفات، و قد تقدمت عند الكلام في قاعدة الإمكان من مبحث الحيض.

بقي شي ء. و هو أنه سبق من الأصحاب رضي اللّه عنهم اختصاص الاستحاضة بما ليس من قرح و لا جرح. فإن أريد من الجرح و القرح ما يكون في فضاء الفرج- كما قد يناسبه سياقه فيما تقدم عن نهاية الأحكام في مساق العذرة- فهو متجه، لاختصاص الاستحاضة عرفا بما يخرج من الرحم كالحيض، بحيث يشبهه أو يشتبه به، كما هو مقتضي اشتقاقها. و كذا ما يكون في الجوف غير الرحم و يخرج من طريق الفرج من غير أن يمر بطريق الرحم إليه.

و إن أريد بهما ما يكون في الرحم لم يتضح الوجه فيه بعد ما عرفت من عدم اختصاص الاستحاضة بعرق خاص، لإطلاق الأدلة المتقدمة، و ما تضمنته مرسلة يونس الطويلة من أن الاستحاضة قد تكون لركضة من شيطان، حيث تناسب انفتاقا في الرحم و حدوث جرح فيه، فيبعد جدا خروج صورة الجرح عنه.

و أما ما عن بعض مشايخنا من أن موضوع النصوص المستدل بها علي الانحصار هو الدم القابل لأن يكون حيضا، و دم القرح و الجرح غير قابل لذلك، فيخرج عن موضوع النصوص و لا تنهض بإثبات كونه استحاضة.

ففيه: أنه بعد معلومية التباين ذاتا بين دميي الحيض و الاستحاضة لا معني لتقييد النصوص بالدم القابل لأن يكون حيضا، بل لا بد من كون موضوعها مطلق الدم المشابه له في الخروج من مخرجه، و هو شامل لدم القرح و الجرح.

نعم، يتجه ذلك منه بناء علي ما جري عليه- تبعا لما تقدم من بعض اللغويين- من خروج دم الاستحاضة من عرق العاذل. و قد سبق ضعفه.

و أما الاستدلال علي عدم كون دمهما استحاضة بمرسلة يونس القصيرة، حيث

ص: 148

______________________________

لم تتضمن الحكم بها فيما لم يبلغ الدم ثلاثة أيام معللا بأنه من علة إما قرحة في جوفها أو من الجوف.

فهو كما تري، لوضوح أنها لا تدل إلا علي نفي الحيض، و لعلها إنما تتعرض للحكم بالاستحاضة لعدم الأثر له بعد سبق ترتيب أثر الحيض ظاهرا علي الدم حين وجوده. مع أنها لا تختص بالقرحة، بل تعم مطلق العلة، فلو لم يكن استحاضة لم يبق لها مورد، لما هو المعلوم من أنها من سنخ المرض، و يشهد به قوله عليه السلام في صحيح عبد اللّه بن سنان بعد بيان ما يجب علي المستحاضة: «لم تفعله امرأة قط احتسابا إلا عوفيت من ذلك» «1».

علي أنه إن أريد بذلك توقف ترتيب أحكام المستحاضة ظاهرا علي إحراز الخروج من غير القرح و الجرح فهو غير متيسر غالبا، و أصالة عدم وجودهما أو عدم خروج الدم منهما لا تحرزه إلا بناء علي الأصل المثبت، فلا تكون أحكامها عملية إلا نادرا. و هو مما تأباه نصوصها جدا.

و إن أريد به الاكتفاء في ترتيب أحكامها بعدم إحراز الخروج من القرح و الجرح، كما يظهر من الجواهر بدعوي: أنها أغلب في النساء بعد الحيض. و لأصالة عدم وجود سبب غيرها. و لأن المستفاد من النصوص اصالة الاستحاضة في الدم بعد عدم كونه حيضا.

أشكل بأن الغلبة- مع عدم الدليل علي حجيتها- غير ظاهرة، للجهل بحال الدم في النساء بعد كون منبعه من الباطن و خروجه عن الوضع الطبيعي. و أصالة عدم وجود سبب غير الاستحاضة لا تحرزها إلا بناء علي الأصل المثبت، كما تقدم.

و أما النصوص فهي ظاهرة في أن الدم استحاضة واقعا لا ظاهرا، و مقتضاه كون دم الجرح و القرح استحاضة كما سبق، فلو فرض قصورها عن دم الجرح و القرح يكون التمسك بها لإثبات كون الدم المشتبه استحاضة تمسكا بالعام في الشبهة

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

ص: 149

______________________________

المصداقية من طرف الخاص الذي هو خلاف التحقيق، أو العام الذي لا يجوز بلا كلام. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

و أما التعويل علي صفات الاستحاضة مع احتمال الخروج من الجرح أو القرح، فقد عرفت أنه موقوف علي عموم حجيتها لغير مستمرة الدم، و إطلاقها من حيثية سائر الاحتمالات غير الحيض، و كلاهما ممنوع.

و مما ذكرنا يظهر ضعف التفصيل بين العلم بوجود الجرح و القرح فلا بد في البناء علي الاستحاضة من إحراز عدم خروج الدم منهما و عدمه فيكتفي بعدم إحراز خروجه منهما. لابتنائه علي الرجوع في الثاني لأصالة عدم الجرح و القرح، الذي سبق أنه لا يحرز الاستحاضة إلا بناء علي الأصل المثبت.

لكن بعض مشايخنا بعد أن اختار التفصيل المذكور فيما حكي عنه تبعا للفقيه الهمداني استدل عليه بأن البناء علي الاستحاضة مع عدم العلم بوجود القرح و الجرح. مقتضي أصالة السلامة المعول عليها عند العقلاء، لأن الاستحاضة و إن كانت مستندة للعلة كغيرها من الدماء، إلا أنها لكثرة ابتلاء النساء بها تكون كالطبيعة الثانوية لهن، بخلاف القرح و الجرح، فتتعين بمقتضي أصالة السلامة. و هذا بخلاف ما إذا علم بوجود القرح و الجرح، للعلم بعدم السلامة.

و يشكل.. أولا: بأن كون الاستحاضة كالطبيعة الثانوية بحيث لا تجري فيها أصالة السلامة ممنوع جدا، لأن كثيرا من الأمراض المدفوعة بأصالة السلامة لا يقل تعرض الانسان لها عن تعرض المرأة للاستحاضة. علي أن المعلوم تعرض المرأة لخروج الدم غير الطبيعي، أما غلبة كونه من غير الجرح و القرح فقد عرفت منعها.

و ثانيا: أن أصالة السلامة إنما تنهض بنفي المرض و نحوه كالجرح و القرح، لا بلازم ذلك ككون الدم استحاضة في المقام، كما أشرنا إليه آنفا عند الكلام في قاعدة الإمكان، و لذا لو تردد سبب الدم بين الحيض و الجرح أو القرح أو نحوهما مما يدفع بأصالة السلامة لم تنهض أصالة السلامة بإثبات الحيض، بل المرجع أصالة عدم الحيض، كما

ص: 150

______________________________

اعترف به في مبحث الحيض.

نعم، يظهر من الفقيه الهمداني قدّس سرّه أن أصالة السلامة ليست هي الوجه في البناء علي الاستحاضة بل هو بناء العقلاء عليها الذي قد يكون منشؤه أصالة السلامة. لكن ذلك لو تم فبناؤهم علي أن الدم استحاضة واقعا، لعمومها لدم الجرح و القرح، لا ظاهرا لأصالة السلامة أو نحوها.

و مثله دعوي: استفادة ذلك من النصوص تبعا، لأن السكوت في مقام البيان مع ضرورة احتمال الجرح أو القرح أو غيرهما في كل دم لم يكن من الحيض و النفاس شاهد بعدم الاعتناء بالاحتمال المذكور، و أن الأصل الاستحاضة في الدم المذكور.

لاندفاعها بأن ذلك لا يناسب ما تقدم منه من أن موضوع النصوص هو الدم القابل لأن يكون حيضا، حيث لا بد حينئذ من إحراز القابلية المذكورة في مرتبة سابقة علي الرجوع للنصوص، و لا وجه لاستفادة الحكم منها في ظرف عدم إحرازها.

و أما بناء علي ما ذكرنا من أن موضوعها الدم المشابه للحيض في الخروج من مخرجه فقد سبق أن ظهور النصوص في كون الحكم بالاستحاضة واقعيا موجب لظهورها في أن دم الجرح و القرح استحاضة.

نعم، لو فرض قيام الدليل علي عدم كونهما استحاضة فما ذكره من ضرورة احتمالهما- لو تم- ملزم برفع اليد عن ظهورها في الحكم الواقعي و تنزيلها علي الحكم الظاهري لعدم الاعتناء باحتمالهما، و إلا لم يكن حكم الاستحاضة عمليا، و هو مما تأباه الإطلاقات جدا، كما سبق. لكن عليه يتجه التمسك بإطلاقها في البناء ظاهرا علي الاستحاضة حتي مع العلم بوجود القرح و الجرح و الشك في خروج الدم منهما، كما تقدم من الجواهر. علي أنه سبق عدم الدليل المذكور، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور الإطلاقات في الحكم الواقعي.

و أشكل من ذلك ما حكي عنه من دعوي صراحة مرسلة يونس القصيرة في الحكم ظاهرا بالاستحاضة مع احتمال كون الدم من القرحة، و قريب منه ما ذكره

ص: 151

______________________________

الفقيه الهمداني قدّس سرّه.

لاندفاعه: بأن المرسلة قد اقتصر فيها علي نفي حيضية الدم من دون حكم بأنه استحاضة. و ما ذكره الفقيه الهمداني من الأمر فيها بالاغتسال إنما ورد في صدرها في فرض احتمال عود الدم المستلزم لكونه حيضا فهو إنما يدل علي عدم الاعتناء باحتمال القرحة في مقابل الحيض، لا في مقابل الاستحاضة، و عدم الفرق بينهما في ذلك غير ظاهر بعد ثبوت قاعدة الإمكان في الحيض و كونه طبيعيا للمرأة بخلاف الاستحاضة.

و لو فرض تضمنها الحكم بالاستحاضة كانت ظاهرة في أن الدم استحاضة واقعا و إن خرج من القرحة، لا ظاهرا خصوصا و أن ترديد الإمام عليه السلام لا ينافي قطع المكلف بالخروج من القرحة. و بالجملة: لا مجال للتفصيل المذكور.

هذا، و قد يظهر من الإرشاد و محكي التحرير اختصاص مانعية الخروج من القرح و الجرح بما يكون دون الثلاثة أيام، أما غيره كالمستمر بعد الحيض و النفاس فهو استحاضة مطلقا و إن كان منهما. و الظاهر أن التفصيل المذكور تفصيل في مقام الثبوت لا الإثبات. و من البعيد جدا أن يرجع إلي التفصيل في صدق الاستحاضة، بل الظاهر رجوعه إلي التفصيل في حكمها مع عموم مفهومها.

و من ثم لا يبعد ابتناؤه علي الجمع بين إطلاق النصوص المتقدمة و مرسلة يونس القصيرة بناء علي دلالتها علي عدم كون الدم في اليوم و اليومين استحاضة. لكن عرفت المنع من دلالتها علي ذلك. مع أنها لو تمت كان مقتضاها عدم كونه استحاضة مطلقا و إن لم يكن من القرح. علي أنها معارضة بصحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلي تري الدم اليوم و اليومين. قال: إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «1».

اللهم إلا أن يخص بمورده، و هو الحبلي أو الصفرة. لكنه بعيد. و بالجملة:

لا مجال للبناء علي خصوصية ما دون الثلاثة في الحكم بالاستحاضة مع القرح و الجرح.

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 152

و هو ناقض للطهارة (1) بخروجه و لو بمعونة القطنة (2) من المحل المعتاد

______________________________

نعم، قد يدعي انصراف الإطلاقات المتقدمة لما يعم الجرح الناشئ من سبب يتعارف ابتلاء النساء به كانفتاق الرحم بسبب الولادة أو الطفرة، دون ما يستند لسبب خارجي، كطعنة رمح أو عملية جراحية، بل هي منصرفة عن ذلك، فللتأمل في جريان حكم الاستحاضة في الدم المسبب عنه مجال، و إن كان الاحتياط لا يترك بحال. فلاحظ.

و قد تحصل من جميع ما تقدم أمور..
الأول: أن كل دم يخرج من طريق الرحم ليس بحيض و لا نفاس فهو استحاضة

و إن علم بكونه من جرح أو قرح، فضلا عما إذا شك في ذلك، إلا في الجرح المسبب عن أمر خارجي علي إشكال فيه. من دون دخل للسن في ذلك.

الثاني: أنه إن أحرز عدم حيضية الدم بقاعدة تنهض بإثبات لازم مؤداها لزم البناء علي كونه استحاضة،

و إن أحرز بأصل لا ينهض بذلك لزم الإتيان بأعمال المستحاضة و إن لم يحرز كونه منها.

الثالث: أن الدم إذا خرج من باطن الفرج لقرح أو جرح فيه أو لمروره عليه مع نبعه من الجوف غير الرحم فهو ليس باستحاضة و لا حيض.

هذا، و لو شك في حال الدم من هذه الجهة فإن احتمل الحيض ففي وجوب الفحص كلام تقدم في قاعدة الإمكان، و إن انحصر الأمر باحتمال الاستحاضة أشكل وجوب الفحص لعدم الدليل عليه، بل الظاهر جواز الرجوع لاستصحاب عدمها.

فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

في ناقضية الاستحاضة للطهارة

(1) بلا إشكال. و يقتضيه ما تضمن وجوب الغسل و الوضوء له، لأن المنسبق منهما المطهران من الحدث.

(2) لصدق الاستحاضة عرفا بذلك قطعا، و لما تضمن الاكتفاء في ترتيب

ص: 153

بالأصل أو بالعارض و في غيره إشكال (1)، و يكفي في بقاء حدثيته بقاؤه في باطن الفرج، بحيث يمكن إخراجه بالقطنة و نحوها. بل ظاهر كفاية ذلك في انتقاض الطهارة به، كما تقدم في الحيض (2).

(مسألة 25): الاستحاضة علي ثلاثة أقسام (3): قليلة و متوسطة و كثيرة.

فالأولي: ما يكون الدم فيها قليلا بحيث لا يغمس القطنة (4).

______________________________

أحكامها بإصابة الكرسف و إن لم يسل و لم يثقب الكرسف.

(1) ما تقدم في الحيض جار هنا، لأنهما من باب واحد، و إن كان الأمر في الاستحاضة أخفي و لعله لذا استشكل في غير المعتاد هنا، و جزم بالتعميم له في الحيض، بناء علي أن المراد بالمعتاد هناك ما يتعود الخروج منه و إن لم يكن أصليا طبيعيا.

فراجع.

نعم، لا ينبغي الإشكال في صدق الاستحاضة بالخروج من الموضع الطبيعي و إن كان اتفاقيا غير معتاد.

(2) بل تقدم أن الأمر في الاستحاضة أظهر.

(مسألة 25): في أقسام الاستحاضة

(3) هذا التقسيم هو المشهور، و حيث كان متفرعا علي اختلاف أحكام الأقسام المذكورة كان اللازم إيكال الكلام فيه للكلام الآتي في حكم هذه الأقسام.

(4) كما في المختلف و التذكرة و القواعد و الإرشاد و اللمعتين و محكي نهاية الأحكام و التحرير و التبصرة و التلخيص و البيان و الموجز الحاوي و تخليص التلخيص و كشف الالتباس و غيرها. و اعتبر في جملة من الكتب عدم ثقبها، كالفقيه و المقنع و الهداية و الخلاف و الغنية و السرائر و الشرائع و الدروس و المدارك.

و الظاهر أنه هو المراد ممن عبر بعدم ظهوره علي القطنة، كما في الاقتصاد و المعتبر

ص: 154

______________________________

و المنتهي و محكي المصباح و مختصره، و لذا جمع بينهما في محكي الذكري، فيحمل علي ظهوره علي سطح القطنة الخارج، دون الداخل من جانب الفرج، لأن عدم ظهوره عليه ملازم للنقاء، و لأنه المناسب لتحديد بعضهم المتوسطة بالظهور علي الجانب الآخر، و تقييدها بعدم السيلان من القطنة. و كذا الحال فيمن عبر بعدم رشحه عليها، كما في المبسوط و النهاية و المراسم و الوسيلة.

بل ربما ادعي رجوع عدم الغمس في كلام من تقدم إليه، كما هو ظاهر الروض، بل في جامع المقاصد و محكي شرح الجعفرية أن مراد الأصحاب من الغمس و الثقب و الظهور واحد قطعا، و هو المناسب لعدم تعرض النصوص للغمس، و لعدم تعرض من قبل المحقق الثاني- فيما تيسر لي العثور عليه- للخلاف في هذه الجهة، مع دعوي جملة منهم الإجماع علي ما ذكره في مقابل قولي ابن الجنيد و الإسكافي الآتيين في وظائف هذه الصورة، و للتعبير في المعتبر و المنتهي و المدارك عن المتوسطة بالغمس الظاهر في أن المعيار في القليلة علي عدمه، فيكون قرينة علي أنه المراد من عدم الظهور و عدم الثقب في كلامهم.

نعم، هو لا يناسب إطلاق عدم الغمس ممن تقدم، لوضوح أن الغمس إنما يكون بالنفوذ في الباطن، فإن أريد منه ما يعم غمس بعض القطنة كان عدمه بتلطيخ سطحها من دون نفوذ فيها أصلا الذي هو كالصريح مما في التذكرة و محكي نهاية الأحكام من التعبير بأن يظهر علي القطنة كرءوس الأبر «1» و لا يغمسها و من الظاهر أنه أخص من عدم الثقب و عدم الظهور في الجانب الآخر. و إن أريد غمس تمام القطنة- كما في جامع المقاصد و الروضة و كشف اللثام و محكي فوائد الشرائع و غيرها- كان عدمه أعم من عدم الثقب و الظهور، لصدقهما بمجرد خروج الدم من جانب القطنة

______________________________

(1) استظهر في كشف اللثام و احتمل في مفتاح الكرامة أن المراد به الظهور علي ظاهر القطنة، و الظاهر أن المراد به جانبها الذي هو خارج الفرج، الذي يلزم من ظهور الدم عليه كرءوس الأبر ما يقرب من غمس تمام القطنة، فيكون المراد من الغمس هو غمس تمامها كما ذكراه. لكنه بعيد جدا، و الظاهر أن المراد به جانبها الذي هو داخل الفرج، فيكون المراد من الغمس غمس بعضها، كما ذكرناه. (منه عفي عنه)

ص: 155

______________________________

الآخر و إن لم يستوعب أطرافها. و من ثم استبعد في الجواهر تنزيل الغمس علي الثقب.

و أما ما قد يظهر من المسالك من أن المراد من الثقب هو غمس الجميع، و من جامع المقاصد من أن ذلك هو مراد الكل فلم يتضح الوجه فيه بعد عموم الثقب و الظهور لما ذكرنا. و ما ذكره الفقيه الهمداني من التلازم بين الثقب و الاستيعاب عادة، غير ظاهر.

و كيف كان، فالنصوص حيث لم تتضمن الغمس فلا يهم تحقيق المراد به، بل هي قد تضمنت الثقب أو النفوذ و الظهور علي الكرسف. ففي صحيح معاوية بن عمار في المستحاضة: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر … » «1»، و في موثق عبد الرحمن أو صحيحه: «فإن ظهر عن علي خ ل [علي يب] الكرسف فلتغتسل» «2»، و في خبر إسماعيل الجعفي: «و لا تزال تصلي بذلك الغسل حتي يظهر الدم علي الكرسف … » «3» و غيرها.

و هي ظاهرة في مطلق الخروج من الجانب الآخر و إن لم يستوعب الكرسف، كما تقدم، فلا وجه لاعتبار استيعابه، كما عرفت ممن سبق، و لا للاكتفاء بمجرد النفوذ فيه و إن لم يخرج من الجانب الآخر، كما هو ظاهر ما تقدم من التذكرة و محكي نهاية الأحكام.

هذا، و مقتضي النصوص المتقدمة و الفتاوي أن موضوع الثقب و الظهور و غيرهما هو الكرسف. لكن في المقنعة: «فعليها أن تغسل فرجها منه ثم تحتشي بالقطن و تشد الموضع بالخرق ليمنع القطن من الخروج. و إن كان الدم قليلا و لم يرشح علي الخرق و لا ظهر عليها لقلته كان عليها نزع القطن عند وقت كل صلاة و الاستنجاء و تغيير القطن و الخرق و تجديد الوضوء للصلاة. و إن كان رشح الدم علي الخرق رشحا قليلا و لم يسل منها كان عليها تغيير القطن و الخرق عند صلاة الفجر … و إن كان الدم كثيرا فرشح علي الخرق و سال منها وجب عليها أن تؤخر صلاة الظهر … ».

و هو صريح في أن المعيار علي الخرقة التي يشد بها الكرسف، و إن ظهر من غير واحد حمل كلامه علي إرادة الكرسف، حيث لم ينقلوا الخلاف منه في هذه الجهة، بل

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

ص: 156

______________________________

ساق في مفتاح الكرامة و غيره كلامه في مساق كلام الأصحاب، و استدل له الشيخ في التهذيب بالنصوص التي أشرنا إليها.

نعم، نبه بعض متأخري المتأخرين لذلك، بل في الحدائق: «و نقل شيخنا المجلسي في بعض حواشيه عن المحقق الشيخ علي في بعض حواشيه أنه ذهب إلي ما ذكره الشيخ المفيد رحمه اللّه».

و كيف كان، فقد يستدل له بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن المرأة تستحاض فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن المرأة تستحاض فأمرها أن تمكث أيام حيضها لا تصلي فيها ثم تغتسل و تستدخل قطنة و تستثفر [تستذفر] بثوب ثم تصلي حتي يخرج الدم من وراء الثوب. قال: تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين» «1»، لظهوره في عدم الحاجة للغسل ما لم يخرج الدم من وراء الثوب.

و قوله عليه السلام في حديث زرارة: «ثم هي مستحاضة فلتغتسل و لتستوثق من نفسها و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ [يثقب] الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلت» «2» لظهوره في إرادة النفوذ فيما تستوثق به- و هو الخرقة غالبا- بالظهور عليه. فلا مجال لما في الحدائق من الإنكار عليه بعدم العثور علي ما يدل عليه من الأخبار.

لكن حيث كانت النصوص الأول صريحة في أن المعيار علي الكرسف تعين تنزيل حديث زرارة عليه، و تنزيل الصحيح علي كون خروج الدم من وراء الثوب موجبا لكون الاستحاضة كثيرة مقدمة لذكر حكمها في الذيل، غاية الأمر أن يكون ظاهره اشتراك القليلة و المتوسطة بالاكتفاء بالوضوء. فيقيد بنصوص التفصيل بينهما.

أو ينزل الحديثان علي أن ذكر النفوذ في الخرقة لملازمته غالبا للنفوذ في الكرسف للتماس بشدة بينهما بسبب شد الخرقة و التعصب بها. فإن ذلك أقرب من حمل النصوص الأول علي الاستحباب. و لا سيما مع ظهور مفروغية الأصحاب عن أن المعيار علي الكرسف بنحو يظهر منهم العمل بنصوصه و الإعراض عن هذين

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.

ص: 157

و الثانية: ما يكون فيها أكثر من ذلك بأن يغمس القطنة (1) و لا يسيل (2).

و الثالثة: ما يكون فيها أكثر من ذلك، بأن يغمسها (3) و يسيل منها (4).

______________________________

الحديثين. فتأمل.

ثم إنه قال في الجواهر: «و المراد بالكرسف القطن، كما نص عليه في القاموس و غيره من الأصحاب، فهو حينئذ كقول أبي الحسن عليه السلام و أبي عبد اللّه عليه السلام: و تستدخل قطنة «1». إلا أنه قد يلحق به ما كان مثله مما لا يمنع صلابته أو صلابة جزء منه نفوذ الدم. و من هنا قيد بعضهم القطنة بكونها مندوفة، و إن كان في استفادة مثل هذا القيد من النصوص تأمل». و ما ذكره حسن.

(1) تحديد هذه الصورة متفرع علي تحديد الصورة الأولي.

(2) يأتي تحديد السيلان في الصورة الثالثة.

(3) المعيار فيه ما تقدم في الصورة الأولي.

(4) كما صرح به الأصحاب. و الظاهر من إطلاقهم أن المراد به مطلق العبور عنها و لو إلي ما وراءها من الخرق التي تستثفر بها المانعة من سيلان الدم عنها. بل هو صريح بعضهم خلافا لما صرح به في جامع المقاصد من اعتبار تجاوزه الكرسف و الخرقة التي عليه. و يشهد للأول إطلاق قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «فإن جاز الدم الكرسف اغتسلت … » و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد … » «2»، و في موثق سماعة: «و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة … » «3».

و علي ذلك يحمل ما في بعض النصوص من التعبير بسيلان الدم «4» أو كونه صبيبا «5»، فإنه لو فرض إجماله من هذه الجهة أو ظهوره بدوا في فعلية السيلان، كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحاضة حديث: 2، 3، 14 لكن الأخيرين مرويان عن أبي جعفر عليه السلام لا عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 6، 7، 11.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 6، 7، 11.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5، 6، 7، 11.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 11، و باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 158

(مسألة 26): الأحوط لها الاختبار (1)

______________________________

ما ذكرنا صالحا لحمله علي مطلق العبور عن الكرسف، و لا سيما مع ما هو المعلوم من سيرة النساء علي التحفظ من سيلان الدم، كما دلت عليه جملة من النصوص. و يأتي تمام الكلام في ذلك في حكم المتوسطة.

مسألة 26: وجوب الفحص عن صور الاستحاضة

(1) و أوجبه في المنتهي و محكي الذكري و جامع المقاصد، بل في الجواهر أنه صرح به جماعة من الأصحاب. و استدل عليه بلزوم المخالفة القطعية لولاه.

فإن أريد به لزوم كثرة المخالفة، لأنه لا طريق إلي معرفة المتوسطة و القليلة إلا بالفحص، كما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه. فهو موقوف كون كثرة المخالفة بنحو يعلم باهتمام الشارع الأقدس بتجنبها بإيجاب الفحص فيها من بين الشبهات الموضوعية، و هو ممنوع لكثرة ظهور حال الاستحاضة من مجرد جريان الدم أو من وضع القطنة للتحفظ من جريانه و إن لم يكن واجبا، و لعدم وضوح اهتمام الشارع بمنع كثرة المخالفة.

و إن أريد به قطع المرأة نفسها بوقوع المخالفة منها إجمالا لو بنت علي القليلة من دون فحص، لما عن بعض مشايخنا من أن المستحاضة تعلم غالبا بحدوث المتوسطة أو الكثيرة في أثناء الشهر، فيتعذر عليها الرجوع للأصول الترخيصية بناء علي ما هو التحقيق من منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات. فهو كما تري لأن المرأة كثيرا ما لا تعلم باستمرار الاستحاضة في الشهر، فضلا عن كونها في بعضه كثيرة أو متوسطة.

مع أن العلم الإجمالي في التدريجيات إنما ينجز إذا كان وجود المعلوم في الزمن الأول لا يستلزم وجوده و ترتب الأثر عليه في الزمن اللاحق، كما في الحيض، حيث لا يكون وجوده في أول الشهر مستلزما وجوده في آخره و لا ترتب الأثر عليه حينئذ، بل مستلزما لعدمه، فلا يحرم وطء المرأة في آخر الشهر إذا حاضت في أوله.

و أما إذا كان وجود المعلوم في الزمن الأول مستلزما لبقائه و ترتب الأثر عليه

ص: 159

______________________________

في الزمن اللاحق، فينحل العلم الإجمالي إلي علم تفصيلي بوجود المعلوم في الزمن اللاحق، و شك بدوي في وجوده في الزمن السابق، فلا مانع من الرجوع للأصل الترخيصي فيه، و يقتصر علي المعلوم بالتفصيل، كما في المقام، لوضوح أن الاستحاضة الكثيرة أو المتوسطة لو كانت في أول الشهر و لم تغتسل لها يبقي حدثها إلي آخر الشهر و إن ارتفعت فتبطل الصلاة فيه من دون غسل، فيعلم تفصيلا بالحدث في آخر الشهر و يبطلان الصلاة من دون غسل حينئذ إما لحدوث الكثيرة أو المتوسطة فيه أو لبقاء حدثها مع سبق حدوثها، فيجب الغسل عند حصول العلم المذكور و يرجع قبله للأصل الترخيصي.

نظير ما لو علم بتنجس المسجد إما في أول الشهر أو آخره، حيث لا مانع من الرجوع لاستصحاب الطهارة في أوله و يجب تطهيره في آخره، إما لحدوث النجاسة فيه أو لبقائها بعد حدوثها في أوله.

و مثله ما في الجواهر من دعوي العلم إجمالا بالحدث، فيجب تعرفه مع اختلاف أحكامه.

لاندفاعه بأن اختلاف وظائف المستحاضة باختلاف صورها إن كان راجعا لتباين أحداث الصور أمكن إحراز الأقل بالأصل الموضوعي النافي لسبب الأكثر، فإصابة الدم القطنة متيقن، و بأصالة عدم ثقبها و السيلان منها تحرز القليلة، و لو علم بثقبها فبأصالة عدم السيلان منها تحرز المتوسطة، فيرفع اليد عن العلم الإجمالي.

و إن كان راجعا لزيادة الحدث الواحد تبعا لزيادتها، فلا علم إجمالي بالحدث، بل يكون الأقل متيقنا و الزائد مشكوكا و مدفوعا بالأصل المذكور.

فالعمدة ظهور بعض النصوص في وجوب الفحص، ففي صحيح الصحاف:

«فلتغتسل ثم تحتشي و تستذفر و تصلي الظهر و العصر، ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل

ص: 160

______________________________

و إن طرحت الكرسف عنها و لم يسل الدم فلتتوضأ و لتصل و لا غسل عليها» «1»، و في صحيح عبد الرحمن أو موثقة: «و لتغتسل و لتستدخل كرسفا فإن ظهر علي الكرسف … » «2»، و في صحيح محمد بن مسلم: «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت تري الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل» «3»، و في خبر ابن أبي يعفور:

«المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنظر فإن ظهر علي الكرسف زادت كرسفها و توضأت وصلت» «4».

و ظاهر الأمر بالنظر و إدخال الكرسف ليس محض الإرشاد لبيان كيفية الفحص من دون أن يكون واجبا، و لا لشرطيته واقعا للعمل، بحيث تبطل الصلاة بدونه واقعا و لو مع القيام بالوظيفة المناسبة لكونه في الحقيقة جزءا من الوظيفة، و لا لوجوب الفحص مولويا وجوبا نفسيا كي يكون الإخلال به محرما واقعا حتي مع إصابة الوظيفة الواقعية، من دون أن يمنع من الرجوع للأصول الترخيصية في تشخيص الوظيفة ظاهرا، بل لوجوبه وجوبا طريقيا لتنجز الواقع بدونه، و لازمه امتناع الرجوع للأصول الترخيصية في تشخيص الوظيفة ظاهرا، كما ذكرناه في نظائر المقام من موارد وجوب الفحص في الشبهات الحكمية و الموضوعية، كالتردد بين الحيض و العذرة، و الشك في النقاء من الحيض و غيرهما.

هذا، و قد استشكل في الجواهر في وجوب الفحص لو كان لها استصحاب يشخص حالها، كما لو اختبرت حالها قبل الوقت فكانت قليلة. لكن لا يخفي أن الاستصحاب يجري حتي لو لم تختبر حالها، لما أشرنا إليه آنفا من أن مقتضاه عدم ثقب القطنة و عدم السيلان منها، و لازمه عدم وجوب الفحص الذي اعترف بدلالة النصوص عليه.

إلا أن يكون مراده وجوب الفحص عليها مرة واحدة، ثم تستصحب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 14.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 13.

ص: 161

______________________________

مقتضاه، كما عن بعض مشايخنا مدعيا أنه الظاهر من النصوص. و كأنه لعدم الأمر فيها بالاختبار إلا عند مضي زمان الحيض، أو الاستظهار، فوجوبه بعد ذلك يحتاج إلي دليل، و مقتضي إطلاق دليل الاستصحاب عدمه.

لكن مقتضي الجمود علي ذلك أنها لو تركت الفحص في الزمان المذكور عمدا أو غفلة أو لتعذره لم يجب عليها بعد ذلك، و كذا لو فحصت ثم نسيت ما ظهر لها قبل العمل عليه أو بعده، و لا يظن منه و لا من غيره البناء علي ذلك، و ما ذلك إلا لإلغاء خصوصية المورد عرفا بعد ظهور كون وجوب الفحص للاهتمام بمعرفة حال الحدث و عدم الاكتفاء فيه بالرجوع للأصول بعد ما عرفت من عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين الزمان الأول و غيره.

و لا سيما مع أنها قد تعلم قلة الدم في آخر زمان الحيض أو الاستظهار، فعدم الاكتفاء بذلك و لزوم الفحص بعده لو احتملت زيادته- كما هو مقتضي النصوص- مناسب لعدم الاكتفاء بالفحص الواحد لبقية الصلوات جدا.

و لذا لا يظن من أحد دعوي قصور النصوص المذكورة عن بيان الوظيفة الواقعية لغير الصلوات الأولي التي تضمنتها، و أن حكم بقية الصلوات يؤخذ من نصوص أخر. و ما ذلك إلا لفهم أن بيان الوظيفة لها من حيثية كونها مستحاضة مكلفة بالصلاة، و ذلك كما يجري في أصل الوظيفة يجري في الفحص عنها. علي أن ذلك منهما لا يناسب الوجه الآخر الذي استدل به كل منهما لوجوب الفحص، و إن عرفت عدم تماميته. و من هنا كان الظاهر عموم وجوب الفحص مع القدرة عليه و امتناع الرجوع للأصل الترخيصي مطلقا، كما هو ظاهر غير واحد. فلاحظ.

ثم إنه حيث كان وجوب الفحص طريقيا لتنجز الواقع فهو لا يمنع من الاحتياط المحصل له.

و أماما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من عدم مشروعيته لها إلا إذا طابق الاستصحاب، كما لو كانت استحاضتها سابقا كثيرة ثم شكت في بقائها علي ذلك

ص: 162

______________________________

فتستصحب الكثرة- بناء علي ما يأتي الكلام فيه- و تعمل عليها من دون حاجة للفحص. فكأنه مبني علي عدم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع إمكان الامتثال اليقيني بالفحص. و إنما يشرع الاحتياط المطابق للاستصحاب من دون فحص، لاقتضائه التعبد بمقتضاه، و المراد بالامتثال اليقيني ما يعمم ذلك.

و دليل وجوب الفحص لا يصلح للردع عن الاستصحاب المذكور بعد عدم اقتضائه تفويت الواقع المنجز بوجوب الفحص، بخلاف الاستصحاب المحرز لكون الاستحاضة قليلة.

لكن ذكرنا غير مرة ضعف المبني المذكور و أنه يكفي الاحتياط بموافقة التكليف المحتمل و لو مع تيسر الامتثال اليقيني بالفحص.

نعم، قد لا يتيسر الاحتياط، كما هو الحال بناء علي الوظيفة في الكثيرة الغسل وحده و في القليلة الوضوء، حيث يستلزم الجمع بينهما احتمال الفصل بين الوظيفة و الصلاة الذي يأتي منهم عدم جوازه. إلا أن يفرض عدم فوت الموالاة العرفية به، أو يحتاط بتكرار الصلاة مع كل من الوظيفتين. و بالجملة: الاحتياط إن أمكن كان مشروعا، و لا يجب معه الفحص.

بقي شي ء: و هو أنه لو تعذر الفحص فالظاهر عدم وجوب الاحتياط، لعدم الدليل علي تنجز الواقع حينئذ بعد قصور ما دل علي وجوب الفحص عن حال التعذر.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من استفادته من إطلاق دليل وجوب الاختبار فقد تقدم منه نظيره فيما لو تعذر الفحص مع اشتباه دم الحيض بدم العذرة، و تقدم هناك المنع منه.

و حينئذ لا ينبغي التوقف في البناء علي كون الاستحاضة قليلة لو لم تكن سابقا كثيرة أو متوسطة، لما تقدم من أن مقتضي الاستصحاب كونها قليلة، فإن علم بالزيادة عليها فمتوسطة، و أما لو كانت سابقا كثيرة أو متوسطة فظاهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره ابتناء جريان استصحاب إحدي الصورتين علي جريان الاستصحاب في

ص: 163

______________________________

التدريجيات، و حيث كان يجري علي التحقيق لزم البناء علي جريانه في المقام، و علي ذلك جري في العروة الوثقي و غيرها، و إن لم يجزم شيخنا الأعظم قدّس سرّه بأحد الأمرين، لعدم جزمه بجريان الاستصحاب في التدريجيات.

لكنه يشكل بأن المستفاد من النصوص ترتب حكم المتوسطة و الكثيرة علي ثقب الكرسف و سيلانه منه او بوصوله إلي حدّ أحد الأمرين لو فرض عدم الكرسف، فلو كان الدم بنحو يثقب الكرسف أو يسيل منه لا يترتب عليه حكم المتوسطة أو الكثيرة بمجرد خروجه إلي فضاء الفرج، بل الاستحاضة في أول خروجه قليلة، فإذا نزل حتي بلغ حدّ ثقب الكرسف صارت متوسطة، ثم إذا بلغ حدّ السيلان صارت كثيرة، فأقسام الاستحاضة متداخلة موضوعا و حكما، لا أنها متباينة تبعا لاختلاف أقسام الدم و كيفية خروجه من الرحم.

و حينئذ إن كانت الاستحاضة سابقا متوسطة أو كثيرة و احتمل انقلابها إلي القليلة، فإن كان الانقلاب المحتمل بعد الغسل أو في أثنائه يقطع ببقاء حكم المتوسطة أو الكثيرة بلا حاجة للاستصحاب، و إن كان قبله يعلم بمطهرية الغسل وحده أو مع الوضوء من الحدث المسبب عن الدم الخارج إلي فضاء الفرج قبله و إن لم يخرج من الفرج، و أما المتصل به الخارج بعده فخروجه حيث لا يوجب في الآن الأول إلا حدث القليلة، و لا يوجب حدث ما فوقها إلا بنزوله إلي أن يبلغ حدّ ثقب الكرسف أو السيلان منه، فالأصل عدم نزوله إلي الحد المذكور، و به يحرز كون الاستحاضة قليلة.

و أما استصحاب سيلان الدم أو ثقبه للكرسف فلا مجال له حتي بناء علي جريان الاستصحاب في التدريجيات …

أولا: لعدم الأثر لثقب مطلق الدم و سيلانه، بل لثقب أو سيلان خصوص ما ينزل بعد الشروع في الغسل الذي لم يرفع الغسل الحدث المسبب، و الأصل عدم ثقبه، و لا سيلانه.

و ثانيا: لأنها حيث تخرج الكرسف و تجدده قبل الغسل لحبس الدم عن النزول

ص: 164

______________________________

ينقطع الثقب و السيلان، حتي بالإضافة إلي مطلق الدم، فلا مجال لاستصحابهما. غاية الأمر أنه يحتمل تجددهما بسبب بقاء دفع الدم بقوته، و الأصل عدمه. كما أنه يمكن استصحابهما بنحو التعليق، فيقال: كان الدم لو استمر لثقب الكرسف فهو كما كان.

لكنه ليس حجة علي التحقيق خصوصا في الموضوعات الخارجية.

نعم، لو كان المدار في ترتب حكم المتوسطة أو الكثيرة علي دفع الدم، فإذا كان بنحو يستلزم ثقب الكرسف أو السيلان منه ترتب حكمها بمجرد خروجه إلي فضاء الفرج، و إن لم يثقب الكرسف أو يسيل منه فعلا، اتجه استصحاب كونه علي النحو المذكور- و لم يكن تعليقيا- بناء علي جريان الاستصحاب في التدريجيات. لكنه خلاف ظاهر الأدلة، كما سبق.

و أما تقسيم الاستحاضة إلي القليلة و المتوسطة و الكثيرة فليس تقسيما تضمنته النصوص في مقام بيان موضوع الأحكام، بنحو يكون عنوان الكثرة و غيرها قد لحظ فيه حال الدم حين خروجه، ليستصحب أحد الأقسام لو شك في ارتفاعه، بل هو تقسيم للفقهاء منتزع من مفاد النصوص التي ذكرنا أنها ظاهرة في أن المدار في ترتب الأحكام علي فعلية الثقب و السيلان و عدمهما.

و أشكل من ذلك ما عن بعض مشايخنا من أن الاستحاضة لو اتصلت بالحيض و كان دم الحيض كثيرا بحيث يثقب الكرسف أو يسيل عنه أمكن بالاستصحاب كونها متوسطة أو كثيرة، لوحدة الدم عرفا و إن اختلف حكما.

للإشكال فيه- مضافا إلي ما سبق- بأن ظاهر النصوص و الفتاوي تباين دميي الحيض و الاستحاضة ذاتا، لا حكما فقط كما تقدم في أول الفصل، و من الظاهر أن موضوع الحكم ليس هو ثقب مطلق الدم للكرسف أو سيلانه، ليجدي استصحابه، بل خصوص دم الاستحاضة و مقتضي الاستصحاب عدم ثقبه و لا سيلانه، و إن كان الدم ثاقبا أو سائلا حينما كان دم حيض خالص أو مختلط بدم الاستحاضة، علي ما تقدم احتماله في أول الفصل. فراجع.

ص: 165

______________________________

هذا، و لو غض النظر عن الاستصحاب الموضوعي في المقام، فقد يدعي جريان استصحاب الطهارة من الحدث الأكبر- لو كانت نقية من الدم سابقا- غير المعارض باستصحاب الطهارة من الحدث الأصغر، للعلم بانتقاضها علي كل حال، بناء علي أن سبب الحدث الأكبر سبب للحدث الأصغر أيضا.

لكنه مبني علي أن وظيفة المتوسطة و الكبري الغسل و الوضوء، و أن الغسل ينفرد برفع الأكبر و الوضوء برفع الأصغر، حيث يعلم بحدوث الأصغر و ارتفاعه بالوضوء و يشك في حدوث الأكبر و مقتضي الاستصحاب عدمه. أما لو كانا مشتركين في رفع كل من الأصغر و الأكبر فاستصحاب الطهارة من الأكبر لا يحرز الأصغر المعلوم الحصول بالوضوء- بعد عدم إحراز كون الاستحاضة قليلة- بل مقتضي استصحابه معه عدم ارتفاعه إلا بضم الغسل إليه. و كذا بناء علي أن وظيفة المتوسطة و الكبري الغسل خاصة للصلاة الأولي، لرجوع ذلك إلي أن الرافع للحدث الأصغر فيهما هو الغسل لا الوضوء، فلا يحرز ارتفاعه بالوضوء خاصة مع عدم إحراز قلة الاستحاضة بالأصل الموضوعي في المقام، بل مقتضي استصحابه معه عدم ارتفاعه إلا بضم الغسل إليه.

و بذلك يظهر الإشكال فيما في العروة الوثقي من الحكم بالاحتياط، لأن مذهبه وجوب ضمّ الوضوء للغسل في المتوسطة و الكبيرة، و من البعيد جدا ذهابه إلي اشتراكهما في رفع كلا الحدثين.

اللهم إلا أن يستشكل في اختلاف سنخ حدثي الاستحاضة، لاحتمال وحدة سنخ الحدث و سنخ الطهارة منه، و إنما يختلف بالشدة و الضعف من دون أن يستلزم تعدده عرفا، فمع فرض عدم الاستصحاب الموضوعي المحرز لمرتبته فحيث يشك في ارتفاعه بالوضوء يكون مقتضي الاستصحاب بقاؤه. بل لعل اختلاف الحدث الأصغر و الأكبر كذلك في جميع الموارد، و إنما يجتزأ بالوضوء وحده و الغسل كذلك مع التردد بينهما فيما لو أحرزت إحدي المرتبتين بأصل موضوعي، كما تقدم في فروع الاستبراء،

ص: 166

حال الصلاة (1)، بإدخال القطنة في الموضع المتعارف و الصبر عليها بالمقدار المتعارف (2). و إذا تركته عمدا أو سهوا و عملت، فإن طابق عملها الوظيفة

______________________________

و أما بدونه فالمرجع استصحاب الحدث و عدم الطهارة، أو أصالة الاشتغال بالفعل المقيد بالطهارة، كالصلاة. فتأمل جيدا.

(1) لأن الأمر بالاختبار لما كان طريقيا، لإهتمام الشارع بعدم فوت الواقع من جهة الجهل فالمنصرف ما يؤمن معه من وقوع الوظيفة في غير محلها، و ذلك إنما يكون بالفحص عند إرادة الصلاة تمهيدا للإتيان بوظيفتها، إذ لو كانت قبله بمدة يحتمل فيها اختلاف حال الاستحاضة لم يؤمن ذلك.

نعم، لو علم بعدم اختلاف الحال بعد الفحص إلي حين الاتيان بالوظيفة أجزأ الفحص السابق. و كذا لو كان الفاصل زمانا يسيرا يتعارف الفصل به، لتعذر حمل النصوص عرفا علي الاتصال الدقي. إلا أن يحدث فيه ما يثير احتمال اختلاف الحال بالوجه المنبه علي تجديد الفحص، فلا يبعد لزوم تجديده بمقتضي ما ذكرنا. فلاحظ.

(2) كما في العروة الوثقي، لكن مع إيجاب الصبر قليلا، و أقره علي ذلك غير واحد من محشيها.

و يشكل بأن الذي تضمنته النصوص المتقدمة الفحص عن ثقب الدم الكرسف أو سيلانه منه من حين الغسل إلي حين الصلاة، و لازم ذلك عدم إخلاء الموضع من الكرسف في المدة المذكورة، إما بإبقاء كرسف واحد أو بتجديد الكرسف- علي ما يأتي الكلام فيه عند تحديد الوظائف إن شاء اللّه تعالي- و حينئذ يكفيها في الفحص اللازم عند الصلاة النظر في الكرسف الموضوع واحدا كان أو متعددا.

فلو لم تضع كرسفا في بعض المدة أو تمامها، فحيث كان الظاهر من التحديد بثقب الكرسف أو السيلان منه بيان مقدار نزول الدم- كما أشرنا إليه آنفا و يأتي إن شاء اللّه تعالي- فإن علمت بنزول الدم بأحد النحوين، فلا إشكال في وجوب الوظيفة المناسبة له عليها، و إن احتملت نزوله و لم تستطع استكشاف الحال لغسل موضع الدم

ص: 167

اللازمة لها صح (1)، و إلا بطل (2).

______________________________

أو نحوه، فحيث كانت مفرطة في الفحص اللازم عليها، كان الواقع منجزا عليها بمقتضي وجوب الفحص و لزمها الاحتياط.

و كذا لو طرحت الكرسف السابق و لم تنظر فيه و احتملت ثقب الدم له أو سيلانه منه. و إن علمت بعدم نزول الدم بأحد النحوين لم تحتج للاختبار بوضع الكرسف أو نحوه، لعدم الموضوع له. إلا أن تحتمل تجمع الدم في باطن الفرج فتستدخل الكرسف بمقدار لو كان فيه دم لثقبه أو سال منه، ثم تنظر فيه، و يكون ذلك هو الفحص اللازم عليها.

(1) كما هو مقتضي ما سبق من أن وجوب الفحص طريقي لإحراز الواقع، لا مقدمي متفرع علي شرطيته في العمل، ليبطل بفقد شرطه.

نعم، بناء علي عدم الاجتزاء بالامتثال الاحتمالي مع القدرة علي الامتثال اليقيني بالفحص يتعين بطلان العمل مع تعمد ترك الفحص. لكن سبق المنع من ذلك، فيتعين صحته لو جاءت به برجاء إصابة الواقع.

(2) لفقد الشرط. و لو شكت في أحد الأمرين لزمها الاحتياط بالإعادة بنحو تحرز مطابقة عملها للواقع، لأن وجوب الفحص عليها واقعا مستلزم لعدم حجية الاستصحاب في حقها، فلا يسوغ لها الدخول في الصلاة. و لا يبعد كون ذلك هو مراد سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره ممن أطلق صحة عملها مع مطابقته للوظيفة الواقعية، فيرجع إلي لزوم إحراز المطابقة.

لكن المتيقن من ذلك ما إذا تعمدت ترك الفحص تفريطا أو لتخيل جواز التعويل علي الاستصحاب مع فعلية الشك حين العمل في كيفية استحاضتها، أما لو تركته سهوا و دخلت في الصلاة غفلة عن كيفية استحاضتها، بنحو لا يكون شكها فيه فعليا فلا يبعد عدم وجوب الإعادة عليها لو التفتت بعد الفراغ، بناء علي ما هو الظاهر من عموم قاعدة الفراغ لصورة الغفلة عن منشأ الشك. و أولي من ذلك ما لو

ص: 168

(مسألة 27): حكم القليلة وجوب تبديل القطنة (1) أو تطهيرها علي

______________________________

اعتقدت من دون فحص بأن استحاضتها قليلة فعملت بوظيفتها ثم تجدد لها الشك بعد الفراغ و احتملت خطأ اعتقادها السابق، حيث لا إشكال ظاهرا في جريان قاعدة الفراغ حينئذ. و لعله خارج عن محل كلامهم. فلاحظ.

مسألة 27: حكم الاستحاضة القليلة

(1) كما في المقنعة و الناصريات و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الغنية و المراسم و الوسيلة و السرائر و جملة من كتب الفاضلين و الشهيدين و جامع المقاصد و محكي الجامع و غيرها. بل ظاهر الناصريات الإجماع عليه، و نفي الخلاف فيه في المنتهي.

و نسب لأكثر علمائنا في التذكرة، و للمشهور في المختلف و الحدائق و محكي كشف الالتباس و الكفاية و ظاهر الذكري، و في كشف اللثام أنه قطع به أكثر الأصحاب.

و قد استدل عليه..

تارة: بأنها نجاسة يمكن التحرز عنها، فيجب.

و أخري: بما سيأتي في المتوسطة و الكثيرة، بناء علي ما في الجواهر من عدم تعقل الفرق، و عن الوحيد في حاشية المدارك و شرح المفاتيح من عدم القول بالفصل.

و ثالثة: بالإجماع المستفاد ممن تقدم. لكن الأول يختص بما إذا زادت سعة الدم علي قدر الدرهم، أو يبتني علي عدم العفو عن قليل دم الاستحاضة، و هو ممنوع، كما يبتني علي نجاسة الدم في الباطن، و هو أيضا ممنوع، و علي عمومه للمحمول و إن لم تتم به الصلاة و كان في الباطن، و هو محل إشكال علي ما يتضح في محله إن شاء اللّه تعالي.

و لا سيما مع ما أشار إليه في الجواهر من عدم ظهور فائدة في التبديل، إذ بوضع القطنة الجديدة تتنجس كنجاستها، غاية الأمر أن تبديلها يستلزم تقليل الدم، و وجوبه محل إشكال، خصوصا إذا لم يستلزم سعة السطح الملاقي له من القطنة.

و يندفع الثاني- بعد تسليم دلالة النصوص علي وجوب التبديل في المتوسطة و الكثيرة من حيثية نجاسة القطنة- بالفرق بأن ثقب الكرسف و السيلان منه مستلزم لكثرة الدم و تنجسه بالخروج للظاهر. و عدم القول بالفصل لا يكفي ما لم يرجع

ص: 169

______________________________

للقول بعدم الفصل، و هو غير ظاهر.

و أما الثالث فلا طريق لمنعه بعد تصريح من عرفت بوجوب التبديل، و عدم تعرض الصدوقين له و لا الشيخ و الراوندي في الخلاف و أحكام القرآن و لا القاضي فيما حكي عنه لا ينافيه، لإمكان اهتمامهم في مباحث الأغسال ببيان حكم الحدث، و الاتكال في الخبث علي معهودية وجوب التطهير منه.

لكن لا طريق مع ذلك للجزم به، فضلا عن حجيته بعد قرب اعتماد من ذهب إلي ذلك علي أحد الوجهين المتقدمين، كما صرح به غير واحد منهم، و لم يثبت كونه إجماعا تعبديا صالحا لإثبات حكم شرعي.

و من ثم يظهر من جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك و غيرها نوع تردد في وجوب التبديل، بل حكي عن بعضهم الإشكال فيه، و ذكر الفقيه الهمداني أن القول بعدمه شايع بين المتأخرين، كما اختاره في المستند و حكاه عن بعض مشايخه.

هذا، مضافا إلي ما ذكره غير واحد من ظهور بعض النصوص في عدم وجوب تبديل القطنة، كصحيح الصحاف «1» المتقدم عند الكلام في وجوب الفحص، لظهوره في وحدة الكرسف الموضوع، و أنها تصلي كل صلاة به ما لم تطرحه أو يسل الدم من ورائه، و صحيح الحلبي «2» المتقدم في تحديد الصورة الأولي الظاهر في أن المدار علي خروج الدم من وراء الثوب، لظهوره في أنها تصلي بذلك الثوب ما لم يخرج الدم من ورائه، المستلزم لعدم وجوب تبديل الثوب لكل صلاة، فضلا عن الكرسف.

و مثله قوله عليه السلام في حديث زرارة المتقدم هناك أيضا: «فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ [يثقب] الدم، فإذا نفذ اغتسلت» «3»، لقوة ظهوره في الاجتزاء لكل صلاة بوضوء ما لم يثقب الدم الكرسف الأول أو الخرقة التي تستوثق بها، و مقتضاه جواز إيقاع الصلوات المتعددة بذلك الكرسف قبل ثقبه، و نحوه في ذلك قوله عليه السلام في خبر إسماعيل الجعفي: «اغتسلت و احتشت و لا تزال تصلي بذلك

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.

ص: 170

______________________________

الغسل حتي يظهر الدم علي الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «1».

و أظهر منها في ذلك خبر ابن أبي يعفور «2» المتقدم في وجوب الاختبار المتضمن أنها تزيد كرسفها، لظهوره في المفروغية عن إبقاء الكرسف الأول. و إن كان ما تضمنه من الاجتزاء بالوضوء مع ظهور الدم علي الكرسف المذكور مخالفا للنصوص الأخر.

بل قد يظهر عدم وجوب التبديل من بقية النصوص بسبب عدم التنبيه فيها عليه، مع ابتنائه علي نحو من الكلفة و قرب غفلة العامة عنه بسبب لزوم النجاسة علي كل حال، كما سبق. و لعله إليه يرجع ما في الجواهر من تأييد عدم الوجوب بلزوم المشقة، و إلا فبلوغ المشقة حدا يسقط التكليف غير مطرد، و بل لعله نادر. و من جميع ما تقدم ظهر أن الأقوي عدم وجوب التبديل، كما في الجواهر و غيره.

هذا، و قد صرح بوجوب تبديل الخرقة أيضا في المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و الوسيلة و السرائر و محكي البيان و مجمع البرهان و شرح المفاتيح، و حكاه في كشف اللثام عن السيد و نسبه للأكثر.

و لم يتضح الوجه فيه بعد فرض عدم ثقب الكرسف المستلزم لعدم تنجس الخرقة، و لذا تنظر فيه في التذكرة، و في جامع المقاصد و محكي شرح الجعفرية أنه لا وجه له. و أما ما عن نهاية الأحكام من أن الأقرب ذلك إن وصل الدم إليها. فهو مخالف لفرض عدم ثقب الكرسف في القليلة.

نعم، قد يتجه بناء علي ما تقدم منه و من التذكرة من تحديد القليلة بأن يظهر الدم علي القطنة كرءوس الأبر بناء علي ما فسره به في كشف اللثام من إرادة الظهور علي سطحها الخارج من دون أن يستوعبها، حيث يمكن حينئذ إصابة الدم الخرقة تارة و عدمها أخري، علي ما نبه له في كشف اللثام كما يتجه أيضا بناء علي ما تقدم من المقنعة من أن المدار علي عدم ثقب الخرقة، لا خصوص الكرسف.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 13.

ص: 171

الأحوط وجوبا. و وجوب الوضوء لكل صلاة (1)،

______________________________

لكنه مبني- مع ذلك- علي عموم عدم العفو عن دم الاستحاضة لما دون الدرهم إذا كان في المحمول و إن لم تتم به الصلاة، و إلا كان المتيقن منه ما إذا شدت الخرقة بنحو يصدق عليها اللباس و كانت مما تتم به الصلاة و الدم بقدر الدرهم.

و أما صحيح الحلبي و حديث زرارة المتقدمان في تحديد الصورة الأولي الظاهران في أن المدار فيها خروج الدم من وراء الثوب المستلزم لجواز الصلاة به لو أصابه الدم و لم يخرج من ورائه. فلو غض النظر عما تقدم فيهما أمكن الجواب باحتمال كون جواز الصلاة لعدم العلم بإصابة الدم له حتي يخرج من ورائه. فلاحظ.

و أما تطهير الفرج فهو الذي صرح به في المقنعة و جامع المقاصد و المسالك و الروض و محكي البيان، و عن مجمع البرهان أنه مقتضي أدلة وجوب الإزالة، و كأنه إجماعي. انتهي. و من الظاهر أنه يتفرع علي تنجيسه بتبديل القطنة، و يبتني علي عموم عدم العفو عن دم الاستحاضة، و لا إشكال في أنه أولي في ذلك من وجوب تبديل القطنة، و إن لم ينبه عليه جماعة كثيرة.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه ليس بناؤهم علي التعدي من القطنة إلي موضعها فلم يتضح مأخذه لو أراد منه الفرج، لقرب أن يكون عدم التنبيه عليه من جماعة لعدم ملازمة إخراج القطنة في القليلة لتنجسه و كون وجوب تطهيره لو تنجس أولي من وجوب تبديل القطنة المعلل في كلامهم بأنه نجاسة يجب التحرز منها، فلا يحتاج إلي بيان.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، و ادعي عليه الإجماع في الناصريات و الخلاف، كما ادعي في الغنية الإجماع علي أنها إذا فعلته كانت بحكم الطاهرة، و نسب للأكثر في التذكرة و المنتهي و للمعظم في كشف اللثام، و للمشهور في المختلف و الروض و محكي الذكري و كشف الالتباس و تخليص التلخيص و الكفاية و غيرها، في قبال ما عن ابن أبي عقيل من أنه لا شي ء عليها حينئذ، و ما عن ابن الجنيد من أن

ص: 172

______________________________

عليها الغسل. لكن في جامع المقاصد: «و هما نادران لإجماع الأصحاب بعدهما علي خلافهما».

و يدل علي وجوب الوضوء- مضافا إلي إطلاق صحيح الصحاف «1» المتقدم في وجوب الفحص المتضمن الاكتفاء به عند عدم سيلان الدم- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها، و لا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا تؤخر هذه و تعجل هذه و تغتسل للصبح … و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخل المسجد وصلت كل صلاة بوضوء» «2»، و حديث زرارة «3» المتقدم عند الكلام في تحديد الصورة الأولي.

و إطلاق قوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: «فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل و تتوضأ لكل صلاة … » «4» و ربما يأتي الكلام في الصورة الثالثة.

كما يدل علي عدم وجوب الغسل- مضافا إلي ذلك- صحيح الحلبي المتقدم هناك «5» و خبر الجعفي «6» المتقدم عند الكلام في وجوب تبديل القطنة و قوله عليه السلام في صحيح عبد الرحمن أو موثقة في المستحاضة بعد أيام قرئها أو استظهارها: «و لتغتسل و لتستدخل كرسفا فإن ظهر عن [علي. يب] [علي] الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلي الصلاة ثم تصلي صلاتين بغسل واحد» «7»، إن مقتضي مفهومه أنه لو لم يظهر علي الكرسف لا يجب الغسل، و حمله علي عدم الظهور علي جانب الكرسف الداخل المستلزم للنقاء لا يناسب فرض كونها مستحاضة و لذا لا يبعد ظهوره في إرادة الظهور في جانب الكرسف الخارج، و أنه مع عدمه ليس عليها الغسل.

و كيف كان، فيخرج بجميع ما سبق عن إطلاق ما تضمن وجوب الأغسال

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 173

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

(7) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

ص: 173

______________________________

الثلاثة علي المستحاضة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سمعته يقول: المستحاضة تغتسل التي لا تطهر عند صلاة الظهر و تصلي الظهر و العصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب و العشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر … » «1»، و نحوه صحيح صفوان و موثق فضيل و زرارة و خبر إسماعيل بن عبد الخالق «2» و خبر حمران الوارد في النفساء «3».

و كذا إطلاق ما تضمن وجوب الغسل الواحد مع عدم جواز الدم الكرسف، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: النفساء متي تصلي؟

فقال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم و إلا اغتسلت و احتشت و استثفرت [و استذفرت] وصلت، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثم صلت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد. قلت: و الحائض؟ قال: مثل ذلك سواء … » «4» فإن عدم جواز الدم الكرسف لما كان أعم من عدم ثقبه له لزم حمله علي صورة الثقب، جمعا بينه و بين ما سبق.

و دعوي: أن ثقب الدم الكرسف من دون أن يجوزه نادر يتعذر حمل الإطلاق عليه عرفا، لغلبة انتقال الدم منه بعد ظهوره عليه إلي الخرقة المستثفر بها. ممنوعة، لعدم ملازمة الاستثفار لشدة مماسة الخرقة للكرسف، بل قد لا تمسه و إنما تكون فائدتها مجرد التحفظ عن سيلان الدم لو خرج عنه، و ليس هو كالتعصب- الذي أمر به في فرض جواز الدم الكرسف- مستلزما لشدة المماسة، ليندر عدم انتقال الدم منه للخرقة.

بل يأتي عند الكلام في حكم المتوسطة أن انتقال الدم لمجرد مماسة الخرقة للكرسف من دون أن يستند لقوة دفعه لا يوجب الانتقال للكثيرة.

هذا، و قد سبق عن ابن أبي عقيل عدم وجوب شي ء عليها، ففي محكي كلامه

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4، 15، 12، 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4، 15، 12، 3.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 174

______________________________

في كشف اللثام: «يجب عليها الغسل عند ظهور دمها علي الكرسف لكل صلاتين غسل تجمع بين الظهر و العصر بغسل و بين المغرب و العشاء بغسل، و تفرد الصبح بغسل، و أما إن لم يظهر الدم [علي. ظ] الكرسف فلا غسل عليها و لا وضوء».

و قد فهم منها الأكثر أن المراد عدم ظهور الدم علي ظاهر الكرسف الراجع لعدم ثقبه له. و كأن الدليل عليه ما تضمن حصر نواقض الوضوء بالأمور المعروفة غير دم الاستحاضة. مضافا إلي عدم التنبيه عليه فيما تضمن نفي الغسل قبل ظهور الدم علي الكرسف، كصحيح الحلبي و رواية الجعفي و مفهوم حديث عبد الرحمن التي تقدم الاستدلال بها علي نفي الغسل.

لكن لا بد من رفع اليد عما تضمن الحصر بالنصوص المتقدمة الدالة علي وجوب الوضوء، و كذا النصوص الآتية الدالة علي وجوب الوضوء مع الصفرة.

و لعل عدم التعرض له في نصوص الحصر لعدم عموم الابتلاء به، و اختصاصه بالمرأة في حالة الاستحاضة التي تعرضت النصوص لتفصيل أحكامها، كما لم يتعرض في بعض نصوص الحصر للنوم «1».

كما أن النصوص النافية للغسل بين ما هو ظاهر في النظر للغسل، و لا نظر له في نفي غيره، كرواية الجعفي، و ما هو محمول علي ذلك بقرينة ما دل علي وجوب الوضوء، كحديثي الحلبي و عبد الرحمن. فإن ذلك أقرب عرفا من تنزيل نصوص الوضوء المذكورة علي فرض تحقق أحد النواقض، بقرينة الحديثين و نصوص حصر النواقض. بل قوله عليه السلام في خبر علي بن جعفر الآتي: «فلتتوضأ من الصفرة» كالصريح في ناقضية الصفرة.

و أضعف من ذلك الاستدلال بصحيح زرارة المتقدم، بحمل قوله عليه السلام:

«و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد» علي غسل النفاس. لأنه- مع جريان ما سبق فيه، و استلزامه عدم حدثية الدم مع عدم جوازه الكرسف و إن ظهر عليه

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9، 6، 4.

ص: 175

______________________________

و ثقبه- مخالف للظاهر جدا بسبب تنكير الغسل و وصفه بالوحدة بعد التعرض لتثليث الأغسال مع جواز الدم الكرسف.

لكن احتمل في كشف اللثام كون مراد ابن أبي عقيل عدم ظهور الدم علي الكرسف أصلا المستلزم للنقاء. و لو تم كان لازمه وجوب تثليث الأغسال في جميع أقسام الاستحاضة، و انحصر الدليل عليه بإطلاقات التثليث المتقدمة، التي يلزم الخروج عنها بنصوص التفصيل، كما سبق.

و أما ابن الجنيد فقد حكي عنه وجوب الغسل مرة واحدة مع عدم ثقب الدم الكرسف، فإذا ثقبه وجب عليها ثلاثة أغسال سال أم لم يسل. و كأنه لموثق سماعة:

«قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل. هذا، إن كان دمها عبيطا، و إن كان صفرة فعليها الوضوء» «1».

بدعوي: أن مقتضي المقابلة بين الشرطيتين كون الثانية تصريحا بمفهوم الأولي، بحمل عدم الجواز في الثانية علي عدم الثقب.

و فيه: - مع أنه صرح في ذيله بالاكتفاء بالوضوء مع الصفرة، و لم يعرف عنه التفصيل بين الصفرة و الحمرة- أن التوفيق بين الشرطيتين كما يكون بحمل عدم الجواز في الثانية علي عدم الثقب، يكون بحمل الثقب في الثانية علي الجواز، بل لعل الثاني أظهر- كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- لأن الثقب لما كان مشعرا بقوة الدم أمكن جعله كناية عن الجواز، أما عدم الجواز فهو لا يشعر بقلة الدم، ليصلح للكناية عن عدم الثقب، بل بضعفه و لو مع تفشيه لظاهر الكرسف، و لا يصلح عرفا للكناية عن عدم الثقب. إلا أن يراد به عدم الجواز في تمام الكرسف المستلزم لعدم ثقبه، كما قد يظهر من المحقق الخراساني قدّس سرّه. لكنه خلاف ظاهر الموثق جدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

ص: 176

______________________________

و لعل ما ذكرنا أقرب مما عن بعض مشايخنا من جعل الثانية بمنزلة الاستثناء من إطلاق الأولي، نظير قوله تعالي: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) بعد قوله: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ … ) «1»، فلا تشمل صورة عدم الثقب، ليقع التدافع بين الشرطيتين و يحتاج لتنزيل إحداهما علي الأخري.

إذ فيه: - مع أن الآية لا تنهض بذلك بنفسها، بل بإعمال عناية فيها، أو بضميمة النصوص المفسرة لها، علي ما سبق في مسألة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء، فحمل الصحيح عليه لا بد أن يكون بضميمة بقية النصوص لا لظهوره بنفسه فيه- أن الجنابة أمر زائد علي القيام إلي الصلاة، فيحسن التدرج ببيان حكمها الأثقل بعد بيان حكم القيام الأخف، نظير قولنا: إن جاء زيد لدارك فأعطه درهما، و إن خدمك فيها فأعطه دينارا.

أما في المقام فعدم جواز الدم الكرسف ليس زائدا علي ثقبه له لا موضوعا و لا حكما، ليحسن التدرج في بيان حكمه بالنحو المذكور، و الحكم المذكور له هو حكم الثقب بنفسه، علي المشهور، كما أن الحكم المذكور للثقب هو حكم أمر زائد عليه، و هو الجواز، فلو لم يكن الثقب في الفقرة الاولي كناية عن الزيادة المذكورة- كما ذكرنا- لم يكن البيان عرفيا، بل لعله مستهجن.

و كيف كان، فعلي ما ذكرنا تكون الشرطية الثانية مطلقة شاملة للثقب و عدمه، فتقيد بالنصوص الدالة علي عدم وجوب الغسل و وجوب الوضوء مع عدم الثقب، و علي ما ذكره بعض مشايخنا تكون صورة عدم الثقب خارجة عن كلتا الشرطيتين، و يرجع فيها للنصوص المذكورة.

نعم، كلا الوجهين مستلزم لعدم استيفاء أحكام المستحاضة في الموثق، بخلاف الوجه المستدل به لابن الجنيد، بل التعرض في ذيله للوضوء مع الصفرة لا يناسب إهماله في الصدر لو كان من أحكام بعض أنواع الدم العبيط.

إلا أن ذلك وحده لا يوجب ظهور الموثق في الوجه المذكور فضلا عن أن يرفع

______________________________

(1) المائدة: 5.

ص: 177

______________________________

به اليد عما سبق مما تضمن وجوب الوضوء دون الغسل مع عدم ثقب الكرسف، بل غاية ما يوجب إجمال صدر الموثق أو اضطرابه و لا سيما و أن سماعة قد روي ما يقرب منه هكذا: «و غسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين و للفجر غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها [الغسل لكل يوم مرة و. في] الوضوء لكل صلاة … » «1». فلاحظ.

هذا، و قد استدل لابن الجنيد أيضا بصحيح زرارة المتقدم، بدعوي: أن إطلاق وجوب الغسل الواحد مع عدم جواز الدم في ذيله شامل لما إذا لم يثقب الدم الكرسف.

لكنه- مع لزوم تقييده كما سبق- دال علي الاكتفاء بالغسل الواحد مع ثقب الكرسف و عدم جواز الدم عنه، و هو لا يلتزم بذلك. و حمل الجواز و عدمه فيه علي الثقب و عدمه، بعيد جدا، فضلا عن أن يرفع به اليد عما سبق، نظير ما ذكرناه في الموثق.

بقي شي ء، و هو أن المحقق الخراساني قدّس سرّه وافق ابن الجنيد فيما لو كان الدم أحمر عملا بإطلاق موثق سماعة بعد حمل عدم الجواز فيه علي عدم الثقب، و غيره مما يأتي الكلام فيه، و تنزيلا لما دل علي الاكتفاء بالوضوء عليه، إما لأن ظهور الموثق و غيره في الحاجة للغسل أقوي من ظهور تلك النصوص في عدم الحاجة له، أو لتنزيل تلك النصوص علي الصفرة التي دلت جملة من النصوص علي الاكتفاء فيها بالوضوء، كما يأتي.

لكنه يشكل بما سبق من أنه لا مجال لحمل عدم جواز الدم الكرسف في موثق سماعة علي عدم ثقبه له،. و أما غيره فلم يذكره لينظر في حاله.

نعم، ورد وجوب الغسل الواحد في صحيح زرارة و حديث عبد الرحمن المتقدمين. لكن الأول قد أخذ فيه عدم جواز الدم الكرسف، و قد سبق أنه أعم من عدم الثقب، فيقيد بما دل علي وجوب الغسل مع عدم الثقب، و الثاني قد أخذ فيه الظهور علي الكرسف، و الظاهر منه- كما سبق- الظهور علي ظاهره الملازم للثقب،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3.

ص: 178

______________________________

فيدل بمفهومه علي عدم وجوب الغسل مع عدم الثقب، و لو فرض ظهوره في مطلق الظهور عليه و لو علي باطنه كان كصحيح زرارة مقيدا بما دل علي عدم وجوب الغسل مع عدم الثقب.

بل ظاهر إناطة وجوب الأغسال الثلاثة فيهما بما إذا كان الدم سائلا و جاز الكرسف عدم وجوبها بدونهما و إن ثقب الكرسف، علي خلاف ما ذكره. و أشكل من ذلك ما ذكره من تنزيل ما دل علي الاكتفاء بالوضوء علي مجرد لزومه و لو مع الغسل.

لوضوح أن ذكر الغسل فيها مع الثقب و الاقتصار علي الوضوء مع عدمه كالصريح في عدم وجوب الغسل معه، بل سبق أن بعض النصوص مسوق لبيان عدم الحاجة للغسل لا غير.

و مثله ما ذكره في قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء» من احتمال كون: «توضأت» بمعني تطهرت بالغسل لدخول المسجد، بقرينة تكرار ذكر الوضوء بقوله: «وصلت كل صلاة بوضوء». لوضوح اندفاعه بأنه- مع عدم معهودية التعبير بنظير ذلك- لا يناسب مقابلة الوضوء للغسل المذكور في صدر الحديث جدا. و تكرار الوضوء لا يصلح قرينة عليه بعد وروده لبيان وجوبه لكل صلاة لا أصل وجوبه.

و كذا ما ذكره من احتمال تنزيل نصوص الاكتفاء بالوضوء علي الصفرة، لأن التفصيل في نصوص نفي الغسل و وجوب الوضوء بين ثقب الكرسف و عدمه كالصريح في أن المعيار فيهما قلة الدم بالنحو المذكور لا لونه. بل سبق أن المتيقن من إطلاق الدم أو المنصرف منه هو الحمرة- كما اعترف به قدّس سرّه- و لا مجال معه لحمل هذه النصوص علي خصوص الصفرة. و من هنا كان ما ذكره في الحمرة ضعيفا، و المتعين فيها ما عليه المشهور.

و أما الصفرة فله فيها تفصيل تخالف فيه الحمرة، حيث قد تضمنت جملة من النصوص وجوب الوضوء لها، كذيل موثق سماعة المتقدم، و صحيح محمد بن مسلم

ص: 179

______________________________

عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم تر شيئا فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك [صفرة.

في. يب] فلتوض و لتصل» «1»، و صحيحه الآخر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تري الصفرة في أيامها. قال: لا تصلي حتي تنقضي أيامها، و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت» «2»، و في خبر علي بن جعفر: «فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها يجزيها الوضوء عند كل صلاة و تصلي» «3»، و في خبره الآخر: «قال: ما دامت تري الصفرة فلتتوضأ من الصفرة و تصلي و لا غسل عليها من صفرة تراها إلا في أيام طمثها» «4». و غيرها.

نعم، يعارضها في ذلك صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلي تري الدم اليوم و اليومين. قال: إذا كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «5»، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ثم طهرت وصلت ثم رأت دما أو صفرة. قال: إن كانت صفرة فلتغتسل و لتصل و لا تمسك عن الصلاة» «6».

و من هنا فقد جمع قدّس سرّه بين الطائفتين بحمل الأولي علي القليلة و الثانية علي الكثيرة بقرينة المرسل عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: «سألته عن الحبلي قد استبان حبلها تري ما تري الحائض من الدم. قال: تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء» «7».

لكن المعيار في القلة في الصفرة ليس هو العيار المتقدم في الحمرة، بل تحمل علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 8.

(5) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

(6) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.

ص: 180

______________________________

القلة العرفية التي تشمل المتوسطة، بل بعض أفراد الكثيرة بالمعيار المتقدم في الحمرة، و يختص وجوب تثليث الأغسال في الصفرة بالكثرة العرفية، لأن المرجع هو العرف في تحديد العناوين الشرعية بعد عدم تصدي الشارع لتحديدها.

هذا، و لا يخفي أن خبر محمد بن مسلم لما كان ضعيفا بالإرسال، و لا جابر له في المقام، فلا مجال للتعويل عليه في الجمع بين نصوص الصفرة.

و قد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن ظاهر التعبير بالصفرة في هذه النصوص إرادة القليلة بالمعني المشهور، لظهوره في كون الدم لقلته لا يري إلا لونا محضا بلا جوهرية له، فلا إطلاق له يشمل النافذ حتي يتكلف للجمع بينه و بين غيره بالحمل علي القليل العرفي. و من هنا لا مجال للعمل بما تضمن وجوب الغسل للصفرة، لأنه بعد اختصاصه بغير النافذ يكون مهجورا بمخالفة المشهور، و لا سيما بعد دعوي الإجماع ممن تقدم.

لكنه كما تري، إذ لا تلازم بين قلة الدم بالمعني المذكور و فقده للجوهرية، بحيث لا يري إلا لونا محضا، بل قد يكون دما عبيطا بقدر رأس الذباب- كما تضمنته بعض النصوص- كما قد يكون كثيرا رقيقا، و ليس منشأه صفرته إلا اختلاطه برطوبات الرحم و غلبتها عليه، و ذلك قد يكون مع نفوذه في القطنة، بل مع خروجه عنها، بسبب كثرة الرطوبات النازلة من الرحم.

بل قد سيق حكم الصفرة في ذيل موثق سماعة مساق الاستثناء من التفصيل المذكور في صدره، و هو مناسب جدا لتحقق موضوع التفصيل فيها، فكما كان التفصيل في نصوص الاكتفاء بالوضوء في الدم بين الثقب و عدمه ظاهرا في أن المعيار في اختلاف الحكم فيه كمّ الدم، لا لونه- كما سبق في رد المحقق الخراساني قدّس سرّه و اعترف هو قدّس سرّه به و غيره- كذلك التفصيل في الموثق بين الدم و الصفرة ظاهر في أن المعيار في اختلاف الحكم هو اللون، لا الكمّ.

و أما ما عن بعض مشايخنا من تأييد ذلك.. تارة: بأن التعبير بالصفرة دون

ص: 181

______________________________

الأصفر قد يعطي أن المدار علي الكمّ، إلا أنه لأجل ضعفه كأنه لا يري منه إلا اللون، لا أن المناط الدم المتصف بأنه أصفر.

و أخري: بأنه لو كانت العبرة باللون لزم عدم تعرض الموثق لحكم قسم من الحمرة، و هو الدم غير الثاقب.

فهو كما تري، لاندفاع الأول بأن التعبير بالصفرة دون الدم الأصفر إنما يناسب شدة ضعف لون الدم بنحو لا يناسب إطلاق الدم عليه عرفا، لا قلته، لما عرفت من عدم التلازم بين القلة و الصفرة. و الثاني بأن ملازمة الصفرة للقلة تستلزم كون الصفرة بحكم الحمرة، و لا تستلزم استيفاء الموثق لأحكام أقسام الحمرة.

نعم، يتم ذلك لو كان المراد بالصفرة فيه الحمرة غير الثاقبة، و لا يظن من أحد احتماله منه، فضلا عن استظهاره منه أو حمله عليه.

هذا، و قد حكي عنه دامت إفاداته في وجه الجمع بين النصوص الواردة في الصفرة- بعد ما سبق من أن ضعف خبر محمد بن مسلم مانع من كونه شاهد جمع بينها- أن صحيح معاوية بن عمار المتضمن تثليث الأغسال لها لا بد من حمله علي الكثيرة- بالمعيار المتقدم في الحمرة- للعلم بعدم زيادة الصفرة علي الحمرة حكما، فيكون أخص مطلقا من الطائفة الأولي المتضمنة الاكتفاء بالوضوء لها، فيخصصها و تختص بسببه بالمتوسطة و القليلة.

كما أن صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتضمن وجوب الغسل من دون تقييد بالتثليث حيث لا يمكن شموله للقليلة، لعدم زيادة الصفرة علي الحمرة حكما أيضا يكون مختصا بالمتوسطة و الكثيرة، فيكون أعم من وجه من الطائفة الأولي- التي عرفت اختصاصها بغير الكثيرة- فينفرد بالكثيرة، و تنفرد بالقليلة، و يجتمعان في المتوسطة، فهو يقتضي الغسل لها، و هي تقتضي الوضوء لها.

فإن قلنا بعدم تعارضهما، لأنهما مثبتين لزم البناء في المتوسطة من الصفرة علي الجمع بين الوضوء و الغسل، و إن قلنا بالتعارض بينهما بسبب ظهور الطائفة الأولي

ص: 182

______________________________

في نفي الغسل لزم تساقطهما و الرجوع لعموم ما تضمن حكم المتوسطة مما يأتي الكلام فيه. و علي كلا التقديرين لا فرق بين الحمرة و الصفرة كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب.

لكن لا يخفي أن ذلك لا يناسب ما ذكره من اختصاص موثق سماعة بالقليلة، فإنه لو تم لا يختص به، كما يظهر من كلامه، بل يجري في جميع نصوص الصفرة.

و حينئذ يتعين إهمال صحيحي ابني عمار و الحجاج المتضمنين وجوب الغسل فيها، إما لما ذكره من عدم زيادة الصفرة علي الحمرة حكما، أو لما سبق من سيدنا المصنف قدّس سرّه من سقوطهما بالهجر.

هذا، و حيث عرفت المنع من ذلك فلا مجال للجمع بين نصوص الصفرة بما سبق منه، لعدم وضوح كونه جمعا عرفيا، فإن مجرد عدم زيادة الصفرة علي الحمرة حكما إنما يمنع من البناء علي ظاهر الصحيحين و لا يكون قرينة عرفية علي حملهما علي ما يناسب حكم الحمرة. و لا سيما مع بعد الحمل المذكور في نفسه، لأن الأنسب و الأغلب في الصفرة القلة لا الكثرة.

بل قد يحملان علي الاستحباب، كما يظهر من بعضهم احتماله، أو علي إرادة الدم الأصفر الذي لا تكون القلة أنسب به و أغلب. مضافا إلي إباء موثق سماعة عن الجمع المذكور، لقوة ظهوره في خصوصية الصفرة، و عموم وجوب الوضوء معها لصورة الكثرة.

و لعل الأولي أن يقال: التفصيل بين الحمرة و الصفرة في صحيح معاوية بن عمار المتضمن وجوب الأغسال الثلاثة للصفرة قد ورد في مقام تمييز الحيض عن الاستحاضة، و هو يناسب كون المراد بالصفرة فيه الإشارة إلي صفة الاستحاضة التي هي عبارة عن خفة حمرة الدم في مقابل شدتها في الحيض، علي ما تقدم عند الكلام في صفات الحيض، فتعم الدم الخفيف الحمرة.

أما نصوص الوضوء فلم ترد في هذا المقام، بل مقتضي موثق سماعة أن التفصيل

ص: 183

______________________________

المذكور في دم الاستحاضة، و هو يناسب كون المراد بالصفرة ما يقابل الدم عرفا، كما هو أيضا مقتضي مقابلتها في صحيح محمد بن مسلم الاول بالدم، و السؤال في الثاني عن حكمها لو رأتها في أيام عادتها، لأن خفاء وجوب التحيض بها في أيام العادة حتي يحتاج إلي السؤال يناسب عدم صدق الدم عليها حتي يشك في حيضيتها.

و هذا هو الظاهر في خبر محمد بن مسلم أيضا، بل يؤكده التعبير بالأصفر، و هو موهن آخر لجعله شاهد جمع في المقام. كما يوهن صحيح معاوية ما تضمنه من التحيض بالدم في اليومين، حيث لا بد مع ذلك من طرحه أو تخصيصه بمورده و هو الحبلي علي ما تقدم عند الكلام في أول الحيض.

فلم يبق إلا صحيح عبد الرحمن بن الحجاج، لأن ظاهر المقابلة فيه بين الصفرة و الدم اتحاده مع نصوص الوضوء للصفرة موضوعا.

نعم، قد يوهنه إطلاق الحكم فيه بوجوب الغسل، لما سبق من عدم زيادة الصفرة علي الحمرة حكما، و عدم صلوح ذلك عرفا للقرينية علي حمله علي خصوص غير القليلة. بل يزيد في وهنه عدم التعرض فيه لعدد الغسل الواجب، و أنه مرة أو ثلاثا، إذ من البعيد جدا الاتكال في جميع ذلك علي وضوح الحال فيه، بل لعله يكشف عن خلل في الحديث أو يوجب الريب فيه بنحو يمنع من الركون إليه، فضلا عن نهوضه بمعارضة نصوص الاكتفاء بالوضوء التي هي أكثر عددا و أظهر دلالة.

و من هنا يقوي الاكتفاء بالوضوء في الصفرة مطلقا إذا كانت بحيث لا يصدق عليها الدم عرفا.

و مجرد مخالفة ذلك لإطلاق الأصحاب غير مانع من العمل بها بعد وضوح اضطرابهم في أحكام الدماء، و لا سيما حكم الصفرة منها علي ما تقدم في الحيض، و بعد ظهور حال الكليني في العمل بها كما هو مقتضي إطلاق الصدوق في الفقيه و المقنع، بل يحتمل من غيرهما ممن دأبه الفتوي بمضامين النصوص، حيث لا يبعد كون الخروج عن ذلك ممن خرج في تحرير الفروع عن عبارات النصوص بسبب غفلتهم عن بعض

ص: 184

فريضة كانت (1)

______________________________

خصوصياتها. و لا سيما مع عدم وضوح شيوع الكثرة في الصفرة، لتمنع كثرة الابتلاء بها عادة عن خفاء حكمها علي المشهور و التباس الأمر فيها عليهم. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) يظهر من غير واحد المفروغية عن عدم الاجتزاء بالوضوء الواحد لأكثر من فريضة واحدة، و هو المتيقن من معاقد دعاوي الإجماع و الشهرة المتقدمة علي وجوب الوضوء لكل صلاة.

نعم، حكي في المسالك عن المفيد الاكتفاء بوضوء واحد للظهرين و آخر للعشاءين. و كأنه لما تقدم منه في تحديد الصورة الأولي من الأمر بتجديد الوضوء في وقت كل صلاة بحمله علي وقتها الوجوبي الذي تشترك فيه الصلاتان. و يظهر من المعتبر أنه فهم ذلك منه، حيث جعل لازم كلامه ما حكاه عنه في المسالك.

بل لو قيل بمشروعية غير اليومية الأدائية لها فقد يكون مقتضاه جواز الجمع بين أكثر من فريضتين بالوضوء الواحد، فتضم إليها صلاة القضاء و الآيات و غيرها.

لكن لا يبعد كون مراده وقت أداء الصلاة، أو الوقت الفضيلي لها، فيختلف وقت الصلاتين. و لعله لذا استظهر في الجواهر أنه اشتباه.

و كيف كان، فيشهد لعدم الإجزاء بالوضوء الواحد لأكثر من فريضة قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: «وصلت كل صلاة بوضوء» «1»، و نحوه حديث زرارة «2»، و مرسلة يونس «3» اللذان تقدم الاستدلال بهما لحكم الاستحاضة القليلة و بعض نصوص الصفرة المتقدمة.

نعم، عبّر بنظير عبارة المفيد في صحيح الصحاف، حيث قال عليه السلام: «فلتغتسل ثم تحتشي و تستذفر و تصلي الظهر و العصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 185

أو نافلة (1)،

______________________________

لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة» «1».

و يتعين حمله علي مفاد النصوص الأول، لأنها أظهر دلالة منه، فيحمل علي وقت الأداء، أو الوقت الفضيلي بلحاظ صاحبة الوقت، دون غيرها.

لكن صدره كالصريح في الاكتفاء بغسل الحيض للظهر و العصر معا بلا حاجة لتجديد الوضوء، و حيث كان أخص من العموم المتقدم لزم تقديمه عليه.

و لا يبعد التعدي من غسل الحيض لغيره من الأغسال، خصوصا الواجبة، كغسل الجنابة و الاستحاضة الكثيرة لو انتقلت إلي القليلة، لإلغاء خصوصية غسل الحيض عرفا. و يناسبه ما يأتي في الاستحاضة الكثيرة من ظهور النصوص في الاجتزاء بالغسل للصلاتين، حيث لا يبعد شمول إطلاقه لما إذا انتقلت إلي القليلة، بل يبعد جدا الاكتفاء به للصلاة الثانية مع بقائها علي الكثرة، و عدم الاكتفاء به مع انتقالها إلي القليلة. فلاحظ.

(1) كما صرح به جماعة، و هو مقتضي إطلاق معاقد دعاوي الإجماع و الشهرة المتقدمة عدا ما يأتي من الخلاف، بل في التذكرة: «لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا، سواء كانا فرضين أو نفلين».

نعم، قد يظهر من تخصيص معقد إجماع الخلاف بالفرضين جواز الجمع بين الفريضة و النافلة بوضوء واحد، بل في المبسوط أنها إذا توضأت للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل، و عن المهذب متابعته.

و المناسب الكلام أولا فيما تقتضيه القاعدة الأولية أو الأصل مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة حيث وقع الكلام بينهم في ذلك، و لأنه ينفع في سائر موارد الشك في الوظيفة اللازمة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 186

______________________________

فاعلم أنه قد يدعي أن مقتضي الأصل عدم الحاجة للوضوء أو الغسل إلا فيما دل الدليل الخاص علي اعتباره فيه، لقصور عموم ما دل علي اعتبار الطهارة في الصلاة عن ابتنائه تخصيصا أو تخصصا. و هو موقوف إما علي عدم كون الاستحاضة حدثا، أو علي عدم كن المستحاضة مستمرة الحدث، بل يرتفع حدثها بالوضوء أو الغسل الأول، ثم يعود عند تجدد التكليف بهما أو بأحدهما، أو علي عدم وجوب الطهارة عليها من الحدث المذكور.

إذ علي الأول و الثالث فوجوب الوضوء أو الغسل عليها ليس لمطهريتهما، ليكون مقتضي عموم اعتبار الطهارة في الصلاة، بل تعبدا، فيحتاج إلي دليل بالخصوص، كما أنه علي الثاني حيث يقطع بعد أداء الوظيفة بالطهارة و يشك في ارتفاعها عند احتمال تجدد التكليف بالوظيفة، يكون مقتضي استصحاب الطهارة عدم وجوبها.

لكن الأول خلاف المقطوع به من النص و الفتوي، إذ المنساق من الأمر فيهما بالوضوء و الغسل إرادة الماهيتين المعهودتين الرافعتين للحدث، فيتفرع تشريعهما علي كون الاستحاضة حدثا ناقضا للطهارة، كما هو المدعي عليه الإجماع في كلام غير واحد، و يظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عنه، و هو المناسب لارتكازيات المتشرعة. و منه يظهر ضعف الثاني، لعدم الفرق ارتكازا في سببية خروج الدم للحدث بين الحدوث و الاستمرار. و كذا الثالث لاستلزامه خروج الوضوء و الغسل عن كونهما رافعين للحدث و مطهرين منه، الذي عرفت أنه خلاف المنساق من أدلتهما.

بل مقتضي الجمع بين الأمور المذكورة هو البناء علي كونهما موجبين لمرتبة من الطهارة بلحاظ تخفيفهما للحدث، لرفعهما للسابق منه عليهما، لابتناء عموم اعتبار الطهارة علي الانحلال، بلحاظ المرتبة الميسورة منها، فيحتاج عدم وجوب الوضوء للصلاة للدليل المخرج عن العموم المذكور. و لعله إليه يرجع ما ذكره غير واحد من كونهما مبيحين للصلاة، لا رافعين للحدث، و لا موجبين للطهارة، فيراد منه عدم ترتب الرفع و الطهارة التامين عليهما. نظير ما تقدم منا في الصورة الثانية من صور المسلوس و المبطون.

ص: 187

______________________________

علي أنه لو غض النظر عن ذلك و التزم بعدم رافعيتهما و عدم مطهريتهما و إنما يجبان تعبدا مع بقاء الحدث علي ما هو عليه معهما، فمن الظاهر أن مقتضي عموم اعتبار الطهارة في الصلاة عدم مشروعية الصلاة في حق المستحاضة إلا ما قام الدليل عليه، و حيث كان المتيقن من مشروعية النافلة في حقها صورة الوضوء لها بدلا عن الطهارة لزم الاقتصار عليه في الخروج عن العموم المذكور.

إن قلت: بعد أن ثبت تخصيص عموم اعتبار الطهارة في الصلاة في حق المستحاضة، لفرض عدم مطهرية الوضوء و الغسل لها، و عدم احتمال سقوط النافلة في حقها، علي ما يأتي في المسألة التاسعة و العشرين إن شاء اللّه تعالي، فلا مجال للتمسك به لإثبات وجوب الوضوء أو غيره مما يحتمل اعتباره في النافلة.

قلت: هذا إنما يتجه لو كان تخصيص العموم المذكور في حقها بلسان يقتضي مشروعية الصلاة الفاقدة لها بلا بدل، كما لو قيل: لا صلاة إلا بطهور إلا من المستحاضة، و كان وجوب الوضوء أو الغسل في حقها بدليل آخر غير دليل التخصيص المذكور، حيث يلزم الاقتصار في اعتبارهما علي المتيقن. أما حيث كان دليل التخصيص في حقها هو دليل مشروعية الصلاة مع الوظائف، كما في الفرائض، أو مجملا من هذه الجهة، كما في النوافل، فالمتيقن منه المشروعية مع الوظائف و بدونها لا بد من دليل مخرج عن عموم عدم المشروعية.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن غاية ما يمكن استفادته من النصوص و الفتاوي- بسبب ارتكاز أن تشريع الوضوء و الغسل لرفع الحدث لا لشرطيتهما تعبدا- كون الاستحاضة مؤثرة في حدوث حالة مانعة من الصلاة يرفع منعها الوضوء عند كل صلاة، فمن الجائز أن ترفع الوضوءات الصادرة منها تلك الحالة حقيقة، فليست الصلاة معها صلاة مع الحدث للضرورة، ليقتصر علي القدر المتيقن من استباحتها له.

وجه الإشكال فيه: أن احتمال عدم الحدث مع الوضوء إن كان لعدم سببية

ص: 188

______________________________

الاستحاضة للحدث، فهو خلاف ما اعترف به من ارتكاز رافعية الوضوء و الغسل المشروعين في حقها للحدث. و إن كان لارتفاع حدثها و حصول الطهارة التامة لها بالغسل و الوضوء، فهو خلاف فرض استمرارها معهما، لما عرفت من عدم الفرق ارتكازا في سببية خروج الدم للحدث بين الحدوث و الاستمرار. فلا مجال للاحتمال المذكور في نفسه، فضلا عن تنزيل الأدلة عليه.

و مثله ما عن بعض مشايخنا من أن المستفاد من النصوص أن المستحاضة متي فعلت ما يجب عليها تكون بحكم الطاهر يجوز لها الإتيان بجميع الغايات المشروطة بالطهارة و إن لم يضطر إليها، و ليست محدثة تستباح لها الصلاة، كي يقتصر منها علي المتيقن، بل ظاهر الروايات ارتفاع حدثها إذا أتت بما يجب عليها، نظير ما ذكرناه في المسلوس من ارتفاع حدثه بالوضوء، لعدم ناقضية خروج البول علي النحو غير المتعارف منه. فأدلته مخصصة لعموم الناقضية، لا لعموم شرطية الطهارة للصلاة، هذا ما حكي عنه في المقام.

لكنه يشكل بأنه لما كان الظاهر انحصار دليل كونها بحكم الطاهر بالإجماع لزم الاقتصار فيه علي المتيقن، و من الظاهر أن مرجع الشك في جواز صلاة النافلة لها بدون الوضوء مثلا إلي الشك في ترتب هذا الحكم من أحكام الطاهر عليها، فلا مجال للاستدلال عليه بالكبري المذكورة. علي أنه قد أنكر هذه الكبري بعد ذلك.

و أشكل منه ما ذكره أخيرا من ارتفاع حدثها حقيقة قياسا علي ما ذكره في المسلوس، لأن مبني ما ذكره في المسلوس و هو عدم ناقضية البول الخارج بالنحو غير المتعارف مما لا مجال للبناء علي نظيره في المقام بعد ما عرفت، و بعد ابتناء الاستحاضة كلها علي الاستمرار و عدم الاختيار، و ليست كالبول علي نحوين، ليختص أحدهما بكونه سببا للحدث. و لا سيما بعد ما اعترف به في غير موضع من كلامه من أن الطهارة في المقام اضطرارية.

إذ النقص في الطهارة في المقام ليس من حيثية سببها، كالتيمم، و الوضوء

ص: 189

______________________________

الجبيري، بل من حيثية استمرار سبب الحدث، الراجع إلي اختصاص رافعية الوضوء و الغسل بالحدث السابق عليهما دون اللاحق لهما، فمرجع كون الطهارة اضطرارية إلي جواز الصلاة مع الحدث المخالف لعموم اعتبار الطهارة في الصلاة، الذي يلزم الاقتصار في الخروج منه علي المتيقن، لا علي عدم ناقضية الحدث، ليكون تخصيصا لعموم الناقضية، كما ذكره.

كيف؟! و عموم الناقضية في المقام ليس لفظيا، كعموم ناقضية البول، بل ارتكازيا بلحاظ ما سبق، فإما أن يسلم به فلا يقبل التخصيص، أو ينكر رأسا فلا تكون الطهارة اضطرارية.

علي أن لزوم الاقتصار علي المتيقن يجري في عموم الناقضية أيضا، فإذا شك في ناقضية الاستحاضة بعد مضي مقدار الفريضة علي الوضوء كان مقتضي العموم المذكور هو انتقاض الطهارة، و هو المناسب لما اعترف به بعد ذلك من أن مقتضي القاعدة لزوم تجديد الوضوء لغير النوافل مما يعتبر فيه الطهارة، كالمس و الطواف.

و من جميع ما تقدم يظهر حال ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه، قال في مقام الإشكال علي الاستدلال هنا بلزوم الاقتصار علي المتيقن في الصلاة مع الحدث:

«لإمكان الخدشة فيه بمنع ثبوت حدثية الاستحاضة من الأدلة إلا بمعني كونه موجبا للوضوء في الجملة، لا مطلقا، فكون الخارج بعد الوضوء مؤثرا في المنع علي الإطلاق إلا ما خرج بالدليل يحتاج إلي الدليل … لكن الانصاف أنه لا جرأة علي إنكار استفادة حدثية طبيعة الاستحاضة من كلمات الأصحاب».

فإنه يظهر مما تقدم أن إيجاب الاستحاضة للوضوء كاف في إثبات عموم حدثيتها بلا حاجة للتشبث بكلمات الأصحاب.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في لزوم الاقتصار علي المتيقن في فعل ما يتوقف علي الطهارة في المقام، فما شك في مشروعيته يبني علي عدم مشروعيته، و ما علم بمشروعيته و احتمل وجوب الطهارة له يلزم الطهارة له، كما صرح بذلك غير واحد،

ص: 190

______________________________

بل لعله المفروغ عنه عند بعضهم.

نعم، لو أمكن الإتيان بغير الصلاة مما يتوقف علي الطهارة و يفرض جوازه في حق المستحاضة متصلا بوضوء الصلاة من دون أن يستلزم الفصل بين الوضوء و الصلاة، كالمس المأتي به قبل الصلاة أو حالها، لم يبعد جواز الاتيان به بلا حاجة لوضوء مستقل به، لعدم الفرق بين الوضوء المستقل له و الوضوء المأتي به للصلاة في الرافعية للحدث السابق عليه دون اللاحق بسبب استمرار خروج الدم. إلا أن يلتزم بعدم رافعية الوضوء و أنه واجب تعبدا بدلا عن الطهارة. حيث يمكن اختصاص كل عمل بوضوئه. لكن عرفت أنه مخالف لظاهر الأدلة بمعونة المرتكزات.

هذا كله بالنظر إلي القاعدة الأولية، و أما بالنظر للأدلة الخاصة فمقتضي عموم النصوص المتقدمة وجوب الوضوء للنوافل كالفرائض، و قد سبق عند الكلام في الفرائض لزوم حمل صحيح الصحاف علي ما يناسب ذلك. علي أنه لا ظهور له في كونها بحكم الطاهر لو توضأت في أوقات الصلوات ليجتزأ بوضوئها للنوافل، بل المتيقن منه وجوب الوضوء لأجل الدخول في الفريضة التي هي صاحبة الوقت، لعدم وضوح شمول قوله عليه السلام: «فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة» لغيرها.

و أما دعوي: انصراف عموم النصوص المذكورة للفرائض المعهودة. فهي مندفعة بأن الانصراف المذكور بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق، فضلا عن العموم. مع أنه لو تم فليس بنحو يوجب ظهور النصوص في الاجتزاء بوضوء الفرائض للنوافل، بل غايته قصوره عن إثبات وجوب الوضوء للنوافل، و هو لا يقتضي عدم وجوبه لها بعد ما سبق من أن مقتضي القاعدة الأولية الوجوب.

هذا، و قد يقال: أنه بناء علي ما يأتي من بعضهم من عدم وجوب المبادرة للصلاة بعد الوضوء يتجه جواز تخلل النافلة بينه و بين الفريضة، إذ يبعد جدا مانعية النافلة من الدخول به للفريضة. بل يتجه الإتيان بالنافلة مطلقا حتي بعد الفريضة بوضوئها، إذ يبعد أيضا كون الدم الخارج بعد الوضوء غير مبطل له بالنسبة إلي الفريضة و إن

ص: 191

______________________________

طال الزمن، و مبطلا له بالنسبة إلي النافلة.

لكنه يشكل بأن مبني القول المذكور عدم لزوم تخفيف الحدث مهما أمكن، بل وجوب الوضوء إما تعبدي من دون أن يكون رافعا للحدث أو لاختصاص اغتفار الحدث في كل صلاة بوقوعها عقيب تخفيفه بالوضوء من دون أن تتخللهما صلاة أخري من دون نظر إلي مقدار الحدث حينها.

و حينئذ كما لا يكفي الوضوء الواحد عن الفريضتين المتعاقبتين له و إن كان الفصل بينه و بين الثانية أقل من الفصل بينه و بين الفريضة الواحدة المنفصلة عنه، كذلك لا يكفي عن الفريضة و النافلة، بل يقع للأسبق منهما و تحتاج الثانية إلي تخفيف الحدث مرة أخري بوضوء آخر.

نعم، قد يدعي الاكتفاء بوضوء الفريضة لنافلتها، إما لما في الجواهر و غيره من دخولها في اسمها، أو لفهم الاجتزاء به لها تبعا، لأنها من شئونها التابعة لها، كالأذان و الإقامة. قال في الجواهر: «و يؤيده سهولة الملة و سماحتها، إذ في التجديد لكل ركعتين- كما يقتضيه التعميم المتقدم- من المشقة ما لا يخفي».

لكنه يشكل بأن دخول النافلة في اسم الفريضة- مع أنه ليس بنحو يوجب ظهوره فيما يعمها، بل غايته جواز إطلاقه عليه بإرادة الجنس، نظير إطلاق اليومية علي تمام الصلوات الخمس- إنما ينفع لو أخذ في أدلة المقام أسماء الفرائض من ظهر و عصر و غيرهما، أما حيث كان مفادها الوضوء لكل صلاة فلا إشكال في أن الفريضة فرد من الصلاة مباين لنافلتها و ليستا صلاة واحدة.

كما أن فهم الاجتزاء به لها تبعا ليس من الوضوح بحدّ يوجب ظهور الأدلة فيما يعمها، و ليست تبعيتها لها كتبعية الأذان و الإقامة. و لزوم المشقة لا ينفع في المستحبات إلا إذا أوجب اليقين و لو لكشفه عن السيرة، و هو غير حاصل في المقام، و لا سيما مع قرب كون المتعارف من المستحاضة ترك النوافل.

و من هنا لا مجال للبناء علي الاكتفاء بوضوء الفريضة لنافلتها، فضلا عن غيرها

ص: 192

______________________________

من النوافل، كما تقدم من المبسوط و عن المهذب. و كأن ما سبق منهما يبتني علي دعوي كون الوضوء للفرائض اليومية موجبا لكون المرأة بحكم الطاهر، فيجوز لها الدخول في النوافل. و كأنه لاستفادته من صحيح الصحاف، و قد سبق منا المنع من نهوضه به.

مع أنه لو تم لزم جواز الدخول به في الفرائض الأخري غير اليومية، كصلاة القضاء و الآيات، و لم يعرف القول بذلك منهم.

بقي في المقام أمور..

الأول: أن مقتضي ما تضمن أن افتتاح الصلاة التكبير و ختامها التسليم «1» كونهما المعيار في فردية الفرد من الصلاة و في وجوب الوضوء في المقام- كما أشير في كلام الجواهر المتقدم- و لا يجتزأ بالوضوء الواحد لمجموع النافلة الراتبة أو غيرها مما يختص بعنوان كصلاة جعفر، لظهور نصوص المقام في أن المعيار في العموم أفراد الصلاة، لا أنواعها.

الثاني: أن مقتضي إطلاق النصوص عدم اعتبار إيقاع الوضوء بداعي الصلاة التي يؤتي بها معه، بل يجزي الوضوء لغاية أخري إذا عدلت عنها، فلو توضأت الفريضة ثم بدا لها أن تصلي به النافلة أجزأها لها و تعيده بعد ذلك للفريضة. بناء علي ما تقدم منا في المسألة الواحدة و السبعين من مباحث الوضوء من عدم بطلانه بتخلف غايته.

و أما مثل قوله عليه السلام في مرسلة يونس: «و تتوضأ لكل صلاة» «2» فاللام فيه إما للاختصاص، أو للتعليل بلحاظ كون الصلاة علة لوجوب الوضوء لبيان شرطيته فيها، لا لبيان شرطية داعويتها فيه، فلا ينافي إطلاق النصوص الأخر.

الثالث: صرح في المبسوط و الخلاف و السرائر و الوسيلة و جامع المقاصد بوجوب تعقيب الوضوء بالصلاة و عدم الفصل بينهما، مدعيا في الأخير تصريح جماعة به، و قد يستفاد ممن عبر بالوضوء عند كل صلاة، كما في الشرائع و القواعد.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1، 2 من أبواب تكبيرة الإحرام، و باب: 1 من أبواب التسليم.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 193

______________________________

لكن صرح في المختلف بعدم وجوب المبادرة، و هو المحكي عن مصابيح العلامة الطباطبائي. و توقف في المنتهي، و اقتصر في التذكرة علي نسبة الأول للمبسوط.

و قد استدل في المبسوط و الخلاف بأن الواجب عليها الوضوء عند كل صلاة. و أورد عليه في المختلف بعدم تضمن شي ء من النصوص ذلك، بل أطلق فيها الوضوء للصلاة.

لكن الظاهر انصراف الإطلاق لصورة المبادرة بقرينة ما تقدم من ارتكاز كونها مستمرة الحدث، و أن صلاتها به للضرورة، فيلزم الاقتصار علي ما لا بد منه، كما نبه له في المنتهي و جامع المقاصد، بل في الثاني أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة يرشد إليه. و لا سيما مع قوله عليه السلام في صحيح الصحاف: «فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة» «1»، و في خبر علي بن جعفر المتقدم في الصفرة: «يجزيها الوضوء عند كل صلاة» «2» و مع ورود ذلك في نصوص الغسل.

و أما مثل قوله عليه السلام في موثق ابن بكير: «فإذا مضي ذلك و هو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها، ثم تترك الصلاة في المرأة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة» «3» فلا ظهور له في التراخي الزماني، لأن العطف ب «ثم» كثيرا ما يساق بلحاظ الفصل الاعتباري الذهني، كما هو الحال في ذيله، بل لا يبعد كون موضوع الترتيب فيه انتقالها للاستحاضة و استمرارها عليها في بقية الشهر، لا لطهارة المستحاضة و الصلاة.

فما في المنتهي من الاستشهاد به لجواز التراخي بين الوضوء و الصلاة لو لا ضعف سنده لفطحية ابن بكير في غير محله، كيف و لازمه ظهوره في وجوب التراخي لا مجرد جوازه.

و بالجملة: ما سبق كاف في المنع من إطلاق النصوص الذي ادعاه في المختلف،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5.

ص: 194

دون الأجزاء المنسية (1)، و صلاة الاحتياط (2)،

______________________________

إذ لو لم يكن دليلا لوجوب المبادرة فلا أقل من إيجابه التوقف في الإطلاق و الرجوع في المبادرة لما سبق في تنقيح مقتضي القاعدة الذي قد يرجع إليه ما في الخلاف من الاستدلال أيضا باليقين بالبراءة.

نعم، تكفي المبادرة العرفية، لما هو المعلوم من عدم ابتناء عمل المستحاضة علي الخروج عن المتعارف.

(1) لأنها لا تخرج عن كونها جزءا للصلاة صاحبة الوضوء و إن اختلف محلها، فما دل علي الاكتفاء بالوضوء الواحد للصلاة يقتضي الاكتفاء فيها بوضوء صلاتها.

(2) لأنها و إن كانت مستقلة افتتاحها التكبير و ختامها التسليم، إلا أنها علي تقدير النقص متممة للصلاة و بدل عن الناقص، فتكون بحكمه في الاجتزاء له بوضوء صلاته، كالأجزاء المنسية، و علي تقدير الكمال نافلة لا يضر بطلانها.

و أما احتمال أن تكون صلاة مستقلة من دون أن تكون متممة للصلاة علي تقدير النقص، بل مجزية لا غير، بمعني انقلاب التكليف علي تقدير النقص من صلاة واحدة إلي صلاتين، من دون أن تكون إحداهما متممة للأخري، نظير ما ورد في الصلاة من جلوس، من استحباب كون كل ركعتين بدلا عن ركعة من قيام. فهو مخالف لظاهر الأدلة جدا. فلتلحظ.

علي أنه لو تم فقد يدعي انصراف عموم الوضوء لكل صلاة عنها، و فهم إجزاء وضوء الصلاة الأولي لها منه تبعا، بسبب كونها من لواحقها عرفا، و إن لم تكن جزءا منها شرعا. فتأمل. و العمدة ما ذكرناه أولا.

و ما عن بعض مشايخنا من لزوم صحة صلاة الاحتياط علي كل تقدير. غير ظاهر الوجه فيما لو كان بطلانها ملازما للاستغناء عنها، نظير ما لو علم الشخص من نفسه أن طهارته لا تستمر أكثر من أربع ركعات، حيث يعلم إجمالا بوقوع صلاة الاحتياط حال الطهارة أو بالاستغناء عنها.

ص: 195

______________________________

إلا أن يلتزم بتبدل الحكم حال الشك، بحيث تكون صلاة الاحتياط متممة علي تقدير النقص و شرطا علي تقدير الكمال، فتبطل الصلاة ببطلانها حتي في فرض الكمال. لكن الأدلة لا تساعد عليه، بل هي كالصريحة في خلافه. كما لا تساعد علي لزوم إحراز صحتها علي كل تقدير في الاجتزاء بها ظاهرا عند الشك في الكمال، و إن كان بطلانها واقعا لا يخل علي تقدير الكمال. فلا مخرج عما ذكرنا من الوجه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه في وجه الاجتزاء لها بوضوء الفريضة من ظهور النص في غير مثل صلاة الاحتياط مما هو من توابع الصلاة، نظير الأجزاء المنسية.

فإن كان المراد به صحتها في فرض نقص الصلاة، فهو غير بعيد، لما تقدم.

و إن كان المراد به صحتها مطلقا حتي في فرض كمالها و صيرورتها نافلة، أشكل بأن تبعيتها لها لما كانت ظاهرية بلحاظ تنجز احتمال نقص الصلاة لم يتضح ترتب أثرها- و هو الاجتزاء لها بوضوء الفريضة- علي تقدير كمال الصلاة و كونها نافلة مستقلة، بل المتيقن منه صورة تبعيتها لنقص الصلاة.

و مثله ما عن بعض مشايخنا، من أن مقتضي الاستصحاب نقص الصلاة و عدم الإتيان بالركعة فيحرز به جزئية صلاة الاحتياط منها، المستلزمة للاجتزاء لها بوضوئها، و صحتها بلا حاجة للتجديد، و حينئذ تصح واقعا حتي علي تقدير كمال الصلاة و كونها نافلة، لانصراف نصوص تجديد الوضوء لكل صلاة عن الصلاة المحكومة ظاهرا بالصحة حين الإتيان بها.

للإشكال فيه بأن ظاهر أدلة صلاة الاحتياط إلغاء استصحاب النقص و عدم الإتيان بالركعة في الصلاة، و تشريع وظيفة أخري في قباله، تبتني علي ملاحظة كلا طرفي الشك، لا في طوله تبتني علي إلغاء احتمال الكمال في الصلاة.

مع أن التعبد بصحة صلاة الاحتياط ظاهرا بسبب الاستصحاب المذكور- لو تم- لا يوجب انصراف عموم وجوب تجديد الوضوء للصلاة عنها بنحو يستلزم صحتها واقعا علي تقدير انكشاف عدم جزئيتها لتمامية الصلاة. و لذا لا يظن الالتزام

ص: 196

______________________________

منه و لا من غيره بصحة صلاة المستحاضة لو لم تجدد الوضوء لها لاستصحاب عدم الاستحاضة، لعدم دخل الحكم الظاهري بالحكم الواقعي. و لا أقل من عدم كون الانصراف المذكور بحدّ يوجب ظهور الأدلة في الصحة، بل غايته أن يوجب خروج صلاة الاحتياط في فرض كونها نافلة عن المتيقن من مفاد الأدلة، فيرجع فيه للقاعدة المقتضية للبطلان.

و من هنا لا مجال للبناء علي صحة صلاة الاحتياط مطلقا، بل المتيقن صحتها في ظرف الحاجة إليها لنقص الصلاة.

إن قلت: لو شك بين الاثنين و الثلاث و الأربع، وجب الاحتياط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و يكون الجزء إحدي الصلاتين، و الثانية نافلة، و حيث يحتمل كون الجزء هو الثانية منهما و النافلة الأولي، فلو بني علي بطلان النافلة لزم تخلل الحدث بين طهارتين مع وحدة سبب الطهارة، و هو الوضوء الأول.

قلت: بطلان النافلة ليس للحكم حينها بالحدث، لما سبق من كون المستحاضة مستمرة الحدث، بل لعدم العفو فيها عن الحدث السابق عليها، و لا محذور في تخلل صلاة باطلة بين جزئي صلاة صحيحة، كما أمكن تخلل صلاة صحيحة بين جزئي صلاة صحيحة.

نعم، قد يشكل ذلك في المقام بلحاظ منافاته لما سبق من اعتبار المبادرة للصلاة بعد الوضوء لأن دليله كما يقتضي المبادرة إلي إحداث الصلاة يقتضي عدم الفصل بين أجزائها بما هو خارج عن المتعارف، فلا يجوز الانشغال في أثناء الصلاة بما لا يخل بها كقراءة القرآن و الذكر و الدعاء بمقدار كثير معتد به. و من هنا قد يلزم الاحتياط بالإتيان بصلاة الاحتياط، ثم تجديد الوضوء و إعادة الصلاة.

اللهم إلا أن يقال: مقتضي إطلاق ما دل علي الاكتفاء بالوضوء الواحد للصلاة هو الاجتزاء بالصلاة علي الوجه الذي ينبغي إيقاعها عليه شرعا، و إن استلزم الإخلال بالمبادرة، و لزوم المبادرة إنما هو في مقابل الفصل الذي لا يقتضيه تشريع الصلاة،

ص: 197

______________________________

كالمثال المتقدم. فتأمل جيدا.

بقي الكلام في حكم إعادة الصلاة.

و هي.. تارة: تشرع مع صحة الصلاة الأولي، كما في إعادة المنفرد صلاته جماعة.

و أخري: مع بطلان الصلاة الأولي قطعا أو تعبدا.

و ثالثة: لاحتمال بطلانها احتياطا، مع التعبد بصحتها.

أما في الأولي فلا ينبغي التأمل في لزوم تجديد الوضوء لها، لأنها فرد من الصلاة مباين للفرد الأول الذي أوقع بالوضوء الأول. و مجرد اتحادهما سنخا لا يكفي في الوحدة المعتبرة في المقام.

فما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من إمكان منع التجديد بناء علي عدم لزوم معاقبة الصلاة لأعمالها، غير ظاهر، حتي علي القول بابتناء الإعادة علي تبديل الامتثال- الذي هو خلاف التحقيق- لأن تبديل الامتثال إنما يستلزم خروج الفرد الأول عن كونه امتثالا، لا بطلانه، بحيث يخرج عن كونه صلاة، ليجري فيه ما يأتي في الصورتين الأخيرتين. فلاحظ.

و أما في الأخيرتين فمن الظاهر أن ما تضمن اختصاص كل صلاة بوضوء لا يشمل الباطلة، و هي الأولي في الصورة الثانية، و المرددة بينهما في الصورة الثالثة، فلا يلزم من الاكتفاء لهما بالوضوء الواحد الجمع به بين صلاتين.

و من هنا يتعين الاكتفاء به بناء علي جواز الفصل بين الوضوء و الصلاة.

و دعوي: لزوم التجديد في مورد الاحتياط الاستحبابي بالإعادة- كما في الصورة الثالثة- لكون الصلاة المعادة صلاة مستحبة، فيشملها العموم المتقدم. ممنوعة، لعدم كون الاستحباب شرعيا مستلزما لصحتها مع الأولي، بل عقليا مع بطلان إحدي الصلاتين في الواقع و عدم مشروعيتها، لتستقل بوضوء.

أما بناء علي عدم جواز الفصل بين الوضوء و الصلاة فلا بد من التجديد فيهما،

ص: 198

و سجود السهو (1) المتصل بالصلاة (2)، فلا يحتاج فيها إلي تجديد الوضوء أو غيره.

(مسألة 28): حكم المتوسطة- مضافا إلي ما ذكر من الوضوء (3)،

______________________________

للفصل بين الوضوء و الصلاة المعادة بالصلاة الأولي، فلا يجزي للمعادة لتصح في الصورة الثانية، و يتحقق بها الاحتياط في الثالثة.

و دعوي: عدم إخلاله بالموالاة العرفية المعتبرة في المقام. ممنوعة لا تناسب عدم الاجتزاء بالوضوء الواحد للصلاتين، بل الظاهر الإخلال بها في كثير من فروض بطلان الصلاة قبل إكمالها.

مسألة 28: حكم الاستحاضة المتوسطة
اشارة

(1) بناء علي اعتبار الطهارة فيه، حيث لا يبعد فهم إلحاقه بالصلاة تبعا، لأنه من لواحقها عرفا، فيغفل عن التجديد له. و لا سيما و أن دليل الطهارة فيه لو تم لا اطلاق له يقتضي اعتبارها بنحو لا تجزي فيه طهارة صلاته. فتأمل جيدا.

(2) أما المنفصل عنها بمقدار معتد به فلا تتضح الغفلة عن التجديد له. فتأمل.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(3) أما لغير الفجر المعروف بين الأصحاب، و هو المتيقن من دعاوي الشهرة علي أحكام المستحاضة، بل في الناصريات و الخلاف دعوي الإجماع عليه، و في الغنية دعوي الإجماع علي أنها تكون بحكم الطاهر معه.

و يستدل له بقوله عليه السّلام في مرسلة يونس الطويلة: «و كذلك أفتي أبي و سئل عن المستحاضة فقال: إنما ذلك عرق عابر [عائذ] أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل و تتوضأ لكل صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المثعب … » «1»، و موثق سماعة عنه عليه السّلام: «قال: و غسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين، و للفجر غسل، و إن لم

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

ص: 199

______________________________

يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة … » «1»، و موثقة الآخر: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة … » «2».

و بها ترفع اليد عن ظهور بعض النصوص الآتية في الاجتزاء بالغسل الواحد، فتحمل علي الاجتزاء به في مقابل تثليث الأغسال، لا في مقابل ضم الوضوء إليه.

هذا، و لكن قوة ظهور المرسلة في بيان تمام الوظيفة ملزم إما بحمل العموم فيها علي الغسل و الوضوء معا و تنزيلها بقرينة النصوص المصرحة بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد، علي إرادة الصلاة التي يحضر وقتها الوجوبي و يراد أداؤها، فتشمل الصلاتين معا، و تحمل علي الكثيرة، كما قد يناسبه قوله: «و إن سال … » و الحكم في بقية السنن بالغسل وقت كل صلاة، أو علي الوضوء وحده، بأن يراد بالغسل فيها خصوص غسل الحيض- كما هو الظاهر، و يناسبه الاقتصار علي الغسل في نصوص الكثيرة- و تحمل علي القليلة، كما يحمل قوله: «و إن سال … » علي التعميم من حيثية وجوب الصلاة، لا من حيثية الاكتفاء بالوضوء، و علي الوجهين لا تشمل المتوسطة.

و أما حمله علي خصوص الوضوء بإرادة بيان وجوبه إما وحده أو مع الغسل، لا بيان كونه تمام الوظيفة، فيمكن شموله لتمام أقسام المستحاضة، فبعيد جدا و لا سيما مع الاقتصار فيه في حكم المتحيضة بالتمييز و العدد المتيقن من مورده الكثرة علي الغسل من دون ذكر للوضوء. و لا أقل من الإجمال المانع من الاستدلال.

كما أن موثق سماعة الأول و إن روي كما تقدم في الكافي و التهذيبين، فيلزم حمله علي المتوسطة، إلا انه روي في الفقيه هكذا: «و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الوضوء لكل صلاة» فيتعين حمله علي القليلة، و تساقط كلتا الروايتين بعد اعتبار طرقهما للتعارض.

و دعوي: أن عدم ثبوت الزيادة في رواية الفقيه لا يكشف عن عدمها، ليعارض

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

ص: 200

______________________________

روايتها في غيره. ممنوعة، لظهور حاله في رواية تمام ما له دخل في الوظيفة، و إنما قد يتجه في زيادة المضمون المستقل الذي لا دخل له بحكم الواقعة المنقولة. كما أن تعدد الراوي للزيادة لا يتضح مرجحيته لروايتها، لعدم وضوح مرجحية الأكثرية، خصوصا في مثل المقام مما لا يرجع إلي اختلاف الخبرين، بل إلي الاختلاف في الخبر الواحد، نظير اختلاف النسخ.

و أما موثقة الآخر فالاستدلال به موقوف علي أن المراد بعدم جواز الدم الكرسف فيه عدم تعديه منه، و أن المراد بالثقب في صدره التعدي منه بقرينة ذلك، و قد تقدم في حكم القليلة أنه أقرب من حمله علي عدم الثقب بقرينة الصدر، و لا سيما بملاحظة الموثق الأول، بل يصلح لأجل ذلك لتأييد رواية الكافي و التهذيبين للأول، فيتعاضدان.

إلا أن في بلوغ ذلك حد الحجية إشكال. و إن كان قريبا، خصوصا مع ظهور انحصار مستند الأصحاب في وجوب الوضوء بهما، فيكون مؤيدا لهما. بل قد يستقل ما سبق من فتوي الأصحاب المعتضدة بدعوي الإجماع ممن عرفت، بالاستدلال علي وجوب الوضوء، بنحو يستغني به عن النصوص. فتأمل جيدا.

و منه يظهر أنه لا مجال للاستدلال عليه بالإجماع لو كان هو الدليل فيما سبق.

بل ينحصر الدليل عليه بعموم النصوص المتقدمة لو تم ما سبق. اللهم إلا أن يخرج عن عمومها، بما تضمن إجزاء الغسل عن الوضوء لحكومته علي العموم المذكور حكومة عرفية.

و دعوي: لزوم تخصيص الإجزاء بنصوص المقام، لأن الجمع فيها بين الغسل و الوضوء لكل صلاة موجب لقوة ظهورها في العموم للصلاة التي يغتسل لها، و إلا لزم التخصيص فيها بغيرها. مدفوعة بأنه حيث يلزم تعقيب الصلاة للوضوء دون الغسل- كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي- فوجه العموم هو الحاجة للوضوء في جميع الصلاة، و إن أغني الغسل عنه في فرض الفصل بينه و بين الصلاة.

ص: 201

______________________________

و بعبارة أخري: بعد البناء علي وجوب الموالاة بين الوضوء و الصلاة فإجزاء الغسل عن الوضوء مختص بما إذا لم يفصل بينه و بين الصلاة، لقصور عموم الإجزاء عن غير ذلك، و حيث لم ينبه في النصوص للموالاة بين الغسل و الصلاة الأولي، كما لا يتوقف قيامه بوظيفته عليها، حسن فيها تعميم وجوب الوضوء لكل صلاة، لأنه مقتضي الاستحاضة الأولي، و إن أجزأ الغسل عنه في الصلاة الأولي في فرض عدم الفصل بينهما، لعموم دليل إجزائه عنه.

و دعوي: أن الغالب في الغسل لصلاة الغداة عدم الفصل بينهما، و معه لا يحسن التعميم المذكور. ممنوعة، لأن الغالب عدم الفصل الكثير بينهما بسبب قصر الوقت، لا بالنحو المعتبر في المقام. علي أن الغسل قد لا يكون لصلاة الغداة، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و يؤيد ما ذكرنا إن لم يدل عليه ما تقدم في القليلة من ظهور صحيح الصحاف في استثناء الصلاة التي يغتسل لها من عموم وجوب الوضوء، لأنه لا يختص بالقليلة، بل يعم جميع فروض المستحاضة. مضافا إلي ما يأتي في الكثيرة من الاجتزاء بغسلها عن الوضوء، حيث يقتضي إجزاء غسل المتوسطة بالأولوية.

بل لا يبعد شمول إطلاقه لما إذا انتقلت إلي المتوسطة قبل الشروع في الغسل. بل يبعد جدا الاكتفاء به للصلاة من دون وضوء مع بقائها علي الكثيرة، و عدم الاكتفاء به مع انتقالها للمتوسطة، نظير ما تقدم في القليلة.

و من هنا يتعين عدم اختصاص ذلك بصلاة الفجر، بل يجري في غيرها لو وقع الغسل لها و لم يفصل بينه و بينها. و لعله لا ينافي كلام من استثني الغداة، لابتناء استثنائهم لها علي فرض إيقاع الغسل لها في كلامهم.

بل لا يبعد بالنظر إلي صحيح الصحاف و نصوص الاستحاضة الكثيرة جواز الجمع بين الفريضتين بالغسل الواحد لو وقع لهما من دون حاجة إلي تجديد الوضوء للثانية. و لعله الظاهر من الصدوق، حيث حكم بأنها تصلي صلاة الليل و الصبح

ص: 202

______________________________

بالغسل ثم تصلي بقية الصلوات بوضوء.

نعم، لو فصلت بينه و بين الصلاة اتجه وجوب الوضوء لها، لقصور دليل الإجزاء عن ذلك، عدا صحيح الصحاف الذي لا يبعد انصرافه إلي صورة التعجيل. و لا يبعد كون ذلك مراد من استثني الغداة، و ابتناء كلامهم علي صورة التعجيل و الموالاة.

هذا كله بناء علي عموم إجزاء الغسل عن الوضوء، و أما بناء علي عدم إجزائه عنه فيتجه البناء علي وجوب الوضوء في المقام، عملا بعموم ما دل علي عدم الإجزاء، و عموم النصوص المتقدمة.

و أما النصوص المقتضية للإجزاء في خصوص المقام- كصحيح الصحاف و نصوص المستحاضة الكثيرة- فقد سبق منا الاستدلال بها لعموم الإجزاء عند الكلام فيه، فالقول بعدم الإجزاء يبتني علي إهمالها أو تنزيلها عليه. فراجع.

اللهم إلا أن يدعي الاقتصار علي موردها و إن بني علي عدم الإجزاء في غيره، لعموم ما دل علي عدمه. فلاحظ.

ثم إنه بما ذكرنا يتضح تيسر الاحتياط بمتابعة المشهور بضم الوضوء للغسل مع التخيير في تقديم أي منهما لعدم إخلاله بالموالاة المعتبرة، لأنه حيث كان المعتبر عدم فصل الصلاة عن أحد الأمرين من الغسل أو الوضوء تيسر ذلك بتأخير كل منهما.

و دعوي: أن مقتضي إجزاء الغسل عن الوضوء عدم مشروعية الوضوء بعده، فيبطل و لا يتيسر الاحتياط به، كما يخل بالموالاة المعتبرة بين الغسل و الصلاة. و أما تقديمه علي الغسل فيستلزم الإخلال بالموالاة المعتبرة بينه و بين الصلاة علي تقدير وجوبه. بل يتعين في الاحتياط الغسل أولا، ثم الفصل بمقدار يخل بالموالاة المعتبرة، ثم الوضوء و الصلاة من دون فصل.

مدفوعة: بأن إجزاء الغسل عن الوضوء لا يستلزم عدم مشروعية الوضوء و بطلانه لو جي ء به بعده في الاستحاضة لأن المستحاضة مستمرة الحدث، و إن عفي عن الصلاة به. كما أن اعتبار الموالاة بين الوضوء و الصلاة لا يمنع من تقديمه علي

ص: 203

و علي الأحوط تجديد القطنة (1) أو تطهيرها، لكل صلاة- غسل قبل صلاة

______________________________

الغسل، لإطلاق نصوص المقام المتضمنة للجمع بينهما.

نعم، تقدم في غسل الحيض أن مقتضي النصوص المتضمنة لعدم الإجزاء هو تقديم الوضوء، و من هنا كان أحوط في المقام، لأن فيه جمعا بين الأمرين، و إن كان مقتضي إطلاق نصوص المقام التخيير، بل لعل جواز تأخير الوضوء هو المتيقن منها.

فتأمل جيدا.

ثم إن الوجه فيما أشرنا إليه من اعتبار الموالاة بين الوضوء و الصلاة هو ما تقدم في وجه ذلك في القليلة من انصراف الإطلاق إليها، بضميمة ارتكاز كونها مستمرة الحدث، و أن الاكتفاء بالوضوء الواحد للصلاة يبتني علي العفو عما لا يمكن تجنبه من الحدث، فيلزم الاقتصار علي ما لا بد منه، دون ما يتيسر تجنبه بالمبادرة. فراجع.

و أما عدم وجوب الموالاة بين الغسل و الصلاة الأولي فيأتي الكلام فيه عند الكلام في وجوب الغسل إن شاء اللّه تعالي.

هذا، و الكلام في وجوب الوضوء للنافلة و صلاة الاحتياط و غيرهما يظهر مما تقدم في القليلة.

(1) كما هو المذكور في كلام جملة من الأصحاب، بل ظاهر الناصريات الإجماع عليه، بل عن الإرشاد لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه، و ما تقدم في القليلة من دعاوي الشهرة و غيرها جار فيه، بل هو هنا أولي، و لعله لذا حكي عن القاضي ذكره هنا و إن أهمله هناك.

نعم، مما تقدم هناك يظهر أنه لا مجال للاستدلال عليه بالإجماع. و مثله الاستدلال عليه بأنه نجاسة يمكن التحرز عنها فيجب، لأن جميع ما سبق في رده هناك جار هنا عدا كون الدم في الباطن، لأن فرض ثقب الدم الكرسف يستلزم خروجه للظاهر لو خرج طرف الكرسف له، كما هو الغالب.

نعم، قد استدل عليه بموثق عبد الرحمن أو صحيحه، و فيه: «فإن ظهر عن

ص: 204

______________________________

[علي خ ل] الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي … » «1» و قوله عليه السّلام في خبر الجعفي: «و لا تزال تصلي بذلك الغسل حتي يظهر الدم علي الكرسف، فإن ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «2». و بما يأتي في الكثيرة بضميمة عدم القول بالفرق، كما في الجواهر.

لكن حديث عبد الرحمن- لو تم ظهوره في المتوسطة، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي- لم يتضمن الأمر بتبديل الكرسف، بل بوضع كرسف آخر بعد الغسل الظاهر في المفروغية عن إلقاء الكرسف الأول حين الغسل.

و حينئذ فالاستدلال إن كان بالمفروغية المذكورة، فلعلها غير ناشئة عن مانعيته شرعا من الصلاة، بل لعدم سهولة الغسل مع إبقائه، لما يستلزم من استنقاعه بمائه و سيلانه منه للبدن الموجب لتنجسه، أو لمانعيته من وصول الماء لبعض البشرة.

و كذا لو كان الاستدلال بالأمر بوضع كرسف أخر لقرب أن يكون الوجه فيه الرغبة عن إرجاع الكرسف الأول، لاستقذاره، أو لعدم مانعيته من سيلان الدم مع ثقب الدم له قبل إرجاعه، أو لاستلزام إرجاعه تنجس ظاهر البدن به، حيث لا مجال مع ذلك لدعوي ظهور الأمر المذكور في المانعية من الصلاة، كي يتجه ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من التعدي عن مورده و هو الصلاة التي يغتسل لها لسائر صلوات اليوم، لعدم الفرق ارتكازا في المانعية المذكورة.

و أما الجواب عنه- كما عن بعض مشايخنا- بظهوره في ضم كرسف جديد للكرسف الأول، لا تبديله به. فهو بعيد جدا، لبعد إبقاء الكرسف حين الغسل.

و أما خبر الجعفي فهو- مع الغض عن سنده- لم يتضمن الأمر بتبديل الكرسف، بل بإعادته، فإن حمل علي العهد- كما لعله مقتضي التركيب اللفظي بدوا- كان نصا في عدم التبديل، و إن حمل علي الجنس كان عدم التبديل مقتضي إطلاقه. غاية الأمر أنه يبعد إرجاع الكرسف الأول لما سبق، لا لمانعيته شرعا من الصلاة. و إن كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

ص: 205

______________________________

الاستدلال بظهوره في المفروغية عن إلقاء الكرسف حين الغسل، فيظهر حاله مما تقدم.

و أما ما ورد في الكثيرة فلو تم يتوقف الاستدلال به في المتوسطة علي الإجماع علي عدم الفصل، و هو غير ثابت، و لا يكفي فيه مجرد عدم الفصل، فضلا عن عدم ثبوته.

نعم، لو استفيد منه كون التبديل لمانعية نجاسة القطنة بالدم من الصلاة اتجه التعدي فيه للمتوسطة، لإلغاء خصوصية الكثيرة عرفا في ذلك من دون حاجة للإجماع علي عدم الفصل. لكنه غير ظاهر علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و من هنا يشكل وجوب تبديل القطنة، بل بعض ما تقدم في الاستدلال لعدم وجوبه في القليلة شامل للمتوسطة أو صريح فيها، فراجع.

هذا، و قد سبق من جماعة في القليلة القول بوجوب تبديل الخرقة، و قد ذكروه هنا أيضا كما ذكره جملة ممن لم يذكره هناك، و قد نسبه في كشف اللثام للأكثر. و لم يذكره جماعة. و لعله لأنه خلاف فرض عدم تجاوز الدم من القطنة في المتوسطة، إذ لازمه عدم تنجس الخرقة، و لا وجه معه لتبديلها، كما تقدم نظيره في القليلة. اللهم إلا أن يفرض تنجسها بالرطوبة التي قد تصاحب الدم. أو يدعي أن تعدي الدم عن الكرسف للخرقة إنما يخرج الدم عن التوسط للكثرة إذا كان مقتضي اندفاع الدم دون ما إذا كان لمجرد المماسة، علي ما لعله يأتي الكلام فيه.

و كيف كان، فيظهر الحال في وجهه مما تقدم في القليلة.

نعم، لو تم فقد ينافيه ما قد يظهر من بعض نصوص الكثيرة من الجمع بين الصلاتين بالتعصب قبلهما، علي ما يأتي الكلام فيه، لاستلزامه العفو هنا بالأولوية.

اللهم إلا أن يحتمل العفو هناك للضرورة بلحاظ لزوم التعجيل بالصلاة أو استلزام حل العصابة شدة سيلان الدم، فلا يتعدي منه للمقام.

و أما وجوب تطهير الفرج لو تنجس بالدم فهو يبتني علي عدم العفو عن قليل دم الاستحاضة أو يتوقف أو كثرة الدم أو اختلاطه بغيره من الرطوبات. بل لو بني علي عموم وجوب إبدال القطنة لم يبعد عموم وجوب تطهير الفرج للأولوية العرفية.

ص: 206

الصبح (1)، قبل الوضوء أو بعده.

______________________________

و قد تقدم في القليلة ما له نفع في المقام. فراجع.

(1) يعني: و لا تحتاج إلي غسل آخر، كما جري عليه جمهور الأصحاب و ادعي عليه الإجماع في الناصريات و الخلاف، كما ادعي في الغنية الإجماع علي أنها إذا فعلته مع بقية الوظائف كانت بحكم الطاهر.

لكن نسب للأكثر في التذكرة و جامع المقاصد، و للمشهور في المختلف و الروض و محكي الذكري و غيرها، في قبال ما تقدم في القليلة عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد من اشتراك المتوسطة و الكثيرة في الأغسال الثلاثة، و اختاره في المعتبر و المنتهي و الحبل المتين و المدارك حاكيا عن شيخه المعاصر الذي هو الأردبيلي علي الظاهر.

و يستدل للمشهور- مضافا إلي موثقي سماعة المتقدمين عند الاستدلال لوجوب الوضوء لو تم ما سبق من تعاضدهما- صحيح زرارة: «قلت له: النفساء متي تصلي؟

فقال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم و إلا اغتسلت و احتشت و استثفرت [و استذفرت] وصلت، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثم صلت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد. قلت: و الحائض؟ قال: مثل ذلك سواء» «1».

و لا مجال لما في المعتبر و غيره من الطعن فيه بالإضمار مع ما هو المعلوم من حال زرارة من أنه لا يستفتي عن غير الإمام، و ما هو ظاهر حال كتب الحديث من الاقتصار علي أحاديثهم عليهم السلام، و ما في التهذيب من روايته عن أبي عبد اللّه عليه السلام عند ذكره، و عن أبي جعفر في مقام الاستدلال به، كما في الطبعة الحديثة. و مثله الطعن في موثق سماعة بضعف السند.

نعم، لا بدّ من حملهما و غيرهما علي صورة الثقب جمعا مع ما تضمن الاكتفاء

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 207

______________________________

بالوضوء مع عدم الثقب، كما تقدم في القليلة. و تقدم أيضا أنه لا مجال لاحتمال كون المراد بالغسل في الصحيح غسل النفاس ليخرج عما نحن فيه. فراجع. حيث قد تقدم هناك ما له نفع في المقام.

و بذلك ترفع اليد عن إطلاق ما تضمن وجوب الأغسال الثلاثة للمستحاضة مما تقدم في القليلة التعرض له. و كذا إطلاق ما تضمن وجوبها مع الثقب، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام و فيه: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا تؤخر هذه و تعجل هذه، و تغتسل للصبح و تحتشي و تستثفر … و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء … » «1». فيحمل علي صورة السيلان من الكرسف.

و دعوي: أن لازم ذلك إسقاط موضوعية الثقب الذي تضمنه الصحيح، حيث لا يكون تثليث الأغسال تابعا له، بل لأمر زائد عليه، و ليس هو من تقييد الموضوع ببعض أفراده.

مدفوعة بأن الموضوع هو الدم الثاقب و من الظاهر أن السائل من أفراده، بل هو أظهرها و أغلبها، فلا بعد في الحمل عليه. و لا سيما مع مناسبته للأمر بالاستثفار الظاهر في الحاجة إليه تحفظا من سيلان الدم.

مضافا إلي ظهور جملة من النصوص في أن الأغسال الثلاثة منوطة بكثرة الدم و سيلانه، كقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الصحاف: «و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ فإن عليها أن تغتسل في كل يوم و ليلة ثلاثة مرات» «2»، و في موثق عبد الرحمن أو صحيحه: «فإن ظهر عن [علي. يب] [علي] الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي، فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلي الصلاة … » «3»، و في صحيح أبي بصير: «فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

ص: 208

______________________________

صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كل صلاة» «1»، و في صحيح يونس بن يعقوب: «ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة» «2» و نحوه صحيحه الآخر في النفساء «3».

و ما تقدم من قوله في أحد موثقي سماعة: «و غسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين و للفجر غسل» «4».

كما قد يؤيد مفادها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح الحلبي: «تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين» «5»، و في صحيح محمد بن مسلم: «ثم تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل» «6».

حيث لا مجال مع هذه النصوص الكثيرة لتعميم تثليث الأغسال لجميع موارد ثقب الدم الكرسف و لو مع عدم سيلانه. و من ذلك يظهر أنه لا مجال لما في المعتبر و غيره مما تقدم من التعويل علي صحيح معاوية بن عمار في التعميم، و إهمال نصوص الغسل الواحد لضعفها بالإضمار و بكون بعض الرواة واقفيا.

نعم، قد يبعد الجمع المذكور أن نصوص المستحاضة علي كثرتها لم تتضمن الأقسام الثلاثة لها، بل هي بين مطلق حاكم بتثليث الأغسال- كالنصوص المتقدمة في القليلة- و مختص بالكثيرة- كبعض هذه النصوص المتقدمة- و مفصل بين جواز الدم و عدمه، أو بين الثقب و عدمه، أو بين الثقب و عدم الجواز- كأحد موثقي سماعة- علي اختلافها في حكم القسمين، للترديد فيها بين الغسل الواحد و الأغسال الثلاثة، أو بين الأغسال الثلاثة و الوضوء أو بين الوضوء و الغسل.

لكن ذلك- كبعض الاختلافات الأخري في النصوص- راجع إلي اضطراب

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

ص: 209

______________________________

النصوص و مقرب لاحتمال احتفافها حين الصدور بقرائن تناسب الأحكام التي تضمنتها، و لا يوجب استبعاد الجمع المذكور بعد انحصار رفع التنافي به عرفا و جريه علي القواعد المقررة في الجمع بين العام و الخاص، لوضوح صراحة بعض نصوص الاكتفاء بالوضوء فيما لا يثقب الكرسف، كصراحة جملة من نصوص التثليث فيما يسيل عنه، و صراحة بعض النصوص في الاكتفاء بالغسل الواحد في بعض صور المستحاضة.

فلا بد من تنزيل الأخيرة علي ما لا ينافي الطائفتين الأوليين بالحمل علي الثقب من دون سيلان، و لا سيما مع صراحة نصوص الاكتفاء بالوضوء في عدم الاكتفاء به مع الثقب، و قوة ظهور جملة من نصوص تثليث الأغسال في توقفه علي السيلان.

فتنزل المطلقات الأخر علي ما يناسب ذلك، و إلا لزم إهمال بعض طوائف النصوص و طرحها و لا مجال له مع إمكان الجمع المذكور.

و يؤيد هذا الجمع جري جمهور الأصحاب عليه علي اختلاف طبقاتهم، و فيهم مثل الصدوق أو الصدوقين اللذين يكثر منهما الفتوي بمضامين الأخبار من دون تصرف فيها، فإن عدم خروجهم عن مقتضي الجمع المذكور مع عدم مطابقة نص له بتمامه مقرب لوضوح مقتضاه عندهم و لو لقرائن خارجية، و إلا فما أكثر ما خرجوا عن مقتضي الجمع العرفي في موارد يكون فيها أظهر و أيسر منه في المقام.

و لم يخرج من خرج عنه في المقام إلا لشبهات ظاهرة الضعف كما يظهر مما سبق في مناقشة ما ذكروه.

علي أن بعض النصوص قد يظهر منها تثليث الأقسام و إن لم تنهض بتحديد تمام أحكامها، كحديث عبد الرحمن المتقدم قريبا، لقرب أن يكون المراد بالظهور علي الكرسف فيه نفوذه و ثقبه، فيكون اشتراط الغسل فيه بالظهور دليلا علي عدم وجوبه في القليلة- كما تقدم عند الكلام فيها- كما أن اشتراط التثليث فيه بالسيلان زائدا علي الظهور دليل لعدم تعدد الغسل بدونه، كما هو حكم المتوسطة. و قد أطلنا الكلام في

ص: 210

______________________________

ذلك لتقريب الجمع المذكور و تأييده، و إن استغني عن جميع ذلك بمطابقته للقواعد العامة في الجمع بين الأدلة.

نعم، قد يقال: مقتضي إطلاق حديث عبد الرحمن المتقدم وجوب الغسل كلما ظهر الدم علي الكرسف، كما هو مقتضي إطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في حديث زرارة:

«و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ [يثقب] الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلت» «1»، و في خبر الجعفي: «و لا تزال تصلي بذلك الغسل حتي يظهر الدم علي الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «2»، و في صحيح الحلبي: «ثم تصلي حتي يخرج الدم من وراء الثوب» «3» بناء علي تنزيله علي ما يناسب نصوص المقام من كون المعيار علي النفوذ من الكرسف.

و حينئذ يكون مقتضي الجمع بين هذه النصوص و نصوص تثليث الأغسال مع سيلان الدم من الكرسف أن الاكتفاء بالأغسال الثلاثة للتخفيف عن المستحاضة و الإرفاق بها، لأن مقتضي إطلاق هذه النصوص عدم الاكتفاء بها لو تخلل ثقب الدم للكرسف بين الصلاتين اللتين تجمع بينهما.

و فيه- مع أنه لم يحك القول بذلك عن أحد من الأصحاب، و أنه لا يبعد إباء بعض نصوص التثليث عن كونه تخفيفا عما تقتضيه القاعدة و ظهورها في كون السيلان سببا في زيادة الغسل-: أن ذلك لا يناسب إناطة التخفيف بالسيلان، حيث يلزم بناء علي ذلك الاكتفاء فيه بما إذا لم يحبس الدم الكرسف عن الظهور و إن لم يسل.

كما لا يناسب نصوص الغسل الواحد في اليوم، حيث لا يبقي لخصوصية اليوم مورد حينئذ، كما لا يخفي.

و من هنا يتعين حمل النصوص المتقدمة علي مجرد بيان الحاجة للغسل مع ظهور الدم علي الكرسف في قبال الاكتفاء بالوضوء بعد غسل الحيض، و الرجوع في مقدار الغسل إلي نصوص المقام المتضمنة للاكتفاء بالغسل الواحد في اليوم. كما جري عليه

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

ص: 211

______________________________

جمهور الأصحاب رضي اللّه عنهم.

هذا، و في خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنظر فإن ظهر علي الكرسف زادت كرسفها و توضأت و صلت» «1»، و ظاهره عدم وجوب الغسل و الاكتفاء بالوضوء هنا. و حمل الظهور فيه علي الظهور في جانب الكرسف من جهة الفرج المقابل لعدم ظهوره أصلا لانقطاع الدم- مع أنه لا يناسب كون موضوعه المستحاضة- مخالف الأمر بزيادة الكرسف المنساق منه كونه لتجنب سيلان الدم بعد استيعابه للكرسف الأول. اللهم إلا أن يحمل علي إبدال الكرسف بأكبر منه. علي أنه لا مجال للخروج به عما سبق بعد ضعف سنده و هجر الأصحاب له.

بقي في المقام أمور..
الأول: المعيار في السيلان الذي يعتبر عدمه في المتوسطة و وجوده في الكثيرة هو عبور الدم عن الكرسف

أنه قد أشرنا في المسألة الخامسة و العشرين عند الكلام في تحديد المتوسطة و الكثيرة إلي أن المعيار في السيلان الذي يعتبر عدمه في المتوسطة و وجوده في الكثيرة هو عبور الدم عن الكرسف و لو إلي الخرقة التي يتعصب بها.

إلا أنه لا يبعد لزوم كون العبور المذكور لقوة دفع الدم بنحو لا يمنعه الكرسف، و لا يكفي مجرد تلطخ الخرقة به بسبب مماستها للكرسف من دون أن يستند لقوة دفع الدم، نظير تلطخ اليد به بمس الكرسف، لظهور النصوص المتقدمة في أن المعيار في الفرق بين الصورتين كثرة الدم و قوة دفعه.

و ذلك صالح لحمل إطلاق الجواز في بعضها علي ما يناسب ذلك لو لم يكن هو المنصرف منه. و منه يتضح أنه لا مجال لما ذكره بعضهم من أن المتوسطة نادرة الوقوع، و قد سبق التنبيه علي ذلك عند الكلام في الاكتفاء بالوضوء للقليلة.

الثاني: كما صرح الأصحاب رضي اللّه عنهم في المقام بوجوب غسل واحد لليوم صرحوا بكونه قبل صلاة الصبح.

و هو داخل في معقد الإجماعات السابقة و بها استدل عليه

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 13.

ص: 212

______________________________

غير واحد فعن شرح المفاتيح: «و أما كون الغسل لصلاة الغداة فلعدم قائل بالفصل، إذ لم يقل أحد بأن المتوسطة عليها غسل واحد و ليس لخصوص صلاة الصبح … بل ربما كان بديهي المذهب أنه لو كان غسل واحد فموضعه صلاة الصبح». لكنه يشكل بعدم وضوح كونه إجماعا تعبديا بعد قرب استنادهم لبعض الوجوه الاجتهادية.

و من هنا فقد يستدل عليه بظهور النصوص فيه، بتقريب أن المنصرف من موثقي سماعة كون الغسل لأجل الصلاة لكونه دخيلا فيها بنفسه أو بلحاظ أثره، و هو الطهارة، كسائر موارد اعتبار الغسل، لا لوجوبه نفسيا، و لا غيريا بلحاظ خصوصية الوقت، بأن يكون الشرط في الصلاة وقوعها في يوم يغتسل فيه، لا أن الغسل دخيلا رأسا، بل ما ذكرنا هو الظاهر من قوله في صحيح زرارة: «و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد».

كما أن المنصرف من الموثقين و مقتضي إطلاق الصحيح كونه شرطا في تمام صلوات اليوم، و ذلك يقتضي تقديمه عليها بتمامها- بتقديمه علي أولها، و هي صلاة الصبح- بعد ما هو المعلوم و المنصرف من إطلاق النصوص من كون شرطيته من باب الشرط المتقدم لو كان الشرط هو الغسل بنفسه، أو المقارن لو كان الشرط هو الطهارة المسببة عنه.

و دعوي: أن هذا إنما يقتضي عدم الاجتزاء بالغسل في أثناء اليوم لصلاته السابقة عليه، و لا يمنع من الاكتفاء بالغسل الواحد للصلوات الخمس و تقديمه عليها و لو من يومين، فلو استحيضت المرأة بعد الظهر بالمتوسطة فاغتسلت اجتزأت بغلسها لصلاة صبح اليوم الثاني.

مدفوعة بأن ذلك و إن كان مقتضي إطلاق صحيح زرارة، حيث لم يتضمن إلا أن ما يجب له الأغسال الثلاثة مع الكثيرة يجزي له الغسل الواحد مع المتوسطة، إلا أنه لا بد من الخروج عنه بموثقي سماعة الظاهرين في اختصاص كل يوم بغسل لصلواته، المستلزم لوجوب تقديمه علي تمام صلواته بالتقريب المتقدم، و لا مجال للتشكيك في

ص: 213

______________________________

حجيتهما بما تقدم عند الكلام في الوضوء، فإن ذلك قد يتجه لو لم يثبت حكم المتوسطة بدليل آخر، أما حيث ثبت حكمها بصحيح زرارة فالظاهر صلوحه عرفا للقرينية علي بيان المراد منهما، فيكونان حجة و لو بلحاظ تعاضدهما.

و لذا كان الظاهر الاجتزاء بالغسل الواحد لتمام صلوات اليوم و إن لم تكن من الفرائض الخمس، مع قصور صحيح زرارة عن ذلك. فتأمل.

إن قلت: اختصاص كل يوم بغسل إنما يقتضي تقديمه علي تمام صلواته لو استفيد منه شرطيته لتمام صلواته، كما لعله مقتضي الجمود علي عبارته، أما لو استفيد منه استمرار أثر الغسل بمقدار اليوم، كما لعله الأنسب عرفا، فهو يقتضي الاكتفاء بالغسل لتمام الدورة و لو بالتلفيق من يومين، كما ذكرنا.

قلت: لازم ذلك جواز إيقاع أكثر من خمس فرائض بغسل واحد، فلو اغتسلت آخر النهار للظهرين جاز لها أن تصلي به الظهرين من اليوم الثاني أول الزوال، و هو مخالف لصحيح زرارة، لظهوره في عدم إجزاء الغسل الواحد في المتوسطة عما لا تجزي عنه الأغسال الثلاثة من الفرائض في الكثير.

إن قلت: لا مانع من البناء علي أثر الغسل في الفرض قبل إكمال دورة اليوم و إن لم يصح إيقاع الفريضة به تعبدا، لصحيح زرارة، و تكون فائدته جواز إيقاع غير الفرائض من الصلوات به.

قلت: بعد أن لم يكن ذلك أمرا ارتكازيا، بل تعبديا محضا، فليس هو بأقرب من الجمود علي ظهور الموثقين في اختصاص كل يوم بغسله، لشرطيته لتمام صلواته، المستلزم لعدم بقاء أثر غسل اليوم السابق لليوم اللاحق، فلا يصح إيقاع الفريضة و لا غيرها به و إن لم تتم دورة اليوم عليه.

و من هنا كان ما ذكره الأصحاب رضي اللّه عنهم هو المتيقن من مجموع النصوص، فيقتصر عليه. و لا سيما مع تأيده بالرضوي: «و إن ثقب الدم الكرسف و لم يسل

ص: 214

______________________________

صلت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات بوضوء» «1» الذي قد أفتي بمضمونه، بل بعبارته الصدوقان. و مع مطابقته للاحتياط، لأنه لو فرض كفاية الغسل الواقع في أثناء النهار لصلاة الغداة لليوم الثاني فلا يمنع من مشروعية الغسل لها لاستمرار الحدث. فتأمل.

هذا، و يأتي إن شاء اللّه تعالي في المسألة الثلاثين الكلام في حكم ما لو لم تغتسل للصبح لنوم أو نسيان أو جهل أو عصيان أو لتجدد المتوسطة بعد صلاته.

ثم إنه بعد أن كان مقتضي الجمع بين النصوص إيقاع الغسل لصلاة الصبح فمقتضاها إيقاعه بعد الفجر، لظهور قوله عليه السلام في موثقي سماعة: «فعليها الغسل لكل يوم مرة» في تجدد التكليف به بتجدد اليوم و إجزائه لتمام الدورة المقتضي لإيقاع صلوات الليل به حتي النافلة في السحر. و هو مقتضي إطلاق أكثر الأصحاب. لكن في الحدائق: «صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لو أرادت ذات الدم المتوسط و الكثير التهجد في الليل قدمت الغسل علي الفجر و اكتفت به. قال في الذخيرة بعد نقل الحكم المذكور: «و لا أعلم فيه خلافا بينهم، و لم أطلع علي نص دال عليه».

أقول: أما في الكثيرة فيأتي في أواخر المسألة التاسعة و العشرين نقله عن جماعة كثيرة و ظهور دعوي الإجماع عليه من بعضهم.

و أما في المتوسطة فلم أعثر علي مصرح به سوي الصدوق في الفقيه و المقنع و محتمل الهداية- حاكيا له في ظاهر الأول عن رسالة والده- و الشهيد الثاني في الروض، و لعله مقتضي إطلاق الدروس و جامع المقاصد. و نبه في الحدائق علي انحصار الدليل عليه بالرضوي المتقدم، الذي لا مجال للتعويل عليه، كما تكرر منا في نظائر المقام. و من هنا لا مجال للخروج عما سبق.

هذا، و في الجواهر: «ظاهره يقضي بكون الحكم بذلك- أي الغسل لصلاة الليل و الغداة- في جميع الليالي. و كأنه مقطوع بعدمه، لما ستعرفه فيما يأتي إن شاء اللّه

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

ص: 215

______________________________

أن المستحاضة متي فعلت ما يجب عليها من الأفعال كانت بحكم الطاهر فلا إشكال حينئذ في استباحتها صلاة الليل في الليلة الثانية بالوضوء مجردا. و تنزيله علي أول ليلة خاصة واضح الفساد. فيتعين حملها حينئذ علي إرادة الرخصة من الأمر لها في تقديم الغسل علي الفجر بمقدار الليل، لكونه في مقام توهم الحظر. و يؤيده ما يأتي من ظهور كلام من تعرض لجواز تقديمها الغسل في الرخصة دون الشرطية في صحة صلاة الليل. أو أنه يحمل علي الندب، أو غير ذلك».

لكنه كما تري يأباه الرضوي و كلماتهم التي هي مشابهة له في اللسان. و أما ما ذكره من أن المستحاضة إذا قامت بوظائفها كانت بحكم الطاهر فهو- لم تم- لا ينافي ذلك، لأن مقتضي الرضوي و كلماتهم كون التقديم من جملة الوظائف. فالعمدة ما ذكرنا من عدم حجية الرضوي.

الثالث: مقتضي إطلاق النصوص الاكتفاء في المتوسطة بعدم سيلان الدم لتبديل الكرسف قبل سيلان الدم منه

و إن كان بحيث لو بقي لسال منه، و لا دليل علي لزوم إبقاء الكرسف مدة طويلة أو وحدته في تمام اليوم.

كما لا يبعد البناء علي ذلك في عدم الثقب المعتبر في القليلة، لإطلاق النصوص أيضا. و لا سيما مع قوله عليه السلام في صحيح الصحاف: «و إن طرحت الكرسف عنها و لم يسل الدم فلتتوضأ و لتصل، و لا غسل عليها» «1»، لقوة ظهوره في تعرض المرأة لتبديل الكرسف في أثناء النهار.

الرابع: مقتضي اقتصار الأصحاب رضي اللّه عنهم في تعيين أحكام المستحاضة علي حال الدم مع الكرسف أنه لا عبرة بسيلانه مع عدم وضع الكرسف،

و إن كان قد ينزل كلامهم علي كون ذكر الكرسف لتحديد حال الدم، فإن كان بحيث لا يثقب الكرسف كانت الاستحاضة قليلة، و إن كان بحيث يثقبه من دون سيلان كانت متوسطة، و إن كان بحيث يثقبه و يسيل منه كانت كثيرة و إن لم يوضع الكرسف فعلا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 216

(مسألة 29): حكم الكثيرة- مضافا إلي وجوب تجديد القطنة (1)

______________________________

و كيف كان، فلازم كلامهم عدم الأثر لسيلان الدم من دون كرسف إذا كان بحيث لا يسيل معه. و هو مخالف لقوله عليه السلام في صحيح الصحاف: «فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل … » «1».

و من هنا لا يبعد البناء علي وجوب الغسل حينئذ عملا بالصحيح. و مجرد عدم تعرض الأصحاب لذلك و ظهور مساق كلامهم في خلافه لا يتضح كونه موهنا له بحيث يسقطه عن الحجية. فتأمل جيدا.

الخامس: مقتضي إطلاق النصوص عدم لزوم المبادرة إلي الصلاة الأولي بعد الغسل. و لا مجال لإعمال قرينة الاضطرار المتقدمة في وجه لزوم المبادرة من الوضوء للصلاة، و الآتية في الكثيرة في وجه لزوم المبادرة إليها من الأغسال. للفرق بكون الغسل في المتوسطة شرطا في تمام صلوات اليوم، و ظهور تعذر المبادرة لأكثرها مانع من انصراف الإطلاق للمبادرة فيما يمكن المبادرة إليه منها الذي هو الفرد النادر. كما يفترقان بظهور خصوص بعض الأدلة فيهما في لزوم المبادرة، بخلاف المقام.

و لا مجال مع ذلك لما يظهر من بعض كلماتهم من كون الكلام في الجميع علي نحو واحد.

نعم، سبق اعتبار المبادرة في إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة المذكورة، فمع عدمها لا يجزي عن الوضوء لها و إن لم يجب إعادته. و منه يظهر جواز الوضوء بعده و إن أخل بالمبادرة.

مسألة 29: حكم الاستحاضة الكثيرة
اشارة

(1) كما في المراسم و السرائر و الشرائع و النافع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و الروض و الروضة و عن الجامع و إشارة السبق- علي إشكال في دلالة كلامه عليه- و غيرها، و هو داخل في معقد الشهرة في المختلف، و نفي الخلاف

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 217

______________________________

فيه في الرياض، كما نفي وجدانه في الجواهر.

و كأنه لاستفادته ممن ذكره في القليلة و المتوسطة بالأولوية، و إلا فقد أهمله جماعة كثيرة ممن ذكره فيهما. لكن تشكل الأولوية باحتمال خصوصية المقام بالعفو لابتناء الجمع بين الصلاتين علي الاهتمام بالتعجيل، و لمنع الدم عن الخروج الذي قد يلزم من التبديل بين الصلاتين. و لعله لذا اقتصر في المقنعة علي التبديل قبل الغسل، و في النهاية علي التبديل عنده. بل لعله مراد من أهمله، و إنما لم ينبه عليه للاستغناء عنه لرفع الكرسف عادة حين الغسل و الاحتشاء بغيره بعده.

و كيف كان، فقد ظهر مما سبق في المتوسطة و القليلة أنه لا مجال للاستدلال عليه بأنه نجاسة يمكن التحرز عنها فيجب.

نعم، قد استدل أو يستدل عليه بفحوي ما تقدم في المتوسطة، و بقوله عليه السلام في صحيح صفوان: «هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلاتين بغسل» «1» و قوله عليه السلام في صحيح أبي بصير: «فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كل صلاة … » «2».

و فيه: أن ما تقدم في المتوسطة- مع عدم تمامية الاستدلال به في مورده، كما سبق- لا مجال للتعدي منه للمقام، فضلا عن الاستدلال بفحواه بعد ما ذكرناه من احتمال خصوصية المقام بالعفو.

و صحيح صفوان- لو تم ظهوره في تبديل القطنة بالقطنة، كما هو غير بعيد، دون إضافة القطنة للقطنة، لعدم سعة الموضع للقطن الكثير- لم يتضمن مدة التبديل.

و حمله علي التبديل لكل صلاة بسبب مانعية القطنة من الصلاة ليس بأولي من حمله علي التبديل بالمقدار المانع للدم عن النزول حتي في غير وقت الصلاة و لو بضميمة الاستثفار، بل لعل الثاني أنسب بظهوره في قلة الفاصل بين القطنتين، لطول الفاصل

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

ص: 218

______________________________

بين الأوقات الثلاثة، و صحيح أبي بصير ظاهر في الاحتشاء مع كل غسل، كما تقدم من المقنعة و النهاية، و لعله لتعذر الغسل مع إبقاء الكرسف الأول بسبب استنقاعه بالدم، لا لمانعية الكرسف الموجود قبل الغسل من الصلاة بعده، فهو راجع للزوم الاحتشاء تجنبا لنزول الدم، لا لشرطية التبديل قبل الصلاتين لهما، فضلا عن شرطية التبديل قبل كل صلاة لها.

و بذلك يظهر أن الأولي الاستدلال بالصحيح علي عدم وجوب التبديل بين الصلاتين. و مثله في ذلك قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت، ثم صلت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل … » «1»، لظهوره في تبعية التعصب للغسل، و مع وحدة التعصب لا بد من وحدة الكرسف.

و أظهر منهما في ذلك قوله عليه السلام في صحيح الصحاف: «و إن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت تري الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي و تستذفر و تصلي الظهر و العصر، ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها … » «2» لظهوره في أنها لا تطرح الكرسف بين الظهرين، بل تصلي بغسل الحيض و بالاحتشاء السابق عليهما من دون نظر إلي أقسام الاستحاضة، و إنما تحتاج إلي النظر إليها بعد ذلك، و مقتضاه عدم وجوب التبديل حتي لو كانت الاستحاضة كثيرة، كما تقدم نظيره في القليلة و المتوسطة.

و مما تقدم في صحيح زرارة يتضح عدم وجوب تبديل الخرقة الذي ذكره في المقام من ذكر تبديل الكرسف. بل قد يستفاد من الصحيحين الآخرين تبعا، لاحتياج تبديل الخرقة دون الكرسف إلي عناية، فعدم التنبيه عليه فيهما مع ظهورهما في عدم تبديل الكرسف موجب لظهورهما في عدمه. و أولي منه تطهير الفرج الذي ذكره من

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 219

علي الأحوط، و وجوب الوضوء لكل صلاة (1)،

______________________________

تقدم منه ذكره في القليلة، لامتناعه عادة مع بقاء الكرسف.

بل عدم التبديل و التطهير هو المستفاد من جميع النصوص الظاهرة في لزوم الجمع بين الصلاتين، لظهورها في الاهتمام بالتعجيل، حيث يغفل معه عن التبديل و التطهير، فعدم التنبيه عليهما ظاهر في عدمه، و لا سيما مع ابتناء وظيفتها علي الاضطرار، و تعذر الطهارة الخبثية لها بسبب استمرار الدم.

بل يشكل بملاحظة جميع ما تقدم جواز التبديل و التطهير، لظهور النصوص المتقدمة في لزوم الكيفية التي تضمنتها، و لازمه شرطيتها في الاجتزاء بالغسل الواحد للصلاتين. بل قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: «و تحتشي و تستثفر و لا تحني [تحيي] و تضم فخذيها في المسجد و سائر بدنها خارج» «1» قد يظهر في أن ضم الفخذين لحبس الدم عن الخروج، و من الظاهر التعرض لخروج الدم بالتبديل و التطهير، فلا مجال للبناء علي جوازهما بعد عدم ظهور الأدلة في وجوبهما، لتدل علي العفو عما يستلزمهما من الخروج.

نعم، لو لم يكونا منافيين للتعجيل عرفا و لا مستلزمين لزيادة خروج الدم يتجه جوازهما و عدم مانعيتهما من الاجتزاء بالغسل الواحد للصلاتين. فتأمل جيدا.

(1) كما في إشارة السبق و السرائر و الشرائع و النافع و التذكرة و المنتهي و المختلف و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و الروض و الروضة و ظاهر المسالك و محكي الجامع و التحرير و نهاية الأحكام و الذكري و البيان و الموجز الحاوي و فوائد الشرائع و الجعفرية و شرحيها، و عن كشف الرموز أنه ظاهر الشيخ في الجمل.

و هو داخل في معقد الشهرة التي ادعاها في المختلف، و نسبه لأكثر المتأخرين في محكي كشف الرموز، و لجمهورهم في محكي الكفاية، و لعامتهم في المدارك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

ص: 220

______________________________

و اقتصر علي الغسل في الفقيه و المقنع و الهداية و الناصريات و المبسوط و الخلاف و النهاية و الاقتصاد و الغنية و المراسم و الوسيلة و المدارك، و ظاهر كشف اللثام اختياره، و هو المحكي عن رسالة علي بن بابويه و ابن أبي عقيل و ابني الجنيد و البراج و الحلبي و الأردبيلي و الخراساني، بل ظاهر الناصريات و الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

و صرح في المقنعة بأنها تتوضأ مع الغسل و تصلي بوضوئها ما تصلي بغسلها، و تبعه في المعتبر و محكي كشف الرموز و شرح المفاتيح، و عن الذكري أن ابن طاوس قطع به. و لا يبعد كونه مراد جملة ممن تقدم منه تركه استغناء بما ذكروه من وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة من الأغسال عن التنبيه له هنا.

قال في المعتبر بعد أن حكي عن الصدوقين و الشيخين و السيد ما سبق: «و ظن غالط من المتأخرين أنه يجب علي هذه مع الأغسال وضوء مع كل صلاة. و لم يذهب إلي ذلك أحد من طائفتنا. و ربما يكون غلطه لما ذكره الشيخ في المبسوط و الخلاف أن المستحاضة لا تجمع بين فرضين بوضوء، فظن انسحابه علي مواضعها، و ليس علي ما ظن، بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه علي الوضوء. و الذي اختاره المفيد هو الوجه، و هو لازم للشيخ أبي جعفر، لأن عنده كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة، و إذا كان المراد بغسل الاستحاضة الطهارة لم يحصل المراد به إلا مع الوضوء.

أما علم الهدي فلا يلزمه ذلك، لأن الغسل عنده يكفي عن الوضوء، فلا يلزمه إضافة الوضوء إلي الغسل». و قريب مما في صدره ما عن تلميذه في كشف الرموز.

نعم، هو لا يناسب ما تقدم منه في الشرائع و النافع، إلا أن يحمل ما ذكره فيهما علي القول المذكور، و لا سيما مع كون المعتبر شرحا للنافع الذي هو مختصر للشرائع.

كما لا يناسب ما حكاه في كشف اللثام عن جمل السيد من موافقة المفيد، مع مخالفته له في وجوب الوضوء مع الغسل. لكن لم أجده فيه.

و كيف كان، فقد استدل لوجوب الوضوء لكل صلاة..

تارة: بالإجماع المدعي في الخلاف، حيث قال فيه: «المستحاضة و من به سلس

ص: 221

______________________________

البول يجب عليه تجديد الوضوء عند كل صلاة فريضة، و لا يجوز لهما أن يجمعا بوضوء واحد بين صلاتي فرض … دليلنا: إجماع الفرقة، و أخبارهم».

و أخري: بإطلاق قوله تعالي: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ … ) «1».

و ثالثة: بقوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: «و كذلك أفتي أبي و سئل عن المستحاضة، فقال: … فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل و تتوضأ لكل صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المثعب … » «2».

لكن تقدم عند الكلام في وجوب الوضوء للمتوسطة أنه لا مجال للاستدلال بالمرسلة في غير القليلة. كما أن ما تقدم من الخلاف مختص بها أيضا، لقوله- بعد أن ذكر وجوب الوضوء لكل صلاة-: «هذا إن كان الدم لا يثقب الكرسف، فإن ثقب الدم الكرسف … » ثم ذكر حكمي المتوسطة و الكثيرة كما تقدم منا حكايته عنه، ثم استدل بالإجماع و الأخبار، فاستفادة دعوي الإجماع منه علي وجوب الوضوء للكثيرة غريبة جدا، بل المستفاد منه دعوي الإجماع علي عدمه، كما تقدم منا.

و أما الآية فبعد معلومية عدم كون المراد بها شرطية الوضوء بنفسه في كل صلاة، بل بلحاظ ترتب الطهارة عليه، لا بد من تنزيلها علي حال الحدث الأصغر الذي يكون الوضوء مطهرا منه، بل ورد في موثق ابن بكير «3» - كما عن المفسرين- تفسيرها بالقيام من النوم.

و لا مجال مع ذلك لاستفادة حكم المستحاضة منها مع كونها مستمرة الحدث لا يطهرها الوضوء و لا غيره و عدم ثبوت كون حدثها مطلقا أصغر، بل لا بد في وجوب الوضوء و غيره عليها من الرجوع للنصوص الشارحة لحال حدثها و كيفية التطهير اللازم منه، و يكون الاستدلال بها لا بالآية و نحوها من المطلقات.

______________________________

(1) المائدة: 5.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

ص: 222

______________________________

و من ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر من الاستدلال بما تضمن أن في كل غسل وضوء «1»، بدعوي: ظهوره في أن كل حدث موجب للأكبر موجب للأصغر، و حيث كان دم الاستحاضة في المقام حدثا أكبر و لذا وجب الغسل له لزم وجوب الوضوء له أيضا، كما أنه حيث كان الظاهر عموم حدثيته للاستدامة فالخارج بين الصلاتين كالخارج قبلهما كان مقتضاه الغسل و الوضوء لكل صلاة، و سقوط الغسل بالإجماع لا يستلزم سقوط الوضوء.

لاندفاعه- مضافا إلي ما سبق و يأتي من عدم نهوض العموم المذكور بالاستدلال- بأن دليل وجوب الوضوء و الغسل مع الحدث للصلاة لما كان هو عموم اعتبار الطهارة فيها فهو يقصر عن مثل المستحاضة ممن يستمر منه الحدث، و لا بد في البناء علي وجوبهما من الرجوع للأدلة الواردة فيه، و المفروض عدم نهوضها بإثبات وجوب الوضوء لكل صلاة، بل يأتي ظهورها في عدمه.

و أضعف من ذلك ما ذكره من نهوض الوجه المذكور بتوجيه الاستدلال بفحوي ما تضمن وجوب الوضوء لكل صلاة في القليلة و المتوسطة، و دفع ما قيل في منعه من منع الأولوية بعد إيجاب الغسل في المقام.

وجه الضعف أن الوجه المذكور لو تم كان بنفسه مقتضيا للوضوء، و لا ينهض بتقريب الأولوية المذكورة بعد منعها بما ذكر، لأنه لا يقتضي أولوية الكثيرة من المتوسطة و القليلة في وجوب الوضوء، بل مساواتها لهما في تحقيق مقتضيه و هو الحدث الأصغر مع إمكان كون التكليف فيها بالغسل منشأ للإرفاق بالتخفيف بإسقاط الوضوء. علي أنه لا موضوع للأولوية بعد ما سبق منا من تقريب إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاتين المتعقبتين له في القليلة و المتوسطة أيضا.

و من هنا لا وجه للقول المذكور إلا الأصل، للزوم الاقتصار في تشريع الصلاة مع الحدث علي المتيقن، نظير ما تقدم تقريبه عند الكلام في وجوب الوضوء للنافلة في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة.

ص: 223

______________________________

القليلة. لكنه محكوم لنصوص المقام، لما سيأتي من دلالتها علي عدم وجوبه، بل قوة ظهورها في ذلك، بنحو لا يبعد رفع اليد به عن بعض الوجوه السابقة لو تم.

و أما القول بوجوب الوضوء مع الغسل لا غير فالظاهر انحصار الدليل عليه بعموم ما تضمن أن في كل غسل وضوء إلا الجنابة.

و الذي ينبغي أن يقال: إن استفيد من العموم المذكور شرطية الوضوء في ترتب أثر الغسل عليه، كسائر شروطه المعتبرة في صحته، اتجه الاستدلال به في المقام بضميمة ما دل علي وجوب الغسل فيه، حيث لا بد من حمله علي الغسل التام.

لكن الظاهر أن بناء من ذهب إلي عدم إجزاء الغسل عن الوضوء ليس علي ذلك، و أنه لو بني علي دخله في الغسل كان من آدابه المستحبة الموجبة لكماله، لا من شروطه المعتبرة في صحته، كما تقدم عند الكلام في المسألة المذكورة من مباحث غسل الحيض.

و إن استفيد منه قصور رافعية الغسل، و أنه إنما يرفع الحدث الأكبر دون الأصغر المصاحب له، مع استقلال كل من الوضوء و الغسل برفع أثره- كما هو مبني القائلين بعدم إجزاء الغسل عن الوضوء- لم ينهض بإثبات وجوب الوضوء في المقام، بعد كون المستحاضة مستمرة الحدث لا يجري عموم اعتبار الطهارة في الصلاة في حقها، إذ كما أمكن أن يعفو الشارع عن الحدث الأكبر المسبب عن استمرار الدم بعد الشروع في الغسل أمكن أن يعفو عن الحدث الأصغر رأسا.

إلا أن يتشبث لعدم العفو عنه بالأصل الذي لو تم اقتضي وجوب الوضوء لكل صلاة، كما سبق. علي أنه قد سبق في مبحث غسل الحيض المنع من التعويل علي العموم المذكور في البناء علي قصور رافعية الغسل للحدث الأصغر.

بل سبق أن من جملة ما يدل علي عدم تماميته نصوص المقام، لخلوها عن التنبيه عليه مع ظهورها في بيان تمام الوظيفة التي يقتضيها حدث الاستحاضة و التي تترتب عليها الصلاة، و لا سيما ما تضمن منها التفصيل بين الكثيرة و القليلة أو المتوسطة، لأن إهمال الوضوء في الكثيرة مع التنبيه عليه في غيرها كالصريح في عدم الحاجة إليه فيها.

ص: 224

______________________________

و من هنا يقوي البناء علي استثناء هذا الغسل من العموم لو تم، كما يظهر من كشف اللثام و ربما جري عليه غيره ممن تقدم. و لا مجال معه لاحتمال الاعتماد علي العموم المذكور و الاستغناء به عن التنبيه علي وجوب الوضوء في نصوص المقام. فإنه بعيد جدا.

هذا، و لو تم ذلك في الوضوء مع الغسل فلا مجال له في الوضوء لكل صلاة، بحيث يجب تجديده للصلاة الثانية عند الجمع بين الصلاتين- كما هو مقتضي القول الأول- لعدم نهوض العموم به، فسكوت النصوص عنه كالصريح في عدمه بعد ورودها لبيان تمام الوظيفة، لعدم ما يصح التعويل عليه في بيانه ليكون مصححا لإهماله لو كان معتبرا بعد عدم المنشأ للبناء علي سببية مطلق الاستحاضة للوضوء، و إنما اختصت أدلتها بغير الكثيرة. و لا سيما مع ظهور نصوص الجمع بين الصلاتين في الاهتمام بالتعجيل الذي لا يناسبه تخلل الوضوء بينهما.

و ما في بعض كلماتهم من التعويل فيه علي عموم الآية. كما تري، لما سبق من عدم نهوض الآية بذلك. و لأن التعويل عليها لا يناسب التنبيه عليه في غير الكثيرة، و لا سيما في النصوص المفصلة بين الكثيرة و غيرها. و من هنا كان هذا القول أضعف الأقوال، بل هو كالمقطوع البطلان، و بعده القول بالاقتصار علي الوضوء مع الغسل.

و كان الأقوي الاكتفاء بالغسل و عدم الحاجة للوضوء أصلا.

ثم إنه حيث كان ظاهر النصوص وجوب التعجيل بالصلاة بعد الغسل- كما يأتي إن شاء اللّه- يشكل الاحتياط بالوضوء بين الصلاتين أو بين الغسل و الصلاة. إلا أن يكون غير مخل بالتعجيل المعتبر.

نعم، يمكن الاحتياط بتقديم الوضوء علي الغسل. و عليه اقتصر في المقنعة. بل سبق في غسل الحيض أنه أحوط حتي بناء علي عدم إجزاء الغسل عن الوضوء.

ص: 225

و الغسل للصبح (1)- غسلان آخران (2)،

______________________________

(1) لما يأتي من وجوب الصلاة عليها بالأغسال الثلاثة. و منه يظهر أن غسل الصبح هنا ليس كغسل الصبح للمتوسطة، بل كبقية أغسال اليوم في وجوب المبادرة بعده للصلاة أو غيره مما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(2) فيجب عليها في اليوم ثلاثة أغسال، كما صرح به الأصحاب بنحو يظهر منهم عدم الخلاف، بل هو صريح جامع المقاصد و محكي شرحي الجعفرية و شرح المفاتيح، كما ادعي الإجماع عليه في الناصريات و الخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهي و المدارك و ادعي في الغنية الإجماع علي أنها إذا جاءت بها كانت بحكم الطاهر.

و يقتضيه- مضافا إلي ما تضمن وجوبها للمستحاضة، مما تقدم أو تقدمت الإشارة إليه في القليلة- النصوص الظاهرة أو المشعرة بإناطة الأغسال الثلاثة بسيلان الدم مما تقدم التعرض له في المتوسطة، و النصوص المفصلة بين الكثيرة و القليلة أو المتوسطة مما تقدم مكررا في مطاوي المباحث السابقة، و غيرها.

و عليه ينزل ما تضمن أنها تغتسل في وقت كل صلاة كصحيحي يونس بن يعقوب «1» و صحيح أبي بصير «2» و مرسلة يونس الطويلة «3»، فيحمل علي الوقت الوجوبي الذي تشترك فيه صلاتان، دون الفضيلي الذي تنفرد به كل واحدة من الخمس، أو وقت فعل كل منها. و لعله أقرب من تنزيلها علي الأوقات الخمسة و حملها علي الاستحباب، لأن ثقل الحكم المذكور لا يناسب الاقتصار عليه في مقام بيان الوظيفة جدا.

لكن يظهر من الجواهر أنه فهم من قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: «تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين» «4» الأمر بالغسل لكل صلاة، لأنه اللازم من تخلل الغسل بين

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 11. و باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2.

ص: 226

______________________________

كل صلاتين بنفسيهما. و حينئذ يتعين حمله علي الاستحباب، لتعذر الوجه الذي ذكرناه فيه حينئذ. لكن يقرب كون المراد به الغسل بين كل صلاتين و صلاتين، نظير قولنا:

يجيئني زيد بين كل يومين، فيطابق النصوص الكثيرة، و إلا فلو كان المراد به ما فهمه لكان التعبير عنه بأنها تغتسل لكل صلاة أظهر و أخصر.

نعم، قرب في المنتهي استحباب ذلك لا من جهة هذه النصوص، قال: «و لو اغتسلت لكل صلاة و توضأت فهو أبلغ للتطهير و كان مستحبا و ليس بواجب. أما استحبابه فلأنه طهر، فيسنّ فيه التكرار، لقوله عليه السلام: الطهر علي الطهر عشر حسنات، و أما عدم الوجوب فلما روي من قولهم عليهم السلام: تغتسل لكل صلاتين. و لا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا».

لكن يشكل بضعف الخبر، لاشتمال سنده علي الإرسال «1». مضافا إلي أن صدق الطهر علي الطهر بالتجديد موقوف علي كون السبب واردا علي الطهارة، و مؤثرا لها، لقابلية الطهارة المسببة عنه للتأكيد، و حيث لم يحرز ذلك في غير الوضوء لا مجال لاستفادة مشروعية التجديد في غيره من الخبر، لأن العام لا يحرز موضوعه.

نعم، لو لم يكن له تطبيق متيقن يتعين حمله علي مشروعية التجديد في جميع الطهارة بمقتضي إطلاقه المقامي، لأن عدم بيان الموضوع حينئذ كاشف عن الاكتفاء عن بيانه بقابلية أسباب الطهارات لتأثيرها في الجملة، حذرا عن لزوم لغويته بسبب عدم تيسر إحراز موضوعه، أما حيث كان تطبيقه في الوضوء متيقنا، لظهور مشروعية التجديد فيه من الصدر الأول، فهو يكفي في رفع اللغوية، فلا مورد للقرينة المذكورة.

و أما حمل الطهر فيه علي نفس الأفعال التي يتوصل بها للطهارة مع قطع النظر عن فعلية تأثيرها فيها. فهو لا يخلو عن تسامح يحتاج إلي قرينة، و ليس هو بأولي من حمله علي خصوص الوضوء، لاحتمال معهودية استعماله فيه، كما قد يناسبه صحيح

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 3.

ص: 227

أحدهما للظهرين تجمع بينهما (1)، و الآخر للعشاءين كذلك. و لا يجوز لها

______________________________

محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا» «1».

بل قد يكون هو عين المرسل و الاختلاف بينهما ناشئ عن النقل بالمعني. و لعله لذا لم يعرف من الأصحاب البناء علي مشروعية التجديد في الغسل، فضلا عن الطهارة الخبثية، و اقتصروا فيه علي الوضوء.

اللهم إلا أن يوجه في خصوص المقام بأن المستحاضة حيث كانت مستمرة الحدث فالمنساق من الأدلة كون الاكتفاء بالغسل السابق رخصة، مع مشروعية الغسل لها في كل وقت، لتحقق سببه، بل أولويته، لأنه أبلغ في التطهير، كما تقدم من المنتهي.

هذا، كله مع عدم بطلان الغسل السابق و جواز الدخول به في الصلاة الثانية، لعدم الإخلال بالموالاة المعتبرة، أما مع الإخلال بها فلا إشكال في لزوم تجديد الغسل، علي ما يأتي في المسألة الخامسة و الثلاثين إن شاء اللّه تعالي.

(1) كما صرح به جملة من الأصحاب، كالصدوقين و الشيخين و غيرهم، بل يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه، لعدم تعرضهم للخلاف فيه، و لا لدليله.

و يقتضيه قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: «اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء تؤخر هذه و تعجل هذه» «2»، و في صحيح عبد الرحمن أو موثقة: «فلتؤخر الصلاة إلي الصلاة ثم تصلي صلاتين بغسل واحد» «3»، و في مرسلة يونس الطويلة: «و أخري الظهر و عجلي العصر … و أخري المغرب و عجلي العشاء» «4»، و في حديث إسماعيل بن عبد الخالق: «فلتؤخر الظهر إلي آخر وقتها، ثم تغتسل، ثم تصلي الظهر و العصر، فإن كان المغرب فلتؤخرها إلي آخر وقتها ثم تغتسل

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

ص: 228

______________________________

ثم تصلي المغرب و العشاء» «1».

و قد يستفاد من قوله عليه السلام في موثق فضيل و زرارة: «و تجمع بين الظهر و العصر بغسل، و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل» «2» و في صحيح محمد بن مسلم: «فلتجمع بين كل صلاتين بغسل» «3». إلا أن يحمل الجمع فيهما علي ما يقابل إفراد كل صلاة بغسل، لا علي عدم الفصل بين الصلاتين، لينفع في المقام. فالعمدة النصوص الأول.

مضافا إلي قرب انصراف الإطلاقات إليه، بقرينة كون الطهارة اضطرارية مع استمرار الحدث، حيث يناسب ذلك تجنب ما يمكن تجنبه من زيادة الحدث، نظير ما تقدم في وجه لزوم الموالاة بين الوضوء الصلاة في القليلة و المتوسطة.

و منه يظهر لزوم المبادرة إلي الصلاة الأولي، كما صرح به غير واحد، بل عن جماعة التصريح به، و في الجواهر: «لم أعرف مخالفا فيه، كما عساه يشعر بنفيه ما في المدارك من نقله في القليلة بالنسبة للوضوء دونه، كالمحكي عن الحدائق و غيرها».

و يقتضيه- مضافا إلي الانصراف المذكور، و إلي قضاء المناسبات الارتكازية بأن الأمر بالجمع بين الصلاتين ليس إلا للمحافظة علي المبادرة المذكورة- قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: «المرأة المستحاضة تغتسل التي لا تطهر عند صلاة الظهر و تصلي الظهر و العصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب و العشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر … » «4»، و في صحيح أبي المغراء: «و إن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين» «5»، و في صحيح إسحاق بن عمار: «و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «6». لظهور لفظ «عند» في المقارنة العرفية و عدم الفصل.

لكن في كشف اللثام: «الأقرب الجواز. للأصل، و العمومات، و قول الصادق لإسماعيل بن عبد الخالق: «فإذا كان بعد صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ثم تصلي الغداة. رواه الحميري في قرب الاسناد»، و عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 14.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

ص: 229

الجمع بين أكثر من صلاتين بغسل واحد (1).

______________________________

السيد الطباطبائي موافقته.

و فيه: أنه لا مجال للأصل مع الدليل. مع أن مقتضاه الاحتياط، كما تقدم في وجوب الوضوء للنافلة في القليلة. و العمومات قد عرفت انصرافها للمبادرة. و الخبر مختص بنافلة الصبح، فيشكل التعدي لغيرها من النوافل، فضلا عن الفصل بغيرها، و لا سيما إذا كان أطول أمدا منها.

و أما الاستدلال بأن تشريع بقية الغايات لها مع جواز الفصل بينها و بين الغسل يناسب جواز الفصل بين الصلاة و بينه و بقاء أثره مع طول المدة. فهو في غير محله، لعدم الإطلاق في دليل تشريع بقية الغايات يقتضي جواز الفصل بينها و بين الغسل- علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي- فكيف يتعدي منها للصلاة، فضلا عن أن يرفع به اليد عما تقدم.

(1) إن كان المراد به أكثر من صلاتين من الخمس اليومية، بأن تصلي الصبح و الظهرين مثلا بغسل واحد، فهو تأكيد لما تقدم و تقدم دليله. و إن كان المراد به غيرها- كأن تضم إلي صلاتي اليوم غيرهما من الصلوات الواجبة كالقضاء و الآيات، او المندوبة كصلاة جعفر، أو تصلي بغسل آخر ثلاث صلوات من غير الخمس كالقضاء و الخسوف و الزلزلة- فلعل الوجه فيه الأصل المتقدم مع عدم ظهور النصوص المتقدمة في أن الأغسال المتقدمة لليوم بحيث تكون المرأة معها بحكم الطاهر فيه يجوز لها إيقاع تمام ما يعتبر فيه الطهارة، بل هي للصلوات الخمس اليومية بنحو الانحلال، فكل غسل قد شرع لبعضها، من دون نظر لغيرها من الصلوات فضلا عن غيرها مما يعتبر فيه الطهارة، فلا مجال للبناء علي إجزائه لها.

بل قد يستشكل في مشروعيته حتي مع تجديد الغسل، للزوم الاقتصار في مشروعية الصلاة مع الحدث علي المتيقن. و يأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

نعم، صرح جماعة بأن المستحاضة إذا أتت بوظائفها كانت بحكم الطاهر، بل ادعي الإجماع علي ذلك في الغنية و التذكرة و محكي شرح الجعفرية و كشف الالتباس

ص: 230

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 231

______________________________

و غيرها. و هو يعطي عموم ترتيب أحكام الطاهر لها- كما صرح به بعضهم، بل نفي الخلاف فيه في المدارك- لا خصوص الصلاة التي تضمنت النصوص تشريع الوظائف لها، لئلا يلزم التأكيد، فإن الصلاة بالوظائف المذكورة قد بينت عند شرحها.

و من هنا صرح جماعة بأنها تصلي بغسلها ما شاءت من الفرائض و النوافل، و عليه جري سيدنا المصنف قدّس سرّه في ظاهر كلامه في مستمسكه.

لكن مقتضي ما في الشرائع و القواعد و غيرهما من التفريع علي الشرطية المذكورة بطلان الصلاة مع الإخلال بشي ء من هذه الأمور كونها مسوقة للمفهوم، فلو استفيد منها العموم المذكور لزم عدم كونها بحكم الطاهر بالإخلال بشي ء من الوظائف المذكورة، و هو مما تأباه جملة من كلماتهم، حيث حرروا الخلاف في توقف كثير مما يذكر من أحكام الطاهر علي بعض الوظائف أو جميعها.

مع أن شرطية الأغسال المذكورة لترتيب أحكام الطاهر إن كان بنحو المجموعية، بمعني أن الإخلال بشي ء منها مستلزم للحكم عليها بالحدث في تمام اليوم، فالظاهر عدم إمكان الالتزام بذلك، كيف و لازمه عدم صحة صلاة الظهرين بغسلهما لو أخلت بغسل الصبح.

و إن كان بنحو الانحلال- بمعني أن المعتبر في ترتيب أحكام الطاهر في كل وقت القيام بوظائف صلاة ذلك الوقت- فهل يبقي أثر الغسل إلي الفراغ من صلاته- كما يناسبه ما تقدم من وجوب التعجيل بالصلاة، المستلزم عرفا لعدم بقاء أثر غسلها أكثر من أمدها- أو إلي خروج وقتها- كما في الروض، و عن بعض حواشي الإرشاد، و يناسبه ما ذكره بعضهم من وجوب تقديم غسل صلاة الصبح لمن تريد صلاة الليل، لوضوح ابتنائه علي عدم كفاية غسل العشاءين لصلاة الليل- أو إلي حين دخول وقت الصلاة الأخري- كما يناسبه تجدد التكليف بالغسل لصلاته- أو إلي حين الغسل للصلاة الأخري- كما لعله مقتضي الإطلاق و عدم تقييد الحكم بالطهارة بوقت خاص، حيث لا تكون بحكم الطاهر في تمام اليوم إلا بذلك- وجوه لا مجال للجزم

ص: 231

______________________________

بشي ء منها، و لا يناسب منهم إهمال التعرض لها لو كان مرادهم بالشرطية التعميم لجميع أحكام الطاهر، لأهميتها في تحديد الشرطية المذكورة و ترتب العمل عليها.

علي أن موضوع كلامهم و معقد إجماعهم جميع الوظائف، و لازم ذلك عدم وجوب تجديد الوضوء لغير الصلاة مما يعتبر فيه الطهارة، كالطواف و المس في القليلة و المتوسطة، فضلا عن الكثيرة، لأن الوضوء المذكور وظيفة لها هو الوضوء للصلاة، فمع قيامها به تكون بحكم الطاهر. و هو- مع بعده في نفسه- مخالف لما صرح به في الروض و عن التحرير و الموجز و شرحه و غيرها من وجوب تجديد الوضوء لجميع ما يعتبر فيه الطهارة، حتي قرب شيخنا الأعظم قدّس سرّه اختصاص الشرطية بالغسل و أنه الذي لا يجب تجديده لبقية الغايات. لكنه مخالف لاطلاقهم، بل عموم كلماتهم.

و من هنا قد يحتمل سوق الشرطية مساق التأكيد لاعتبار الوظائف المذكورة في صحة الصلاة، كما قد يناسبه ما تقدم من بعضهم من تفريع بطلانها علي الإخلال بشي ء من الوظائف، و هو و إن كان مخالفا لظاهر جملة من كلماتهم و صريح جملة أخري، إلا أنه كاف في عدم وضوح حال الإجماع المذكور و عدم حجيته علي العموم المدعي.

و لا سيما مع قرب أن يكون المستند فيه بعض الوجوه الاعتبارية- كاستبعاد عدم مشروعية بقية أحكام الطاهر لها، أو لزوم تجديد الوظائف لكل منها خصوصا الغسل- أو فهمهم من أدلة جميع الوظائف كونها وظيفة لتمام اليوم بلحاظ مطلق أحكام الطاهر، دون خصوص الصلاة، كما يناسبه تحريرهم النزاع في كثير من الفروع المناسبة للمقام لخصوصية فيها من النصوص أو بعض الوجوه الاجتهادية، حيث يظهر من ذلك عدم وضوح معقد الإجماع التعبدي عندهم بنحو يحكم علي كل دليل و يغني عن كل تعليل، بل هو من سنخ الإجماع المعلل القابل للتخصيص كدليله أو تعليله، و الذي هو ليس حجة في نفسه، بل يتعين الخروج عنه مع عدم وضوح تمامية دليله.

مضافا إلي أن سبر كلماتهم شاهد بشدة اضطرابها و عدم تنقيحها في المقام، كما

ص: 232

______________________________

اعترف به بعضهم، حيث يؤكد ذلك ما ذكرنا من التشكيك في الإجماع المذكور بنحو يمنع من الاعتماد عليه في الخروج عما تقتضيه القواعد و الأصول المعول عليها. و من هنا يلزم النظر في كل حكم من أحكام الطاهر لتنقيح ما تقتضيه الأدلة العامة و الخاصة فيه، مع تعميم محل الكلام لجميع أقسام المستحاضة، تتميما للفائدة.

و يأتي في المسألة الأربعين إن شاء اللّه تعالي الكلام فيما يتوقف جوازه التكليفي علي الطهر و في الصوم،

فلا يبقي في المقام إلا أمران:
الأول: الصلاة.

و مقتضي عموم نصوص وجوب الوضوء لكل صلاة في القليلة و الصفرة مشروعيتها بالوضوء، من دون فرق بين اليومية و غيرها الواجبة و غيرها.

و انصراف بعض نصوصها أو اختصاصها باليومية- كصحيح الصحاف المتضمن أنها تغتسل في وقت كل صلاة «1» - لا يقدح بعد عموم غيره.

نعم، قد يدعي- كما عن بعض مشايخنا- لزوم الاقتصار علي المضيقة- بالأصل أو بالعارض- دون غيرها، مما يمكن انتظار البرء به، بقرينة ما تقدم من كون الطهارة في المقام اضطرارية، لكون المستحاضة مستمرة الحدث، نظير ما تقدم من قرينيتها علي حمل الإطلاقات علي التعجيل بالصلاة بعد الطهارة.

لكن في صلوح ذلك للخروج عن العموم المذكور إشكال، بل منع، لعدم ظهور قرينة الاضطرار في ذلك بنحو تكون من القرائن المتصلة المانعة من انعقاد الظهور في العموم، و ليس هو كالتعجيل بالصلاة، لأن الاضطرار أولا و بالذات في الطاهرة، و منه يسري إلي الصلاة و هما و إن كانا متلازمين حقيقة، إلا أنهما ليسا من الوضوح بمرتبة واحدة عرفا، ليكون تحكيم قرينة الاضطرار لإثبات التعجيل ملازما لتحكيمها لإثبات الاختصاص بالصلاة المضيقة، و لا سيما و أن استفادة التعميم هنا من العموم الإفرادي، الذي هو أقوي من الإطلاق الأحوالي الوارد هناك، فتحكيم قرينة الاضطرار هناك لا يستلزم تحكيمها هنا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 233

______________________________

و دعوي: أن العموم مسوق لبيان شرطية الوضوء للصلاة و صحتها به بعد الفراغ عن مشروعيتها حال الاستحاضة، لا لبيان مشروعية كل صلاة حالها.

مدفوعة: بأن الشك في مشروعية الصلاة حال الاستحاضة ليس لاحتمال كون الخلو عن الاستحاضة شرطا لفعلية ملاكها، ليكون من شروط الأمر، كالخلو من الحيض. فإنه مخالف لإطلاق أدلتها، بل لاحتمال تعذرها بتعذر شرطها- و هو الطهارة- بسبب استمرار الحدث، فإذا كانت نصوص المقام وافية ببيان شرطها تعين البناء علي مشروعية كل صلاة و صحتها معه. و إلا لجري ذلك في الصلاة المضيقة و لزم الاقتصار فيها علي المتيقن، كاليومية مثلا. فلاحظ.

و منه يظهر الحال في المتوسطة، لأن المتيقن من صحيح زرارة «1» و إن كان هو الاجتزاء بالغسل الواحد للخمس اليومية دون غيرها، إلا أن موثقي سماعة «2» - بناء علي ما تقدم في وجوب جعل غسل المتوسطة لصلاة الصبح من نهوضهما بالاستدلال- ظاهران في الاجتزاء بالغسل الواحد لرفع الحدث الأكبر في تمام اليوم، و بالوضوء لكل صلاة فيه فيجري فيه ما تقدم في القليلة.

لكن عن بعض مشايخنا عدم مشروعية الموسعة فيها، و أما المضيقة فيكفي فيها الوضوء، لعموم ما دل علي وجوبه لكل صلاة، دون الغسل، لاختصاص دليله باليومية. و لازمه صحتها لو لم تغتسل لليومية قصورا أو تقصيرا.

و فيه: أنه يظهر حال العموم للمضيقة مما تقدم. كما أن الدليل علي وجوب الوضوء إن كان يعم غير المتوسطة فيأتي الكلام فيه في الكثيرة، و إن كان مختصا بها فهو منحصر بموثقي سماعة- اللذين يظهر منه التعويل عليهما في حكم المتوسطة- فإن فرض اختصاصهما باليومية لم ينهضا بإثبات مشروعية غيرها و لا بالاكتفاء بالوضوء

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5. و قد تقدم عند الكلام في وجوب الغسل الواحد في المتوسطة.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6. و باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 2. و تقدما عند الكلام في وجوب الوضوء للمتوسطة.

ص: 234

______________________________

له، و إن فرض عمومه لغيرها- كما تقدم أنه الظاهر- كان مقتضاه وجوب الغسل له، كما تقدم.

علي أنه لو فرض اختصاص دليل الغسل باليومية فإلغاء خصوصيتها عرفا قريب جدا بعد كونه من شئون الحدث الذي لا تختص مانعيته بها، بل لعلها أولي بالعفو عنه من غيرها- لو فرض مشروعيته- بسبب كثرة الابتلاء بها المناسب لأولويتها بالتخفيف إرفاقا بحال المرأة.

هذا كله لو كان مراده الاكتفاء بالوضوء حتي لو لم تغتسل لليومية قصورا أو تقصيرا- كما هو مقتضي مساق كلامه و استدلاله- أما لو كان مراده اختصاص الاكتفاء بالوضوء بفرض الغسل في اليوم لليومية، في مقابل وجوب غسل آخر في اليوم لغير اليومية، فهو راجع لما تقدم منا، و لا ينهض ما ذكره بالاستدلال عليه، بل الدليل عليه ما ذكرنا.

و أما الكثيرة فقد ذكرنا آنفا ظهور نصوصها في تشريع الاغسال الثلاثة للخمس اليومية، لا لتمام اليوم. فلا مجال للبناء علي الاكتفاء بها لبقية الصلوات المأتي بها فيه، بل هو لا يناسب ما سبق من وجوب التعجيل بالصلاة المستفاد منه عرفا عدم استمرار أثر الغسل. بل لو أريد به الاكتفاء بالغسل في وقت صلاة للصلاة غير اليومية المأتي بها في وقت صلاة أخري لم يغتسل لها بعد لم يناسب وجوب تجديد الغسل للصلاة الأخري صاحبة الوقت، كما أشرنا إليه عند الكلام في الإجماع المتقدم.

و دعوي: أنه لا مانع من التفكيك بين الصلوات في الغسل الواحد فهو يصح بالإضافة إلي صلاة دون أخري. مدفوعة بأن إمكان ذلك عقلا لا ينافي ظهور النصوص في خلافه بسبب إلغاء الخصوصية عرفا. بل لو لم تظهر الأدلة في خلافه يكفي عدم ظهورها فيه في البناء علي عدم مشروعية الدخول في غير اليومية بغسلها بعد ما سبق من عدم التعويل علي الإجماع المتقدم الذي قيل إن المتيقن منه الصلاة المأتي بها قبل خروج وقت الصلاة التي وقع الغسل لها.

ص: 235

______________________________

نعم، عن بعض مشايخنا تخصيص المشروعية بالمضيقة مع الاكتفاء لها بالوضوء، لعموم ما دل علي وجوبه لكل صلاة و اختصاص ما دل علي الغسل باليومية، نظير ما تقدم منه في المتوسطة، لكن لم يتضح الوجه في العموم المذكور، لاختصاص نصوص الاكتفاء بالوضوء بالقليلة و الصفرة المحمولة عنده عليها. و أما ما في مرسلة يونس الطويلة من إطلاق أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة «1»، فقد تقدم منا في المتوسطة و الكثيرة عدم نهوضه بإثباتها في غير القليلة، كما يظهر مما حكي عنه حملها علي غير الكثيرة، بل هو المناسب لما حكي عنه من الجزم بالاكتفاء في الكثيرة بالغسل و عدم الحاجة للوضوء في اليومية، لوضوح أن اليومية هي الفرد الظاهر أو المتيقن من الصلاة، فإخراجها عن عموم المرسلة و إبقاء غيرها بعيد جدا، بل يتعين حمله علي غير الكثيرة.

مضافا إلي أن مراده من الاكتفاء بالوضوء لغير اليومية إن كان مختصا بفرض الاغتسال لليومية- كما هو مبني الأصحاب- فدليله لا يساعد علي ذلك، بعد عدم تعويله علي الإجماع المتقدم، لأن أدلة الوضوء لم تتضمن الأغسال المذكورة، و مع التعويل عليه لم يحتج إلي الوضوء، لعدم كونه من جملة الوظائف عنده.

و إن كان مطلقا و لو مع عدم الاغتسال لها قصورا أو تقصيرا أشكل بما تقدم في المتوسطة من قرب إلغاء خصوصية اليومية في وجوب الغسل عرفا. غايته أن يتردد الأمر بين الاكتفاء بأغسال اليومية لغيرها، و لزوم تجديد الغسل له، و عدم مشروعيته أصلا، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

و من هنا فمقتضي القاعدة عدم مشروعية الصلاة غير اليومية حتي مع تجديد الغسل لها، بعد كون المرأة مستمرة الحدث، بل قد تكون مستلزمة للخبث الذي لا يعفي عنه بمقتضي القاعدة، و اختصاص ما دل علي الطهارة الاضطرارية و العفو عن الخبث باليومية. و لا مجال مع ذلك لاستفادة مشروعيتها من إطلاقات أدلة التشريع، لأنها إنما تنفع مع القدرة عليها، لا مع تعذرها بتعذر شرطها. و لا تنهض الإطلاقات

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4

ص: 236

______________________________

المذكورة لإثبات القدرة عليها بتشريع الطهارة الاضطرارية لها، كما لا يخفي. و لا مخرج عن ذلك في الموسعة التي يمكن انتظار حال البرء بها.

و أما المضيقة فلا يبعد البناء علي مشروعيتها، لأنه و إن أمكن اختصاص العفو عن الحدث و الخبث باليومية، لأهميتها، إلا أن من البعيد جدا سدّ باب مشروعيتها في حق المرأة. و لا سيما مع قوله عليه السلام في صحيح زرارة بعد بيان وظيفة المستحاضة: «و لا تدع الصلاة علي حال، فإن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم قال: الصلاة عماد دينكم» «1»، حيث قد يستفاد منه أن منشأ تشريع الطهارة الاضطرارية في اليومية هو أهميتها، بلحاظ أن الصلاة عمود الدين الذي هو بإطلاقه يشمل اليومية و غيرها.

مضافا إلي ظهور إجماع الأصحاب و مفروغيتهم عن ذلك، حيث يبعد خفاء الحال فيه عليهم مع شيوع الابتلاء به.

نعم، يلزم الاقتصار علي المتيقن في مشروعيتها بتجديد الغسل لكل صلاتين منها، حيث يبعد اعتبار ما زاد علي ذلك، بل لعل احتماله غير عرفي بعد النظر في كلمات الأصحاب، إذ لو كان للمستحاضة وظيفة رابعة لبانت و لم تهمل في كلماتهم لشدة الحاجة لبيانها.

بل قد يستفاد من النصوص الواردة في اليومية لإلغاء خصوصيتها عرفا. و لا سيما مع ثبوت عموم الوظيفة لغير اليومية في القليلة و المتوسطة، و قرب كون الاقتصار في بيان وظيفة الكثيرة علي اليومية لأهميتها و لزوم الابتلاء بها بخلاف غيرها، لندرة الواجب منه- كصلاة الآيات- و كون ثقل الوظيفة مستلزما لتقدم التصدي للقيام بالمستحبات. بل لعل التعميم مقتضي ما تضمن أنها تجمع بين صلاتين بغسل.

ففي صحيح صفوان: «هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلاتين بغسل» «2»، و صحيح محمد بن مسلم: «فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل» «3»، و في صحيح أبي المغراء: «و إن كان قليلا

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 14.

ص: 237

______________________________

فلتغتسل عند كل صلاتين» «1»، و في صحيح إسحاق: «و إن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» «2»، و في خبر حمران: «و إن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين و تصلي» «3»، و في موثق سماعة: «اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا» «4»، و في موثقة الآخر: «فعليها الغسل لكل صلاتين و للفجر غسل» «5»، فإن مقتضي عموم بعضها و عموم الآخر عدم الاختصاص باليومية و العموم حتي للموسعة، بناء علي ما سبق في القليلة من عدم صلوح قرينة الاضطرار للتخصيص في المقام.

لكن قد يدعي انصرافها لليومية، بسبب معهودية الابتلاء بكل صلاتين صلاتين منها، بخلاف غيرها، لعدم شيوع الابتلاء بها علي هذا النحو. اللهم إلا أن تحمل علي بيان أكثر ما يمكن إيقاعه بالغسل الواحد، فتعم غير اليومية، و لذا اتجه عدم التعرض في أكثرها لصلاة الصبح، مع أنه لو أريد بها خصوص اليومية كان اللازم التنبيه عليها.

و لو فرض عدم ظهورها في العموم فلا أقل من كونها مؤيدة لما سبق من التعدي عن اليومية، إذ لا أقل من إشعارها بأن من شأن الغسل بقاءه إلي صلاتين.

و إن كان الاحتياط مع ذلك بالاقتصار في الغسل علي صلاة واحدة إذا كانت طويلة حسنا، بل لعله لازم.

و أما دعوي: أن عدم التعرض في النصوص لغير الأغسال الثلاثة لليومية ظاهر في عدم وجوب الغسل لغيرها. فهي مدفوعة بأن اقتصار النصوص علي بيان الأغسال لليومية لعله ليس لعدم وجوب الغسل لغيرها، بل لعدم التصدي لبيان ما يصحح الدخول في الغير، لندرة الابتلاء به أو لعدم كون منشأ ذات الاستحاضة الكثيرة القيام بها، كما أشرنا إليه آنفا، فلا مجال لاستظهار عدم وجوب الغسل لغير اليومية من مجرد عدم التعرض له.

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3.

ص: 238

______________________________

بل مقتضي الأصل وجوبه بعد كون المستفاد من تشريع الغسل لليومية سببية الاستحاضة الكثيرة للحدث الأكبر المستمر، فيجب الاقتصار في إيقاع الصلاة معه علي المتيقن من صورة إيقاع الغسل، كما تقدم في نظائر المقام. علي أن ما سبق كاف في إثبات وجوبه. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

هذا، و في الروض: «أما غسلها فللوقت تصلي به ما شاءت من الفرض و النفل أداء و قضاء، مع الوضوء لكل صلاة و تغيير القطنة و الخرقة و غسلها المحل إن أصابها الدم. و لو أرادت الصلاة في غير الوقت اغتسلت لأول الورد و عملت باقي الأفعال لكل صلاة. و كذا القول لو أرادت صلاة الليل، لكن يكفيها الغسل عن إعادته للصبح». و ما ذكره من كفاية غسلها لخصوص الوقت مبني علي حجية الإجماع المتقدم و تنزيله علي ذلك. كما أن تجديد الغسل لما بعد الوقت مبني علي ما تقدم من مشروعية الصلاة غير اليومية للمستحاضة و مانعية الحدث الأكبر منها.

نعم، مقتضي الاكتفاء بالغسل الواحد للورد عدم اختصاصه بصلاتين، لأن الورد قد يزيد عليهما، و لم يتضح الوجه فيه بعد ظهور النصوص في خصوصية الصلاتين مطلقا أو من اليومية، و لذا لا إشكال ظاهرا في أنها لو فاتتها صلاة الوقت من اليومية فليس لها الاكتفاء بغسل واحد لقضائها مع صلاة الوقت اللاحق و إن كان الجميع في ورد واحد.

الثاني: الطواف.

و لا إشكال في مشروعيته في حق المستحاضة، كما يظهر من كلماتهم في المقام، و في كتاب الحج. و تقتضيه النصوص الواردة في قصة أسماء بنت عميس و غيرها «1» مما يأتي بعضه. كما لا إشكال ظاهرا في إجزاء وظائف المستحاضة فيه، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه».

و لا يخفي أن الكلام فيه..

تارة: من حيثية استلزامه دخول المسجد الحرام، الذي لا يفرق فيه بين أقسام

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس، و باب: 91 من أبواب الطواف.

ص: 239

______________________________

الطواف، و الذي قد يدعي حرمته مع الحدث. و الكلام فيه موكول للمسألة الأربعين.

و أخري: من حيثية اعتبار الطاهرة في صحته، و هو محل الكلام هنا.

و قد سبق في غايات الوضوء أن الحدث الأصغر مانع من طواف الفريضة، دون النافلة، كما تقدم في أحكام الجنابة و الحيض مانعيتهما منه أيضا. بل تقدم في أحكام الجنابة قوة احتمال مانعيتها من طواف النافلة، لإطلاق صحيح أبي جعفر «1». و تقدم في أحكام الحيض أن التعدي من الجنابة للحيض بمجرد ذلك لا يخلو عن إشكال.

و أما النصوص الواردة في الحيض فلا إطلاق لها من هذه الجهة، بل هي بين ما يختص بطواف الفريضة- و هو الأكثر «2» - و ما هو ظاهر في المفروغية عن مانعية الحيض من الطواف من دون أن يكون واردا لبيان ذلك، ليكون له إطلاق من هذه الجهة، كما هو حال ما تضمن حيض المرأة في أثناء الطواف و أنها بعد الطهر تبني علي ما مضي منه أو تستأنف «3»، بل لعله مشتمل علي ما يناسب الاختصاص بالفريضة، كما قد يكون الوجه فيه حرمة الكون علي الحائض في المسجد تكليفا، لا مانعية الحيض من الطواف وضعا.

و مثله في ذلك مرسل حماد الوارد في طواف الوداع: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا طافت المرأة الحائض ثم أرادت أن تودع البيت فلتقف علي أدني باب من أبواب المسجد فلتودع البيت» «4»، فإنه و إن كان ظاهرا في عدم جواز طواف الوداع لها الذي هو نافلة، إلا أنه لا مجال للاستدلال به مع احتمال كون منشئه حرمة الكون في المسجد علي الحائض أو عدم تيسر صلاته.

نعم، لو تم إطلاق في نصوص المستحاضة يقضي باعتبار الطهارة منها في طواف النافلة يتجه البناء علي مانعية حدث الحيض منه، إذ لا يحتمل كون حدث

______________________________

(1) الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 4.

(2) راجع الوسائل باب: 84، 85، 86، 90 من أبواب الطواف.

(3) الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 3، 2، 1.

(4) الوسائل باب: 90 من أبواب الطواف حديث: 2.

ص: 240

______________________________

الحيض أخف من حدث الاستحاضة.

و ينحصر الدليل علي ذلك بصحيح عبد الرحمن أو موثقة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل و لتستدخل كرسفا، فإن ظهر عن [علي] الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر، ثم تصلي، فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلي الصلاة، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد. و كل شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» «1».

لظهوره في توقف الطواف علي ما تتوقف عليه الصلاة و مانعية حدثها منه بدونه. كما أن منصرف السؤال عن الطواف كون الملحوظ هو الجهة المختصة به و هي الصحة، الوضعية، لا الحرمة التكليفية التي تجري في مطلق الكون في المسجد الحرام اللازم له. و يقتضي إطلاق عدم الفرق بين طوافي الفريضة و النافلة.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من حمل حلّ الصلاة فيه علي أصل مشروعيتها مقابل الحرمة الذاتية حال الحيض، لا علي تحقق شرط صحتها مقابل حرمتها حال الحدث، و هو راجع إلي توقف حل الطواف و الوطء للمستحاضة علي ما تتوقف عليه مشروعية الصلاة منها، و هو مضي أيام قرئها أو أيام الاستظهار، لا إلي بيان اشتراط إيقاعهما بما تتوقف عليه صحة الصلاة، و هو الوظائف. و يناسب ذلك السؤال عن أصل جواز الوطء و الطواف، لا عن شرطهما.

ففيه: أن السؤال و إن كان عن أصل جواز الوطء و الطواف في مقابل حرمتهما الذاتية لاختلاط الحيض بغيره، إلا أن التصدي في الجواب لبيان وظائف المستحاضة بالإضافة للصلاة، ثم إناطة جواز الوطء و الطواف بما تستحل به الصلاة ظاهر في إرادة إناطة الحل الفعلي بالوظائف. و لا سيما مع ظهور استحلالها الصلاة في فعلها ما يوجب حلها لها، لا بتحققه من دون اختيارها، و إلا فلو لم تكن الوظائف دخيلة فيهما كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب المستحاضة حديث: 8.

ص: 241

______________________________

المناسب الجواب بحلهما بمجرد مضي القرء أو الاستظهار من دون تعرض للوظائف.

و مثله ما عن بعض مشايخنا من تقريب إرادة الحل الذاتي بأنه لو كان المراد بيان اعتبار الوظائف في جواز الوطء و الطواف لزم توقف جواز الوطء علي تطهير البدن من الخبث و تغيير الخرقة، و هو باطل ضرورة.

لاندفاعه بعدم نهوض ذلك للقرينية علي رفع اليد عما ذكرنا، حيث يمكن حمل ما تستحل به الصلاة علي خصوص وظيفة رفع الحدث، و لا سيما مع أن توقف صحة الصلاة علي التطهير من الخبث و تغيير الخرقة ليس لخصوصية المستحاضة، بل هو- علي تقدير البناء عليه- راجع لمانعية نجاسة الدم التي تجري في حق غير المستحاضة كمانعية استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و ليس ذكرهم لها في وظائف المستحاضة إلا لرفع توهم العفو عنها فيها بسبب كثرة ابتلائها بها.

و مع أن الحديث لم يتعرض للوظيفة المذكورة، فيسهل حمله علي خصوص ما تضمنه مما تتوقف عليه الصلاة. و أما الكرسف فظهور عدم مناسبته للوطء كاف في القرينية علي إرادة ما عداه مما ذكر في الحديث، و هو الغسل. و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور الحديث الشريف في توقف الطواف علي وظيفة المستحاضة لرفع حدثها، المستلزم لمانعية حدثها منه.

نعم، قد يستشكل في عمومه لطواف النافلة بأن احتمال عدم جواز الطواف للمستحاضة راجع لاحتمال كون الاستحاضة من أفراد الحيض، و إن خالفته في بعض أحكامه- كحرمة الصلاة- أو ملحقة به في بعض أحكامه حقيقة أو احتياطا، و ذلك يناسب انصراف السؤال في الحديث إلي ثبوت الحكمين فيها علي نحو ثبوتهما في الحيض، و إلا فمن البعيد جدا ثبوتهما فيها بوجه أوسع من ثبوتهما فيه، بحيث تكون أشد منه، فإذا فرض قصور مانعية الحيض عن طواف النافلة تعين قصور إطلاق الحديث عنه.

اللهم إلا أن يقال: هذا إنما يتم لو كان دليل مانعية الحيض ظاهرا في الاختصاص

ص: 242

______________________________

بطواف الفريضة، حيث يصلح قرينة علي اختصاص اطلاق الدليل في المستحاضة به، أما إذا لم يكن كذلك، بل كان مجملا من هذه الجهة، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الدليل في المستحاضة، بل يتعين العمل علي الإطلاق المذكور، كما يصلح بسبب النكتة المذكورة لإثبات عموم مانعية الحيض لطواف النافلة، كما ذكرناه آنفا. فتأمل جيدا.

ثم إنه بعد أن ظهر مانعية حدث الاستحاضة من الطواف فمقتضي الإجماع المتقدم من الأصحاب علي أن المستحاضة بفعلها الوظائف المذكورة تكون بحكم الطاهر الاكتفاء بوظائف الصلاة فيه في جميع أقسامها، فلا يجب تجديد الغسل له، بل و لا الوضوء، لأن نصوص الوظائف كفتاوي الأصحاب إنما تضمنت الوضوء للصلاة لا غير في مطلق المستحاضة أو في غير الكثيرة منها علي الكلام المتقدم.

و ما قد يظهر من بعضهم من وجوب تجديد الوضوء له لأنه بمنزلة الصلاة فيكون تجديده له كتجديده لها من جملة الوظائف. إنما يتم لو ثبت عموم التنزيل و لا مجال له بعد اختصاص دليله بالنبوي الذي لم ترد روايته من طرقنا، و يقرب حمله علي التنزيل في الثواب، لا في الأحكام. فراجع ما تقدم في شرطية الوضوء للطواف.

نعم، يجب الوضوء لصلاته، و مقتضي ما تقدم من لزوم الموالاة بينه و بين الصلاة لزوم إيقاعه بين الطواف و صلاته، و هو لا يخلو عن غرابة لا يبعد قيام السيرة علي خلافها، لابتنائه علي عناية مغفول عنها بسبب كون صلاة الطواف من توابعه التي يتعارف عدم فصلها عنه، فلو كان البناء علي فصلها بالوضوء لظهر و بان.

و حينئذ فهل يسقط الوضوء لها و إن كان من جملة الوظائف أو يتعين تقديمه علي الطواف؟ و جهان، و كلماتهم غير منقحة في المقام.

هذا، و حيث سبق عدم نهوض الإجماع بالاستدلال فمقتضي القاعدة الاقتصار علي المتيقن في إيقاع الطواف حال الحدث، و هو يحصل بالقيام بالوظائف المذكورة، لما تقدم في الصلاة من أنه لو كانت للمستحاضة وظائف أخري غير ما ذكر لليومية لبانت لمزيد الحاجة لظهورها و بيانها.

ص: 243

______________________________

و حينئذ تجتزئ في المتوسطة بغسل اليوم، لما تقدم في الصلاة من ظهور دليله في رافعيته للحدث الأكبر حكما في تمام اليوم، مع لزوم تجديد الوضوء له فيها و في القليلة و تجديد الغسل له في الكثيرة، لأن النصوص و إن اختصت بالصلاة إلا أن اليقين بمشروعيته و الفراغ عنه لا يكون إلا بذلك.

بل قد يدعي لزوم تجديدهما لصلاته أيضا، لو لا ما أشرنا إليه من قرب قيام السيرة علي خلافه. علي أنه يكفي في نفيه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام في قصة أسماء بنت عميس، و فيه: «فلما قدموا و نسكوا المناسك سألت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن الطواف بالبيت و الصلاة، فقال لها: منذ كم ولدت؟ فقال: منذ ثماني عشرة [فقالت: منذ ثمانية عشر. يب] فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن تغتسل و تطوف بالبيت و تصلي و لم ينقطع عنها الدم، ففعلت ذلك» «1». لظهوره في بيان تمام الوظيفة لها، فعدم تنبيهه للوضوء بين الطواف و صلاته ظاهر في إجزاء غسلها لها. و غسلها و إن كان للنفاس أيضا، إلا أن الظاهر عدم الفرق بين الأغسال في ذلك.

نعم، هو مختص بصورة الغسل للطواف، و لا يشمل صورة الوضوء له، كما في القليلة و المتوسطة. إلا أن يستفاد من حديث عبد الرحمن المتقدم، فإنه و إن لم يتعرض للوضوء، إلا أن مقتضي عموم قوله عليه السلام فيه: «و كل شي ء استحلت به الصلاة … »

العموم له بعد ثبوت كونه مما تستحل به الصلاة في بعض الموارد، و حيث كان الظاهر منه الاكتفاء بالوظيفة للطواف من دون تجديد لها لصلاته لأنها تابعة له يتجه الاكتفاء به في مورده. و إن كان الاحتياط بتجديد الوضوء للصلاة حسنا، لو لم يكن لازما.

هذا، و قد يدعي أن مقتضي حديث عبد الرحمن الاكتفاء بالإتيان بالوظائف للصلاة من دون حاجة إلي تجديدها للطواف، بل لا يشرع تجديدها له، لعدم استحلال الصلاة بها، و ظاهره انحصار مسوغ الطواف بما تستحل به الصلاة. و بذلك يكون مطابقا للإجماع المتقدم و عاضدا له. و عليه لا يشرع لها الطواف لو تجددت لها

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 19.

ص: 244

نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض (1)

______________________________

الاستحاضة قبل وقت الصلاة، بل لا بد من انتظار وقتها للقيام بالوظيفة لها، ثم يؤتي به بعدها، بناء علي اعتبار الموالاة بين الوظيفة و الصلاة.

لكنه يشكل بأن الظاهر من قوله عليه السلام: «كل شي ء استحلت به الصلاة … »

الإشارة للوظائف المذكورة لبيان شرطيتها بنفسها للطواف، لا لبيان شرطيتها بما أنها قد ترتبت عليها حلية الصلاة فعلا، و إلا كان الأنسب إناطة حلية الطواف بنفس حلية الصلاة، لا بما استحلتها به.

علي أن مقتضي ذلك أنه لو أريد بالصلاة المطلقة التي يكفي فيها صرف الوجود لزم الاكتفاء بأعمال الوظيفة لصلاة واحدة و لو مع التفريط بغيرها، و لو أريد بها تمام صلاة اليوم لزم عدم صحة الطواف إلا بعد اعمالها لتمامها، و لا قائل بكلا الأمرين، بل الظاهر ما ذكرنا من شرطية الوظائف بنفسها المستلزم لتجديدها بعد ظهور دليل التعجيل بالصلاة في انتهاء أمد أثرها بالفراغ منها.

و منه يظهر نهوضه بالاستدلال علي اعتبار وظائف المستحاضة للصلاة بلا حاجة إلي ما سبق من كونه مقتضي الأصل. كما أن المنصرف منه كون اعتبارها فيه علي نحو اعتبارها في الصلاة من حيثية المبادرة و غيرها، كما هو مقتضي الأصل المتقدم أيضا. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الكلام في النوافل الرواتب

(1) استدل عليه … تارة: بما تقدم من دعوي الإجماع علي أن المستحاضة إذا أتت بوظائفها كانت بحكم الطاهر في ترتيب تمام أحكامها.

و أخري: بما أشرنا إليه آنفا في غير النوافل من الصلوات غير اليومية من دعوي:

أن اقتصار النصوص علي بيان الأغسال لليومية ظاهر في عدم وجوب الغسل لغيرها.

قيل: و لا سيما النوافل الرواتب التي كان يهتم بالإتيان بها في العصور السابقة.

و مقتضي الأول عدم وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منها، بناء علي ما سبق من عدم وجوب الوضوء مع الغسل في الكثيرة إلا في فرض تجدد حدث آخر أصغر غير

ص: 245

______________________________

الاستحاضة. أما علي الثاني فوجوبه يبتني علي ما تقدم في غير النوافل من الصلوات غير اليومية.

و كيف كان، فيظهر ضعف الوجهين مما تقدم هناك من عدم نهوض الاجماع بالاستدلال، و عدم ظهور النصوص في عدم وجوب الغسل لغير اليومية. و لا خصوصية في ذلك للنوافل الرواتب، لأنه لو سلم اهتمام عامة النساء بها فلا مجال لذلك في المستحاضة الكثيرة التي يصعب عليها أداء الفرائض باغسالها، فضلا عن الغسل لنوافلها. بل لعل عدم السؤال عنها شاهد بالمفروغية عن عدم كون الإتيان بها من شأن المرأة المذكورة بعد ظهور النصوص في التعجيل بالصلاة، و لا سيما بناء علي ما ذكره من وجوب الوضوء لكل صلاة منها.

علي ان الإشكال في النوافل الرواتب لا يختص بحيثية وجوب الغسل لها، بل من حيثية منافاتها للتعجيل أيضا، لاستلزام نافلتي الصبح و الظهر الفصل بين الغسل و صلاته، و نافلتي العصر و المغرب الفصل بين صلاتي غسل واحد.

و عدم إخلال ذلك بالموالاة العرفية في حيز المنع، خصوصا في نافلتي الظهرين، و لا سيما بناء علي وجوب الوضوء لكل صلاة منها.

نعم، قد يتجنب ذلك في نافلتي الصبح و الظهر بتقديمهما علي الغسل، إما بناء علي عدم وجوب الغسل لهما- كما هو مقتضي الوجه الثاني، و التزم به بعض مشايخنا فيما حكي عنه- أو بناء علي الإجماع المتقدم لو أريد به بقاء أثر الغسل في وقت إلي حين الغسل في الوقت الآخر، حيث يتجه حينئذ إجزاء غسل العشاءين لنافلة الصبح، و إجزاء غسل الصبح لنافلة الظهر. لكنه- مع بعده جدا- لا يتم لو لم تكن النافلة مسبوقة بالغسل للصلاة السابقة عليها، لحدوث الاستحاضة الكثيرة بعد أداء تلك الصلاة. أما نافلتا العصر و المغرب فلا دافع للإشكال المذكور فيهما.

ثم إنه قد يقرب الاجتزاء بأغسال الفرائض لنوافلها بأن النوافل تابعة لفرائضها و ملحقة بها شرعا، فيستفاد من نصوصها الاجتزاء بغسلها لها تبعا و عدم

ص: 246

______________________________

إخلال الفصل بها بالموالاة المعتبرة، كالإقامة و سجود السهو و غيرهما نحوهما.

لكنه غير ظاهر بعد كونها صلوات مستقلة، و لذا تقدم تجديد الوضوء لها في القليلة و المتوسطة، فلا مجال لاستفادة الإجزاء لها تبعا. و لا سيما مع ظهور النصوص في التعجيل و احتياج النوافل لوقت معتد به، خصوصا لو وجب تجديد الوضوء لها.

نعم، في حديث إسماعيل بن عبد الخالق: «سالت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة كيف تصنع؟ قال: إذا مضي وقت طهرها الذي كانت يطهر [تطهرت.

تطهر. قرب الاسناد] فيه فلتؤخر الظهر إلي آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي الظهر و العصر، فإن كان المغرب فلتؤخرها إلي آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي المغرب و العشاء، فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ثم تصلي الغداة … » «1»، حيث تضمن ذيله الاكتفاء بغسل الفريضة لنافلتها.

لكنه مختص بنافلة الصبح التي لا يلزم من ضمها للفريضة إلا أداء صلاتين قصيرتين بغسل واحد، فلا مجال للتعدي لغيرها مما تؤدي فريضتاه بغسل واحد و هما صلاتان طويلتان. بل التنبيه فيه لنافلة الفجر مع إهمال بقية النوافل قد يوجب ظهوره في عدم جواز ضمها لفرائضها باغسالها.

و من هنا لا مخرج عما سبق في بقية الصلوات من لزوم تجديد الغسل لكل صلاتين.

نعم، لا يبعد نهوض حديث إسماعيل بجواز ضم نافلة الصبح إليها بغسلها، لأن سنده لا يخلو عن الاعتبار، بل هو صحيح بناء علي استغناء قرب الإسناد عن السند لاشتهاره، أو اعتبار سند صاحب الوسائل إليه. علي أنه معتضد بإطلاق ما تضمن أن المستحاضة الكثيرة تغتسل لكل صلاتين مما تقدم فلاحظ.

هذا، و في الفقيه و المقنع أنها تصلي صلاة الليل و الفجر بغسل واحد، و وافقه علي ذلك في المقنعة و الناصريات و المبسوط و النهاية و الخلاف و المراسم و الوسيلة و النافع

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.

ص: 247

و إن كان يجب لكل صلاة منها الوضوء (1)، كما سبق.

______________________________

و التذكرة و المنتهي و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروض و محكي التحرير و نهاية الأحكام و غيرها، كما قد يظهر من الصدوق في الفقيه نسبته لرسالة والده، بل نسبه في كشف اللثام للأكثر، و ظاهر الناصريات و الخلاف و التذكرة الإجماع عليه.

و في المبسوط و الخلاف و النهاية و المنتهي و ظاهر الدروس أنها تؤخر صلاة الليل إلي قرب الفجر. و هو لو تم كان مقتضيا للاجتزاء باغسال الفرائض لنوافلها بالأولوية.

لكن صرح غير واحد بعدم العثور علي خبر به سوي الرضوي «1»، الذي تكرر منا عدم التعويل عليه.

و أما الاستدلال له بما تضمن أنها تغتسل لكل صلاتين مما تقدم في حكم غير اليومية. فهو كما تري، لأن نافلة الليل صلوات متعددة. علي أن موثقي سماعة مع تضمنهما أنها تغتسل لكل صلاتين قد أفردت صلاة الفجر فيهما بغسل. فلم يبق إلا ظهور دعوي الإجماع ممن سبق. و هو لا ينهض بالخروج عن ظاهر نصوص المقام من الاقتصار في كل غسل علي صلاتين مع التعجيل فيهما. و لعله لذا كان ظاهر كشف اللثام الإشكال في الحكم.

(1) سبق أنه إنما يتم بناء علي وجوب الوضوء لكل صلاة مع أغسال المستحاضة، أما بناء علي عدمه فلو كان المستند في الاجتزاء بأغسال الفرائض للنوافل هو الإجماع علي أن المستحاضة مع قيامها بوظائفها تكون بحكم الطاهر يتجه عدم الوضوء للنوافل إلا مع تجدد سبب للحدث الأصغر غير الاستحاضة.

كما أنه لو كان الوجه فيه عدم وجوب الأغسال لغير الفرائض اليومية فوجوب الوضوء للنوافل يبتني علي عموم وجوبه لكل صلاة في حق المستحاضة- كما تقدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب المستحاضة حديث: 1.

ص: 248

______________________________

دعواه من بعض مشايخنا- أو علي الرجوع للأصل المقتضي للاقتصار في الصلاة مع الحدث علي المتيقن، و هو حال الوضوء. و أما بناء علي ما سبق من لزوم تجديد الغسل لكل صلاتين فالمتعين عدم الوضوء، بناء علي ما سبق من عدم وجوبه لليومية، لعموم الوجه فيه لغيرها.

بقي في المقام أمور.
الأول: حيث سبق منا وجوب تجديد الغسل لكل صلاتين في غير الفرائض اليومية،

لعموم ما تضمن ذلك، أو لأنه المتيقن من جواز الصلاة مع الحدث، فهل يجوز جمع اليومية مع غيرها بغسل، فتصلي الصبح و الآيات بغسل، و الظهرين و نافلتيهما بعشرة أغسال، بأن تجمع بين الظهر و الركعتين الأوليين من نافلة العصر بغسل، و بين الركعتين الأخيرتين منها و العصر بغسل، أو لا. بل تفرد الفرائض اليومية بأغسالها، فلكل من الصبح و الآيات غسلها، و تصلي الظهرين و نافلتيهما بستة أغسال تفرد كلا من النافلتين بغسلين و كلا من الفريضتين بغسل بسبب الفصل بينهما.

و جهان أولهما الأقرب لو كان الدليل هو العموم المذكور. و الثاني أنسب لو كان الدليل هو الاقتصار علي المتيقن من جواز الصلاة حال الحدث، حيث يتجه الاقتصار علي نصوص الفرائض و الجمود علي المتيقن منها من إفرادها بالأغسال.

و لا سيما لو لزم من جمع غير الفريضة معها تقديمها علي الفريضة، حيث يلزم الفصل بها بين الفريضة و الغسل، و المتيقن من النصوص المذكورة جواز الفصل بينهما بفريضة مثلها، كالفصل بالظهر بين الغسل و العصر. بل قد يحتمل تقييد هذه النصوص لإطلاق ما تضمن الغسل لكل صلاتين لو كان هو المعتمد في المقام، فتفرد اليومية بالغسل أيضا. و هو و إن كان بعيدا إلا أنه لا ينافي حسن الاحتياط. فتأمل.

نعم، يتجه جمع الصبح و نافلتها بغسل واحد، لما تقدم.

الثاني: ذكر بعضهم وجوب تأخير الوضوء و الغسل للمستحاضة بأقسامها إلي دخول الوقت.

و هو ظاهر لو لزم من التقديم الفصل بينهما و بين الصلاة، بناء علي

ص: 249

______________________________

لزوم المبادرة منهما إليها. و أما لو لم يستلزم ذلك فقد يستدل عليه بعدم مشروعيتهما قبل الوقت، لا للكون علي الطهارة، لعدم ترتب الطهارة عليهما، بسبب كونها مستمرة الحدث، و لا للصلاة لعدم وجوبها نفسيا قبل الوقت، لتجب مقدمتها غيريا قبله، فلا يمكن التقرب بهما.

لكنه مندفع بأن الأمر النفسي الاستقبالي كما يقتضي وجوب حفظ القدرة علي امتثاله بفعل المقدمات المفوتة قبل الوقت يقتضي مشروعية الإتيان بمقدمته غير المفوتة، و إن أمكن تأخيرها للوقت، كما أطال في تقريب ذلك سيدنا المصنف قدّس سرّه.

بل تقدم منا في المسألة الواحدة و السبعين من مباحث نية الوضوء و في الوضوءات المستحبة من المسألة المائة من فصل غايات الوضوء و غيرهما أن عبادية الطهارات حيث لا ترجع إلي عبادية أوامرها النفسية أو الغيرية بمعني توقف امتثالها علي قصد التعبد بها، بل إلي مجرد الإتيان بها بوجه قربي أمكن التقرب بها بقصد التهيؤ لامتثال الأمر النفسي بغاياتها في وقتها، و إن لم يثبت الأمر شرعيا بالتهيؤ. فراجع.

نعم، في صحيح عبد اللّه بن سنان: «المرأة المستحاضة تغتسل التي لا تطهر عند صلاة الظهر و تصلي الظهر و العصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب و العشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر … » «1»، و في صحيح الصحاف: «فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة … » «2»، و في صحيح يونس بن يعقوب: «فلتغتسل عند وقت كل صلاة» «3»، و ظاهر «عند» المقارنة الحقيقية الموقوفة علي دخول الوقت.

و حملها علي المقارنة التسامحية العرفية الحاصلة بالمقاربة لو أضيفت لمثل الصلاة إنما هو لتعذر حملها علي الحقيقية. بل قوله عليه السلام في صحيح يونس بن يعقوب الآخر:

«فلتغتسل في وقت كل صلاة» «4»، و في حديث إسماعيل بن عبد الخالق: «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر» «5»، صريح في إيقاع الغسل بعد الفجر.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب النفاس حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 11.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.

ص: 250

______________________________

و حملها علي أن الأمر بذلك لأجل المحافظة علي حصول المعاقبة و عدم الفصل بين الوظيفة و الصلاة، لا لخصوصية في التأخير، بقرينة إطلاق غيرها- كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- غير ظاهر. بل هو بعيد في حديث إسماعيل، لأن التنبيه فيه علي تأخير الغسل عن الفجر بعد فرض حضور صلاته فيه موجب لقوة ظهوره في الاهتمام بالتأخير. و لا سيما مع قرب انصراف الإطلاقات بدوا إلي إيقاع الوظيفة بعد الوقت، لأنه المتعارف ممن يهتم بعدم الفصل بينها و بين الصلاة، خصوصا مع اشتمال جملة من النصوص علي الأمر بتأخير الصلاة إلي الصلاة محافظة علي الوقت الفضيلي لهما، فإنه و إن كان محمولا علي الاستحباب، إلا أنه مانع من ثبوت الإطلاق.

و من هنا كان لزوم التأخير هو الأنسب بالجمع بين الأدلة، خلافا لما في كشف اللثام و غيره و حكي عن نهاية الأحكام بل عن جماعة من جواز التقديم إذا لم يستلزم الفصل بين الوظيفة و الصلاة.

نعم، تقدم الكلام في المتوسطة و الكثيرة في جواز تقديم غسل الصبح لنافلة الليل. و هو لو تم لا ينافي ما ذكرنا، لرجوعه إلي إيقاع الغسل في وقت صلاة يؤتي بها معه، غايته أنه يستلزم إيقاع صلاتي وقتين متعاقبتين بغسل واحد. فراجع و تأمل جيدا.

الثالث: الظاهر التداخل بين الاستحاضة و غيرها من أسباب الحدث الأصغر و الأكبر،

فتكتفي بوضوء أو غسل واحد، كما هو مقتضي إطلاق ما تضمن التداخل في الغسل و الوضوء مما تقدم في المسألة الثالثة و السبعين من مباحث الوضوء، و منه قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «فإذا اجتمعت [للّه عليك حقوق] عليك حقوق [للّه] أجزأها عنك غسل واحد» «1» و التعليل في صحيحيه الآخر بقوله عليه السلام: «لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» «2».

مضافا إلي أن غلبة ابتلاء المستحاضة بأسباب الحدث الأصغر مع عدم التنبيه في نصوصها لتكرار الوضوء الذي هو مغفول عنه بسبب معروفية التداخل في سائر

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 251

(مسألة 30): إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الصبح وجب الغسل للظهرين (1)،

______________________________

أسبابه موجب لظهورها في التداخل في المقام. كما أن ورود بعضها فيمن يستمر بها الدم بعد أيام الحيض أو الاستظهار و الاكتفاء فيها بغسل واحد للصلاة يجعله دليلا علي تداخل غسل الحيض و الاستحاضة، لعدم وقوع الغسل منها إلا بعد الحكم عليها بالاستحاضة.

مسألة 30: إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الصبح وجب الغسل للظهرين

(1) كما في الرياض، و اختاره شيخنا الأعظم قدّس سرّه حاكيا له عن كاشف الغطاء و ولده الفقيه في شرح رسالته و غيرهما. و يقتضيه قوله عليه السلام في صحيح زرارة- بعد أن تعرض فيه لوجوب تثليث الأغسال للصلوات الخمس في الكثيرة-: «و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد» «1»، و في موثقي سماعة: «و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة» «2»، لظهور الأول في شرطية الغسل في تمام الصلوات الخمس، و الثاني في شرطيته في ارتفاع الحدث حكما في تمام اليوم، فعدم الحاجة له لصلاة الصبح، لعدم تحقق موجب الحدث لا ينافي لزومه للباقي.

بل هو مقتضي إطلاق ما تضمن وجوب الغسل بظهور الدم علي الكرسف و ثقبه له مما تقدم التعرض له في دليل حكم المتوسطة، و تقدم حمله علي بيان وجوب الغسل بالثقب مع الرجوع في مقداره لما تضمن الاكتفاء بالغسل الواحد. حيث يكون مقتضي إطلاقه وجوبه و إن كان خروج الدم بعد صلاة الصبح أو بعد خروج وقتها.

مضافا إلي كونه مقتضي الأصل بعد كون المستفاد من النصوص المذكورة سببية الدم المذكور للحدث الأكبر، فيقتصر في جواز إيقاع الصلاة معه علي المتيقن. و منه يظهر ضعف ما يأتي عن المصابيح من أن الأصل و العمومات تنفي ذلك.

و أما دعوي: أن لازم ذلك تعدد الغسل بتجدد المتوسطة في اليوم الواحد،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3 و باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

ص: 252

______________________________

فلو كان الدم من المتوسطة عند الصبح ثم قلّ أو انقطع، ثم عاد بقدرها عند الظهرين، ثم قلّ أو انقطع، ثم عاد بقدرها عند العشاءين، وجب ثلاثة أغسال، لوضوح أن غسل الصبح لا أثر له في الظهرين و العشاءين بعد فرض عدم استمرار سببه لهما، بل تجدد في وقتهما دم آخر، نظير الدم المفروض في المقام، و هو مما تأباه نصوص الغسل الواحد، لأن حملها علي استمرار الدم بنحو التوسط بلا شاهد. بل هو بعيد جدا، لابتناء الدم المذكور علي الاختلاف و عدم الاستمرار بحال الواحد، فلا بد من ابتنائها علي عدم سببية ما يحدث بعد صلاة الصبح للغسل.

فهي مندفعة بأن ذلك إنما يقتضي البناء علي عدم وجوب تكرار الغسل في اليوم الواحد و العفو عن تجدد التوسط فيه بعد الغسل له، كالعفو عن استمراره، بعد اشتراكهما في عدم رافعية الغسل الواحد السابق لأثرهما، و لا يلزم بالبناء علي اختصاص حدثية دم المتوسطة بما إذا حدث قبل صلاة الصبح أو اختصاص مانعية حدثه بصلاتها، بحيث لا يجب الغسل بحدوث المتوسطة في أثناء النهار، خروجا عما يقتضيه ظاهر النصوص و الأصل المتقدمين.

هذا، و قد صرح في جامع المقاصد عند الكلام في شرطية الغسل للصوم من مبحث غايات الغسل بعدم وجوب الغسل في محل الكلام، كما هو ظاهر الروض هناك، و كالصريح من الروضة هنا و حاشيتها لجمال الدين و غيرها، و عن شرح المفاتيح أنه تبعه في ذلك، و قد يناسبه ما عن البيان من أن الاستحاضة المتوسطة من أفراد الحدث الأصغر بالإضافة إلي غير الصبح، و ما عن محكي شرح الإرشاد للفخر من أن غسل الاستحاضة للوقت لا للصلاة، حيث لم يعممه لتمام اليوم، بل خصه بوقت صلاة الفجر، لبيان شرطيته في خصوص ما يؤتي به فيه من الصلوات و غيرها مما يتوقف علي الطهارة.

و قد أصرّ علي ذلك في الجواهر، قال: «بل لعل المتأمل في كلماتهم يمكنه تحصيل الإجماع علي ذلك» مستشهدا عليه بتخصيصهم الغسل الواحد بكونه للغداة، كما

ص: 253

______________________________

تقدم من جماعة نقل الإجماع عليه، كما تمموا دلالة النصوص عليه بعدم الفصل و منهم الوحيد في شرح المفاتيح حتي قال فيما حكاه عنه: «بل ربما كان بديهي المذهب أنه لو كان غسل واحد فموضعه صلاة الصبح» كما حكي عن السيد الطباطبائي في مصابيحه قوله: «و ظاهر عبائرهم في المقام أن هذا الغسل غايته خصوص صلاة الغداة … و ربما احتمل أن يكون ذلك لجميع الخمس، فيتوقف عليه صحة الجميع. و علي هذا التقدير فلو رأته في غير وقت الفجر احتمل وجوب الغسل، و الأصل و العمومات تنفي ذلك، و قد صرح بعضهم بنفيه، و هو ظاهر كلام الباقين». ثم قال في الجواهر: «و كأن الحكم من الواضح الذي لا يعتريه الشك». و تعجب من صاحب الرياض من حكمه بوجوب الغسل و استدلاله عليه. حتي قال: «و لا يبعد أن يكون ذلك من بعض تلامذته و اشتبه النساخ فيها، لا منه، لخلو بعض نسخ الرياض عن ذلك كله».

و يشكل بأن الإجماع علي تخصيص الغسل للغداة و عدم الفصل بينه و بين الغسل الواحد- لو كان حجة في نفسه- فالمتيقن منه أنه في مقابل وجوب تكرار الغسل أو الاكتفاء به لغيرها، فلا ينافي كونه شرطا في الجميع، و إنما وجب إيقاعه لها لسبقها، بل هو المنسبق من كلماتهم بضميمة ارتكاز عدم الفرق بين أفراد الدم المذكور في سببيتها للحدث الأكبر و عدم الفرق بين الصلوات في مانعية الحدث منها، و أن الاكتفاء بالغسل الواحد للإرفاق بالاكتفاء بتخفيف الحدث به، لا لعدم مانعية حدثها بالإضافة إلي غير الصبح، كما قد يوهمه الجمود علي التعبير بالغسل للصبح.

و لعله لذا صرح في محكي شرح المفاتيح بأن لغسل المتوسطة مدخلية في جميع ذلك اليوم، لأنها حدث أكبر بالنسبة إليها. و هو المناسب لما يأتي من كشف اللثام فيمن لم تغتسل للصبح مع سبق استحاضتها عليها. و لو لا ذلك لم يكن وجه لما يظهر من جامع المقاصد في مبحث أسباب الوضوء من وجوب الغسل عليها لو انقطع دمها انقطاع برء للظهرين أو العشاءين، كما هو مقتضي إطلاق كل من أوجب الغسل علي المستحاضة لو انقطع دمها انقطاع برء، كما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه و إلي بعض

ص: 254

______________________________

المؤيدات الأخري، و إن لم يتضح تمامية بعضها. فراجع.

و أما ما في الجواهر من أنه لو سلم مدخلية هذا الحدث في باقي الصلوات فهو إنما يقتضي الغسل لها لو خرج الدم قبل الصبح، لا أنه يوجب الغسل لو خرج بعدها.

قال: «لعدم ثبوت الاحتياج إلي الغسل في هذا الحال، حتي يحتاج إلي إيجاده. فتأمل».

فهو كما تري، لأن عدم الاحتياج للغسل حينئذ إن كان لاختصاص مانعية حدث المتوسطة بصلاة الصبح، فهو خلاف فرض التسليم بمدخلية الحدث في باقي الصلوات. و إن كان لاختصاص سببية خروج الدم للحدث المانع من جميع الصلوات بما إذا كان قبل الصبح، و أن الخارج بعده لا يوجب الحدث، ليمنع من بقية الصلوات، فهو بعيد جدا، لعدم الفرق ارتكازا بين أفراد الدم، و لذا تكون المرأة مستمرة الحدث باستمرار الدم، كما لا فرق ارتكازا بين الحدوث و الاستمرار. و يناسبه إطلاق النصوص المتقدمة.

نعم، لو كان الشرط في صحة بقية الصلوات مجرد صحة صلاة الصبح و أن الاحتياج فيها لغسل الصبح لذلك يتجه البناء علي عدم وجوب الغسل في الفرض.

لكن لا مجال لتنزيل الإجماع و النصوص علي ذلك. و من هنا لا مجال لدعوي الإجماع علي خلاف ما عرفته من النصوص، ليخرج به عنها.

و أشكل من ذلك ما قد يظهر من الجواهر من التأمل في وجوب الغسل بالدم المذكور حتي لغداة اليوم الثاني لو لم يستمر له علي حاله، لدعوي انصراف النصوص إلي وجوب الغسل لغداة اليوم الذي تري فيه الدم. إذ هو كما تري مخالف لما يستفاد من النصوص من عموم سببية الدم للحدث، فلو فرض اختصاص مانعيته بصلاة الغداة لزم الغسل لها في اليوم الثاني بعد فرض عدم رفع الحدث بالغسل لغيرها في يوم رؤية الدم.

نعم، يتجه ما ذكره بناء علي كون المعيار في وظائف المستحاضة علي كمية الدم في وقت الصلاة. لكنه مخالف لمختاره في غير المتوسطة. فلاحظ.

ص: 255

و إذا حدثت بعدهما وجب الغسل للعشاءين (1)، و إذا حدثت قبل صلاة الصبح و لم تغتسل لها عمدا أو سهوا (2) وجب الغسل (3) للظهرين، و عليها إعادة صلاة الصبح (4). و كذا إذا حدثت في أثناء الصلاة وجب

______________________________

(1) لعين ما تقدم.

(2) و منه أو مثله ما لو انكشف بطلان الغسل لها.

(3) يظهر الوجه فيه مما سبق، بل هو أولي منه، لسببية الدم المذكور للحدث الموجب للغسل بلا إشكال، كما لا إشكال في مانعيته من صلاة الصبح، بل عرفت مانعيته من جميع الصلوات، فيجب إزالته لها بالغسل.

قال في كشف اللثام في مبحث أسباب الوضوء: «و أما المتوسطة و الكثيرة فهما توجبان مع الوضوء غسلا أو أغسالا، و لو بالنسبة إلي بعض الصلوات، مع أن الظاهر أنه بالنسبة إلي الجميع، حتي أن لغسل المتوسطة في الصبح مدخلا في استباحة سائر الصلوات، فإنها لو لم تغتسل فيه لزمها إذا أرادت صلاة البواقي».

لكن استشكل فيه في الجواهر حتي مع التسليم بمانعية الحدث من جميع الصلوات. قال: «لعدم ثبوت مشروعيته بعد فوات المحل الموظف شرعا».

و فيه: أن مقتضي إطلاق النصوص عدم فوت محله. و لا ينافيه الإجماع علي لزوم إيقاعه قبل الصبح، إذ قد يكون لأنه أول وقت الحاجة إليه. و به يستغني عن استصحاب مشروعيته، بل لا مجال له، لأنه تعليقي.

هذا مضافا إلي أن فوات محل الغسل لا يستلزم صحة الصلاة بدونه بعد التسليم بمانعية الحدث منها، بل تعذرها بتعذر شرطها، و لا دليل علي كون فوت محل الغسل مطهرا من الحدث حقيقة أو حكما، بل هو كالمقطوع بعدمه.

(4) بلا إشكال. لفقد شرطها، و قد سبق في ذيل المسألة التاسعة و العشرين أن لذات الاستحاضة المتوسطة قضاء الصلوات علي كلام.

ص: 256

استئنافها بعد الغسل (1) و الوضوء (2).

(مسألة 31): إذا حدثت الكبري بعد صلاة الصبح وجب غسل للظهرين و آخر للعشاءين (3) و إذا حدثت بعد الظهرين وجب غسل واحد للعشاءين (4).

______________________________

(1) لإطلاق ما تضمن حدثية الدم و مانعية الحدث من الصلاة، فيلحقها حكم من أحدث في أثناء الصلاة.

(2) بناء علي وجوب ضمه للغسل حتي في الصلاة الأولي. و قد تقدم الكلام في ذلك في حكم المتوسطة.

مسألة 31: إذا حدثت الكبري بعد صلاة الصبح وجب غسل للظهرين و آخر للعشاءين

(3) يعني: مع استمرارها بعد الشروع في غسل الظهرين و إن لم يستمر إلي وقت العشاءين، علي ما تقدم الكلام فيه. أما لو انقطع قبل الشروع في غسل الظهرين فلا يجب الغسل للعشاءين، علي ما يأتي في المسألة اللاحقة.

(4) بلا إشكال ظاهر فيه و فيما قبله. و لا منشأ هنا لاحتمال الارتباطية بين وظائف الاستحاضة الكبري في الأوقات الثلاثة لليوم، بعد إطلاق نصوصها بالإضافة إلي مبدأ حدوثها. و لا سيما مع ظهور صحيح الصحاف «1» في أن المعيار في الغسل للعشاءين علي سيلان الدم قبلهما من دون نظر لحاله قبل الظهرين.

نعم، قد يتجه ذلك فيما لو حدثت بين الظهرين أو العشاءين، حيث قد يحتمل عدم وجوب الغسل للثانية منهما، لأنها نظير ما عدا الصبح في المتوسطة التي سبق عدم وجوب الغسل لها ممن تقدم.

لكن عرفت ضعفه و أنه لا بد من الغسل، بل هو هنا أظهر، لأن ظهور جملة من نصوص الكثيرة في عدم جواز الفصل بين الصلاتين موجب لظهورها في دخل الغسل في كلتيهما، و لذا يأتي أنه لو فرقت بينهما لزم تجديد الغسل للثانية، فلا يتجه عدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 257

(مسألة 32): إذا انقطع دم الاستحاضة انقطاع برء قبل الأعمال وجبت تلك الأعمال (1)، و لا إشكال. و إن كان بعد الشروع في

______________________________

وجوب الغسل هنا إلا بدعوي اختصاص سببية الدم للحدث بما إذا كان خروجه قبل الصلاتين، دون ما إذا خرج بينهما، نظير ما تقدم من الجواهر في تلك المسألة من اختصاص حدثيته بما إذا خرج قبل الصبح، الذي سبق ضعفه.

هذا مضافا إلي ما أشرنا إليه آنفا من قرب عموم ما تضمن أنها تغتسل لكل صلاتين لغير اليومية، و أنه لا يختص بالظهرين و العشاءين، حيث يتجه إطلاقه لما إذا رأت الدم بين الصلاتين، و يكون مقتضاه تشريع الغسل في الفرض للثانية مع جواز ضم غيرها إليها، و إن لم تكن من اليومية. فلاحظ.

مسألة 32: إذا انقطع دم الاستحاضة انقطاع برء قبل الأعمال وجبت تلك الأعمال

(1) كلماتهم في تحرير فروع انقطاع الدم لا تخلو عن تداخل و اضطراب.

فالأولي الإشارة لمبني المسألة، ثم النظر في صور الانقطاع و فروعه.

فنقول: تكرر منا أن المستحاضة مستمرة الحدث باستمرار خروج الدم. لعدم الفرق ارتكازا في سببية الدم للحدث بين وقت و آخر، و لا بين الحدوث و الاستمرار، و أن الاجتزاء لصلواتها بالوظائف المتقدمة للعفو عن الحدث المتخلل تخفيفا، نظير اجتزاء المسلوس بوظيفته.

و من هنا يتعين البناء علي سببية الدم للحدث بحدوثه و إن لم يستمر إلي وقت الصلاة. و مجرد ظهور النصوص في وجود الدم وقت الصلاة لا ينافي التعميم لفهم عدم خصوصية الوقت عرفا. و إلا فهي ظاهرة في مقارنته للقيام بالوظيفة و اتصاله بها، بقرينة اشتمال جملة منها علي التحفظ بالكرسف. و الاستثفار، و تعجيل الصلاة، و الجمع بين الصلاتين، و بيان الوظيفة في تمام اليوم الظاهر في استمراره في تمامه، مع عدم الإشكال ظاهرا في عدم توقف وجوب الوظائف علي وجوده حين القيام بها.

و دعوي: أن وجوده قبل الوقت ليس منشأ للخطاب بالوظيفة، لعدم الخطاب بالصلاة، فلا مجال لاستفادة سببية للحدث، و إنما يكون منشأ للخطاب بالوظيفة إذا

ص: 258

______________________________

وجد بعد الوقت، تبعا للخطاب بالصلاة. و حينئذ إذا خوطب بالوظيفة بعد الوقت لوجود الدم فيه بمقتضي إطلاق النصوص و استفيد سببيته للحدث، كان ارتفاعه بانقطاع الدم فيه محتاجا للدليل. و لذا يبني علي كونه منشأ للخطاب بالوظيفة بالإضافة لصلاة الوقت اللاحق لو فرض عدم الإتيان بها لذات الوقت الذي خرج فيه الدم.

مدفوعة بأن وجود الدم قبل الوقت لو سلم عدم كونه منشأ للخطاب بالوظيفة بالإضافة للصلاة ذات الوقت، إلا أنه منشأ للخطاب بها بالإضافة إلي غيرها من الصلوات غير الموقتة أو غيرها من الغايات و لو كانت مستحبة.

و علي ما ذكرنا فالمعيار في وجوب الوظائف علي خروج دم لم يتعقبه وظيفة رافعة لأثره، من دون فرق بين الحدوث و الاستمرار، فلو لم تأت بالوظيفة من حين خروج الدم إلي انقطاعه وجبت، كما تجب لو استمر بعد الوظيفة، بل بعد الشروع فيها و لو لحظة، بناء علي صحة الوظيفة حينئذ و لو لضيق الوقت عن استئنافها.

و دعوي: أن استمرار الدم بعد القيام بالوظيفة معفو عنه، و لذا يجوز معه الدخول في الصلاة.

مدفوعة بأن العفو يختص بالصلاة التي يؤتي بالوظيفة لها اكتفاء فيها بتخفيف الحدث للضرورة، و لا دليل علي العفو عنه مطلقا، بل هو خلاف إطلاق ما تضمن اعتبار الطهارة فيما تعتبر فيه بعد ما تقدم من عموم سببية خروج الدم للحدث.

و لعله علي ما ذكرنا يبتني ما في المبسوط و الخلاف من وجوب الوضوء بانقطاع الدم. و لا مجال للإشكال عليه بأن انقطاع الدم ليس من الأحداث، بعد ما نبه له من أن الحدث نفس الدم، فيجب رفعه بعد انقطاعه، و إن اكتفي بالوضوء حاله للضرورة.

نعم، خصه بما إذا كان الانقطاع قبل الصلاة دون ما إذا كان في أثنائها، فضلا عما إذا كان بعدها، و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي. و لعل تخصيصه الوضوء لظهور كلامه في المبسوط في أن الاستحاضة القليلة يتوضأ لها.

لكن لا مجال لذلك في كلام غيره ممن أطلق الاكتفاء بالوضوء للانقطاع للبرء،

ص: 259

______________________________

كما في القواعد و عن جماعة، بل عن نهاية الأحكام التصريح بعدم وجوب الغسل عليها بالانقطاع.

و أما توجيهه في كلام غير واحد بأن دم الاستحاضة يوجب الوضوء مطلقا، و لا يوجب الغسل إلا مع الاستمرار الخاص فعلا أو قوة، دون ما لو انقطع الدم للبرء. فهو كما تري، لاتحاد لسان دليلي سببيته للوضوء و الغسل، و لا سيما مع شمول إطلاقاتهم لفرض الانقطاع في الوقت، بل هو مورد كلام بعضهم. و مثله ما قد يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من دعوي: أن وجوب الوضوء للإجماع، لا لإطلاق الأدلة.

لاندفاعها بعدم ظهور الإجماع، فضلا عن حجيته، مع شدة اضطرابهم في المسألة، و ظهور جملة من كلماتهم في أن الحكم مقتضي الإطلاقات و القواعد، لا مقتضي إجماع تعبدي. و من هنا صرح جماعة بأنه مع الانقطاع للبرء يجب ما يقتضيه الدم من وضوء أو غسل، كما في الدروس و جامع المقاصد و الروض و عن الذكري و غيرها.

و كأن تقييد الانقطاع في كلامهم بما إذا كان للبرء- مع إطلاق كلام الشيخ قدّس سرّه أو ظهوره في الانقطاع للفترة- لدعوي: أن انقطاعه للفترة بحكم عدم الانقطاع، كما في جامع المقاصد و غيره. و لعله لعدم خروجها بذلك عن كونها مستحاضة، بمعني كونها ذات المرض الخاص الموجب لخروج الدم فعلا أو قوة.

و يترتب علي ذلك أن الانقطاع لفترة إن كان في الوقت بعد القيام بالوظيفة قبل الإتيان بالصلاة لا يجب معه تجديد الأعمال للصلاة، و إن قيل بوجوبه مع الانقطاع للبرء، بل استمرار خروج الدم حين الانشغال بالوظيفة معفو عنه بالإضافة لصلاتها، كما لو استمر خروجه في تمام الوقت.

نعم، استثني من ذلك بعضهم- كما في جامع المقاصد- ما إذا كانت الفترة تسع للطهارة و الصلاة، فيجب تجديد الوظيفة. لكن لم يتضح وجهه بعد فرض أن الانقطاع للفترة بحكم استمرار الدم. و إن كان قبل الوقت و استمر إلي الوقت يجب تجديد الوظيفة لصلاة الوقت و إن قيل بعدم وجوبه مع الانقطاع للبرء، كما تقدم من جماعة.

ص: 260

______________________________

بل مقتضي ذلك وجوبه حتي لو كان الانقطاع قبل القيام بالوظيفة لصلاة الوقت السابق و استمر إلي صلاة الوقت اللاحق. فلو انقطع الدم قبل الظهر أو بعده لغير برء فقامت بوظيفته للظهرين و صلتهما ثم استمر انقطاعه إلي العشاءين وجب تجديد الوظيفة لهما. قال في التذكرة: «لو كان الدم كثيرا فاغتسلت أول النهار و صامت، ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال، لا للصوم و لا للصلاة، إن كان للبرء، و لو كان لا له وجب. و لو كانت تعلم عوده ليلا أو قبل الفجر وجب الأغسال الثلاثة».

و كأنه يبتني إما علي أن سبب الحدث هو خروج الدم و أن النقاء المتخلل بين الدميين بحكم خروج الدم، نظير ما ذكر في الحيض، أو علي أن سببه المرض الفعلي اللازم في فرض عود الدم، و عليه فوجوب الوظيفة بخروج الدم لكاشفيته عن سبب الحدث، لا لسببيته بنفسه له، لامتناع سببيتهما معا مع ترتبهما.

كما أنه علي الوجهين يبتني حكم الشك في العود، فيرجع علي الأول لاستصحاب عدم العود، و علي الثاني لاستصحاب المرض. كما يتعين علي الثاني عدم كون الانقطاع مع العود بحكم عدم الانقطاع إذا كان العود لتجدد المرض بعد زواله، لا مع استمرار المرض الواحد و تأثيره الدم المنقطع.

و كيف كان، فلا مجال للأول بعد عدم الدليل علي التنزيل المذكور. و ثبوته في الحيض- لو سلم- لا يقتضيه هنا بعد ظهور الأدلة في تبعية الوظائف للدم. و أما الثاني فقد أشار شيخنا الأعظم قدّس سرّه لوجهه و إن حاول دفعه. قال: «لا شاهد عليه إلا ما ربما يستفاد من إطلاق الروايات من أن هذا المرض الخاص موجب لهذه الأغسال الثلاثة إلي أن يحصل البرء و الشفاء و أنها إذا فعلها [فعلتها. ظ] عوفيت مما فيه. مع أنه لا ريب في صدق المستحاضة و المرأة الدامية عليها قبل الشفاء، كصدق الحائض في أيام النقاء.

و حاصل هذا الوجه: أن المستفاد من كثير من الأخبار أن الحدث الموجب للأغسال هو كونها دامية لا نفس دمها. و لكن الإنصاف أنه خلاف المستفاد من كلمات

ص: 261

______________________________

الأصحاب و معاقد إجماعاتهم من كون حدث الاستحاضة حدثا أو ناقضا أو موجبا للطهارة، كما يظهر ذلك من أكثر الأخبار، سيما الواردة في القليلة، فإن الظاهر أن القليلة و الكثيرة من باب واحد، كما أن كليهما مع السلس و المبطون من باب واحد. فتأمل.

هذا، مع أن الأصل يقضي بالاقتصار في الحكم بالحدثية علي نفس الدم، لأنه المتيقن».

لكن إن أراد من الأصل استصحاب عدم سببية المرض للحدث، فهو- مع معارضته باستصحاب عدم سببية خروج الدم له- غير جار في نفسه بعد كون السببية من الأحكام المنتزعة غير المجعولة. و إن أراد منه استصحاب عدم الحدث حين المرض و انقطاع الدم، فهو إنما يجري في المرض السابق علي خروج الدم، و لا إشكال عندهم في عدم الحدث المقتضي للوظائف معه، و المناسب لكلام من سبق هو الاكتفاء في الحدث بالمرض اللاحق لخروج الدم، و هو مقتضي الاستصحاب للشك في ارتفاع الحدث مع الإتيان بالوظيفة بعد انقطاعه.

و دعوي: أن ذلك إنما يتم بناء علي عدم رافعية الوظيفة للحدث أصلا، أما بناء علي ما سبق منا من رافعيتها للحدث السابق عليها، و أنها تقتضي تخفيف حدث الاستحاضة، فالشك إنما هو في تجدد الحدث ببقاء المرض، و مقتضي الاستصحاب عدم تجدده، لليقين بعدم الحصة الخاصة منه سابقا.

مدفوعة بأن البناء علي ذلك لو أمكن مع كون السبب هو المرض لا نفس خروج الدم فتجدد الحدث لما لم يكن راجعا لتعدد أفراده، بل لاستمرار وجوده مع وحدة وجوده عرفا، فمقتضي الاستصحاب بقاؤه، كما هو الحال في سائر الأمور التدريجية، كالحركة و القراءة و جريان الماء و غيرها. علي ما حقق في محله من مباحث الاستصحاب.

و أما الإجماع فلا مجال لتحصيله بعد عدم توجه القدماء لهذه الخصوصيات و اضطراب كلمات المتأخرين و ذهاب غير واحد منهم لما سبق. كما لا مجال للتعويل عليه بعد معلومية ابتناء كلماتهم علي الرجوع لمفاد النصوص، لا علي جهات تعبدية

ص: 262

______________________________

خفيت علينا.

فالعمدة ما ذكره من ظهور النصوص في سببية نفس الدم للوظائف، بل هو كالمقطوع به من جميعها لا من بعضها، لتعليق الحكم فيها علي نفس الدم بأقسامه الثلاثة، من دون فرق بينها، بل لعله في الكثيرة أظهر، بسبب كثرة نصوصها، و اشتمال جملة منها علي الاستثفار الذي يراد به التحفظ عن سيلان الدم الخارج فعلا.

نعم، علق في بعضها علي عنوان المستحاضة و الدمية. لكن صدقهما في غير حالة خروج الدم مشكل، بل ممنوع. و قياسه علي الحيض تحكم بعد كون الحيض طبيعيا للمرأة في زمن خاص، علي أن ذلك ممنوع في الحيض أيضا، فقد سبق أن النقاء المتخلل بين الدميين طهر، و غاية ما يدعي قيام الدليل علي أنه بحكم الحيض، الذي عرفت أنه مفقود في المقام. و ما ذكره من أنه قد يستفاد من إطلاق النصوص كون المرض بنفسه موجبا للأغسال ما لم يحصل الشفاء، غير ظاهر المأخذ بعد ما ذكرنا.

نعم، في صحيح ابن سنان بعد ذكر الأغسال للدم: «لم تفعله امرأة قط احتسابا إلا عوفيت من ذلك» «1»، و في صحيح الصحاف: «فإنها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها» «2»، و لا إشعار فيهما بما ذكر. بل لازم البناء علي ذلك الاكتفاء في وجوب الوظائف بحدوث المرض في أول أزمنته و إن لم يخرج بسبب الدم بعد، و ببقائه في آخرها بعد انقطاع الدم من دون عود، و لا يظن بأحد البناء علي ذلك. فتأمل.

و من هنا كان القول المذكور في غاية الضعف. و المتعين ما ذكرنا من أن المعيار علي فعلية خروج الدم، غايته أن لا يعتبر في وجوب الوظائف استمراره للوقت، بل يكفي وجوده مع عدم تعقبه بالوظيفة المناسبة له الرافعة لأثره و إن انقطع للبرء أو لفترة، و مع تعقبه بالوظيفة المناسبة لا يجب تجديدها في الوقت اللاحق، سواء كان انقطاعه للبرء أم لفترة. و خلاف ذلك محتاج إلي دليل خاص علي ما يتضح عند الكلام في الفروع التي ذكرها سيدنا المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة إن شاء اللّه تعالي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 263

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الحال في اختلاف مراتب الاستحاضة باختلاف مقدار الدم مع عدم انقطاعه، حيث يتعين ترتيب حكم المرتبة العليا السابقة علي الصلاة و إن لم تستمر لوقتها، كما يتعين الاكتفاء به و عدم ترتيب حكم ما دونها، لاندكاك حكم المرتبة الدانية في حكم المرتبة العالية حتي بناء علي عدم وجوب الوضوء للصلاة الأولي في المتوسطة و لجميع الصلوات في الكثيرة، لما سبق من عدم وجوب الوضوء للصلاة الأولي، بل للصلاتين غير المفرقتين بعد الغسل حتي في القليلة. فإذا صارت الاستحاضة متوسطة أو كثيرة بعد صلاة الصبح ثم صارت قليلة قبل الظهر وجب الغسل للظهرين.

و يقتضيه- مضافا إلي ما سبق من عدم خصوصية الوقت في سببية الدم للحدث- قوله عليه السلام في صحيح الصحاف: «ثم لتنظر، فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ و لتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل» «1»، لظهوره في لزوم الغسل للعشاءين بسيلان الدم بين الظهرين و المغرب، لا بسيلانه عند المغرب.

و مثله في ذلك إطلاق ما تضمن وجوب الغسل بثقب الدم الكرسف و نفوذه فيه مما تقدم التعرض له عند الكلام في حكم المتوسطة، حيث لم يقيد فيه بحدوثه وقت الصلاة أو استمراره له.

و بذلك صرح في الروضة و كشف اللثام، و إليه مال في جامع المقاصد هنا و نسبه لظاهر البيان، و عليه جري جملة من متأخري المتأخرين، بل عن شرح الروضة أنه ظاهر النصوص و الفتاوي. خلافا لما في الدروس من الاعتبار في كمية الدم بأوقات الصلاة، مستدلا عليه فيه و في محكي الذكري بصحيح الصحاف، و قواه في جامع المقاصد في مبحث غايات الغسل، مدعيا أنه الذي يلوح من الأخبار.

لكن صحيح الصحاف ظاهر في الأول، كما عرفت منا تبعا لغير واحد. و أما

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 264

______________________________

غيره من الأخبار فلم يتضح دلالتها عليه عدا ما يظهر من جملة منها من فرض استمرار الكثرة، للأمر فيها بالاستثفار و تعجيل الصلاتين بغسل واحد و نحو ذلك.

لكن الجمود علي ذلك يقتضي اعتبار الاستمرار حال الصلاة بل الاستمرار في تمام اليوم، للأمر فيها بالأغسال الثلاثة لتمام صلوات اليوم، و حيث لا مجال للبناء علي ذلك يتعين حملها علي مجرد بيان سببية الدم الذي يسيل من خلف الكرسف للحدث الذي يحتاج في رفعها حكما للغسل لكل صلاتين، و إن لم يستمر لوقت الصلاة، فضلا عن أن يستمر لحالها في مقابل ما لا يحتاج معه إلا للوضوء أو مع الغسل الواحد لتمام اليوم، بقرينة المرتكزات المشار إليها آنفا. و منه يظهر الجواب عن قوله عليه السلام في صحيح الصحاف بعد ما سبق: «و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقي فإن عليها أن تغتسل في كل يوم و ليلة ثلاث مرات … ». علي أنه لا يبعد كون المراد به أنه لا ينقطع بوضع الكرسف، بل يسيل من خلفه، لا أنه يستمر سيلانه. فلا مخرج عما ذكرنا.

و قد يحمل عليه ما في القواعد من اعتبار الاستمرار في وجوب الأغسال الثلاثة، و إلا فغسل واحد أو غسلان، بحمله علي الاستمرار في الجملة و لو بعد الشروع في الوظيفة السابقة في مقابل الانقطاع قبلها، كما يناسبه إطلاقه وجوب الغسل الواحد مع عدم الاستمرار مع وضوح شموله لما إذا انقطع قبل الوقت.

نعم، يصعب تنزيل ما في الروض علي ذلك، حيث قال: «و اعلم أن وجوب الأغسال الثلاثة في هذه الحالة إنما هو مع استمرار الدم سائلا إلي وقت العشاءين، فلو طرأت القلة بعد الصبح فغسل واحد، و بعد الظهر فغسلان خاصة». إلا أنه قد يتعين بلحاظ ما قربه بعد ذلك من أن الاعتبار في كمية الدم بجميع الأوقات و إن كانت منقطعة في وقت الصلاة، قال: «فلو حصلت بعد صلاة الفجر و انقطعت قبل الظهر وجب الغسل لها». و إلا كان كلامه متدافعا.

إلا أن ينزل الأول علي الاستمرار بعد القيام بالوظيفة للوقت السابق، و الثاني

ص: 265

الأعمال قبل الفراغ من الصلاة استأنفت الأعمال (1) و كذا الصلاة،

______________________________

علي الدم في أول حدوثه. لدعوي: أن مقتضي الوظيفة في الوقت العفو عن الاستمرار للوقت الثاني، فلا يجب تكرارها للوقت الثاني إلا مع الاستمرار فيه. و أما الدم في أول حدوثه قبل القيام بالوظيفة له فهو موجب للحدث من دون موجب للعفو عنه، فيجب القيام بالوظيفة له و إن لم يستمر.

لكنه لا يناسب إطلاقه وجوب الغسل لانقطاع الدم للبرء، بل لعل المتيقن منه صورة الانقطاع بعد القيام بالوظيفة في الوقت السابق، لعدم الفرق بين الانقطاع و تبدل حال الدم من الكثرة للقلة بعد التأمل فيما سبق و يأتي. كما لا يناسب ما سبق منه من أن المرأة تصلي بغسلها ما شاءت من الفرائض و النوافل في الوقت، و أنها لو أرادت الصلاة في خارجه لزمها تجديد الغسل، إذ مرجع ذلك إلي عدم العفو عن استمرار خروج الدم بين الوقتين، فلا وجه لجواز صلاة الوقت الثاني معه و إن لم يستمر إلا مع الغسل.

ثم إنه بناء علي أن المعيار في كمية الدم بأوقات الصلاة فلو قل الدم قبل الظهر بعد كثرته و علم بعود الكثرة بعد صلاة الظهرين فقد يجب الغسل لهما عند من يقول بأن الانقطاع للفترة بحكم عدم الانقطاع، علي ما تقدم الكلام فيه، حيث قد يدعي أن عود الكثرة مستلزم لبقاء حكمها كما كان عود الدم بعد انقطاعه مستلزما لبقاء حكمه. فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي إطلاق وجوب تجديد الوظيفة بانقطاع الدم للبرء في الدروس و جامع المقاصد و محكي الذكري و حواشي الشهيدين علي القواعد و الجعفرية و شرحيها، و مثله ما تقدم من المبسوط و الخلاف من وجوب تجديد الوضوء لو انقطع قبل الصلاة، لأنه و إن اختص بالانقطاع للفترة أو كان المتيقن منه ذلك، إلا أن تعليله بأن الدم حدث، فيجب الوضوء لانقطاعه يعم الانقطاع للبرء.

بل عن الذكري: اني لا أظن أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة

ص: 266

______________________________

مع تعقب الانقطاع، إنما العفو عنه مع قيد الاستمرار. انتهي. لكن عن الجامع: ان انقطاع دم الاستحاضة ليس بحدث، فلو انقطع في الصلاة أتمتها، و إن فرغت من الوضوء و انقطع في وقت واحد صلت به. انتهي. و حكي غير واحد نحوه عن المعتبر، و إن لم يتيسر لي العثور عليه فيه، كما مال إليه في المدارك.

و يظهر ضعفه مما تقدم من أن الانقطاع و إن لم يكن حدثا إلا أن نفس جريان الدم سبب للحدث و العفو عنه مع الاستمرار للضرورة لا ينافي وجوب استئناف الوظيفة له مع عدمه.

نعم، استدل عليه في المدارك بعموم الإذن لها في الصلاة بعد الوضوء. و هو موقوف علي عدم صلوح قرينة الاضطرار لحمل العموم علي صورة الاستمرار. و هو لا يخلو عن إشكال.

و دعوي: أن عدم التعرض في النصوص علي كثرتها لحكم الانقطاع شاهد بعدم وجوب تكرار الوظيفة معه للغفلة عنه.

مدفوعة بندرة انقطاع الدم في الأثناء، لابتناء العمل علي التعجيل، و لا سيما في الكثيرة، لأن انقطاع الدم فيها لا يكون دفعيا غالبا، بل بعد مضي زمن تقل فيه تدريجا.

علي أنه لو حصل الانقطاع في الأثناء واقعا فالعلم به نادر جدا، لغلبة وضع الكرسف و التعجيل بالوظيفة و الصلاة من دون تبديل له بينهما، فلو فرض الانقطاع في الأثناء و العلم به في نادر من الموارد أشكل بناء العرف علي الاستمرار في العمل معه، و عدم وجوب التجديد لتحصيل الطهارة التامة، ليكون إغفال التنبيه عليه في النصوص شاهدا بإمضاء بنائهم.

نعم، لا ينبغي التأمل في عدم وجوب الفحص عن الانقطاع في الأثناء، لخروجه عن المتعارف.

هذا و قد سبق أن الانقطاع يقتضي استئناف الوظيفة التي يقتضيها الدم مطلقا وضوءا كانت أو غسلا، لا خصوص الوضوء و إن صرح به بعضهم. فراجع.

ص: 267

و إن كان الانقطاع في أثنائها (1).

______________________________

(1) لعل الأنسب أن يقول: إن كان الانقطاع في أثنائها، إذ لو كان بعد الفراغ منها فهو خارج عن مفروض الكلام، و يأتي التعرض لحكمه، و لو كان قبلها لم يصدق الاستئناف بالإضافة إليها. إلا أن يعلم به بعد الشروع فيها أو بعد الفراغ منها.

و كيف كان، فقد صرح بوجوب استئناف الصلاة لو كان الانقطاع في أثنائها في الدروس و محكي نهاية الأحكام و الموجز و كشف الالتباس. و قد يستظهر من كل من أطلق وجوب الغسل أو الوضوء بالانقطاع، لدعوي: أن مقتضاه وجوبه حتي للصلاة التي انقطع في أثنائها، الراجع لوجوب استئنافها.

إلا أن يحمل كلامهم علي وجوبهما في مقابل الاستغناء عنهما للعفو عن استمرار الدم بعد القيام بالوظيفة السابقة حتي بالإضافة إلي الصلوات اللاحقة، فلا ينافي جواز المضي في الصلاة التي انقطع في أثنائها. و به صرح في المبسوط و الخلاف، و المنتهي و المختلف و محكي البيان، بل نسبه في مفتاح الكرامة لكل من تعرض لهذا الفرع عدا الكتب الأربعة المتقدمة.

قال في السرائر بعد أن حكي ذلك عن المبسوط: «إذا كان انقطاع دم الاستحاضة حدثا فيجب عليها قطع الصلاة و استئناف الوضوء، و إنما هذا كلام الشافعي أورده شيخنا، لأن الشافعي يستصحب الحال. و عندنا أن استصحاب الحال غير صحيح و أن هذه الحال غير ذلك، و ما يستصحب فيه الحال فبدليل، و هو إجماع علي المتيمم إذا دخل في الصلاة و وجد الماء فانا لا نوجب عليها [عليه. ظ] الاستيناف بإجماعنا، لا أنا قائلون باستصحاب الحال». و هو في محله كما اعترف به غير واحد.

و أما الاستدلال عليه في المختلف و غيره بما تضمن حرمة إبطال العمل. فهو كما تري..

أولا: لعدم ثبوت العموم المذكور.

و ثانيا: لعدم نهوضه بإثبات صحته في فرض احتمال عروض المبطل له، علي ما

ص: 268

و إن كان بعد الصلاة (1) أعادت الأعمال و الصلاة (2).

______________________________

تحقق في محله من مسألة الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و مثله الاستدلال باستصحاب صحتها. لما تحقق هناك من عدم جريانه مع احتمال مبطلية العارض للشبهة الحكمية. بل بناء علي ما تقدم من الإشكال في عموم الأدلة لصورة الانقطاع في الأثناء لا تحرز مشروعية الدخول في الصلاة في الفرض، لا أنها مشروعة يحتمل عروض المبطل لها، ليتجه الاستدلال بعموم حرمة الإبطال، أو استصحاب الصحة، لو غض عما تقدم.

و مما سبق يظهر أنه لا مجال لما عن شرح المفاتيح من جعل المقام كالحدث المتخلل في أثناء الصلاة. إذ فيه: أنه بعد أن كان سبب الحدث هو الدم السابق لا انقطاعه، فإن نهض عموم الأدلة بالعفو عن الحدث في الفرض و مشروعية الدخول في الصلاة كانت بتمامها بطهارة حكمية، و إن قصر عن ذلك لم يكن الدخول فيها مشروعا، لكونها بتمامها مع الحدث.

و لعله لذا قال في الجواهر: «لم أعثر علي من احتمل الصحة ثم التجديد و البناء هنا، كما ذكر في المبطون». فتأمل. و بالجملة: الظاهر عدم الفرق بين الانقطاع قبل الصلاة و الانقطاع في أثنائها، بل يجري في الثاني ما تقدم في الأول.

(1) يعني: مع بقاء وقتها، أما مع خروجه فلا إشكال في عدم وجوب إعادتها.

(2) أما وجوب إعادة الأعمال فهو مقتضي إطلاق من تقدم. كما هو مقتضي الوجه المتقدم حيث يقتضي وجوب إعادتها و لو للصلاة اللاحقة لو فرض عدم وجوب إعادة الصلاة المأتي بها، لأن العفو عن الحدث للصلاة السابقة لا يستلزم العفو عنه للصلاة اللاحقة. و لا سيما مع استمرار الدم بعد الصلاة بفترة، لأن صحة الصلاة إنما تبتني علي العفو عن الدم الخارج قبل الفراغ منها، لا المستمر بعدها.

و أما وجوب إعادة الصلاة فهو و إن نسب في بعض كلماتهم للمشهور، إلا أنه

ص: 269

______________________________

لم يتضح وجه النسبة، بل لا يظهر من الأصحاب البناء عليه، بل قد يظهر من نزاعهم المتقدم في صورتي انقطاع الدم قبل الصلاة و في أثنائها مع عدم تعرضهم لصورة الانقطاع بعدها مفروغيتهم عن عدم وجوب الإعادة في الفرض.

و قد قواه في الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه، مستدلا عليه في الأول بحصول الامتثال، و اقتضاء الأمر الاجزاء، و إطلاق الأدلة. و من الظاهر تفرع الأولين علي الثالث، إذ مع فرض قصور الإطلاق فمقتضي حدثية الدم و عموم مانعية الحدث من الصلاة انكشاف عدم مشروعية الدخول في الصلاة بالانقطاع، فلا امتثال، و لا أمر يقتضي الإجزاء. و مجرد تخيلهما لاعتقاد الاستمرار خطأ لا يقتضي الإجزاء.

فالعمدة في الدليل هو الإطلاق، لظهور الأدلة في الاجتزاء بالوظيفة مع وجود الدم حين الشروع فيها مطلقا أو مع استمراره إلي الفراغ من الصلاة، علي الكلام المتقدم.

نعم، قد يدعي انصرافه عن صورة الانقطاع في الوقت، بسبب ظهور كون الطهارة اضطرارية، فلا يجتزأ بها مع تيسر الصلاة بالطهارة التامة بعد الانقطاع في الوقت. و كأن ذلك هو الوجه فيما احتمله في الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم من وجوب إعادة الصلاة في الفرض. و به جزم غير واحد ممن تأخر عنهما، منهم سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن ذلك لا يناسب عدم التنبيه في النصوص لتأخير الصلاة إلي آخر الوقت و لا للتدارك علي تقدير الانقطاع، مع ما هو الظاهر من كثرة وقوعه مع التقديم في القليلة و الصفرة، بل في الكثيرة أيضا مع إيقاع الصلاة في الوقت الفضيلي الذي تضمنت النصوص الأمر به.

بل هو لا يناسب ما يظهر منهم من المفروغية عن جواز إيقاع الصلاة الموسعة حال الاستحاضة، حيث يكشف عن أن كون الطهارة اضطرارية لا يقتضي الاقتصار في الصلاة بها علي ما يضطر إليه منها.

و قد أشرنا إلي ذلك عند الكلام في حكم الصلاة غير اليومية للمستحاضة. علي

ص: 270

و هكذا الحكم إن كان الانقطاع انقطاع فترة تسع الطهارة و الصلاة (1).

______________________________

أن ذلك لو تم لزمت الإعادة لو انتقلت الاستحاضة من المرتبة العليا للمرتبة الدانية، لوضوح أن حدث المرتبة العليا أشد، فيلزم الاقتصار علي الأخف مع القدرة بالإعادة معه، و لا يظن منهم البناء علي ذلك.

و إن شئت قلت: لو لا المفروغية عن مضي الصلاة الواقعة و عدم لزوم إعادتها بالقدرة علي تجنب الحدث رأسا أو الأشد منه لكثر السؤال عن ذلك، لكثرة الابتلاء بالفروع المبتنية عليه الراجعة إلي مقام الثبوت و الإثبات و التي يشتبه فيها الحكم، كما كثر السؤال و البيان في فروع التيمم الذي هو أظهر في الاضطرار و النقص من المقام، فعدم التعرض لذلك في النصوص ظاهر في الإجزاء الذي هو مقتضي الطبع الأولي عند المتشرعة، بحيث يحتاج إلي التنبيه. كما أن عدم التعرض له في كلام الأصحاب ظاهر في ذلك، و لو كان البناء علي الإعادة لم يخف عليهم، و لنبهوا له، بسبب شيوع الابتلاء بذلك.

نعم، الظاهر عدم جواز البدار مع العلم أو الوثوق بل الظن بالانقطاع في آخر الوقت، لأن ارتكاز نقص الطهارة مانع من إقدام المكلف علي الاجتزاء بها مع ظهور أمارات القدرة علي الطهارة التامة، فلا يبعد انصراف الإطلاقات عنها بسبب ذلك.

بل لا يبعد ذلك أيضا فيما لو علم بانتقالها للمرتبة الدانية. و قد تقدم في مباحث الوضوء الجبيري ما ينفع في المقام. فراجع المسألة الواحدة و الأربعين و الثامنة و الخمسين من مباحث الوضوء.

(1) تقدم عدم الفرق بين الانقطاع للبرء و الانقطاع للفترة، و أن تفريق بعضهم بينهما بدعوي: أن الثاني بحكم عدم الانقطاع، في غير محله، بل لا يناسب ما صرح به بعض هؤلاء من وجوب إعادة الطهارة حينئذ لو حصل الانقطاع بينها و بين الصلاة، و قد تقدم نقله عن جامع المقاصد، كما حكي عن العلامة في نهاية الأحكام و الشهيد.

و منه يظهر أنه لا موقع للكلام في حكم الشك في حال الانقطاع و أنه للبرء أو للفترة،

ص: 271

______________________________

و إن تقدم أن مقتضي الأصل يختلف فيه باختلاف دليل القول بأن الانقطاع للفترة بحكم عدم الانقطاع. فراجع.

و علي هذا يجري جميع ما تقدم في الانقطاع للبرء من وجوب الوظيفة لو كان الانقطاع قبلها من غير فرق بين الغسل و الوضوء، و وجوب الصلاة لو كان الانقطاع بعد الشروع فيها قبل الفراغ من الصلاة، و صحة الصلاة الواقعة قبل الانقطاع مع وجوب تجديد الوظيفة لما بعدها. لكن قوي في الجواهر وجوب إعادة الصلاة هنا.

و هو لا يناسب ما تقدم منه في الانقطاع للبرء من عدم وجوب الإعادة. بل لعل الانقطاع للبرء أولي بوجوب الإعادة.

هذا، و قد صرح بوجوب انتظار الفترة في المنتهي و غيره. و هو مبني علي قصور إطلاق النصوص، لنظير ما تقدم في الانقطاع للبرء. و لازم ذلك وجوب خمسة أغسال في الكثيرة و المتوسطة لو كان لها خمس فترات تسع كل منها الغسل و صلاة واحدة، كما نبه له في العروة الوثقي و أمضاه غير واحد من محشيها.

و دعوي: أن انقطاع الدم لا يكون أشد حالا من الاستمرار. مدفوعة بأنه لا مانع من ذلك إذا كان التخفيف في صورة الاستمرار لتعذر الطهارة التامة و التشديد في صورة الانقطاع لتحصيلها، حيث تنصرف نصوص التخفيف عن الصورة المذكورة، لورودها مورد الاضطرار، و يرجع فيها للقواعد. و لذا يبني علي جواز الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد للمسلوس عملا بالنص، و وجوب إفراده كل صلاة بوضوء مع الفترة المضبوطة بالنحو المذكور هنا، لانصراف إطلاق النص عنها.

نعم، لو كان تحقق الفترة المضبوطة المعلومة شايعا في المستحاضة امتنع انصراف النصوص عنها و كان عدم التنبيه فيها لزيادة الغسل علي القدر المذكور في النصوص موجبا لظهورها في عدم وجوبه معها، لكنه غير ظاهر، بل غاية الأمر شيوع الفترة غير المعلومة أو غير المضبوطة. و لازم ذلك عدم وجوب تحري الفترة و الفحص عنها.

لخروجه عن المتعارف، نظير ما تقدم في حصول الانقطاع بعد الشروع في الوظيفة قبل

ص: 272

بل الأحوط ذلك أيضا إذا كانت الفترة تسع الطهارة و بعض الصلاة (1)،

______________________________

الفراغ من الصلاة. كما لا يجب تدارك الصلاة لو حصلت الفترة بعدها، نظير ما تقدم في الانقطاع للبرء.

كما أنه إذا كانت الفترة في غير وقت الصلاة لا يجب الزيادة علي الغسل الواحد في المتوسطة، كما لو انقطع الدم ضحي و رجع قبل الظهر، حيث لا يلزم من تجديد الغسل تحصيل الطهارة الاختيارية، فلا موجب لانصراف إطلاق الاجتزاء بالغسل الواحد عن ذلك، بل يجري فيه ما تقدم من لزوم كون الانقطاع أشد حالا من الاستمرار. أما انتظار الفترة المضبوطة في الوقت فلا موجب للبناء علي عدم وجوبه مع كونه مقتضي القاعدة في تحصيل الواجب الاختياري مع القدرة. فتأمل.

(1) تقدم عدم وجوب الإعادة مع سعة الفترة للطهارة و تمام الصلاة، فعدمه مع عدمها أولي، كما قطع به في الجواهر.

نعم، قد يدعي وجوب انتظار الفترة المذكورة مع ضبط وقتها، للاقتصار في الصلاة مع الحدث علي المتيقن، و هو الجزء الذي لا بد من وقوعه مع الحدث دون ما يمكن وقوعه منها بلا حدث أصلا. و هو الوجه في احتمال وجوب الإعادة لو قيل به مع سعة الفترة للطهارة و تمام الصلاة. لكن احتمال التفكيك بين أجزاء الصلاة في اعتبار الطهارة مما يغفل عنه العرف بعد ظهور دليل اعتبارها في الارتباطية، فلا ينصرف لأجله إطلاق النصوص. و لذا صرح غير واحد بعدم الاعتناء بالفترة المذكورة، بل نفي الإشكال فيه شيخنا الأعظم قدّس سرّه، كما قد يظهر من غيره المفروغية عنه.

هذا، و لو بني علي الاعتناء بالفترة المذكورة لزم ترجيح الفترة الأوسع التي تستوعب من أجزاء الصلاة الأكثر. كما أنه لو بني علي لزوم الإعادة بحصول الفترة المذكورة لزم إعادتها مرة أخري بحصول الفترة الأوسع، و لو لم تعلم سعة الفترة إلا بعد مضيها لزم إعادة الصلاة بعدها، لانكشاف بطلان الأولي المأتي بها قبلها و وقوعها في غير محلها، و كذا لو تسامحت في إعادة الصلاة فيها مع العلم من أول حدوثها

ص: 273

أو شك في ذلك (1)، فضلا عما إذا شك في أنها تسع الطهارة و تمام الصلاة، أو أن الانقطاع لبرء، أو فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة (2).

______________________________

بسعتها. و كل ذلك مما يكاد يقطع بعدمه، لابتنائه علي تكلف و تعسف مغفول عنه، فعدم التنبيه عليه في النصوص مستلزم لظهورها في عدمه.

(1) بأن احتمل عدم إدراك شي ء من الصلاة و أن الفترة بقدر الطهارة أو تنقص عنها. و عدم وجوب الإعادة هنا أظهر، بل يكاد يقطع بعدمه، إذ قد يستلزم التكرار كثيرا، إذ قد تتكثر الفترات، و حيث لا يعلم بسعة الفترة إلا بعد انتهائها غالبا، يلزم التجديد في كل فترة، لاحتمال سعتها حين حدوثها، حتي تصادف الفترة التي تسع بعض الصلاة، بل أوسع الفترات، بناء علي ما أشرنا إليه من لزوم اختيارها.

هذا، و حيث عرفت عدم وجوب انتظار الفترة التي تسع بعض الصلاة فعدم وجوب انتظار الفترة التي يحتمل سعتها للبعض أظهر.

(2) حيث عرفت عدم وجوب الإعادة مع سعة الفترة للطهارة و تمام الصلاة فعدمه مع الشك في سعتها أولي. بل هو مما يكاد يقطع به، بلحاظ ما أشرنا إليه من استلزام الوجوب التكرار كثيرا لو تعدد الفترات حتي تصادف فترة واسعة، نظير ما سبق مع الشك في سعة الفترة لبعض الصلاة.

هذا، و حيث سبق وجوب انتظار الفترة مع سعتها فهل يجب انتظارها لو علم بوقتها مع الشك في سعتها أو لا؟ و جهان لا يبعد البناء علي وجوب الانتظار، اما مع الشك في مقدار الفترة و امتدادها فلاستصحاب انقطاع الدم، و أما مع تحديدها و الشك في مقدار زمن الطهارة و تمام الصلاة فللشك في القدرة علي الواجب الاختياري الذي يجب معه الاحتياط.

هذا، و في الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم أنها لا تعتني بالفترة حينئذ، للزوم الحرج و عموم النصوص. و يشكل بعدم ظهور الفرق في لزوم الحرج بين العلم بسعة

ص: 274

(مسألة 33): إذا علمت المستحاضة أن لها فترة تسع الطهارة و الصلاة وجب تأخير الصلاة إليها (1)، و إذا صلت قبلها بطلت صلاتها،

______________________________

الفترة و الشك فيها. و أما العموم فحيث فرض قصوره عن صورة وجود الفترة التي تسع الطهارة و تمام الصلاة فالتمسك به مع الشك في سعة الفترة من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

اللهم إلا أن يقال: لو كان الخارج هو مطلق الفترة التي تسع الطهارة و تمام الصلاة لزم كون عدم الإعادة مع عدم العلم بالفترة إلا بعد الصلاة ليس من باب إجزاء الامتثال، بل من باب إجزاء غير الواجب عن الواجب، و هو بعيد جدا. بل الظاهر كون الخارج خصوص الفترة المعلومة من أول الأمر.

و حينئذ يتردد الأمر بين كون الخارج هو مطلق الفترة المعلومة الحصول من أول الأمر و إن لم يعلم بمقدارها، و كونه خصوص الفترة المعلومة الحصول و المقدار معا من أول الأمر، فيلزم البناء علي الثاني اقتصارا في تخصيص العام علي المتيقن.

لكنه لا يخلو عن إشكال، خصوصا مع الشك في سعة الفترة، حيث يكون مقتضي الاستصحاب سعتها.

و قد تحصل من جميع ما سبق: أنه لا يجب الإعادة مع الانقطاع بعد الصلاة لبرء كان أو فترة، و إنما يجب انتظاره مع العلم به أو الظن و ضبط وقته و العلم بسعته للطهارة و تمام الصلاة أو الشك في سعته علي الكلام المتقدم، دون ما إذا علم بعدم سعته لذلك و علم بسعته للطهارة و بعض الصلاة، فضلا عما إذا شك حتي في ذلك.

مسألة 33: إذا علمت المستحاضة أن لها فترة تسع الطهارة و الصلاة وجب تأخير الصلاة إليها

(1) كما تقدم من المنتهي و غيره عند الكلام في حصول الانقطاع بعد الصلاة.

و تقدم الوجه فيه. بل تقدم في الانقطاع للبرء تعميمه للوثوق، بل الظن. كما أن مقتضي ما تقدم منه قدّس سرّه لزوم الاحتياط بانتظار الفترة لو كانت تسع بعض الصلاة لإتمامها، و إن سبق منا المنع منه.

ص: 275

و لو مع الوضوء و الغسل (1). و إذا كانت الفترة في أول الوقت فأخرت الصلاة عنها عمدا أو نسيانا عصت (2)، و عليها الصلاة بعد فعل وظيفتها (3).

(مسألة 34): إذا انقطع الدم انقطاع برء و جددت الوظيفة اللازمة لها لم تجب المبادرة إلي فعل الصلاة (4)، بل حكمها حينئذ حكم الطهارة في

______________________________

(1) أو الوضوء وحده لو كانت الاستحاضة بمرتبة لا تقتضي ما زاد عليه.

إلا أن ينكشف عدم تحقق الفترة بعد ذلك، حيث ينكشف مشروعية الصلاة لها بالوظيفة التي أتت بها معها. لكنه خلاف فرض العلم بتحقق الفترة الذي يختص بصورة الإصابة للواقع، و ليس كالقطع يشمل صورة الخطأ فيه، التي يكون معها جهلا مركبا.

(2) للزوم تحصيل الواجب الاختياري بعد فرض اختصاص تشريع الاضطراري بصورة تعذره، حيث لا يكون في عرضه حينئذ ليتخير بينهما، كما يتخير بين سائر أفراد الواجب التدريجية و منها القصر و التمام، بل يكون في طوله، فهو واجب عينا قبل تحقق الاضطرار، فلا يجوز التفريط فيه بإيقاع النفس في الاضطرار.

(3) لتمامية موضوع تشريعها بتحقق الاضطرار و إن كان مسببا عن تفريطها.

و مجرد عدم الاضطرار إليه في أول الوقت لا ينافي ذلك.

و إن شئت قلت: القدرة علي الواجب الاختياري في بعض الوقت إنما تمنع من تحقق موضوع الواجب الاضطراري ما دامت باقية و لو بتيسر الانتظار، لا بعد ارتفاعها و لو بالتفريط فيه، لإطلاق دليله. و لا سيما مع كثرة حدوث الاستحاضة في أثناء الوقت قبل الصلاة.

(مسألة 34): إذا انقطع الدم انقطاع برء و جددت الوظيفة اللازمة لها لم تجب المبادرة إلي فعل الصلاة

(4) لعدم الموجب لها حينئذ بعد عدم كونها مستحاضة و لا ذات حدث متجدد مستمر، فيقصر عنها ما دل علي وجوب التعجيل مما تقدم. و هكذا الحال في الفترة إذا

ص: 276

جواز تأخير الصلاة (1).

(مسألة 35): إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين و لم تجمع بينهما عمدا أو لعذر وجب عليها تجديد الغسل للعصر (2)، و كذا الحكم في العشاءين.

______________________________

كان أكثر من مقدار الصلاة، حيث يجوز تأخيرها ما لم يلزم وقوع بعض الصلاة حال رجوع الدم.

و منه يظهر جواز التفريق بين الصلاتين لو انقطع قبل الغسل من الكثيرة للأولي. كما لا يجب تجديد الوضوء للثانية إذا لم يتخلل الحدث بينهما حتي لو قيل بوجوب تجديده مع استمرار الدم، لعدم الناقض لطهارتها بعد فرض انقطاع الدم قبل الطهارة للصلاة الأولي.

كما أنه يتعين في الفرض جواز القيام بالوظيفة قبل الوقت لو كان الانقطاع قبله، لاختصاص ما دل علي وجوب إيقاعها في الوقت بالمستحاضة ذات الدم، لا مطلق ذات حدث الاستحاضة، بل هو مستحب، لعموم ما دل علي استحباب الكون علي طهارة، مما تقدم التعرض له عند الكلام في استحباب الوضوء للكون علي طهارة.

(1) بل هي من أفرادها الحقيقية، لا التنزيلية الحكمية. و لذا ليس عليها القيام بالوظيفة فيما يأتي من الصلوات. و يأتي في المسألة السابعة و الثلاثين ما ينافي ذلك من الجواهر.

(مسألة 35): إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين و لم تجمع بينهما عمدا أو لعذر وجب عليها تجديد الغسل للعصر

(2) لأنه مقتضي الأمر بالجمع بين الصلاتين في النصوص و الفتاوي، إذ بعد عدم حمله علي الأمر النفسي- لكون المنصرف في الأوامر الواردة في الماهيات التي تقبل الاتصاف بالصحة و الفساد بيان حدودها الشرعية من أجزائها و شرائطها- يتعين حمله علي الإرشاد لعدم الاعتداد بالغسل الواحد للصلاة الثانية مع التفريق، لعدم العفو عن زيادة الحدث الحاصل من التفريق، دون بيان شرطية الجمع في صحة كلتا الصلاتين، المستلزم لوجوب إعادة الظهر مع عدم الجمع، لعدم المنشأ الارتكازي لها،

ص: 277

(مسألة 36): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدني إلي الأعلي- كالقليلة أو المتوسطة إلي الكثيرة، و كالمتوسطة إلي الكثيرة- فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال في أنها تعمل عمل الأعلي للصلاة الآتية (1). أما الصلاة التي فعلتها قبل الانتقال فلا إشكال في عدم لزوم إعادتها (2).

و إن كان بعد الشروع في الأعمال فعليها الاستئناف و عمل الأعمال

______________________________

ليناسب حمل الأمر المذكور عليه، بخلاف ما ذكرنا.

و لعله لذا صرح جماعة من الأصحاب بجواز التفريق مع تجديد الغسل للثانية، بل في جامع المقاصد و المدارك أنه قطعي، و تقدم عند الكلام في تثليث الأغسال للكثيرة عن المنتهي أنه أفضل، مع بيان وجهه. و ما في الرياض و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه من التوقف في جواز التفريق مع تعدد الغسل في غير محله، سواء أريد به وجوب الجمع نفسيا أم لتوقف صحة كلتا الصلاتين عليه. و نسبته إلي من أطلق وجوب الجمع بغسل واحد في غير محله، بل المنصرف منه ما ذكرنا.

(مسألة 36): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدني إلي الأعلي- كالقليلة أو المتوسطة إلي الكثيرة، و كالمتوسطة إلي الكثيرة

(1) لإطلاق دليلها. و قد تقدم في المسألة الثلاثين و الواحدة و الثلاثين ما ينفع في المقام. و لا مجال لتوهم لزوم أعمال الأدني أيضا لها، ليرتفع حدثه السابق بالإضافة لها. لاندفاعه بأن وظيفة الأعلي رافعة لحدث الادني، بناء علي ما تقدم من اندكاك وظيفة الأعلي في وظيفة الاعلي و إجزائها عنها.

و أما بناء علي عدمه- كما لو قيل بوجوب الوضوء لصلاة الصبح في المتوسطة دون الكثيرة- فلأن ابتناء دم الاستحاضة علي التدرج في الخروج كاشف عن سقوط وظيفة الأدني بحصول الأعلي، و إلا لزم الجمع بين وظيفتيهما دائما.

(2) لعدم الموجب له بعد ظهور كون الحدث المتجدد إنما يمنع من الصلاة الواقعة بعده دون الواقعة قبله. بل مقتضي إطلاق دليل الأدني صحتها بعد فرض القيام بوظيفته لها.

ص: 278

التي هي وظيفة الأعلي كلها (1). و كذا إذا كان الانتقال في أثناء الصلاة، فتعمل أعمال الأعلي (2) و تستأنف الصلاة (3)، بل يجب الاستئناف (4) حتي اذا كان الانتقال من المتوسطة إلي الكثيرة (5) فيما إذا كانت المتوسطة محتاجة إلي الغسل و أتت به، فإذا اغتسلت ذات المتوسطة للصبح ثم حصل الانتقال أعادت الغسل (6) حتي إذا كان في أثناء الصبح، فتعيد الغسل

______________________________

(1) لإطلاق دليلها. و تجتزئ بها عن إتمام وظيفة الأدني التي كانت مشغولة بها، لما ذكرناه من اندكاك وظيفة الأدني في وظيفة الأعلي، أو سقوطها بحصول الأعلي.

(2) لإطلاق دليلها.

(3) بناء علي بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها، و إلا تعين البناء علي ما مضي من صلاتها و إتمامها بعد القيام بالوظيفة ما لم يحدث مبطل آخر، و تمام الكلام في ذلك في محله.

(4) يعني: استئناف الصلاة بعد القيام بوظيفة الأعلي لو حصل في أثنائها، فيدل علي لزوم وظيفة الأعلي لو حصل قبل الصلاة بالأولوية.

(5) كما هو الحال بالإضافة إلي صلاة الصبح لو حصلت المتوسطة قبلها، و لو حصلت بعدها يتم ذلك بالإضافة إلي أول صلاة بعد حدوثها. و أما لو حصلت الكثيرة في أثناء صلاة لا تحتاج للغسل في المتوسطة فالأمر أظهر.

(6) كما نص عليه في العروة الوثقي. و أقره جماعة من محشيها. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لأن إتيانها به قبل حدوث الكثيرة لا يجدي في رفع أثرها، فلا بد من رفعه بإعمال مقتضاها و هو الغسل ثانيا».

و قد يقال: هذا إنما يتم مع انقطاع الكثرة قبل الغسل الثاني، حيث يلزم من الغسل الثاني الصلاة بطهارة تامة من حدث الكثير، أما مع استمراره- كما لعله الأظهر في محل الكلام- فحيث لا تختص حدثية دم الاستحاضة بحدوثه، بل تعم استمراره فاستئناف الغسل إنما يرفع الحدث السابق عليه، دون المقارن و اللاحق فالصلاة بعده

ص: 279

و الوضوء (1) و تستأنف الصبح (2). و إذا ضاق الوقت عن تجديد الغسل

______________________________

صلاة بحدث مستمر باستمرار جريان الدم من حين الشروع في الغسل إلي حين الفراغ منها. أما إكمال الصلاة بالغسل الأول المأتي به للمتوسطة في الفرض فهو لا يستلزم إلا الصلاة بحدث مستمر من أثناء الصلاة إلي الفراغ منها، و هو أقل من الحدث في فرض تجديد الغسل و أولي بأن يكون معفوا عنه، فيلزم المكلف اختيار الصلاة به.

لكنه يندفع بأن الحدث مع الصلاة بالغسل الأول و إن كان أقل من الصلاة بالغسل الثاني، إلا أن مقتضي إطلاق سببية الكثيرة للغسل العفو عن الثاني الأكثر دون الأول الأقل، و ليست الأولوية المذكورة ارتكازية عرفية ظاهرة بنحو تمنع من انعقاد الإطلاق المذكور، و لا عقلية قطعية بعد التأمل و النظر، ليلزم الخروج بها عن الإطلاق بعد انعقاده، لإمكان أن يكون للقيام بالوظيفة دخل في العفو عن الحدث إرفاقا و تخفيفا.

كيف و لازم ذلك عدم وجوب الغسل بحدوث الكثيرة حتي في أثناء الصلاة التي لا تقتضي المتوسطة الغسل لها، كالظهر لو وقع الغسل للصبح، بل حتي لو حدثت قبل الصلاة، فيجب المبادرة للصلاة ما لم يمض علي الدم زمان يساوي زمان الغسل.

كما يلزم ذلك في حدوث الكثيرة رأسا بعد النقاء، فتبادر للصلاة قبل مضي زمان الغسل لعين الوجه المذكور. و كذا في القليلة، فلا يجب الوضوء للصلاة بحدوثها، بل لو كانت علي وضوء فحدثت في أثنائها أتمتها، أو قبلها بادرت إليها ما لم يمض زمان يساوي زمان الوضوء. و لا يظن من أحد البناء علي ذلك، حيث يصعب جدا حمل إطلاقات أدلة وظائف المستحاضة علي صورة مضي زمان بقدر زمان الوظائف، كما لعله ظاهر.

(1) بناء علي وجوبه في الكثيرة.

(2) بناء علي بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها، و إلا لزم البناء علي ما مضي منها نظير ما تقدم.

ص: 280

و الوضوء اقتصرت علي أحدهما و تيممت عن الآخر، و إذا قصر عنهما تيممت عن كل منهما (1) وصلت، و إذا ضاق الوقت عن ذلك أيضا فالأحوط الاستمرار علي عملها ثم القضاء (2).

(مسألة 37): إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلي إلي الأدني استمرت علي عملها بالنسبة إلي الصلاة الأولي (3)، و تعمل عمل الأدني بالنسبة إلي

______________________________

(1) بناء علي عموم بدلية التيمم لضيق الوقت، علي ما يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي. كما تتيمم لو تعذر عليها الغسل بسبب آخر، كالمرض و فقد الماء، بلا إشكال. لعموم دليل بدلية التيمم فيه. و ذلك كله لا يختص بمفروض الكلام، بل يجري في سائر موارد تعذر الوضوء أو الغسل للمستحاضة.

(2) المقام من صغريات فقد الطهورين، و يأتي منه قدّس سرّه في المسألة الواحدة و العشرين من مبحث التيمم لزوم الاحتياط فيه بالوجه المذكور، كما يأتي الكلام في وجهه إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 37): إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلي إلي الأدني استمرت علي عملها بالنسبة إلي الصلاة الأولي

(3) لأن التبدل للأدني لا يوجب الطهر من حدث الأعلي، بل لا يرفعه إلا وظيفته. من دون فرق بين كون التبدل في وقت الصلاة الأولي و كونه قبله، علي ما تقدم الوجه فيه في أوائل المسألة الثانية و الثلاثين بعد الكلام في صورة انقطاع الدم رأسا. و لازم ذلك وجوب تجديد وظيفة الأعلي لو حصل التبدل للأدني بعد القيام بوظيفته قبل الفراغ من الصلاة، للزوم تخفيف الحدث، كما يلزم رفعه رأسا مع القدرة لانقطاع الدم، علي ما تقدم.

نعم، مما تقدم يظهر عدم وجوب الفحص عن تبدل الدم، لأن المتعارف هو المبادرة بعد الوظيفة للصلاة و إكمالها من دون فحص. بل قد يدعي عدم وجوب تجديد وظيفة الأعلي لو كان التبدل للأدني لفترة غير طويلة، لعدم ابتناء الاستحاضة الكثيرة علي الاستمرار، بل علي الصعود و النزول في دفعات غير مضبوطة غالبا. فتأمل.

ص: 281

الباقي (1)، فإذا انتقلت الكثيرة إلي المتوسطة أو القليلة اغتسلت و توضأت

______________________________

كما يظهر مما تقدم أن التبدل لو كان بعد الصلاة لم تجب إعادتها بالحدث الأخف في الوقت.

نعم، لا يبعد وجوب انتظار التبدل بها لو كان متوقعا، سواء كان بنحو لا يعود الأعلي، أم بنحو الفترة التي تسع الطهارة و تمام الصلاة. فراجع.

(1) لإطلاق دليل وظيفة الأدني و ظهور دليل وظيفة الأعلي في فرض بقائه أو عدم رفع حدثه، دون ما لو ارتفع و ارتفع حدثه بالقيام بوظيفته. و لعله لا إشكال فيه، بالنظر للنصوص و الفتاوي، و لذا قيد وجوب تثليث الأغسال باستمرار الكثرة في كلام بعضهم، و لم يظهر الخلاف فيه منهم، و إنما وقع الكلام في تحديد الاستمرار، علي ما أشرنا إليه آنفا.

لكن في الجواهر: «لو لا مخافة خرق ما عساه يظهر من الإجماع و تشعر به بعض الأخبار لأمكن القول بإيجابه الأغسال الثلاثة و إن لم يستمر لحظة بعد الغسل، للإطلاق المتقدم». و ظاهره و إن كان فرض انقطاع الدم، إلا أن مقتضي استدلاله شموله لصورة تبدله من الأعلي للأدني. و كأن مراده بالإطلاق مثل قوله عليه السلام في صحيح زرارة:

«فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثم صلت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل … » «1»، و في موثق سماعة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا … » «2»، لأن الفعل الماضي لا يقبل الاستمرار، بل يصدق مع عدمه.

و يندفع بأن الإطلاق المذكور لم يتضمن كون جواز الدم موجبا للأغسال الثلاثة لخصوص الصلوات الخمس لذلك اليوم أو لخمس صلوات بعده و لو من غير اليوم لو كان حدوثه بعد صلاة الصبح، فإن بني علي الجمود علي الإطلاق لزم الاستمرار علي ذلك مدي الشهور و الأيام، و إن بني علي ملاحظة المناسبات الارتكازية القاضية

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

ص: 282

للظهر و اقتصرت علي الوضوء بالنسبة إلي العصر (1) و العشاءين (2).

______________________________

بتبعية الوظيفة للحدث المسبب عن السيلان لزم اختصاصه بخصوص السيلان الذي لم تتعقبه الوظيفة الرافعة لحدثه، و هو المتعين، كما ذكرنا، بل هو المقطوع به.

(1) لا يخفي أن الاقتصار علي الوضوء لها ليس أثرا للانتقال للأدني، بل هو المتعين علي مبناه قدّس سرّه حتي مع بقاء الاستحاضة علي الكثرة، بل أثر الانتقال للأدني أنها لو فصلت بينها و بين الظهر لم يجب تجديد الغسل لها، حيث تقدم وجوبه مع البقاء علي الكثرة.

و دعوي: أنه يجب تجديد الغسل لو انتقلت للمتوسطة، لأن غسل الظهر إنما يرفع حدث الكثيرة، و لا بد من رفع حدث المتوسطة قبل أول صلاة بعدها، و هي العصر في المقام.

مدفوعة بأن الانتقال للمتوسطة حيث فرض قبل الشروع في غسل الظهر أجزأ غسل الظهر لرفع حدثي الكثيرة و المتوسطة، لتداخل الأغسال. بل لو كان الانتقال بعد الغسل تعين إجزاؤه للعصر، لأن إجزاءه لها مع بقاء الكثرة يقتضي إجزاءه لها مع الانتقال للتوسط بالأولوية، و لا سيما مع ما أشرنا إليه آنفا من ابتناء الاستحاضة الكثيرة غالبا علي الصعود و النزول دون الاستمرار علي نحو واحد، خصوصا بتبديل الكرسف.

و من هنا لا يبعد عدم وجوب الغسل للعصر لو انتقلت قبل غسل الظهر للقليلة و ارتفعت بعده للمتوسطة. نعم، يتجه الغسل للعشاءين. فتأمل.

ثم أن وجوب الوضوء للعصر في فرض الانتقال للمتوسطة أو القليلة لا يتم بناء علي ما سبق منا من عدم وجوب الوضوء في المتوسطة و القليلة للصلاتين الواقعتين بعد الغسل. إلا أن تخل بالمبادرة فيجب تجديد الوضوء، لاختصاص الإجزاء عنه بصورة عدم الفصل، كما تقدم. فراجع.

(2) حيث لا إشكال في وجوب الوضوء لهما و إجزائه بعد فرض الانتقال

ص: 283

(مسألة 38): قد عرفت أنه يجب عليها المبادرة إلي الصلاة بعد الوضوء و الغسل (1). لكن يجوز لها إتيان الأذان و الإقامة (2) و الأدعية

______________________________

للمتوسطة أو القليلة قبل غسل الظهر، كما يظهر مما سبق.

مسألة 38: ما يستثني من وجوب المبادرة

(1) لم يسبق منه التعرض لذلك. نعم، قد يستفاد من ذكره لزوم الجمع بين الصلاتين في الكثيرة، كما قد يستفاد مما سبق في المسألة الرابعة و الثلاثين من عدم وجوب المبادرة علي من قامت بالوظيفة بعد الانقطاع للبرء. و قد تقدم منا التعرض له و لدليله عند الكلام في أحكام أقسام المستحاضة الثلاثة. كما تقدم عدم وجوب المبادرة للصلاة الأولي بعد غسل المتوسطة، غايته أن غسلها لا يجزئ عن الوضوء لها مع عدم المبادرة.

(2) كما قطع به في محكي الذكري، و في المدارك: «و لا يقدح في ذلك الاشتغال بنحو الاستقبال و الأذان و الإقامة من مقدمات الصلاة» و نحوه في جامع المقاصد مضيفا إليه الستر، و مثله في الروض إلا أنه عبر بتحصيل القبلة، الذي لا يبعد كون المراد به الفحص عنها عند الجهل بها الذي هو الظاهر من الاجتهاد فيها الذي حكي عن نهاية الأحكام جوازه، و عن غير واحد إطلاق جواز الاشتغال بمقدمات الصلاة، و زاد عليها في الدروس و محكي نهاية الأحكام انتظار الجماعة.

و الذي ينبغي أن يقال: لا ينبغي التأمل في جواز ما يتعارف وقوعه من كل فصل، كالأذان و الإقامة، لأن تعارف وقوعه موجب للغفلة عن مانعيته، فعدم التنبيه علي مانعيته موجب لظهور إطلاق النصوص في جوازه و عدم نهوض قرينة الاضطرار بالمنع عنه.

و كذا ما يتعارف وقوعه من خصوص الاستحاضة و يحتاج تجنبه إلي عناية كتنشيف البدن و الانتقال للمصلي من المتوضأ و المغتسل و لبس الساتر و الاستقبال و نحوها، للوجه المذكور أيضا.

و أما مثل تحري القبلة و انتظار الجماعة إذا اقتضي زمانا معتدا به فلا يخلو جوازه

ص: 284

المأثورة (1) و ما تجري العادة بفعله قبل الصلاة، أو يتوقف فعل الصلاة علي فعله و لو من جهة لزوم العسر و المشقة بدونه (2)، مثل الذهاب إلي

______________________________

عن إشكال بل لا يبعد عدم جوازه، كما قد يظهر من الخلاف، لعدم تعارفه لا من مطلق المصلي و لا من خصوص المستحاضة، و لا سيما ما تضمنه جملة من النصوص من المحافظة علي الوقت الفضيلي في الصلاتين بتأخير الأولي و تقديم الثانية، لعدم تعارف حصول الجماعة بالنحو المذكور.

(1) بالمقدار المتعارف الذي هو لا يحتاج إلي زمان معتد به ظاهرا، أما ما زاد عليه فلا يخلو عن إشكال.

(2) الظاهر أن المعيار علي المتعارف، كما لو أمكنت الصلاة قريبا من المتوضأ أو المغتسل و كان ما تسجد عليه في متناول يدها، لا يخل الفصل المذكور، و لا تكلف بالوضوء أو الغسل في مكان الصلاة بعد تهيئة ما تسجد عليه، و لا يكفي مطلق المشقة، كما لو لم يتيسر لها ذلك و احتاج الانتقال للمصلي و تهيئة ما تسجد عليه أو تتستر به إلي زمان طويل، بل الظاهر أنه يكون بحكم تعسر الغسل أو الوضوء الذي ينتقل معه للتيمم، لمنافاة ذلك للمبادرة التي يظهر من الأدلة اعتبارها.

نعم، في صحيح معاوية بن عمار: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر … و تضم فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج.. و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلاة بوضوء» «1». و ظاهره جواز ذهابها للمسجد و إطلاقها شامل لصورة بعد المسجد و احتياج المضي إليه إلي زمان طويل، فيجوز و لو لم يلزم العسر في الصلاة في غيره.

اللهم إلا أن يمنع ثبوت الإطلاق له، لعدم وروده لبيان جواز الذهاب للمسجد، بل لكيفية الصلاة فيه في صورتي الاستحاضة، مع المفروغية عن الذهاب له، فيقتصر علي المتيقن منه الذي يناسبه وضع المستحاضة، و هو صورة قربه و عدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحاضة حديث: 1.

ص: 285

المصلي و تهيئة المسجد و نحو ذلك، و كذلك يجوز لها الإتيان بالمستحبات في الصلاة (1).

(مسألة 39): يجب عليها التحفظ من خروج الدم (2) بحشو الفرج

______________________________

منافاته للتعجيل.

علي أنه قد يحمل المسجد علي محل الصلاة و السجود في البيت، لا علي المسجد المعروف، لوضوح أن الوضع الذي تضمنه صدر الحديث إنما يتيسر في الجلوس في محل السجود في البيت، بأن ترفع فخذيها و تضمهما لصدرها، و تجلس علي عجيزتها، فيخرج بدنها عن محل السجود، و لا يتيسر في المسجد المعروف إلا بجلوسها علي حافة الباب، الذي هو كالمتعذر في حقها.

و ليس المقصود منه تجنب جلوسها في المسجد بسبب الحدث، كي يناسب المسجد المعروف، دون محل الصلاة، بل تجنب خروج الدم بتخفيف الضغط علي الرحم بسبب الجلوس علي العجيزة و منع خروج الدم بضم الفخذين للصدر، بخلاف ما لو جلست علي قدميها، حيث ينبت القدمان في الحوض، فيضغط الرحم بثقل البدن، من دون أن يمنع الدم بضم الفخذين. فتأمل.

(1) للإطلاق بعد عدم صلوح قرينة الاضطرار للتقييد بسبب الغفلة عن ذلك. لكن المتيقن منه ما لا يحتاج إلي زمان طويل دون غيره، لعدم تعارفه عند عامة المصلين و نحوه في ذلك التطويل في نفس أجزاء الصلاة باختيار السور الطوال غير المتعارفة، خصوصا ما زاد عما ورد استحبابه بالخصوص. فلاحظ.

مسألة 39: يجب عليها التحفظ من خروج الدم
اشارة

(2) كما هو ظاهر الفقيه و المقنع و صريح المعتبر و التذكرة و المنتهي و الدروس و الروض و المدارك و محكي التلخيص و التحرير و نهاية الأحكام و البيان، و نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه، و قد يظهر مما ذكروه من وجوب تغيير الخرقة- الذي ادعي عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة- المفروغية عنه. فتأمل.

ص: 286

بقطنة و شده بخرقة و نحو ذلك (1)، فإذا قصرت و خرج الدم أعادت الصلاة (2). بل الأحوط إعادة الغسل (3)، و إن كان العدم أقرب (4).

______________________________

بل قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «نسبه إلي ظاهر الأصحاب جماعة، بل قيل: إن الإجماع عليه ما بين ظاهر و صريح مستفيض». و يقتضيه النصوص الكثيرة الآمرة بالاستثفار و التعصب و نحوهما.

(1) لعل منه تجنب بعض الحركات و أنحاء الجلوس الموجبة لخروج الدم، كما أشير إليه في صحيح معاوية المتقدم.

(2) لا يخفي أن ظاهر نصوص المقام كون الأمر بالتحفظ لتجنب خروج الدم، و مقتضي سوقه في مقام بيان وظيفة المستحاضة كونه بلحاظ مانعيته شرعا، لا لكونه مرغوبا عنه للمرأة، لعدم كون بيانه حينئذ وظيفة للشارع، و لا لحرمته نفسيا، لابتناء وظيفة المستحاضة علي كون الغرض منها تصحيح الصلاة و بيان ما يعتبر فيها. و لازم ذلك كون بطلان الصلاة بدونه متيقنا، إما لمبطليته لها رأسا، أو لمبطليته للطهارة التي هي شرط فيها.

و أما الاستدلال علي مبطليته للصلاة بالقاعدة، لمانعية النجاسة من الصلاة.

فهو- مع توقفه علي مانعية الدم المذكور، إما للبناء علي عدم العفو عن دم الاستحاضة مطلقا و لو في المحمول، أو لفرض إصابته البدن أو الثوب بمقدار الدرهم- إنما يتم مع العلم بخروجه حين الصلاة، للعفو عن النجاسة مع الجهل بها حين الصلاة، و عدم وجوب التحفظ منها قبلها إذا لم تكن معلومة.

(3) بل جزم بوجوبه في الروض و الحدائق و محكي نهاية الأحكام و الذكري، و يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه الميل إليه، و في كشف اللثام أنه لو خرج الدم بعد الوضوء بطل.

(4) كما مال إليه في الجواهر. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لأن سوق الأمر

ص: 287

______________________________

به مساق الأمر بالوضوء و الغسل يقتضي كونه شرطا للصلاة لا غير. مع أن إجمال النصوص في ذلك موجب للرجوع إلي استصحاب عدم الانتقاض».

لكنه يشكل بعدم صلوح السياق المذكور للقرينية علي ذلك بعد كون شرط الطهارة شرطا للصلاة أيضا. و لا سيما مع ظهور دليل التعجيل بالصلاة في الاهتمام بتقليل الدم، بنحو يلزم إعادة الطهارة بدونه. بل لما كان ظاهر الأمر بالتحفظ قدح خروج الدم فمقتضي إطلاقه قدحه و لو خرج قبل الصلاة و لازمه بطلان الطهارة به.

و من هنا كان بطلان الطهارة به مقتضي ظاهر النصوص.

علي أنه لو فرض إجمالها من هذه الجهة فلا مجال لاستصحاب عدم الانتقاض، للقطع بالانتقاض بناء علي ما تكرر من كون المستحاضة مستمرة الحدث، و أن جواز الصلاة لها مع القيام بالوظيفة ليس لعدم ناقضية خروج الدم بعدها لها، بل للعفو عن الحدث و الاكتفاء بتخفيفه. و حينئذ يلزم الاقتصار في العفو علي المتيقن، و هو ما لا يمكن تجنبه، دون ما يخرج بسبب عدم التحفظ. و ما في الجواهر من أن مقتضي النصوص العفو عن حدثيته بعد الطهارة، غير مسلم علي إطلاقه.

نعم، قد يدعي أن جملة من نصوص المستحاضة و إن اشتملت علي التحفظ، إلا أنه اقتصر في جملة منها علي الوضوء و الغسل، و مقتضي إطلاق هذه الطائفة عدم وجوب التحفظ من خروج الدم و عدم مبطليته لا للطهارة و لا للصلاة، فمع فرض إجمال نصوص التحفظ و ترددها بين مبطليته للطهارة و مبطليته للصلاة فقط يتعين البناء علي الثاني اقتصارا في الخروج عن الإطلاق المذكور علي المتيقن.

اللهم إلا أن يقال: إن ما تضمن الاقتصار في بيان الوظيفة علي الوضوء و الغسل لما كان واردا لبيانها مقدمة للصلاة، فهو في مقام بيان شرط الصلاة فإطلاقه إنما ينعقد من حيثيتها، دون حيثية الطهارة بنفسها مع قطع النظر عنها، ليمكن الرجوع له في فرض إجمال نصوص التحفظ. علي أنه قد يمنع انعقاد الإطلاق لنصوص الاقتصار المذكورة، لانصرافها إلي صورة التحفظ، لأنه المتعارف، و لارتكاز ناقضية خروج

ص: 288

______________________________

الدم المقتضي للاقتصار في العفو عنه علي ما لا بد منه. فتأمل.

هذا كله إذا لم يلزم من الاستيثاق بعد خروج الدم ثم الصلاة بعده الاخلال بالموالاة المعتبرة، أما لو أخل بها- كما لو خرج بنحو يحتاج إلي التطهير، أو في آخر الصلاة أو نحو ذلك- فلا ينبغي الإشكال حينئذ في بطلان الطهارة من هذه الجهة.

بقي في المقام أمور..
الأول: قد يستفاد من إطلاقهم وجوب التحفظ في جميع أقسام المستحاضة و عدم اختصاصه بالكثيرة،

بل قد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه، و أن الكلام إنما هو في وقته، علي ما يأتي في الأمر الثاني. لكن لا يبعد عدم وجوبه في القليلة، بمعني عدم قدح زيادة الدم ما لم يبلغ الثقب. لخلو نصوصها و نصوص الصفرة علي كثرتها عن التعرض له، و ورود نصوص التحفظ في غيرها. بل هو الظاهر من صحيح معاوية بن عمار المتقدم عند الكلام في إخلال الخروج إلي المسجد بالمبادرة، لأن التعرض فيه للكثيرة و القليلة، و تضمنه التحفظ في الأولي دون الثانية ظاهر في عدم وجوبه فيها.

نعم، تضمن صحيح الصحاف «1» الأمر به عند الغسل من الحيض من دون تفصيل بين الأقسام، و في خبر زرارة: «ثم هي مستحاضة فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ [يثقب] الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلت» «2»، و هو ظاهر في القليلة. لكن لا يبعد حمل الأول علي كون الاستيثاق لاحتمال الكثرة الذي تضمن الفحص عنها بعد الصلاتين الأوليين، و الثاني علي كون الاستيثاق للإرشاد إلي تجنب نفوذ الدم الموجب للغسل لا إلي تجنب زيادته من دون أن ينفذ. كما قد يحمل عليه ما تضمنه بعضها «3» من وضع الكرسف، و إلا فالكرسف وحده لا يمنع زيادة خروج الدم في ضمن عدم بلوغ مرتبة الثقب.

كما لا يبعد أيضا عدم وجوب التحفظ في المتوسطة، لاختصاص نصوصه بالكثيرة بقرينة اشتمالها علي حكمها. بل قد يظهر من صحيح زرارة عدمه فيها،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 9، 8، 10، 12.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 9، 8، 10، 12.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 9، 8، 10، 12.

ص: 289

______________________________

لقوله عليه السلام فيه: «تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم، و إلا اغتسلت و احتشت و استثفرت [و استذفرت] و صلت، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت ثم صلت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد» «1».

لأن التعرض في ذيله للتعصب في الكثيرة دون المتوسطة ظاهر في التفصيل بينهما فيه، و يحمل ما في صدره من إطلاق الأمر بالاستثفار علي الصلاتين الأوليين بعد غسل النفاس، لاحتمال الكثرة، نظير ما تقدم في صحيح الصحاف. فتأمل.

نعم، لو لزم من عدم التحفظ في القليلة و المتوسطة انتقال الاستحاضة للمرتبة العليا فلا إشكال في ترتب حكمها، كما تقدم حمل بعض النصوص عليه.

الثاني: بناء علي مبطلية خروج الدم بسبب عدم التحفظ للصلاة دون الطهارة يتعين اختصاص التحفظ بحال الصلاة،

كما قد يظهر من الجواهر. و أما بناء علي ما تقدم منا من مبطليته للطهارة أيضا فاللازم عدم اختصاصه بحال الصلاة. و لذا حكي عن بعضهم لزوم تقديمه علي الوضوء في القليلة و المتوسطة بالنسبة إلي غير الغداة، بناء منهم علي عموم وجوب التحفظ لهما.

بل ظاهر المفيد تقديمه حتي علي الغسل، حيث قال في المقنعة: «و إن كان الدم كثيرا فرشح علي الخرق و سال منها وجب عليها أن تؤخر صلاة الظهر عن أول وقتها ثم تنزع الخرق و القطن و تستبرئ بالماء و تستأنف قطنا نظيفا و خرقا طاهرة تتشدد بها و تتوضأ وضوء الصلاة ثم تغتسل … ». لكنه كما تري، لأن الغسل حال التشدد بالخرق كالمتعذر بعد وضوح عدم إرادة الانغماس في الماء أو ما يشبهه ليستنقع الشداد به و يصل للبشرة، لما يستلزمه من تنجس الماء المستنقع فيه بالدم، و تنجس البدن به بعد ذلك فلا يتيسر الصلاة به، خصوصا مع المحافظة علي المبادرة.

علي أن النصوص لا تقتضي ذلك عدا ما قد يشعر به تأخير الغسل عن التعصب

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 290

______________________________

في صحيح زرارة المتقدم، المعارض بتقديمه علي الاحتشاء و الاستثفار في صدره و في غيره من النصوص. بل في صحيح الصحاف: «فلتغتسل ثم تحتشي و تستذفر» «1» و في حديث عبد الرحمن: «فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر» «2». و من ثم قال بعضهم فيما حكي عنه: «ان قضية الأخبار و كلام الأخيار كون الاستظهار بعد الغسل».

نعم، قال في الجواهر: «و مع ذلك فإيجابه محل نظر، لأولوية فعله في أثناء الغسل عليه بعده، و لانصراف الذهن إلي عدم إرادة الإيجاب من ذلك، بل هو لغلبة حصول مشقة الغسل في الأثناء … ». و ما ذكره غير بعيد، و إن كان الظاهر أن تأخير الغسل عن الاستظهار أقرب للتعذر منه للمشقة. و أن ما ذكره قدّس سرّه بعد ذلك من وضوح منع تعذره ممنوع.

و كيف كان، فمقتضي ما تقدم وجوب المبادرة للتحفظ بعد الغسل بالوجه المتعارف.

الثالث: قرب في الروض و محكي الذكري وجوب التحفظ من الدم علي الصائمة في تمام النهار،

بناء علي توقف الصوم علي الغسل، و عن نهاية الأحكام القطع به قال في الروض: «لأن تأثير الخارج في الغسل و توقف الصوم عليه يشعر بوجوب التحفظ كذلك»، و قال في محكي الذكري: «لأن توقف الصوم علي الغسل يشعر بتأثره بالدم».

لكن لا مجال له بناء علي عدم مبطلية الدم للطهارة. بل و كذا بناء علي مبطليته لها، لأن ظاهر النص الآتي التوقف علي الغسل بالنحو الذي يعتبر في الصلاة دون ما زاد علي ذلك، و إلا لاحتاج إلي تنبيه. بل لعل السيرة علي خلافه. و غاية ما يقتضي ذلك توقف صحة الصوم علي التحفظ بالمقدار الذي يتوقف عليه صحة الصلاة.

بل حيث كان مفاد النص الآتي وجوب القضاء علي من لم تغتسل، لا علي من لم تصح منها الصلاة فلا يبعد البناء علي عدم اعتبار التحفظ في الصوم أصلا، لأن اعتباره في الصلاة ليس لعدم صحة الغسل و قصور في تأثيره، بل لظهور نصوصه في

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

ص: 291

______________________________

عدم العفو في الصلاة عن الحدث الزائد بزيادة خروج الدم، المناسب لعموم اعتبار الطهارة فيها، و لم يثبت ذلك في الصوم، كما لا عموم لاعتبار الطهارة فيه. و لذا قد يلتزم بصحته مع بطلان الصلاة بالإخلال بالمبادرة، أو لخلل آخر في نفس الصلاة.

بل لعله لا إشكال فيه بينهم، حيث يبعد جدا بناؤهم علي بطلان الصوم لو انكشف بعد خروج الوقت بطلان الصلاة بزيادة ركن مثلا مع فرض الغسل لها. فلاحظ.

الرابع: النصوص و إن اشتملت علي الاستثفار و الاستذفار و التلجم و التعصب و ضم الفخذين و الاستيثاق، إلا أن الظاهر رجوع الجميع للأخير من دون خصوصية لها

لأنه الأثر المقصود منها، بل لو فرض عدم دخلها في منع خروج الدم لم يجب شي ء منها.

نعم، قد لا يناسب ذلك الاستذفار الوارد منفردا في صحيح الصحاف «1»، و نسخة في صحيح الحلبي و زرارة «2»، حيث فسر في ذيل صحيح الحلبي بالتطيب و الاستجمار بالدخنة و غير ذلك. لكن الظاهر أنه من الكليني، لا من تتمة الحديث.

و لم أعثر علي شاهد له في كلام اللغويين، فإنه و إن ذكر غير واحد منهم أن الذفر شدة الرائحة، إلا أنهم لم يذكروا الاستذفار بالمعني المذكور، بل في لسان العرب و غيره: «و استذفر بالأمر اشتد عزمه عليه و صلب له». و حمله علي ما يناسب المقام غير بعيد و إلا تعين حمله علي الاستحباب، لعدم مناسبته لكثرة الدم، و إهمال الأصحاب له في جملة الوظائف بل لعل ذلك يجري أيضا في ضم الفخذين الذي تضمنه صحيح معاوية بن عمار «3» المتقدم، لإهمالهم له مع احتياجه للتنبيه لو كان واجبا. و لا سيما مع إهماله في بقية النصوص مع ظهور بعضها- كمرسلة يونس «4» و صحيح الصحاف «5» - في فرض كثرة الدم بمرتبة شديدة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 2، 5، 1.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 292

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 2، 5، 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7، 2، 5، 1.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.

ص: 292

مسألة 40: جملة من أحكام المستحاضة
صوم المستحاضة
اشارة

(مسألة 40): الظاهر توقف صحة الصوم من المستحاضة علي فعل الأغسال النهارية في الكثيرة (1)

______________________________

(1) هذا الحكم في الجملة معروف بين الأصحاب، و به صرح في صوم المبسوط و النهاية و المعتبر و المنتهي، و في السرائر و الشرائع و النافع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و المختلف و الدروس و ظاهر الفقيه، بل و الكافي و عن ابن الجنيد و التحرير و نهاية الأحكام و الموجز و شرحه و الجعفرية و غيرها.

و ربما يكون تركه في كلام بعضهم ليس للخلاف فيه، بل للاكتفاء بما ذكروه تصريحا و تلويحا من توقف كونها بحكم الطاهر علي الوظائف المذكورة مع مفروغيتهم عن توقف الصوم علي الطهارة في الجملة.

و لعله لذا كان ظاهر بعض كلماتهم المفروغية عنه، و استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه، و نفي في الجواهر وجدانه، كما نسبه إلي مذهب الأصحاب في المدارك و محكي الذخيرة و شرح المفاتيح، بل صرح بالإجماع عليه في جامع المقاصد و الروض و محكي حواشي التحرير و منهج السداد و الطالبية و اللوامع.

و اقتصر في مبحث الاستحاضة من المبسوط علي نسبته إلي رواية أصحابنا، و قد استظهر غير واحد منه التردد فيه، كما يستظهر أيضا من المعتبر و المنتهي في المبحث المذكور، لاقتصارهما علي نقل كلامه، و في المدارك و البحار و الحدائق أنه في محله، كما يظهر التردد أيضا من كشف اللثام و الحبل المتين و محكي شرح الإرشاد للأردبيلي و مما عن جماعة من متأخري المتأخرين من تأويل الحديث الآتي بما لا يناسب الحكم المذكور مع انحصار دليله به.

هذا، و يدل علي الحكم المذكور صحيح علي بن مهزيار: «كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلت و صامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب: تقضي صومها و لا تقضي

ص: 293

______________________________

صلاتها، لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان يأمر فاطمة عليها السلام و المؤمنات من نسائه بذلك» «1».

و لعله هو المراد برواية أصحابنا التي سبق ذكرها من المبسوط، إذ لم يذكر في كلماتهم غيره، و لا يضر إضماره بعد كون رواية مثل ابن مهزيار ممن يعلم أنه لا يروي عن غير الإمام، خصوصا مع ظهور رواية قدماء الأصحاب له و إيداعهم إياه في كتب الحديث و استدلالهم به في المفروغية عن كونه من أحاديثهم عليهم السلام.

و قد أورد علي الاستدلال به بوجهين آخرين.

أحدهما: اشتماله علي أمر فاطمة عليها السلام بذلك مع تظافر نصوص الخاصة و العامة بأنها لم تر حمرة قط في حيض و لا نفاس و مع ما هو المعلوم من عدم اخلالها بوظيفة مشروعة. و أما حملها علي فاطمة بنت أبي حبيش المعروفة بكثرة ابتلائها بالاستحاضة، و فيها جرت سنتان من سننها الثلاث التي تضمنتها مرسلة يونس الطويلة «2». فهو بعيد عن ظاهر إطلاق هذا الاسم، و لا سيما مع إلحاقه بالصلاة و السلام عليها.

نعم، في الوسائل و الحدائق و غيرهما أن ذلك مختص برواية الكافي و التهذيب و أنه روي في الفقيه و العلل خاليا عن ذكر اسمها عليها السلام، بل فيهما: «لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك». و هو لو تم كفي في دفع الإشكال، لسقوط رواية الكليني و الشيخ بالمعارضة لرواية الصدوق، و قد تحقق في محله عدم الترجيح لنسخة الزيادة.

إلا أن الموجود في الطبعة الحديثة للفقيه موافق لرواية الكافي و التهذيب، و مقتضي ذلك التعارض بين روايتي الصدوق في كتابيه المسقط لهما عن الحجية و انفراد رواية الكافي و التهذيب بها. لكن حيث كان الموجود في بعض طبعاته القديمة كما نقله عنه الجماعة الذين لا يقصر نقلهم عن بعض النسخ فغاية الأمر اختلاف نسخ الفقيه المسقط لها عن الحجية، فلا تنهض بمعارضة رواية العلل، و لا سيما مع اختلاف سندها عن سند الفقيه، بل تنهض رواية العلل بمعارضة رواية الكافي و التهذيب.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4 و باب: 5 منها حديث: 1.

ص: 294

______________________________

و لعل الأولي دفع الإشكال- مضافا إلي أن سقوط التعليل لا يمنع من الاستدلال بأصل الجواب- بأن أمرها عليها السلام بذلك ليس لعمل نفسها، بل لتعليم غيرها. كما ورد نظيره في صحيح زرارة الوارد في قضاء الحائض الصوم دون الصلاة علي بعض نسخه «1». كما قد يحمل عليه أمره صلّي اللّه عليه و آله و سلم لنسائه بذلك، لظهوره في أمرهن كلهن أو أكثرهن به و لم يعرف ابتلاؤهن كذلك بالاستحاضة، فضلا عن أن لا يؤدين وظيفتها، و هن في ظل صاحب الشريعة صلّي اللّه عليه و آله و سلم.

ثانيهما: ما تضمنه من قضاء الصوم دون الصلاة، مع ظهور عدم بناء الأصحاب علي ذلك، بل العكس هو الأنسب بعموم شرطية الطهارة في الصلاة، و استثنائها من عموم: «لا تعاد الصلاة» «2»، و بعدم عموم شرطيتها في الصوم، فلا يبطل بحدث مس الميت مطلقا، و لا بتعمد البقاء علي الجنابة إذا لم يتعمد إحداثها في أثناء النهار، و لا بالبقاء عليها عند طلوع الفجر لا عن عمد.

و في التهذيب بعد ذكر الصحيح: «إنما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا، و لا تعلم ما يلزم المستحاضة، فأما مع العلم بذلك فالترك له علي العمد يلزمها القضاء».

لكنه- مع بعد البناء عليه بالنظر لاستثناء الطهارة من عموم: «لا تعاد»، و لظاهر حال الأصحاب- إن رجع إلي حمل قضاء الصوم فيه علي ما يعم الصورة المذكورة لزم أشدية الصوم من الصلاة بالإضافة للطهارة، و قد سبق عدم مناسبتها لما سبق، و إن رجع إلي حمل قضائه علي خصوص صورة تعمد ترك الأغسال مع العلم بوجوبها لزم التباين بين موضوعي التفصيل بين الصوم و الصلاة، فيكون التفصيل المذكور فيه موضوعيا مع اتفاقهما في الحكم، و لا مجال لحمل الصحيح عليه، بل هو تعسف يهون دونه طرح الحديث، لأنه من المشكل. كما ذكره في الجملة سيد المدارك و غيره.

هذا، و قد ذكر غير واحد أن تعذر العمل ببعض فقرات الحديث لا يقتضي

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 5.

ص: 295

______________________________

رفع اليد عنه رأسا بل يبقي حجة فيما يمكن البناء عليه منها. قال في الجواهر: «إذ هو بمنزلة أخبار متعددة، فلا يبعد و هم الراوي في بعض دون بعض سيما في مثل الكتابة التي هي مظنة ذلك».

لكن ذلك إنما يتجه مع عدم الارتباط بين الفقرات. و ليس هو لكونها بمنزلة أخبار متعددة، بل لأن سقوط الفقرة عن الحجية ليس لانكشاف كذب الراوي، بل لمانع يكشف عن كذب الظهور، لخطأ الراوي و وهمه- كما تقدم من الجواهر- و لو بإغفاله القرينة، أو لخلل في الجهة، بحيث لا يكون الغرض من الكلام بيان الواقع، و لا تلازم بين الفقرات في جريان أصالتي الجهة و عدم الخطأ بعد فرض عدم الارتباط بينها.

أما مع الارتباط عرفا بينها فيشكل بناء العرف و العقلاء علي التفكيك بينها في جريان الأصلين. و لا يبعد كون المقام منه عرفا، حيث قد يستفاد من الصحيح عرفا سوق الجواب لبيان التفصيل بين الصوم و الصلاة، لا مجرد بيان حكم كل منهما علي استقلاله.

و لا سيما مع التعليل بأمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم بذلك الظاهر أو المشعر بأن ذكره لدفع استغراب التفصيل به و توهم أولوية الصلاة بالقضاء، و لبيان أن المعيار في الأحكام الشرعية علي التعبد، لا علي الاستحسانات، كما يظهر من ملاحظة التعليل بذلك في قضاء الحائض الصوم دون الصلاة و الردع عن القياس فيه «1». و إلا فمعلومية متابعتهم عليهم السلام للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم في الأحكام تغني عن تنبيههم عليهم السلام لصدور الحكم منه صلّي اللّه عليه و آله و سلم لو كان الغرض منه محض الاستدلال علي كل من الحكمين علي حياله و استقلاله. بل لعل الأنسب بمقامهم عليهم السلام بيان العلل الأخري الخفية التي يختصون بعلمها.

و لو غض النظر عن ذلك فحيث كانت أصالة عدم الخطأ من الأصول العقلائية العرفية فالمرجع في تحكيمها العرف، و ليس احتمال و هم الراوي في عكس التفصيل بأبعد من احتمال و همه في خصوص عدم وجوب قضاء الصلاة، بل لعل الثاني أبعد، لابتنائه علي التفريق بين المتفقين و زيادة قوله: «لا تقضي» و هما أبعد عن الخطأ و الغفلة

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض.

ص: 296

______________________________

من عكس الفرق بين المختلفين، بتخيله علي خلاف واقعه أو بالتعبير عنه كذلك، كما يظهر بملاحظة عموم حالات الخطأ عند الناس.

هذا، مضافا إلي أن السؤال لم يكن عن شرطية الأغسال في الصوم و الصلاة الذي قد يكثر الابتلاء به تبعا للابتلاء بالاستحاضة، بل عن حكم من صامت و صلت بدونها، و من الظاهر قلة الابتلاء بذلك بنحو لا يناسب ما أشير إليه في التعليل من سبق أمره صلّي اللّه عليه و آله و سلم بذلك في مقام تعليم الحكم بنحو يظهر في تكرر ذلك منه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و استمراره عليه، الذي هو ظاهر قوله: «كان يأمر»، و إنما المناسب له أن يكون تعليلا للحكم بوجوب قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، لشيوع الابتلاء به، و لا سيما مع اشتمال بعض النصوص «1» علي تعليله بذلك.

و من ثم قرب في محكي المنتقي وقوع الوهم في ذلك، و أن الجواب و التعليل راجع إليه لا لمورد السؤال، بأن يكون المسؤول عنه في المكاتبة كلا الأمرين و اشتبه جواب أحدهما بجواب الآخر. قال: «و ليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلي وضع الجواب مع غير سؤاله، فإن من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الأسئلة المتعددة، فإذا لم يمعن الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم». و خصوصية الكتابة بقبول الوهم إنما هو في ذلك، لا في تغيير نفس الجواب بزيادة شي ء فيه- كما سبق من الجواهر- بل هي أبعد عن قبول الوهم في ذلك من المشافهة.

هذا، و قد يظهر من الوسائل الميل إليه، حيث أورد الحديث في باب وجوب قضاء الحائض و النفساء الصوم دون الصلاة، ثم أشار لكلام المنتقي و غيره. بل هو الظاهر من الصدوق في العلل، حيث أورده في باب علة قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، مقتصرا عليه و علي حديث آخر يتضمن التعليل بأن الصوم إنما هو في السنة شهر، و الصلاة في كل يوم و ليلة، كما قربه الفقيه الهمداني قدّس سرّه و بعض مشايخنا فيما حكي عنه أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 297

______________________________

لكن قال في الحدائق بعد نقل الوجه المذكور عن المنتقي: «و هو جيد. إلا أن فتح هذا الباب في الأخبار مشكل». و لعل وجه إشكاله أن ذلك ليس بنحو يوجب ظهور الحديث فيما ذكر، أو يصحح حمله عليه عرفا. و مثله أو أبعد منه بقية الوجوه المذكورة في كلماتهم لتوجيه الحديث التي أنهاها في الحدائق إلي ستة، و في البحار إلي ثمانية، بل أكثر، لرجوع بعضها إلي أكثر من وجه واحد.

نعم، لا إشكال في أنه بملاحظة جميع ما سبق يتضح اضطراب الحديث و الريب فيه بالنحو المانع من نهوضه بإثبات الحكم المذكور و حجيته عليه، بل يرد علمه إلي أهله عليهم السلام.

إن قلت: هذا لا يناسب ظهور استفادة جمهور الأصحاب قديما و حديثا الحكم المذكور من الصحيح، لما سبق من تصريح جملة منهم به و ظهور آخرين في البناء عليه من دون تصريح لواحد منهم بالخلاف فيه، مع انحصار الدليل عليه بالصحيح المذكور، المستلزم لاعتمادهم عليه من دون أن تمنعهم الجهة المذكورة، و إنما ظهر التوقف فيه لأجلها من متأخري المتأخرين، و ليست هي بنحو تخفي علي من قبلهم، فعدم توقفهم لأجلها مناسب لوضوح عدم مانعيتها من التعويل عليه، لاطلاعهم علي انحصار و هم الراوي له في الحكم بعدم قضاء الصلاة و لو لعثورهم علي نصوص أخر شاهدة بالحكم أو علي قيام السيرة عليه أو غير ذلك.

قلت: لو تم بناء الأصحاب علي العمل بالصحيح فليس هو بنحو يرفع الإشكال المتقدم بعد أن كان راجعا للمتن لا للسند. مع أنه لم يتضح اعتماد جمهور الأصحاب علي الصحيح في الحكم المذكور. أما من استظهر فتواه به من أهل الحديث من ذكره للصحيح في باب صوم الحائض و المستحاضة من كتابه كالكليني و الصدوق في الكافي و الفقيه، فلعدم ثبوت فهمه الحكم المذكور منه بعد ما سبق من العلل من إثباته في باب علة قضاء الحائض الصوم دون الصلاة.

كما أن من اقتصر علي نسبة الحكم إلي رواية أصحابنا ممن سبق لم يتضح منه

ص: 298

______________________________

التعويل علي الرواية، و لا سيما المعتبر و المنتهي، حيث لم يتضمنا الإشارة لها رأسا، بل نقل كلام الشيخ المتضمن لها لا غير. بل لعل ظاهرهما عدم حمل الرواية التي ذكرها الشيخ علي الصحيح، و إلا كان الأنسب لهما ذكره بنفسه بعد تيسر ذلك بسبب إيداعه في كتب الحديث المشهورة. و أما من أفتي بالحكم صريحا فلم يتضح اعتمادهم فيه علي الصحيح بعد عدم اشارتهم له.

بل قد يكون مبناه عندهم الشرطية التي اشتهرت في كلماتهم و سبق التعرض لها عند الكلام في وظيفة المستحاضة بالإضافة للصلاة غير اليومية، و هي أن المستحاضة إذا فعلت وظيفتها كانت بحكم الطاهر، لابتنائها عندهم علي مانعية حدث الاستحاضة من الصوم و كون وظيفتها بحكم الطهارة منه، فيبطل بدونها و يصح معها.

كما قد يناسبه عدم اقتصار جملة منهم علي الصوم، بل ذكروا غيره مما يمتنع مع الحيض، كدخول المساجد و غيره، كما عمم جماعة منهم الشرط لجميع الأغسال، بل لغيرها و لغير الكثيرة من أقسام المستحاضة، و كل ذلك لا ينهض به الصحيح، بل يبتني في الجملة علي الشرطية المذكورة علي ما يتضح فيما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و لم يتعرض للاستدلال علي الحكم بالصحيح إلا متأخروا المتأخرين فيما عثرت عليه، و منهم بدأت المناقشات في الاستدلال به عليه. و من هنا لا معدل عما سبق من عدم نهوض الصحيح بالاستدلال.

و أما الشرطية المذكورة فقد سبق في تلك المسألة عدم نهوضها بعموم ترتب أحكام الطاهر مع القيام بالوظائف للصلاة بعد ظهور الأدلة في كون المستحاضة مستمرة الحدث. كما لا مجال للاستدلال بمفهومها لإثبات بطلان الصوم مع عدم القيام بالوظيفة بعد اختصاص أدلة مانعية الحدث الأكبر من الصوم بالجنابة التي تضمنت الأدلة مانعيتها منه في الجملة، و بالحيض الذي تضمنت الأدلة مانعيته منه مطلقا، دون غيرهما، و لذا لا إشكال ظاهرا في عدم مانعية مس الميت، و إن كان سببا للحدث الأكبر.

ص: 299

______________________________

نعم، لو ثبت تنزيل حدث الاستحاضة منزلة أحد الحدثين اتجه مشاركته له في كيفية المانعية الثابتة له. و حينئذ فحيث لا إشكال في مشروعية الصوم من المستحاضة يتعين الاقتصار علي المتيقن، و هو حال القيام بالوظائف، لعدم احتمال اعتبار ما زاد عليها. فتأمل. لكن لا دليل علي تنزيله منزلة الجنابة.

و أما تنزيله منزلة الحيض فقد يستدل عليه بقوله في الرضوي: «و الوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل بعد أن تغتسل و تتنظف، لأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض» «1» لأن مجرد تنزيل حال الغسل من الاستحاضة منزلة حال الطهر من الحيض لا يكفي في قصر جواز الوطء علي حال الغسل إلا بضميمة تنزيل أصل حدث الاستحاضة منزلة الحيض الذي يحرم الوطء حاله، و بعموم التنزيل المستفاد من سوقه مساق التعليل يستفاد مانعية الاستحاضة من الصوم.

نعم، تكرر منا عدم نهوض الرضوي بالاستدلال. علي أن لازم ذلك بطلان الصوم بحدوث الاستحاضة في أثناء النهار، لأن الغسل منها إنما يكون بحكم الطهر بالإضافة للزمان اللاحق له، دون السابق عليه، و من الظاهر عموم مانعية الحيض من الصوم لما إذا حدث في أثناء النهار، و لا يظن منهم البناء علي ذلك. بل ظاهرهم المفروغية عن صحة الصوم، بل لا يحتاج إلي المبادرة إلي تجديد الغسل له، غاية ما قد يدعي توقفه علي الغسل للصلاة الآتية.

و دعوي: أن ذلك مقتضي الشرطية المتقدمة الراجعة إلي الاكتفاء في ترتيب أحكام الطاهر- و منها صحة الصوم- علي القيام بوظيفة الصلاة، فمع فرض عدم الاخلال بوظيفة الصلاة- إما لحصول الاستحاضة بعد الصلاة، أو للقيام بوظيفتها لو حصلت قبلها- يتعين صحة الصوم.

مدفوعة بأن ذلك إنما يتم لو كان اعتبار الوظيفة في الصوم تعبديا، أما حيث فرض اعتبارها لكونها موجبة للطهارة الحكمية من حدث الاستحاضة المفروض

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

ص: 300

______________________________

كونه بمنزلة حدث الحيض فاللازم بطلان الصوم بعد ما هو المعلوم من سببية الدم للحدث قبل القيام بالوظيفة، و أن القيام بها لا يرفعه حكما إلا بعدها، و لذا لا يشرع الدخول في غير الصلاة مما يتوقف علي الطهارة قبل القيام بالوظيفة، و لا يكفي في صحته أو جوازه عدم فعلية التكليف بالوظيفة، لعدم الخطاب بالصلاة.

و قد تحصل من جميع ما سبق: أنه لا مجال للبناء علي توقف صوم المستحاضة علي أغسالها لعدم نهوض الأدلة به. كما لا مجال للتعويل فيه علي الإجماع المدعي في المقام بعد خلو كلام جماعة عنه، و اضطراب كلمات القائلين به في فروعه- كما يأتي- بنحو يظهر منهم الاضطراب في مبناه و الدليل عليه. و ربما يأتي ما يزيد في وضوح ذلك. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم. و منه نستمد العصمة و التسديد.

ثم إنه لو قيل بدخل الغسل في صحة الصوم فلا بد من الكلام في تعيين الغسل المعتبر، و قد قال في صوم المبسوط: «و المستحاضة إذا فعلت من [مع. كذا في مفتاح الكرامة] الأغسال ما يلزمها من تجديد القطن و الخرق و تجديد الوضوء صامت و صح صومها … و متي لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة و الصوم».

و قريب منه في النهاية و السرائر. و مقتضاه توقف صومها علي تمام الأغسال الواجبة علي ذات الكثيرة حتي غسل الليل، كما هو مقتضي إطلاق المعتبر و النافع و الشرائع و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و محكي نهاية الأحكام و التحرير و الإرشاد و حاشيته للمحقق الثاني، و يبعد إرادتهم غسل العشاءين لليلة اللاحقة ليوم الصوم، لأن الشرط المتأخر و إن كان ممكنا، إلا أنه يبتني علي عناية، فيبعد إرادته من الإطلاق من دون تنصيص عليه. بل صرح جماعة بعدم إرادته، بل عن غير واحد القطع بذلك.

فقد يحمل كلام من تقدم علي إرادة غسلهما لليلة السابقة، لكن تردد فيه جماعة، بل ظاهر التذكرة و المنتهي الاكتفاء بغسلي النهار، كما أن ظاهر غير واحد الجزم باعتبارهما معا، و إن حكي عن نهاية الأحكام احتمال الاكتفاء بغسل الفجر مع

ص: 301

______________________________

لزوم تقديمه، و عن الذكري اعتبار غسل العشاءين أو تقديم غسل الفجر، و تابعه في الروض، حيث قال: «و المراد بالأغسال المشترطة في صحة الصوم الأغسال النهارية … و هل يشترط في اليوم الحاضر غسل ليلته الماضية؟ و جهان. و الحق أنها إن قدمت غسل الفجر أجزأ عن غسل العشاءين بالنسبة إلي الصوم. و إن أخرته إلي الفجر بطل الصوم هنا. و إن لم نبطله لو لم يكن غيره». و بملاحظة ما ذكرنا و غيره من كلماتهم يظهر اضطرابهم في ذلك جدا.

و الذي ينبغي أن يقال: إن كان مبني الحكم هو الشرطية المذكورة بعد ابتناء العمل بها علي تنزيل حدث الاستحاضة منزلة حدث الحيض، تعين توقف الصوم علي غسلي النهار. لتكون بحكم الطاهر فيه، و علي غسل العشاءين لليلة السابقة، ليدخل عليها الفجر و هي في حكم الطاهر، لابتناء الاكتفاء بالأغسال الثلاثة حينئذ علي استمرار أثر الغسل في وقت إلي حين غسل الوقت اللاحق- الذي سبق أنه أحد محتملات مبني الشرطية المذكورة- ليتم تحصيل الطهارة الحكمية في تمام اليوم بها.

نعم، بناء علي جواز تقديم غسل الفجر للصائمة أو وجوبه- كما هو ظاهر الروضة و محكي المعالم و مال إليه في الروض و حكي عن الشهيد القطع به- يتجه الاكتفاء به عن غسل العشاءين المذكور، لاختصاص مانعية الحيض من الصوم بما إذا كان في أثناء النهار، و لا إشكال حينئذ في عدم وجوب غسل العشاءين لليلة اللاحقة.

و أما لو ابتنت الشرطية المذكورة علي تنزيله منزلة حدث الجنابة فالمتعين الاكتفاء بغسل العشاءين لليلة السابقة، دون غسلي يومه، إلا أن تقدم غسل الفجر- بناء علي مشروعية تقديمه للصوم- فتجتزئ به عن غسل العشاءين، و لا يعتبر حينئذ غسل الظهرين، فضلا عن غسل العشاءين لليلة اللاحقة.

و أما لو كان مبني الحكم في المقام هو الصحيح فحيث هو لم يتضمن إلا وجوب القضاء علي من لم تأت بالأغسال فهو يدل علي توقف الصوم علي الغسل من المستحاضة في الجملة، من دون أن ينهض بتعيين الغسل الدخيل منها، فضلا عن

ص: 302

______________________________

لزوم جميعها.

و دعوي: أن قوله فيه: «من دون أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين» ظاهر في خصوص الظهرين و العشاءين، فيكون التردد بينهما، دون غسل الفجر، لأنه لصلاة واحدة. ممنوعة، بل في ظاهر إرادة وظيفة المستحاضة المعهودة، بما فيها غسل الفجر، كما يناسبه التعبير عن وظيفة المستحاضة الكثيرة في جملة من النصوص بأنها الغسل لكل صلاتين، و قد تقدم قرب حملها علي بيان أكثر ما يقع بالغسل الواحد، أو أن تعميمها لغسل الفجر بلحاظ إمكان إيقاع الفريضة و النافلة به.

علي أن احتمال توقف الصوم علي غسل الظهرين دونه غير عرفي، لعدم مناسبته لكلا المبنيين السابقين و عدم الجهة العرفية المميزة لغسل الظهرين عنه لو كان اعتبار الغسل تعبديا غير مبتن علي أحدهما، فلو فرض قصور النص عنه لفظا كان إلحاقه بفهم عدم الخصوصية لغسل الظهرين قريبا جدا، و لذا كان اعتباره متيقنا بالإضافة لغسل الظهرين بملاحظة كلماتهم المتقدمة و غيرها، فلا إشكال في كونه طرفا للاحتمال من النص.

نعم، الظاهر خروج غسل العشاءين لليلة اللاحقة، لأن الشرط المتأخر و إن أمكن عقلا، إلا أن النص منصرف عنه بسبب مخالفته للارتكاز العرفي، فليس الغسل المذكور إلا كغسل الأيام و الليالي اللاحقة مما لا يحتمل من إطلاق النص دخله، بل يتردد الأمر بين الأغسال الثلاثة الأخر، و هي غسل الليلة السابقة و غسلا يوم الصوم.

هذا، و حيث لا يحتمل عرفا دخل أحدها غير المعين الراجع إلي اعتبار صرف الوجود من الكلي المنحصر بها، فليس الأمر دائرا بين التعيين و التخيير، كي يبتني جريان البراءة في تلك المسألة علي الكلام في تلك المسألة. بل المورد من صغريات العلم الإجمالي، حيث يدور الأمر بين اعتبار الأغسال الثلاثة بتمامها- نظير ما تقدم بناء علي التنزيل منزلة الحيض- و اعتبار غسل الليلة السابقة فقط- نظير ما تقدم بناء علي التنزيل منزلة الجنابة- و اعتبار غسلي النهار فقط، لاحتمال كون مانعية حدث الاستحاضة بنحو خاص، لا يقتضي إلا اعتبار الطهارة الحكمية بالنحو المعتبر في

ص: 303

______________________________

صلاة نهار الصوم فقط، و حيث لا متيقن في البين، لينحل به العلم الإجمالي، يتعين الجمع بينها خروجا عنه.

و منه يظهر ضعف ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من انحلال العلم الإجمالي بالعلم باعتبار أحد غسلي النهار أو كليهما، لعدم احتمال اعتبار غسل الليلة السابقة دونهما. إذ لا وجه لعدم الاحتمال المذكور بعد كونه مناسبا لتنزيل حدث الاستحاضة منزلة حدث الجنابة. و مجرد عدم ظهور النص في التنزيل المذكور لا ينافي احتمال ذلك، فلا مجال لانحلال العلم الإجمالي. كما ظهر بذلك حال بقية أقوال الأصحاب.

و من ذلك يظهر موهن آخر للحكم المذكور من أصله، لأن مثل هذا الحكم العملي لو كان ثابتا لكان المناسب وفاء البيانات الشرعية به و عدم الاقتصار فيه علي الصحيح الذي لا يكفي في بيان الغسل المعتبر حتي يحتاج إلي إعمال قواعد العلم الإجمالي، و لا علي أحد التنزيلين المذكورين اللذين لا إشعار في النصوص بهما، بل لا يمكن الالتزام بتمام لوازم الثاني منهما- و هو التنزيل منزلة الحيض- علي ما سبق عند الكلام فيه.

بقي في المقام أمور..
الأول: تقدم عن الشهيدين و صاحب المعالم وجوب تقديم غسل الفجر للصائمة.

و هو لو تم أغني عن غسل العشاءين لليلة السابقة- كما تقدم من الروض- لوضوح ابتناء احتمال الحاجة إليه علي كونه موجبا للطهارة الحكمية حين طلوع الفجر، و تقديم غسل الفجر- لو تم- مبني علي كونه محققا لذلك. لكن الصحيح لا ينهض بذلك، بل هو ظاهر في اعتبار الأغسال المذكورة- في الجملة- علي النحو الذي شرعت فيه للصلاة، و حيث كان ظاهر دليل تشريعها لزوم تأخيرها عن الفجر فلا مجال لمشروعية التقديم، فضلا عن وجوبه.

هذا، و أما لو ابتني اعتبار الأغسال علي تنزيل حدث الاستحاضة منزلة حدث الجنابة أو منزلة الحيض، فإن تمت الشرطية المتقدمة في كلماتهم علي إطلاقها، و هي أن

ص: 304

______________________________

المستحاضة إن قامت بوظائفها كانت بحكم الطاهر فاللازم عدم تقديم غسل الفجر، بل الاكتفاء به علي النحو الذي شرع للصلاة، و إن لم تتم أصلا- كما سبق منا- أو ابتنت علي بقاء أثر الغسل في وقت إلي خروجه- كما تقدم من الروض و عن غيره- المستلزم لارتفاع أثر غسل العشاءين بعد نصف الليل، فقد يدعي أنه يجري في الصوم ما تقدم منا في غيره مما يتوقف علي الطهارة و يعلم بمشروعيته في حق المستحاضة من لزوم تجديد الوظيفة له، فتغتسل قبيل الفجر للصوم، و إن لم يجز للصلاة، بل يجب تجديده لها.

لكن يقطع بعدم وجوب غسل زائد في حق الصائمة، إذ لو ثبت لظهر و بان بسبب كثرة الابتلاء بالاستحاضة حال الصوم، و مثله وجوب تقديم غسل الفجر، فعدم تعرض الأصحاب للأول أصلا، و لا للثاني إلا لقليل من المتأخرين، شاهد بعدمهما، وفاقا في الثاني لصريح بعضهم و ظاهر المعظم، كما في الجواهر.

الثاني: أن استبعاد الترك غير العمدي في تمام الشهر مانع من حمله عليه و ملزم بحمله علي الترك العمدي و لو للجهل بالحكم

لا يخفي أن الصحيح و إن كان مطلقا لفظا من حيثية كون ترك الأغسال عمديا- مع العلم بالحكم و الجهل به- و كونه غير عمدي، لنسيان الغسل أو انكشاف بطلانه بعد خروج الوقت أو غيرهما، إلا أن استبعاد الترك غير العمدي في تمام الشهر مانع من حمله عليه و ملزم بحمله علي الترك العمدي و لو للجهل بالحكم. و عليه يتعين الرجوع مع الترك غير العمدي لاطلاقات صحة الصوم.

نعم، لو ابتني توقف الصوم علي الغسل علي تنزيل حدث الاستحاضة منزلة حدث الجنابة لزم البناء علي اخلال الترك نسيانا به، لثبوت ذلك في الجنابة في الجملة علي ما يذكر في كتاب الصوم. كما أنه لو ابتني علي تنزيل الاستحاضة منزلة نفس الحيض بطلان الصوم بالترك مطلقا، لمانعية الحيض كذلك.

هذا، و كثرة الابتلاء بذلك و غيره من فروع المسألة لا يناسب عدم ورود النصوص فيها لو كان أصل الحكم ثابتا. و من ثم كان هذا موهنا آخر له، نظير ما تقدم في تعيين الأغسال المعتبرة.

ص: 305

و الأحوط في المتوسطة توقفه علي غسل الفجر (1).

الثالث: أن مقتضي إطلاق فتاوي الأصحاب و معاقد إجماعاتهم عدم الفرق بين صوم شهر رمضان و غيره،

______________________________

و حيث كان الصحيح مختصا بشهر رمضان فالتعميم يبتني علي إلغاء خصوصيته.

لكنه قد يشكل بلحاظ ثبوت عدم العموم في الجملة في تعمد البقاء علي الجنابة، علي ما يذكر في محله، بل عن المعتبر إطلاق عدم قدحه في صوم غير رمضان، و من ثم أطلق في المفاتيح اختصاص مانعية الحدث الأكبر بصوم رمضان.

نعم، لو ابتني الحكم علي تنزيل الاستحاضة منزلة الحيض نفسه تعين العموم، لعموم مانعية الحيض. فلاحظ.

الأحوط توقف صحة صوم الاستحاضة علي غسل الفجر

(1) كما هو مقتضي إطلاق أكثر الكلمات المتقدمة، لأنهم بين من عبّر بتوقف صوم المستحاضة علي الغسل مع غمس القطنة و من عبّر بوجوب قضائه مع الإخلال بالغسل وحده- كما ذكره جماعة- أو مع الإخلال بشي ء من وظائفها- كما تقدم من المبسوط و النهاية و السرائر- بل صرح بالتعميم جماعة منهم من تقدم منه أو عنه دعوي الإجماع، عدا صاحب اللوامع، حيث لم يحك عنه إلا الإطلاق. قال في الجواهر: «فما في البيان و عن الجعفرية و الجامع من التقييد بالكثرة شاذ، أو محمول علي ما يقابل القلة».

و لا يخفي أن الصحيح مختص بالكثيرة، لأنها هي التي يجب الغسل معها لكل صلاتين، فينحصر وجه التعميم بتنزيل حدثها الأكبر منزلة الجنابة أو الحيض، أو بإلغاء خصوصية الكثرة في الصحيح، الذي قد يسهل بلحاظ كون ذكر حكم الكثرة في كلام السائل دون الإمام عليه السلام، كما قد يؤيد بكلمات الأصحاب المتقدمة. و إن كان للتأمل فيه مجال.

هذا، و لو كان الغمس من دون سيلان بعد الفجر فمقتضي إطلاق الأصحاب المتقدم وجوب الغسل للصوم. لكن صرح في جامع المقاصد و الروض و الروضة و غيرها بعدم وجوبه، لما في جامع المقاصد و غيره من تبعية شرطيته للصوم لشرطيته

ص: 306

______________________________

للصلاة. و هو مبني علي ما تقدم منهم من عدم وجوب الغسل للمتوسطة إذا حدثت بعد صلاة الفجر. و تقدم ضعفه.

بل عن الشهيد في حواشيه علي القواعد عدم شرطية الغسل للصوم لو كان الغمس بعد الفجر. الشامل بإطلاقه لما إذا كان قبل صلاته. لكن قال المحقق الثاني في محكي حواشي التحرير: «و هذا يكاد أن يكون مخالفا للإجماع، فإني لا أعلم مخالفا بين أصحابنا في أن المستحاضة يشترط في صحة صومها فعل ما يلزمها من الأغسال النهارية، سواء الواحد و غيره. صرح بذلك جملة من أصحابنا».

و أما توجيهه بأنه يبتني علي تنزيل حدث المستحاضة منزلة حدث الجنابة في عدم إخلاله لو تجدد في أثناء النهار من دون عمد. فهو مستلزم لعدم الفرق في ذلك بين المتوسطة و الكثيرة، مع أن ظاهره لزوم الغسل بالكثيرة للصوم مطلقا و إن حدثت بعد الفجر.

و من ثم عمم احتمال ذلك لهما معا في الروض، معللا له بسبق انعقاد الصوم، الراجع لما ذكرنا. و إن ضعفه و دفعه بعموم توقف الصوم علي الأغسال. لكن العموم المذكور لا يخلو عن إشكال، لظهور الصحيح في استمرار الاستحاضة، الراجع لوجودها قبل الفجر، و لا إطلاق له يشمل تجددها بعده. و حينئذ يكون مقتضي إطلاق أدلة بيان ماهية الصوم عدم توقفه علي الغسل في الفرض، من دون فرق بين الكثيرة و المتوسطة، فضلا عما إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر. فتأمل.

بقي شي ء، و هو أن مقتضي إطلاق ما في النهاية و السرائر من أن المستحاضة لو أخلت بما عليها بطل توقف الصوم علي جميع وظائفها المذكورة في كلماتهم من تغيير القطنة و الوضوء مطلقا و إن كانت قليلة. و هو غير ظاهر الوجه بعد اختصاص الصحيح بالغسل في الكثيرة، و غاية الأمر التعدي للمتوسطة لمشاركتها لها في كون حدثها أكبر. كما أن التنزيل منزلة حدث الجنابة أو منزلة الحيض إنما يتم فيهما.

نعم، قد يوجه التوقف في الكثيرة علي بقية الوظائف بدعوي: أن المستفاد من

ص: 307

كما أن الأحوط وجوبا توقف جواز وطئها علي الغسل (1).

______________________________

الصحيح اعتبار الغسل الذي تصح معه الصلاة، فمع بطلان الصلاة للإخلال ببقية الوظائف يبطل الغسل لها أيضا، للإخلال بالموالاة المعتبرة. فلا يصح به الصوم. و لعله عليه يبتني ما تقدم من المبسوط من اعتبار بقية الوظائف مع الأغسال، لا مطلقا و لو بدونها، كما في القليلة.

لكنه يندفع بأن الصحيح لم يتضمن اعتبار صحة الصلاة في صحة الصوم، و لا اعتبار الغسل الذي يؤتي بها معه، بل تضمن وجوب قضاء الصوم في فرض السائل، و هو عدم القيام بالغسل الذي هو وظيفة الصلاة، و من المعلوم أنه لا يحتمل من السؤال القيام بالغسل وحده، بل الظاهر منه ترك الغسل أصلا، و حينئذ يكفي في بطلان الصوم في فرض السؤال دخل الغسل فيه بنفسه و لو لم تترتب عليه الصلاة.

و إن شئت قلت: عدم جواز الصلاة بالغسل في الفرض ليس لخلل فيه، بل لعدم العفو في الصلاة عن الحدث الزائد بسبب عدم المبادرة، و لا يخل ذلك في الصوم، كما تقدم في ذيل الكلام علي وجوب التحفظ علي الصائمة. فلاحظ.

الأحوط وجوبا توقف جواز وطئها علي الغسل

(1) فقد ذهب إلي التوقف عليه الصدوق في ظاهر الهداية و الفقيه حاكيا له في الثاني عن رسالة والده، و مثله في المراسم مع إضافة الاحتشاء، بل ظاهر المبسوط توقفه عليه و علي الوضوء في الكثيرة، أو مطلقا، كما في المقنعة و النهاية مضيفا فيهما غسل الفرج.

و ظاهر جماعة توقفه علي تمام وظائف المستحاضة حتي تجديد الخرق، كما في الاقتصاد و السرائر و المنتهي، و نسبه في المعتبر لابن الجنيد و مصباح السيد المرتضي، و في كشف اللثام لظاهر الجمل و العقود و الكافي و الإصباح و محكي ابن أبي عقيل، و قد يستظهر من كل من ذكر أنها إن فعلت وظائفها حل لها كل ما يحرم علي الحائض و كانت بحكم الطاهر، كما في الغنية و الوسيلة و الشرائع و القواعد و الإرشاد و غيرها، و نسبه في محكي الذكري و كشف الالتباس و شرح الجعفرية لظاهر الأصحاب،

ص: 308

______________________________

و في التذكرة و المنتهي لظاهر عباراتهم، و في المعتبر: «أومأ الأصحاب إلي ذلك و لم يصرحوا، و معني ما قالوه: و يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة»، و في الرياض أنه المشهور شهرة عظيمة، و لا مجال مع ذلك لما يظهر من جامع المقاصد من اختصاص الخلاف بالغسل، إذ لا تعلق للوضوء بالوطء، فإنه خروج عن ظاهر عباراتهم، بل صريح جملة منها بمحض الاستبعاد.

علي أنه كما أمكن تميز حدث الاستحاضة من بين الأحداث بتوقف حل الوطء معه علي الغسل أمكن تميزه من بينها بتوقف حله علي الوضوء.

هذا، و قد ذهب إلي عدم توقف حلّ الوطء علي الوظائف في المدارك و محكي التحرير و البيان و الموجز و مجمع البرهان، و نبه إلي كراهته بدونها في المعتبر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و الروض و محكي كشف الالتباس و شرحي الجعفرية.

و كيف كان، فقد استدل علي التوقف علي الوظائف ببعض النصوص..

منها: قوله عليه السلام في موثق عبد الرحمن أو صحيحه بعد التعرض للوظائف:

«و كل شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» «1». و يظهر مما تقدم منا في مسألة توقف الطواف علي الوظائف اندفاع المناقشة في الاستدلال به، لأن الأمرين قد سيقا فيه بمساق واحد، فلا حاجة إلي التكرار.

و منها: قوله عليه السلام في موثق سماعة بعد ذكر وظيفتي المتوسطة و الكثيرة: «و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل» «2». و ما في الجواهر من منع دلالته، لاحتمال كون المراد الجواز الذي لا كراهة فيه أو غير ذلك. كما تري، مخالف للظاهر، لوضوح احتياج الحمل علي الكراهة للقرينة.

و أشكل منه ما عن بعض مشايخنا من حمله علي الوطء قبل الغسل لتكتفي بغسل واحد للجنابة و الاستحاضة، و إلا فمن المعلوم عدم إرادة المقارنة الحقيقية بأن يكون الوطء في أثناء الغسل، كما لا مجال لحمله علي المقارنة العرفية بأن يراد الوطء في

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.

ص: 309

______________________________

الآن المتصل بالفراغ من الغسل، لعدم التزام القائل به، و لا سيما في المتوسطة التي لا يجب عليها لمجموع صلواتها إلا غسل واحد.

لاندفاعه بأن حمله علي مطلق القبلية بعيد عن ظاهر التوقيت، و علي خصوص ما لا ينافي المقارنة العرفية لا يختص به الاجتزاء بالغسل الواحد. مع أن صرف الكلام للإرشاد إلي التسهيل باختيار مورد الاجتزاء بالغسل الواحد بعيد جدا، لخروجه عن وظيفة الشارع الأقدس، من دون إشعار به في الكلام، بخلاف الشرطية التي هي وظيفة الشارع الأقدس. و أما ما ذكره من عدم القول بلزوم المقارنة العرفية فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

و منها: حديث اسماعيل بن عبد الخالق الذي تقدم عند الكلام في الاكتفاء بأغسال الفرائض للنوافل أنه يقرب حجيته، فإن فيه بعد بيان حكم الكثيرة: «قلت:

يواقعها زوجها؟ قال: إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضأ ثم يواقعها إن أراد» «1».

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن تعليق الجواز فيه علي طول الوقت يشهد بأن المراد تعليق جواز خاص، لا مطلق الجواز مقابل الحرمة، فلا يكون مما نحن فيه.

فقد يندفع بأن ظاهر السؤال فيه إرادة الجواز المقابل للحرمة، فيكون ظاهر الجواب فيه تعليقه علي الأمور الثلاثة من طول الوقت، و الغسل و الوضوء، و قيام الدليل علي كون الأول في مقابل الكراهة لا يمنع من العمل بالظاهر في الأخيرين من شرطيتهما لرفع الحرمة.

علي أن الظاهر أن التعليق علي طول المدة ليس لرفع الكراهة، بل للإرشاد لترك المكروه مع عدم الضيق، فالوطء مكروه مطلقا حتي مع طول المدة و مع الوضوء و الغسل. فلا مخرج عن ظاهر التعليق علي الغسل و الوضوء في كونه لرفع الحرمة.

و لعل ذلك يتضح بملاحظة النظائر. فإذا قيل: إذا قدم المسافر في نهار شهر رمضان هل يأكل في بقية يومه؟ فقيل: إن احتاج للأكل فليتستر بأكله، لم يكن قيام القرينة

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.

ص: 310

______________________________

الخارجية علي جواز الأكل من غير حاجة مانعا من حمل الأمر بالتستر علي ظاهره من الوجوب. فلاحظ.

هذا، و قد استدل أو يستدل بنصوص أخر، كموثق مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر و يغشاها فيما سوي ذلك من الأيام، و لا يغشاها حتي يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أراد» «1»، و موثقة الآخر: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال: نعم، إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أحب» «2»، و موثق فضيل و زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «قال: المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها و تحتاط بيوم أو اثنين ثم تغتسل كل يوم و ليلة ثلاث مرات و تحتشي … فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها» «3»، و ما في صحيح صفوان عن أبي الحسن عليه السلام:

«تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلاتين بغسل، و يأتيها زوجها إن أراد» «4»، و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت تري الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل و يصيب منها زوجها إن أحب و حلت لها الصلاة» «5».

لكن موثقي مالك قد يحملان علي إرادة غسل الحيض و النفاس، فيكون المنهي عنه مطلق الوطء قبل الغسل الواحد، لا الوطء في كل مرة قبل لها بنحو الانحلال، ليرجع إلي مطلوبية أغسال متعددة لتعم غسل الاستحاضة. و ما ذكره شيخنا

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب النفاس حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 14.

ص: 311

______________________________

الأعظم قدّس سرّه من بعد ذلك في الأول دون الثاني غير ظاهر الوجه. فتأمل.

علي أنهما لو حملا علي الانحلال يأتي فيهما ما يأتي في حديث إسماعيل. و موثق فضيل و زرارة لو لم يكن ظاهرا في حلّ الصلاة ذاتا المتفرع علي الحكم بعدم الحيض، فلا أقل من عدم ظهوره في حلها فعلا المتفرع علي تحقق شرطها، و هو الطهارة الحكمية بالقيام بالوظيفة. كيف و إن حملت الصلاة فيه علي صرف الوجود لزم الاكتفاء بالقيام بالوظيفة لصلاة واحدة، و إن حملت علي مجموع صلاة اليوم لزم عدم جواز الوطء إلا بعد صلاة العشاءين.

و أما صحيحا صفوان و محمد بن مسلم فهما إنما يدلان علي حلّ وطء المستحاضة ككثير من المطلقات، لا علي لزوم القيام بالوظيفة قبله. و مجرد تأخيره عن ذكر الوظيفة لا يقتضيه. مضافا إلي ما ذكرناه أخيرا في موثق زرارة و فضيل.

فالعمدة النصوص الثلاثة الأول المؤيدة بالرضوي المتقدم في ذيل الكلام في دليل اعتبار الوظيفة في الصوم. و ما في الجواهر من أن التعليل فيه بأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض كالصريح في جواز الوطء مع الإخلال بالوظيفة، لما سبق من جواز وطء الحائض قبل الغسل. كما تري، لأن التعليل إنما تضمن تنزيل الغسل منزلة الطهر من الحيض الذي هو شرط في حل الوطء، لا منزلة الطهارة من حدثه بعد انقطاعه التي هي ليست شرطا في حله، بل في رفع كراهته. و الأمر سهل بعد ضعف الرضوي و عدم صلوحه إلا للتأييد مع كون الدليل النصوص الأول.

نعم، قد يشكل الاستدلال بتلك النصوص، فإن حديث عبد الرحمن ظاهر في وجوب تجديد الوظيفة للوطء، دون ما عليه الأصحاب من الاجتزاء بالقيام بها للصلاة، كما يظهر مما تقدم عند الكلام في طواف المستحاضة.

و مثله في ذلك حديث إسماعيل للأمر فيه بالغسل و الوضوء قبل الوطء، بعد التعرض لوظيفة الكثيرة. و كذا موثق سماعة، لأن مقتضي التوقيت فيه معاقبة الوطء للغسل، و حيث يمتنع تخلل الوطء بين الغسل الموظف للصلاة و الصلاة، كما يبعد

ص: 312

______________________________

حمله علي معاقبته للصلاة المتعقبة توسعا في التوقيت به، و إلا كان الأنسب ذكرها بدل الغسل- علي أنه لا قائل بلزومه- تعين حمله علي تجديد الغسل للوطء. و أظهر منه في ذلك الرضوي.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من تعارف التعبير عن الشرطية المطلقة من دون معاقبة بمثل ذلك، فالمراد من حين تغتسل. فهو كما تري، لأنه- مع مخالفته لظاهر التوقيت- إنما يقتضي اعتبار الغسل في الجملة، لا كل غسل تقتضيه وظيفة المستحاضة، فلا يدل إلا علي اعتبار الغسل الأول الذي هو غسل الحيض بعد مضي أيام العادة، و يخرج عما نحن فيه. و لا يبقي دليل لما عليه الأصحاب إلا مفهوم الشرطية المتقدمة، و قوله في الرضوي بعد ذكر الوظائف: «و متي اغتسلت علي ما وصفت حل لزوجها أن يأتيها» «1». و قد تكرر عدم نهوضهما بالاستدلال.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في عدم ظهور النصوص المتقدمة فيما عليه الأصحاب، بل هي ظاهرة بمجموعها في اعتبار التجديد للوطء، و حيث لا قائل بلزوم ذلك، بل لا مجال للبناء عليه، لامتناع خفائه عادة مع كثرة الابتلاء به، يتعين حمله علي الاستحباب.

و يؤيده، كما يؤيد عدم اعتبار القيام بالوظائف للصلاة، ما سبق من عدم اعتبار الغسل من حدث الحيض، مع ما هو المعلوم من أن حدث الاستحاضة أشد. قال في الجواهر: «و احتمال ابتداء الفرق بانقطاع الدم فيها دونها. ضعيف، لأن الغسل و الوضوء لا يزيل نفس الدم في المستحاضة. إنما يزيل حكمه، و هو الحدث الحاصل منه … و منه يظهر فساد الاستدلال أيضا بكون دم الاستحاضة أذي، فيمتنع الوطء معه، إذ الأفعال لا ترفع الدم، إنما ترفع حكمه».

هذا، مضافا إلي منع عموم الأذي الذي علل به تحريم وطء الحائض في الآية

______________________________

(1) لم أعثر عليه عاجلا في مستدرك الوسائل. و من أراده فليرجع إليه في المطبوع من الرضوي في باب الحيض و الاستحاضة و النفاس و الحامل و دم القرحة و العذرة و الصفراء إذا رأت و ما يستعمل فيها. (منه عفي عنه).

ص: 313

______________________________

الكريمة لدم الاستحاضة.

ثم إنه قد يستدل لعدم الجواز بالاستصحاب، لليقين بالحرمة حال الحيض.

لكن الاستصحاب محكوم لإطلاقات جواز وطء الزوجة و الأمة و المستحاضة. علي أنه مختص بالاستحاضة المسبوقة بالحيض، دون الابتدائية. و بما إذا لم تقم بالوظيفة أصلا، دون ما إذا تحققت و لو مرة، حيث يعلم بالحل حينئذ فيستصحب. و لا يكفي التلازم بين بقاء الحرمة إلي حين القيام بالوظيفة و تجددها بالإخلال بها بعد ذلك إلا بناء علي الأصل المثبت.

كما أنه يبتني في المقام علي التسامح في موضوعه الذي هو خلاف التحقيق، بل الوطء حال الحيض غير الوطء حال الاستحاضة، فلا ينهض الاستصحاب باشتراكهما في الحكم.

بقي شي ء، و هو أنه لو تم الاستدلال بالنصوص المتقدمة لما عليه الأصحاب و غض النظر عما ذكرنا فمن الظاهر أن موثق سماعة و حديث إسماعيل قاصران عن القليلة، لكن عموم حديث عبد الرحمن شامل لها، و إن لم يتعرض فيه لوظيفتها.

و المتيقن منه الوظيفة التي هي من شئون المستحاضة بما هي مستحاضة، و هي الوضوء و الغسل، دون مثل تطهير الفرج و تبديل الخرقة و الاحتشاء، لأنها من شئون النجاسة الخبثية التي لا تختص بها، و لا سيما مع الاقتصار في موثق سماعة و حديث إسماعيل علي الغسل في الكثيرة و المتوسطة. بل قد يكون الاقتصار في موثق سماعة علي الغسل مع كون الوضوء من وظائف المتوسطة شاهدا بعدم توقف الوطء عليه فيها، فلا يتوقف عليه في القليلة بالأولوية.

و به يرفع اليد عن عموم حديث عبد الرحمن و يحمل علي خصوص الغسل في الوطء. كما يرفع به اليد عن ظهور حديث إسماعيل في وجوب ضم الوضوء للغسل، فيحمل علي الاستحباب. و لا سيما مع عدم وجوبه للصلاة في الكثيرة، حيث يبعد جدا كون الوطء أشدّ من الصلاة في اعتبار الطهارة. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 314

دخول المساجد و قراءة العزائم للمستحاضة

و أما دخول المساجد و قراءة العزائم فالظاهر جوازهما مطلقا (1).

______________________________

(1) أما دخول المساجد فلا إشكال ظاهرا في جوازه مع القيام بالوظائف، كما صرح به جملة من الأصحاب، و يقتضيه إطلاق ما تكرر في كلماتهم من أنها تكون بحكم الطاهر إذا قامت بوظائفها. و يدل عليه غير واحد من النصوص منها ما دل علي جواز طوافها.

لكن استثني في المقنعة و المبسوط و النهاية و الوسيلة و المراسم دخول الكعبة، و قد يستظهر من الكليني، لذكره الحديث المتضمن لذلك في باب طواف المستحاضة.

و هو مرسل يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: المستحاضة تطوف بالبيت و تصلي و لا تدخل الكعبة» «1». خلافا لما في السرائر و التذكرة و المنتهي و عن التحرير و ابن سعيد من الحكم بالكراهة، حملا للمرسل عليها، كما في المنتهي. لكنه خلاف ظاهره. إلا أن يرجع إلي عدم حجيته لإرساله، فيبني علي الكراهة، لقاعدة التسامح، بناء علي شمولها للمكروه. اللهم إلا أن ينجبر بعمل من عرفت. فتأمل.

و أما مع عدم القيام بالوظائف فقد صرح بالجواز في الروض و المدارك و محكي مجمع البرهان و الذخيرة و شرح المفاتيح و جملة ممن تأخر عنهم، و هو مقتضي إطلاق الوسيلة و الدروس، بل قد يكون مقتضي إطلاق الشيخ في النهاية، حيث قال:

«و المستحاضة لا يحرم عليها شي ء مما يحرم علي الحائض، و يحلّ لزوجها وطؤها علي كل حال إذا غسلت فرجها و توضأت وضوء الصلاة أو اغتسلت حسب ما قدمناه»، حيث لا يبعد رجوع القيد للوطء.

لكن قال في الجواهر: «فالمشهور بين الأصحاب، كما في موضع من المصابيح توقف جواز دخوله علي الغسل، و في آخر: قد تحقق أن مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد و قراءة العزائم علي المستحاضة قبل الغسل، إلي أن نقل بعض الأقوال المنافية لذلك، منها جواز دخولها ذلك من دون توقف، كقراءة العزائم أيضا. ثم قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 91 من أبواب الطواف، حديث: 2.

ص: 315

______________________________

و لا ريب في شذوذ هذه الأقوال. و حكي هو عن حواشي التحرير أنه قال: و أما حدث الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر الأصحاب أنه كالحيض. و عن شارح النجاة الإجماع علي تحريم الغايات الخمس علي المحدث بالأكبر مطلقا عدا المس. ثم قال:

و ظاهرهما الإجماع علي وجوب غسل الاستحاضة لدخول المساجد و قراءة العزائم …

انتهي. قلت: و يؤيده أيضا إطلاق جملة من الأصحاب- كالمصنف و العلامة و غيرهما- وجوب الغسل للغايات الخمس في مبحث الغايات من غير فرق بين الأسباب الموجبة له، كما عن آخرين أيضا، حيث استثنوا مسّ الميت خاصة».

و العمدة في استفادة الإجماع ظهور مفهوم الشرطية المتقدمة في ذلك، و ما ذكره أخيرا من إطلاقهم وجوب الغسل لدخول المساجد من دون استثناء لغسل المستحاضة، كما استثني بعضهم غسل المس. لكن استفادة الإجماع من الأمرين لا يخلو عن إشكال. لعدم وضوح إجماعهم علي المفهوم من الشرطية المذكورة، كما يظهر مما تقدم في وطء المستحاضة و صومها، و قد أطال في الجواهر في ذلك. بل سبق عدم وضوح حدود الشرطية المذكورة في كلامهم و التوقف حتي في منطوقها.

و مثله الإطلاق المذكور، لأن جملة منهم لم يستثنوا غسل المس أيضا، فلا يبعد إرادتهم وجوبه للغايات المذكورة في الجملة مع إيكال تفصيله للكلام في كل غسل غسل. علي أن استفادة الإجماع من مثل هذه الظهورات لا يخلو عن إشكال، و لا سيما مع ما سبق من ظهور بعضهم و صريح آخر في الخلاف.

مضافا إلي الإشكال في حجية الإجماع في مثل هذه المسائل مما ظهر فيه اضطراب كلماتهم و مبانيهم و استدلالاتهم، كما يتضح بملاحظة كثير من الفروع المتقدمة.

و أما الاستدلال بالاستصحاب، لليقين بالحرمة حال الحيض، فتستصحب.

فهو كما تري. إذ فيه: - مضافا إلي اختصاصه بالاستحاضة المسبوقة بالحيض، و ابتنائه علي التسامح في موضوع الاستصحاب- أنه مع عدم الغسل من الحيض يعلم ببقاء الحرمة، لوجوب رفع حدث الحيض في حلّ دخول المساجد، كما تقدم في ذيل المسألة

ص: 316

نعم، لا يجوز مس المصحف و نحوه إلا بعد الغسل و الوضوء (1) بل

______________________________

الثانية عشرة في أحكام الحيض.

و مع الغسل منه يعلم بالحلّ، لتحقق وظيفة المستحاضة به بناء علي التداخل، و يشك في بقائه مع الإخلال بالوظائف فيما بعد، فيكون هو المستصحب، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه. و لذا كان الأقوي الجواز مطلقا، وفاقا لمن تقدم. و منه يظهر جواز قراءة العزائم، كما صرح بعضهم.

هذا، و بناء علي عدم الجواز بدون فعل الوظائف فحيث كان الوجه فيه الإجماع المذكور فمقتضي الاقتصار علي المتيقن في الخروج عن مقتضي أصالة البراءة الاقتصار في الحرمة علي صورة عدم فعل الوظائف، أما مع فعلها فيجوز مطلقا حتي في غير وقت الوظيفة.

إلا أن يبتني الإجماع علي تنزيل حدث الاستحاضة منزلة الجنابة أو الحيض، كما يظهر من بعضهم، فإن مقتضي ذلك التحريم مطلقا، لأن المستحاضة مستمرة الحدث، فيقتصر في جواز إيقاع الأمرين معه علي المتيقن من الإجماع، و هو وقت فعل الوظيفة، لما سبق من الإشكال في عموم معقده لما بعد الوقت، و يتعين حينئذ تجديدها لهما بعده، اقتصارا في الخروج عن عموم عدم جواز إيقاعهما علي صورة تخفيف الحدث بالتجديد بعد عدم الإشكال ظاهرا في جواز إيقاعهما في الجملة و عدم حرمة إيقاعهما مطلقا و لو مع التجديد.

نعم، الظاهر عدم وجوب تجديد الغسل في المتوسطة، لظهور دليله في الاجتزاء بالغسل الواحد للطهارة الحكمية في تمام اليوم، كما تقدم نظيره في الطواف. فلاحظ.

مس المستحاضة للمصحف

(1) أما عدم جوازه بدونهما فالظاهر عدم الإشكال فيه. و يقتضيه عموم ما دل علي اعتبار الطهارة فيه. و أما جواز إيقاعه معها مع كونها مستمرة الحدث فهو يبتني علي الشرطية المذكورة في كلماتهم التي تقدم الكلام فيها، و أشرنا إلي الكلام في عمومها

ص: 317

الأحوط استحبابا عدم الجواز مع الفصل المعتد به (1).

______________________________

لما بعد الوقت.

بل قد يستشكل في عمومها لغير الغسل- كما صدر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره- فيلتزم بوجوب تجديد الوضوء مع الفصل المعتد به عن القيام بالوظيفة حتي في الوقت. و لذا حكي عن غير واحد وجوب تجديد الوضوء لكل مشروط بالطهارة، و عن كشف الغطاء التردد في كفاية وضوء واحد لمس واحد مستمر مع الجزم بوجوب تكراره بتكرار المس.

هذا، و حيث تكرر منا عدم التعويل علي الشرطية المذكورة يتعين البناء علي عدم جواز المس مطلقا في حق المستحاضة، و لا فائدة في التجديد بعد كونها مستمرة الحدث.

نعم، إذا وجب المس، لتوقف رفع الهتك عليه أو نحوه، فاللازم الاقتصار في الخروج عن عموم حرمة المس مع الحدث علي المتيقن، و هو صورة تخفيف الحدث بإيقاعه مقارنا للوظيفة و لو بتجديدها له، و لم يتضح من الإجماع أو السيرة ما يوجب الخروج عن ذلك.

(1) كأنه لاحتمال مانعية الحدث المستمر حينئذ من المس. لكن حيث كان الدليل هو الإجماع فمع القطع لأجله بعدم المانعية لا مجال للاحتياط الاستحبابي، و مع عدمه يتعين الرجوع لعموم مانعية الحدث من المس. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

انتهي الكلام في مبحث الاستحاضة صباح الاثنين السادس و العشرين من شهر شعبان في السنة الواحدة بعد الألف و الأربعمائة للهجرة. كما انتهي تبييضه ليلة السبت الرابع عشر من شهر شوال من السنة المذكورة.

ص: 318

المقصد الرابع في النفاس

اشارة

المقصد الرابع في النفاس

مسألة 41: تحديد النفاس و جملة من أحكامها
اشارة

(مسألة 41): دم النفاس (1)

تحديد النفاس

______________________________

(1) الاضافة للاختصاص، بلحاظ سببية النفاس للدم، لأن النفاس بالكسر ولادة المرأة، كما في الصحاح و مختاره و نهاية ابن الاثير و مفردات الراغب و لسان العرب و القاموس و مجمع البحرين و عن غيرها. و لعله المتبادر عرفا.

و لازمه ثبوت النفاس حقيقه لمن لا دم لها حين الولادة، و أن لم تترتب الأحكام، و هو يناسب اشتقاقه من النفس بمعناها المعروف أو من تنفس الرحم، كما احتمله غير واحد. لكن عن المطرزي: أنه ليس بذاك، و صرح في المبسوط و الخلاف و السرائر و المعتبر و عن جماعة بأنه مأخوذ من النفس بمعني الدم.

و يؤيده اطلاقه علي الحيض الذي هو دم من دون ولد. فإن المناسب لذلك كون النفاس عبارة عن خروج دم الولادة، فلا نفاس حقيقة لمن لا دم لها حينها، كما صرح به في الخلاف و المعتبر و المنتهي. و الأمر سهل بعد عدم الإشكال في كون موضوع الأحكام هو خروج الدم، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و لعله لذا عرفه جماعة من الأصحاب بنفس الدم، و صرح بعضهم بكونه معني اصطلاحيا له. و عليه تكون إضافته للدم بيانية. لكن في كفاية ذلك في كونه معني اصطلاحيا له إشكال، لقرب كونهم بصدد بيان موضوع الأحكام، لا تحديد مفهوم مستحدث.

و أما ما يظهر من بعضهم من كونه معني شرعيا له، فبعيد جدا، لاحتياج

ص: 319

هو دم يقذفه الرحم بالولادة (1)،

______________________________

النقل الشرعي إلي عناية. مضافا إلي عدم الشاهد له من استعمالات الشارع، إن لم يكن الشاهد منها علي خلافه. فلاحظ.

(1) يعني بسببها. لكن لا يعتني باحتمال عدم استناد الدم المتعقب للولادة لها. لأصالة النفاس في الدم المذكور، كما عن بعض الأعاظم قدّس سرّه. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و العمدة في هذا الأصل- مضافا إلي ظهور الإجماع- بناء العرف عليه».

و حيث كان مقتضي الإطلاقات المقامية لأدلة الأحكام الإيكال في تشخيصها للطرق العرفية يتعين متابعتهم في المقام. كما قد يستفاد أيضا من الإطلاقات اللفظية لبعض النصوص «1» مما تضمن عنوان الولادة و نحوه دون النفاس، و لم ينبه فيه علي اعتبار العلم باستناد الدم إليها. فتأمل.

هذا، و لا إشكال ظاهرا في صدقه و ترتب أحكامه مع صدق الولد علي ما تضعه و إن لم يكن تام الخلقة أو لم تحله الحياة. قال في مفتاح الكرامة: «الظاهر أنه لا كلام لأحد في الولد الغير التام في أن حاله كحال التام». لعدم الإشكال ظاهرا في صدق النفاس به لغة و عرفا فيشمله الإطلاق.

و أما لو كان مضغه فمقتضي إطلاق الشيخ في المبسوط ترتب الحكم مع السقط ترتب الحكم عليه و به صرح جمع كثير، و في الجواهر: أنه المعروف بينهم، بل لم أجد فيه خلافا. انتهي. و في التذكرة: «فلو رأت مضغه أو علقة بعد أن شهد القوابل أنه لحمة ولد و يتخلق منه الولد كان الدم نفاسا بالإجماع» و نحوه عن شرح الجعفرية.

نعم، توقف فيه في الحدائق، و عن مجمع البرهان و بعض مشايخنا القول بعدمه، لعدم وضوح صدق النفاس و لا الولادة به، بل عن بعض مشايخنا استيضاح عدم صدقهما. و عدم ثبوت الاجماع الحجة. قال في الحدائق: «و الظاهر أن أول من ذكر

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 320

______________________________

ذلك المحقق في المعتبر و العلامة و تبعهما من تأخر عنهما، و كلام المتقدمين خال من ذلك، كما لا يخفي علي من راجعه».

لكن سبق من المبسوط تعميم الحكم للسقط الشامل للمقام، و قد تلقاه من بعده بالقبول. و يناسبه عدم تعرض الأصحاب لتحديد ما يتحقق به النفاس، لأن تطور المضغة حتي تبلغ نحوا يتضح معه صدق الولد تدريجي يمرّ بمراحل يشتبه فيها بنحو الشبهة المفهومية، فلو لا المفروغية عن عموم الحكم للمضغة لاحتيج للتنبيه علي الحدّ المذكور بنحو يسهل علي العامة تشخيصه.

و من هنا كانت دعوي الإجماع قريبة جدا ككاشفيته عن عموم الحكم شرعا، إذ من البعيد جدا الخطأ في ذلك بعد كثرة الابتلاء به و شيوعه.

نعم، الظاهر عدم ابتناء ذلك علي إلحاقه بالنفاس تعبدا، بل علي عموم النفاس له و صدقه عليه، و أن ذكر الولادة في تعريف النفاس- عند اللغويين- مبني علي الغلبة، مع كون حقيقته إلقاء الحمل و وضعه و إن لم يصر ولدا عرفا، أو إرادة ما يعم إلقاء ما يكون أصلا للولد من الولادة، كما يظهر من جماعة و لعله لذا قال سيدنا المصنف قدّس سرّه:

«لا يبعد الصدق و إن كان لا يخلو من خفاء»، و لا أقل من أدلة المقام كون ذلك هو مراد الشارع منه، إلغاء لخصوصية الولادة- لو كان المراد بها وضع ما يسمي ولدا- كما يناسبه ما هو المرتكز من تبعية الأحكام لحقيقة الدم التي لا يفرق فيها ارتكازا بين صدق الولد علي المضغة و عدمه، مؤيدا بخلو النصوص عن تحديد النفاس مع شدة الحاجة لذلك لو كان المراد به ما يصدق معه الولد، لما سبق من الابتلاء بموارد الاشتباه في صدقه بنحو الشبهة المفهومية.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا- فيما حكي عنه- من ظهور النصوص في تبعية صدق النفاس للولادة. فإن أراد من الولادة فيه ما يعم وضع ما هو أصل الولد، لم ينفع في إثبات مدعاه، و إن أراد منها وضع خصوص ما يصدق عليه الولد عرفا، فهو غير ظاهر المأخذ.

ص: 321

______________________________

و قد يؤيد بما ورد من تعميم حكم العدة للمضغة و أن المعيار فيها علي كونها مبدأ خلق آدمي، ففي موثق عبد الرحمن بن الحجاج أو صحيحه عن أبي الحسن عليه السلام:

«سألته عن الحبلي إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة.

فقال: كل شي ء يستبين أنه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت عدتها و إن كان مضغة» «1»، فإن موضوع العدة و إن كان هو الحمل الصادق في الفرض، لا النفاس المفروض التشكيك في صدقه فيه، إلا أن جريهما علي نحو واحد قريب جدا. فتأمل.

و بالجملة: ترتب الحكم بوضع المضغة قريب جدا بالنظر للنصوص و كلمات الأصحاب.

و مما ذكرنا يظهر ترتب الحكم علي العلقة لو أحرز كونها مبدأ نشوء آدمي، كما في الدروس و عن نهاية الأحكام و البيان و الذكري و كشف الالتباس، و قد تقدم من التذكرة و عن شرح الجعفرية الإجماع عليه، كما يظهر من تعليل عدم ترتب الحكم معها و مع النطفة في المعتبر و المنتهي بعدم تعين الحمل معهما المفروغية عن ترتبه لو أحرز كونها مبدأ نشوء آدمي، و أن المانع عدم الإحراز.

لكن توقف فيه في جامع المقاصد حتي مع العلم بذلك، لانتفاء التسمية. قال في الروض: «و لا وجه له بعد فرض العلم. و لأنا إن اعتبرنا مبدأ النشوء فلا فرق بينها و بين المضغة مع العلم» و دفعه في المدارك بعدم صدق الولادة عرفا حتي مع العلم.

و يشكل: بأن المراد بالولادة إن كان هو وضع الولد فهو غير متحقق في المضغة، و إن كان هو ما يعم وضع مبدأ الولد فهو متحقق في العلقة، و لا وجه للفرق بينهما.

اللهم إلا أن يكون وضوح مسانخة المضغة للإنسان لكونهما معا لحما عرفا هو منشأ الفرق بينها و بين العلقة، حيث يكون تبدل العلقة له من سنخ التحول و الاستحالة، و تبدل المضغة له من سنخ التكامل و التطور في الشي ء الواحد عرفا، و المراد بمبدإ نشوء الآدمي الثاني، لا ما يعم الأول.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب العدد حديث: 1.

ص: 322

______________________________

و قد يظهر ذلك من حديث عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم، حيث قد يظهر في أن مبدأ صدق الحمل هو المضغة و أنها أخفي أطواره.

و أظهر من ذلك النطفة المستقرة في الرحم بعد التلقيح. و لعله لذا لم يعرف القول بترتب الحكم عليها. بل نفي غير واحد الإشكال في عدم ترتبه، و إن كان مقتضي التعليل المتقدم من المعتبر و المنتهي ترتبه في فرض إحراز حالها، و قد ينسب للذكري احتماله.

و أما ما سبق من ظهور حالهم في عموم الحكم لكل ما يكون مبدأ نشوء آدمي، لعدم تحديدهم ما يتحقق به النفاس مع شدة الحاجة لتحديده. فلا مجال له هنا، لعدم شيوع الابتلاء بذلك بسبب غلبة تعذر العلم بكون العلقة مبدأ نشوء آدمي- كما صرح به غير واحد- لكثرة ابتلاء النساء بالقاء دم آخر متجمع في الحيض و الاستحاضة مشتبهة بها، و تعذر تمييز النطفة الملحقة قبل تحولها، و ليس الحال كالمضغة التي لا تبتلي المرأة غالبا بإلقاء مشابه لها في غير حال الحمل، فيتيسر تمييزها بسبب ذلك. فلاحظ.

هذا، و حيث فرض عدم نهوض الأدلة بكون الدم المذكور نفاسا فمن الظاهر عدم البناء علي حيضيته لو كان فاقدا لشرائط الحيض، كما لو لم يبلغ اقله او لم ينفصل عن الحيض السابق بأقل الطهر. و أما لو كان واجدا لشرائطه فالبناء علي حيضيته مبني علي ثبوت عموم يقتضي حيضية كل دم بعد البلوغ واقعا، و قد سبق في التنبيه الأول من تنبيهات قاعدة الإمكان تقريب العموم المذكور.

لكن الظاهر قصوره عن الدم في المقام، لاختصاص الدليل عليه بالنصوص الواردة في بعض الموارد الخاصة بضميمة عدم الفصل، الذي لا مجال لإحرازه في المقام بعد مسانخة الدم المذكور لدم النفاس و مباينته لدم الحيض ارتكازا كما سبق قصور قاعدة الإمكان عن إثبات حيضية الدم في مورد الشبهة الحكمية.

و حيث سبق في أول مبحث الاستحاضة تقريب انحصار دم المرأة بالدماء الثلاثة بتردد الدم في المقام بينها، و قد سبق أن اللازم في مثل ذلك ترتيب أحكام

ص: 323

______________________________

الاستحاضة، لأن مقتضي أصالة عدم الحيض و النفاس عدم ترتب أحكامهما و تكليف المرأة بالعبادة، و حيث يعلم ببطلانها مع عدم القيام بوظائف المستحاضة يتعين قيامها بها. فراجع.

ثم أنه لو علم بأن المضغة أو العلقة- علي القول بترتب حكم النفاس عليها- مبدأ نشوء آدمي فلا إشكال. أما لو شك في ذلك بنحو الشبهة الموضوعية فقد صرح غير واحد بقبول شهادة القوابل في ذلك، كما تقدم من التذكرة و عن غيرها دعوي الإجماع عليه. و في الدروس و عن الذكري و غيرها لزوم الأربع.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لا إشكال في حجية شهادة القوابل الأربع في الجملة في إثبات الولادة و النفاس، و إنما الإشكال في حجية شهادة الاثنين و الواحدة، فعن المفيد و غيره ذلك. و يشهد به بعض النصوص الواجب حمله علي الحجية بالنسبة إلي النصف أو الربع جمعا بين النصوص … و الكلام في ذلك موكول إلي محله من كتاب الشهادات».

لكن الظاهر من نصوص الشهادة «1» قبول شهادتهن في الأمور الحسية، كالعذرة، و استهلال المنفوس، الذي هو مورد التفصيل الذي أشار إليه قدّس سرّه، دون الأمور الحدسية الاجتهادية، كالمقام، بل الرجوع إليهن فيها ليس بملاك الشهادة، بل بملاك الرجوع إلي أهل الخبرة، الذي لا يتقيد بعدد و لا نوع و لا عدالة، بل المعيار فيه الثقة بمقتضي بناء أهل العرف، فلا بد في الخروج عنه من دليل، و لا يتضح لنا عاجلا.

و حمله علي الشهادة قياس.

هذا، و لو لم يتيسر طريق للإحراز يتعين البناء علي عدم النفاس لاستصحاب عدمه، و الحكم بالحيض، لقاعدة الإمكان، و مع تعذره فبالاستحاضة، بناء علي ما تقدم في أول بحث الاستحاضة من أنها الأصل في الدم الذي ليس بحيض و لا نفاس.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 24 من أبواب كتاب الشهادات.

ص: 324

معها أو بعدها (1).

______________________________

(1) أما بعدها فهو المتيقن من النص و الفتوي، المدعي عليه الإجماع في كلام غير واحد و أما معها فهو المصرح به في كلام جماعة كثيرة، كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم، كما قد يظهر من آخرين، و في جامع المقاصد و عن شرحي الجعفرية و كشف الالتباس أنه المشهور، و ظاهر الخلاف الاجماع عليه عندنا، حيث قال: «الدم الذي يخرج قبل خروج الولد لا خلاف في أنه ليس بنفاس، و ما يخرج بعده لا خلاف في كونه نفاسا، و ما يخرج معه عندنا يكون نفاسا، و اختلف اصحاب الشافعي … ».

و استدل عليه.. تارة: بصدق النفاس به، لأنه دم قد خرج بخروج الولد.

و أخري: بموثق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل. يعني: إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة، إلا أن تري علي رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة» «1»، و الصحيح عن زريق (رزيق) عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ان رجلا سأله عن امرأة حاملة رأت الدم. قال: تدع الصلاة. قلت: فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض. قال: تصلي حتي يخرج رأس الصبي، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة … قلت: جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟ قال: إن الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلي أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس … » «2»

و يشكل الأول بعدم وضوح صدق النفاس في المقام بعد عدم التفات العرف لمثل هذه التدقيقات، ليعلم إطلاقهم النفاس في المقام، بل تفريقهم في صدقه بين دم المخاض الخارج قبل خروج جزء من الولد، و المقارن لخروجه قبل إتمام الولادة بعيد.

بل هو مردد ارتكازا بين خصوص الخارج بعد الولادة، فيقصر عنهما معا، و مطلق

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17.

ص: 325

______________________________

الخارج بسبب تهيؤ الرحم لها، فيشملهما.

كما أن مقتضي الجمود علي تعريف اللغويين بولادة المرأة إذا وضعت- لو كان حجة- قصوره عن المقام. و ما عن بعض مشايخنا من صدق الولادة بالشروع فيها، غير ظاهر. و لا أقل من إجمال النفاس بالإضافة للفرد المذكور، فيرجع لعموم أحكام الطاهر.

و الثاني باشتمال موثق السكوني علي عدم حيض الحامل- الذي سبق عدم الالتزام به- و باحتمال كون التفسير من الراوي. و بضعف حديث زريق «رزيق» لعدم النص علي توثيقه، و عدم وضوح انجباره بعمل الأصحاب بعد عدم إشارة الأكثر له في مقام الاستدلال و عدم إثباته في كتب الحديث المشهورة، و إنما حكي عن مجالس الشيخ قدّس سرّه.

و لعله لذا حدد في الغنية النفاس بما يخرج عقيب الولادة، و حكاه غير واحد عن المرتضي، كما حكاه في كشف اللثام عن الجمل و العقود و الكافي و الإصباح و الجامع.

و يدل عليه موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين، فتري الصفرة أو دما. قال: تصلي ما لم تلد … » «1»، و قريب منه موثقة الآخر «2»، إن لم يكن عينه.

اللهم إلا أن يقال: اشتمال موثق السكوني علي عدم حيض الحامل لا يمنع من الاستدلال به في المقام، لما تكرر من إمكان التفكيك في الحجية بين مضامين الحديث الواحد. و ليست الفقرة المذكورة متفرعة علي مفاد النبوي الذي هو عدم حيض الحامل، ليمتنع العمل بها بامتناع العمل به، بل هي أمر زائد علي مفاده راجعة لتحديد مبدأ النفاس. و احتمال كون التفسير من الراوي بعيد، لا يناسب التفصيل الذي تضمنه، لما ذكرناه من زيادته علي مضمون النبوي. فليس من شأن غير الإمام التفسير به.

و زريق (رزيق) و إن لم ينص أحد علي توثيقه إلا أنه قد تستفاد رفعة شأنه مما عن ابن النديم من عدّه من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة عليهم السلام. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 326

لا حد لقليل النفاس

و لا حدّ لقليله (1)،

______________________________

و من هنا لا يبعد البناء علي ذلك و الخروج عن ظاهر موثقي عمار بحملهما علي الشروع في الولادة في قبال ما يخرج حالة الطلق قبل ظهور شي ء من الولد. بل جوّز في كشف اللثام كون ذلك مراد من سبق نسبة الخلاف إليه. و قد يؤيده ما سبق من الخلاف من ظهور دعوي الإجماع علي النفاس في المقام. فلاحظ.

(1) بلا خلاف، كما في جامع المقاصد و الحدائق و عن شرحي الجعفرية، و إجماعا، كما في الناصريات و الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهي و التذكرة و الروض و المدارك و كشف اللثام و محكي الذكري و غيرها. و كفي بذلك دليلا في مثل هذه المسألة التي يشيع الابتلاء بها، فيمتنع عادة خفاء حكمها.

مضافا إلي أن المراد بالتحديد إن كان هو نفي نفاسية ما نقص عن الحد- كما هو المراد من التحديد في الحيض- فهو مخالف لإطلاق أدلة أحكام النفاس، حيث لا إشكال في صدقه عرفا حتي مع فقد الحدّ.

و لا مجال للاستدلال عليه بدعوي كون النفاس بمنزلة الحيض، لما يأتي في تحديد أكثر النفاس من عدم ثبوت ذلك. و إن كان هو تحقق النفاس بقدر الحدّ و لو مع انقطاع الدم- كما لعله الظاهر من بياناتهم- فهو مخالف لإطلاق أدلة أحكام الطاهر، لأنها و إن كانت مقيدة بأدلة أحكام النفاس، إلا أن مبدأ النفاس لما كان هو وضع الولد فاستمراره عرفا إنما يكون باستمرار أثره، و هو الدم، و لا أقل من عدم وضوح استمراره بدونه، فيرجع مع انقطاعه لاطلاقات أحكام الطاهر.

هذا، و قد يستدل أيضا بخبر ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن النفساء كم حدّ نفاسها حتي يجب عليها الصلاة، و كيف تصنع؟ قال: ليس لها حدّ» «1»، بدعوي: أن تعذر العمل به في طرف الكثرة لا يمنع من حجيته في طرف القلة.

و يشكل بقوة ظهوره في نفي التحديد من طرف الكثرة بقرينة قوله: «حتي يجب

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النفاس حديث: 1.

ص: 327

و حد كثيرة عشرة أيام (1) من حين الولادة.

______________________________

عليها الصلاة» فيتعين سقوطه عن الحجية لا حمله علي نفي التحديد من طرف القلة.

نعم، قد يستدل بصحيح علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء و كم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال: تدع الصلاة ما دامت تري الدم العبيط إلي ثلاثين يوما، فإذا رق و كانت صفرة اغتسلت و صلّت إن شاء اللّه تعالي» «1»، و حديث الأعمش عن جعفر بن محمد في حديث شرايع الدين: «قال و النفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا أن تطهر قبل ذلك … » «2»، و حديث الفضل عن الرضا عليه السلام في كتابه إلي المأمون: «قال: و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فإن ظهر قبل ذلك صلت» «3».

بدعوي: أن مقتضي الغاية في الأول و الاستثناء في الثاني و إطلاق الثالث انتهاء النفاس بانقطاع الدم و إن قل أمده و لا يمنع من العمل بها في ذلك اشتمالها علي التحديد في طرف الكثرة بما قد لا يلتزم به، لإمكان التفكيك في الحجية بين مضامين الحديث الواحد مع عدم الارتباطية بينها و عدم تفرع بعضها علي بعض. فتأمل جيدا.

الكلام في أكثر النفاس
منها قول المشهور بأن أكثر النفاس عشرة أيام من حين الولادة
اشارة

(1) كما في المقنعة و النهاية و الخلاف و التهذيب و الاقتصاد و إشارة السبق و الغنية و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و محكي نهاية الأحكام و التحرير و الذكري و البيان و كشف الرموز و جملة غيرها، و قد يظهر من المقنع، حيث أفتي به أولا، ثم ذكر أنه قد روي مضامين أخر، و نحوه في الناصريات، كما حكاه غير واحد عن علي بن بابويه.

و هو الأشهر كما عن الجعفرية، و المشهور، كما في التذكرة و جامع المقاصد و اللمعة و محكي الذكري و كشف الالتباس و فوائد الشرائع و شرح الجعفرية، و مذهب الأكثر، كما في المبسوط و كشف اللثام، بل ظاهر أو محتمل الغنية الإجماع عليه، بل هو

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 25.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 24.

ص: 328

______________________________

صريح الخلاف و إن صرح فيه أيضا قبل ذلك بوجود الخلاف.

و كيف كان،

فقد استدل عليه بوجوه:
الأول: عموم أحكام الطاهر،

حيث يجب الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن، و هو ما لا يزيد علي الحد المذكور. و يشكل بأن الظاهر كون النفاس كالحيض أمرا واقعيا محدد المفهوم عند العرف، و هو خروج الدم المسبب عن الولادة لا إجمال في مفهومه.

و تحديده شرعا إما أن يرجع إلي بيان حدّه الواقعي الذي يرتفع معه واقعا و إن خفي علي العرف لبقاء الدم، نظير ما سبق في الحيض، أو إلي بيان حدّ أحكامه و أن بقي ببقاء الدم.

و علي الأول يتعين الرجوع لاستصحابه، لتمامية أركانه، و ليس هو من استصحاب المفهوم المردد، لما ذكرنا من عدم الإجمال في المفهوم، و إنما الشك في حال المصداق، كما لا مجال لما قد يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من عدم جريان الاستصحاب في التدريجيات، بعد أن حققنا في محله تبعا له و لغيره من جريانه. و بذلك يستغني عن استصحاب أحكام النفاس الذي قد يشكل بعدم إحراز بقاء الموضوع.

و علي الثاني يتعين الرجوع لإطلاق أدلة أحكام النفاس المقدم علي إطلاق أدلة أحكام الطاهر، لأن تحديده يكون من سنخ التقييد له، فيقتصر فيه علي المتيقن.

هذا، و قد يدعي الاستغناء عن استصحاب النفاس علي الوجه الأول، لأنه حيث كان المعيار في تشخيص الموضوع علي العرف بمقتضي الإطلاقات المقامية، و كان العرف حاكما بتبعية النفاس للدم، فردع الشارع عن ذلك ببيان الحدّ له يقتضي الاقتصار في الخروج عما عليه العرف علي المتيقن مما ردع الشارع عنه في فرض إجمالا، عملا بالإطلاق المقامي في المشكوك، بلا حاجة للاستصحاب.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم بناء العرف علي نفاسية كل يوم يوم بنحو العموم الانحلالي، ليقتصر في الخروج عن العموم المذكور علي المتيقن، بل يرجع بناؤهم إلي أمر واحد، و هو تبعية النفاس لاستمرار الدم، فبيان الشارع لحدّه راجع إلي تخطئتهم

ص: 329

______________________________

في الأمر المذكور و إجمال حدّ النفاس، و يتعين الرجوع للاستصحاب، كما سبق.

نعم، لا مجال للاستصحاب المذكور فيما لو لم تري الدم إلا بعد مضي الحد المحتمل الأقل، كما لو رأته في اليوم الحادي عشر من الولادة، بناء علي أن لازم البناء علي التحديد بالثمانية عشر يوما مثلا البناء علي كونه نفاسا، لوضوح أن الشك في التحديد بالثمانية عشر و احتمال كون الحد عشرة أيام مستلزم للشك في حدوث النفاس الذي يكون المرجع فيه استصحاب عدمه.

كما لا مجال في مثله للرجوع إلي عموم أحكام النفساء علي الوجه الثاني المتقدم، لعدم وضوح بناء العرف علي نفاسيته، بل مقتضي استصحاب عدم النفاس الرجوع لعموم أحكام الطاهر، كما قرر في الاستدلال بهذا الوجه. لكنه فرض نادر.

الثاني: الإجماع

المدعي في الخلاف و الغنية المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، كما في الجواهر. و يشكل بما أشرنا إليه آنفا من صراحة صدر كلام الخلاف في تحقق الخلاف بين أصحابنا. و من ثم قد يكون مرجع الإجماع المدعي منه بعد ذلك إلي الاجماع علي القاعدة المقتضية بنظره للرجوع إلي عموم احكام الطاهر بالوجه المتقدم او الاجماع علي بطلان الأقوال الأخر التي حكاها عن العامة، كما احتمله شيخنا الأعظم قدّس سرّه و إن كان بعيدا عن ظاهر كلامه.

كما ان كلام الغنية غير صريح في دعوي الإجماع علي الحكم المذكور، فإنه بعد أن حدد النفاس بعشرة أيام قال: «و هي و الحائض سواء في جميع الأحكام إلا في حكم واحد، و هو أن النفاس ليس لأقله حد. و ذلك بدليل الإجماع» حيث يحتمل رجوع الإجماع للمستثني وحده. علي ان ظهور حال الخلاف و الغنية و نحوهما مما يكثر فيه دعوي الإجماع في موارد الخلاف تمنع من التعويل علي الإجماع المذكور في المقام، و لا سيما مع ظهور الخلاف من بعض أساطين الأصحاب، و ظهور كلام جملة منهم في أن المسألة من المسائل الخلافية النظرية منهم الشيخ نفسه في المبسوط، حيث اقتصر علي نسبة القول بالعشرة للشهرة دون أن يظهر منه الفتوي به.

ص: 330

______________________________

بل أدني نظر في النصوص و كلام الأصحاب يشهد بكونها من المشكلات التي لا يستوضح حالها من الإجماع و نحوه. و منه يظهر اندفاع ما عن بعض مشايخنا من الاستدلال بالشهرة الفتوائية في المقام، بدعوي امتناع خطئها عادة في مثل هذه المسألة التي يكثر الابتلاء بها.

وجه الاندفاع: أن ذلك إنما يتم مع عدم ظهور الخلاف للشهرة، و لا مجال له في مثل هذه المسألة التي يظهر اضطراب عمل الشيعة و فتاوي فقهائهم فيها من الصدر الأول، كما يظهر بملاحظة بعض نصوص المسألة «1»، و إنما استقرت الشهرة علي العشرة بعد الشيخ، و لا أهمية لمثلها.

الثالث: ما تضمن أن النفاس حيض محتبس،

كما ذكره غير واحد. و يشكل بعدم ثبوت المضمون المذكور من النصوص.

نعم، في خبر مقرن عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: سأل سلمان رحمه اللّه عليا عليه السلام عن رزق الولد في بطن أمه. فقال: إن اللّه تبارك و تعالي حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه» «2». و هو إنما يدل علي أن رزق الولد قبل خروجه من دم الحيض. كما تضمنه صحيح سليمان بن خالد «3»، لا أن النفاس الخارج بعد خروج الولد من سنخ دم الحيض.

نعم، أرسل ذلك في كلام غير واحد إرسال المسلمات. لكنه غير واضح الوجه، بل هو لا يناسب كون الحيض رزق الولد، بل الأنسب به عدم خروج دم الحيض إلا بعد مضي مقدار الطهر بعد الوضع ليتجمع في المدة المذكورة لو لم يتحول للرضاع.

علي أنه لو تم لم يستلزم مشاركته للحيض في حدوده، لظهور أدلة التحديد في ثبوت الحدود للحيض بعنوانه، لا لسنخ دمه. و إنما يتجه ذلك لو ورد بلسان التنزيل الشرعي. و لم يثبت.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 7، 9، 11.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 13.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 14.

ص: 331

الرابع: بعض النصوص المدعاة في المقام،

______________________________

ففي السرائر: «و ذكر الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي اللّه عنه في جواب سائل سأله فقال: كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة و كم مبلغ ذلك؟ فقد رأيت في كتابك كتاب أحكام النساء أحد عشر يوما، و في الرسالة المقنعة ثمانية عشر يوما، و في كتاب الاعلام أحدا و عشرين يوما، فعلي أيها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال: الواجب علي النفساء أن تقعد عشرة أيام، و إنما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوما و ما روي في النوادر استظهارا بأحد و عشرين يوما. و عملي في ذلك علي عشرة أيام، لقول الصادق عليه السلام:

لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض» «1».

و في المقنعة: «و أكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما. و قد جاءت أخبار معتمدة بأن أقصي [انقضاء] مدة النفاس مدة الحيض، و هو عشرة أيام. و عليه العمل لوضوحه عندي»، بناء علي ان هذا الذيل من المقنعة، كما هو الموجود في المطبوع منها، المناسب لعبارة التهذيب في شرحها، و عليه جري في المختلف و المدارك و الوسائل و غيرها.

لكن نسبه في جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري للتهذيب، و قد يناسبه ما سبق من السرائر من نسبة الثمانية عشر يوما للمقنعة. كما نسبه في كشف اللثام لكلا الكتابين، كل منهما في موضع من كلامه.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «لا يهم تحقيق ذلك، لأن إرسال الشيخ لا يقصر عن إرسال المفيد».

و في التهذيبين بعد أن ذكر حديث ابن سنان المتضمن أنه تسع عشرة ليلة قال:

«و قد روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر، و أن أيام النفساء مثل أيام الحيض … » و في النافع: «و في أكثره روايات أشهرها أنه لا يزيد عن أكثر الحيض». لكن هذه النصوص كما تري لا تنهض بإثبات المطلوب بعد إرسالها.

و دعوي: أن إرسال مثل الشيخين لا يقصر عن إرسال مثل ابن أبي عمير

______________________________

(1) السرائر ص: 5 عند الكلام في أخبار الآحاد في أواخر المقدمة قبيل كتاب الطهارة.

ص: 332

______________________________

و نحوه من أصحاب الاجماع ممنوعة، لابتناء قبول مراسيل هؤلاء علي دعوي أنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة، و لم يدع ذلك أحد في حق مثل الشيخين، بل لا مجال لدعواه، و لا سيما مع تعدد الوسائط بينهم و بين المعصومين عليهم السلام.

مضافا إلي قرب كونها منقولة بالمعني، و أن المراد بأيام الحيض فيما أرسله في التهذيبين عن ابن سنان أيام العادة، و أن المراد بباقيها النصوص الكثيرة المتضمنة اقتصار النفساء علي مقدار عادتها وحده أو مع الاستظهار، كما يناسبه ظهور ما تقدم من المقنعة و النافع في كثرة النصوص المدعاة، مع أنه ليس في كتب الحديث و الفقه التي بأيدينا عين و لا أثر لنص يتضمن تحديد النفاس بعشرة، و إنما الموجود فيها نصوص العادة، بل هو كالمقطوع به بملاحظة اقتصار الشيخ في التهذيب و المحقق في المعتبر في شرح المقنعة و النافع علي نصوص العادة.

نعم، في الرضوي: «و النفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها، و هي عشرة أيام، و تستظهر بثلاثة أيام، ثم تغتسل، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة، و قد روي: ثمانية عشر يوما، و روي: ثلاثة و عشرين يوما. و بأي هذه الأحاديث أخذه جاز» «1». لكنه- مع ندرته، و ضعفه في نفسه- مشتمل علي الاستظهار زائدا علي العشرة، و مخير بين ذلك و بقية الروايات.

و من هنا يلزم النظر في نصوص الرجوع للعادة، و هي كثيرة، ذكر منها في الوسائل تسعة. منها صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «قال: النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها، ثم تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» «2» و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: النفساء متي تصلي؟ قال: تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم، و إلا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلت … » «3» و غيرهما. و عليها اقتصر الكليني مضيفا إليها ما يدل علي استمراره

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 2 و باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 333

______________________________

للثمانية عشر، و يظهر منه عمله بمضمونها. و قد أشار في الجواهر إلي الاستدلال بها تارة: بأن المنساق منها مساواة النفاس للحيض.

و أخري: بأنها أمرت بالرجوع للعادة، و أقصاها عشرة فأقصاها عشرة.

و ثالثة: بأن يراد بأيامها الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضا. و الكل كما تري، لاندفاع الأول- مضافا إلي اختصاص النصوص بذات العادة- بأن مساواة النفاس للحيض في الرجوع للعادة لا يستلزم مساواته له في الحدّ، كيف و مرجع الأمر بالرجوع للعادة حجيتها و لزوم التعيين بها ظاهرا، لا إلي التحديد بها واقعا في الحيض، فضلا عن النفاس، فكما أمكن زيادة الحيض علي العادة واقعا يمكن ذلك في النفاس بل لا إشكال فيه فيما لو كانت العادة دون العشرة، و لذا نصت النصوص علي الاستظهار.

و أما فهم عموم مساواة النفاس للحيض من ذلك بإلغاء خصوصية الرجوع للعادة أو بتنقيح المناط أو عدم الفصل، فهو يحتاج إلي لطف قريحة، أو قرينة خاصة لا تنهض بها نفس النصوص، و قد يأتي الكلام فيها.

و منه يظهر اندفاع الثاني، لأن الرجوع في النفاس للعادة إذا كانت عشرة أيام إنما هو لحجيتها عليه ظاهرا، لا لتحديدها به واقعا، مع أنه مختص بمن تكون عادتها عشرة. و لعله لذا أمر قدّس سرّه بالتأمل.

و أما الثالث فهو مخالف لظاهرها، كما اعترف به قدّس سرّه في الجملة، بل لصريح جملة منها، كصحيح زرارة الأول، لاشتماله علي توصيف الأيام بأنها التي كانت تمكث فيها، و قريب منه غيره. كما لا يناسب ما اشتمل عليه جملة منها من ضم الاستظهار.

نعم، قد يستدل بما تضمن منها الاستظهار للعشرة، و هو صحيح يونس:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر مما كانت تري، قال: فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة … » «1»، بناء علي أن المراد انتهاء الاستظهار بانتهاء العشرة، إما لما

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 334

______________________________

ذكره الشيخ من أن الباء هنا بمعني (إلي) لقيام حروف الصفات بعضها مقام بعض، أو لأن المراد كون الاستظهار بالانتهاء للعشرة لا بتمامها. و يؤيده صحيحه الآخر الوارد بنفس السند و المتن في الحيض «1».

و قد يوجه الاستدلال به حينئذ بما في الجواهر من أن المراد بالاستظهار طلب ظهور الحال، فلو لم يكن أكثره عشرة لما كان في انتظارها ظهور الحال.

لكنه يشكل بأن طلب ظهور الحال عندهم- كما يظهر مما سبق منهم في الحيض- إنما هو بمعني طلب ظهور حال الدم، و أنه ينقطع علي العشرة أو يستمر بعدها، فإن انقطع انكشف نفاسية ما زاد علي العادة، و إن استمر انكشف عدمها، و من الظاهر أن الانكشاف المذكور- لو تم- تعبدي و لا يستلزم بوجه كون أكثر النفاس عشرة.

علي أنه تقدم في الحيض أن الاستظهار ليس هو طلب ظهور الحال، بل هو الاحتياط و الاستيثاق مراعاة لاحتمال الحيضية أو النفاسية، و حينئذ يمكن تشريع الاحتياط المذكور قبل العشرة، دون ما بعدها و إن كان الاحتمال موجودا، و لذا تضمنت جملة من النصوص هنا و في الحيض الاستظهار باليوم و اليومين و الثلاثة، مع أنها قد لا تبلغ العشرة و تنزيل الجميع علي العشرة كما في الجواهر في غير محله، كما سبق.

و منه يظهر ضعف ما عن بعض مشايخنا من أنه لو لم يكن أكثر النفاس عشرة لم يكن وجه لاقتصار الاستظهار عليها.

ثم أنه قد يستأنس بذلك و بالرجوع للعادة لمساواة النفاس للحيض في الأكثر مؤيدا بتساويهما في الأحكام الأخر، بل في الجواهر أنه يشعر به ما في صحيح زرارة الآخر المتقدم بعد الحكم برجوع النفساء للعادة ثم الاستظهار: «قلت: و الحائض. قال: مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم، و إلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء … » «2».

لكن الجميع كما تري أشبه بالقياس لا ينهض بإثبات حكم شرعي، و لا سيما

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 335

______________________________

مع اختلافهما في الحدّ الأقل. و لا ظهور للصحيح في مساواة الحائض للنفساء مطلقا، بل في خصوص الرجوع للعادة و الاستظهار، فيجري فيه ما تقدم.

منها اكثر النفاس خروجها قبل الثمانية عشر
اشارة

نعم، قد يستدل بما يأتي من النصوص الدالة علي خروجها من النفاس قبل الثمانية عشر، بناء علي عدم الواسطة بين العشرة و الثمانية عشر، علي ما يأتي الكلام فيه و في بقية الوجوه المستدل بها لهذا القول.

هذا، و قد سبق عن المفيد القول بالثمانية عشر في بعض كتبه، و عليه جري في الفقيه و الهداية و الانتصار و الموصليات و المراسم و محكي جمل المرتضي و ابن الجنيد، و قربه في المختلف و المنتهي و محكي التنقيح في الجملة علي ما يأتي كما نفي عنه البعد في محكي مجمع البرهان. و لعله إليه يرجع ما عن ابن عقيل، فإن كلامه و أن تضمن أن أقصي جلوسها واحد و عشرون يوما، إلا أن ظاهره كون النفاس تعبدا هو الثمانية عشر، و أن ما زاد عليها استظهار. قال قدّس سرّه فيما حكي عنه: «أيامها [عند آل الرسول عليهم السلام] أيام حيضها، و أكثره أحد «1» و عشرون يوما، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلت و صامت، و إن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما، ثم استظهرت بيوم أو يومين، و إن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام، ثم اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلت» فيكون نظير ما ذكره الصدوق في الأمالي من أن أكثر النفاس ثمانية عشر يوما و تستظهر بيوم أو يومين كما ربما يرجع اليه ما سبق من السرائر عن المفيد في كتاب الاعلام بأن يختص بكثيرة الدم.

نعم، ما ذكره في صدر كلامه من أن أيامها أيام حيضها لا يناسب ذلك. إلا أن يبتني علي نحو جمع بين النصوص يأتي الكلام فيه.

و الحاصل: أن القول المذكور معتد به بين القدماء، بل في الانتصار: «و مما انفردت به الإمامية القول بأن أكثر النفاس مع الاستظهار التام ثمانية عشر يوما …

______________________________

(1) في نسخة ذكرت في مفتاح الكرامة (أحد عشر يوما). لكنها مع- اختصاصها به و عدم وجودها في كلام غيره ممن نقل كلام ابن أبي عقيل كالمحقق و العلّامة و غيرهم- لا تناسب بقية كلامه. (منه عفي عنه).

ص: 336

______________________________

و الذي يدل علي صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره.. و أيضا فإن الأيام التي ذكرناها مجمع علي أنها نفاس … و قد تكلمنا في هذه المسألة في جملة ما خرج لنا من مسائل الخلاف». و نحوه ذكر في الموصليات لكن حكي في السرائر عن مسائل خلافه العدول إلي القول بالعشرة، و أنه قال: «عندنا الحد في نفاس المرأة أيام حيضها التي تعهدها، يعني: أكثرها. و قد روي: أنها تستظهر بيوم أو يومين. و روي في أكثره: خمسة عشر يوما. و روي أكثر من هذا. و الأثبت ما تقدم».

بل قد يظهر من السرائر انحصار القول بالثمانية عشر بالمفيد و المرتضي، و أنهما عادا عنه، و أنه ليس في أصحابنا من ثبت عليه. لكن يظهر ضعفه مما تقدم من نسبته لغيرهما، و باحتمال عودهما من العشرة إلي الثمانية عشر، دون العكس. و لا سيما مع ما صرح به في الخلاف و المبسوط من اختلاف أصحابنا في التقدير بالوجهين، الظاهر في ثبوتهم عليه.

و كيف كان،

فيدل عليه جملة من النصوص:
منها: ما ورد في قضية أسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر.

و هي علي طائفتين:

الأولي: ما تضمن مجرد أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم لها بوظيفة المستحاضة بعد الثمانية عشر، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهل بالحج، فلما قدموا مكة و قد نسكوا المناسك و قد أتي بها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن تطوف بالبيت و تصلي و لم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك» «1» و غيره.

و لا يخفي أنها بمدلولها المطابقي إنما تدل علي عدم زيادة النفاس عنها، و لا تنافي انتهاءه قبلها، كما يأتي التنبيه عليه في بعض النصوص، إلا أنه يمكن الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 6.

ص: 337

______________________________

بها بضميمة استبعاد جهل أسماء بالحكم، بحيث يمضي عليها ثمانية أيام أو أكثر قد طهرت من نفاسها و هي ترتب أحكامه، فتترك الصلاة، و تبقي علي حج الإفراد من دون أن تعمل بتشريع المتعة الذي نزل في الحجة المذكورة بعد مضي ما يقرب من عشرة أيام من ولادتها تقريبا. لأنها ولدت في أول خروجهم من المدينة- كما تضمنته بعض النصوص- «1» و نزلت المتعة بعد دخولهم مكة و قيامهم بأعمال العمرة و كان طريقهم ثمانية أو تسعة أيام، كما تضمنته بعض النصوص أيضا، حيث يصلح ذلك منبّها للسؤال عن حكمها، كما سألت عن كيفية إحرامها في أول الأمر، و عن طوافها و صلاتها بالبيت بعد قضاء المناسك.

بل شيوع الابتلاء بالنفاس و عدم الداعي لإخفاء حدّه في عصره صلّي اللّه عليه و آله و سلم مما يمتنع معه عادة خفاء حكمه علي عامة النساء، فضلا عن مثل أسماء ممن يستحكم اتصاله ببيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم.

الثانية: ما ورد مورد تحديد النفاس، و هو صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد؟ فقال: أن أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أن تغتسل لثمان عشرة [لثماني عشرة. في ثمان عشرة. يب. لثمان عشر. صا] و لا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين» «2» و لعله إليه يرجع مرسل الصدوق «3» في الفقيه.

و قد يستشكل فيه- كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه- تارة: بأن تذكير العدد يناسب كون المراد الليالي، لا الأيام.

و أخري: بأن اشتماله علي الاستظهار الذي هو فرع الاحتمال مستلزم لعدم كون الحد الثمانية عشر، و إمكان تجاوزه للعشرين، بل لما زاد عليها، حيث لا يظهر منه أن أيام الاستظهار غاية أيام النفاس، مع أنه صرح فيما تقدم من الانتصار بأن الثمانية عشر هي الحدّ مع الاستظهار التام، كما نفي في المبسوط الخلاف في أن حكم الزائد

______________________________

(1) راجع البحار ج: 21 باب: 36 ص: 378 الطبعة الحديثة.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 15.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 21.

ص: 338

______________________________

حكم الاستحاضة.

و ثالثة: بأن صريح صدره السؤال عن الحد، و لم يتعرض في الجواب لذلك، و حينئذ يشكل العمل بأصالة الجهة و أصالة عدم النقصان معا، للعلم بوجود الخلل في أحدهما.

لكن يندفع الأول: بأن التسامح في تذكير العدد و تأنيثه شايع في الاستعمالات، فلا ترفع اليد لأجله عما فهمه الأصحاب و تضمنته النصوص الأخر من إرادة الأيام.

و لا سيما بعد تضمن الحديث الإشارة إلي قصة أسماء المعهودة و قد صرحت جملة من النصوص «1» بأنها بقيت ثمانية عشر يوما. علي أن الأمر يهون بناء علي ما سبق منا في الحيض من تقريب كون المراد بالأيام ما يعم الليالي.

و الثاني بأنه لا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع المتقدمة مع ما تقدم من ابن أبي عقيل و الصدوق في الأمالي من مشروعية الاستظهار. و لا سيما مع ما هو المعلوم من أن منشأ بناء الأصحاب علي الثمانية عشر هو النصوص التي قد يمكن تنزيلها علي ما لا ينافي جواز الاستظهار المذكور، بل يمكن كونه وجه جمع بين بعضها، كما يأتي التعرض له.

مع أنه لو تعذر البناء عليه فلا مانع من التفكيك في العمل بالحديث بين الثمانية عشر و الاستظهار لعدم التلازم بين إمكان زيادة النفاس علي الثمانية عشر و وجوب ترتيب أثره، بل يمكن زيادته واقعا مع عدم ترتيب أثره إلا في الثمانية عشر، و حينئذ فحيث سئل في الحديث عن قعود المرأة و ترتيبها أثر النفاس فقد تضمن الجواب قعودها ثمانية عشر بملاك التعبد بالنفاس لسنة أسماء، و ما زاد بملاك الاستظهار، و لا ارتباطية بينهما، ليمتنع العمل بالحديث في أحدهما دون الآخر.

كما يندفع الثالث بأن نقل قصة أسماء بعد السؤال عن تحديد القعود ظاهر في سوقها للتحديد، فيكون الجواب مطابقا للسؤال، و لا موجب مع ذلك للعلم إجمالا بمخالفة أصالة الجهة أو أصالة عدم النقصان للواقع. و من هنا كان الظاهر وفاء

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.

ص: 339

______________________________

الصحيح بالاستدلال.

نعم، في مرفوع إبراهيم بن هاشم: «سألت امرأة أبا عبد اللّه عليه السلام فقالت: إني كنت اقعد في نفاسي عشرين يوما حتي أفتوني بثمانية عشر يوما. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

و لم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل: للحديث الذي روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أنه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمد بن أبي بكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إن أسماء سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم و قد أتي لها ثمانية عشر يوما، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعله المستحاضة» «1»، و نحوه في ذلك حديث حمران المروي عن كتاب الأغسال لابن عياش المتضمن سؤال امرأة محمد بن مسلم حيث كانت تقعد في نفاسها أربعين يوما، ثم افتوها بثمانية عشر يوما لقصة أسماء المذكورة، و فيه: «فقال أبو جعفر عليه السلام: إنها لو سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم قبل ذلك و أخبرته لأمرها بما أمرها به.

قلت: فما حد النفساء؟ قال: تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها، فإن هي طهرت، و إلا استظهرت بيومين أو ثلاثة ثم اغتسلت و احتشت … » «2».

و هما صريحان في عدم صلوح قصة أسماء للتحديد، فيلزم لأجلهما رفع اليد عن ظهور صحيح محمد بن مسلم في التحديد بها، و حمله علي التهرب عن الجواب بذكرها الموهم له. كما يرفع بهما اليد عن الطائفة الأولي المبتنية علي استبعاد جهل أسماء بحد النفاس.

اللهم إلا أن يقال: لا مجال لحمل صحيح محمد علي التهرب عن الجواب بعد تضمنه الاستظهار، حيث يكون بسببه صريحا في التصدي لوظيفة النفساء، فتستحكم معارضته للخبرين المذكورين، و يتأيد مضمونه بالطائفة الاولي بملاحظة ما تقدم في تقريب الاستدلال بها.

مع أن الأول ضعيف في نفسه لاشتماله علي الرفع، و الثاني و إن كان سنده معتبرا في كتاب الأغسال لابن عياش، إلا أنه لم تثبت وثاقة ابن عياش، بل قال

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

ص: 340

______________________________

النجاشي في ترجمته: «رأيت هذا الشيخ و كان صديقا لي و لوالدي و سمعت منه شيئا كثيرا، و رأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا و تجنبته. و كان من أهل العلم و الأدب القوي و طيب الشعر و حسن الخط. رحمه اللّه و سامحه» مع أن راوي الحديث عن الكتاب المذكور صاحب المعالم و لم يتضح طريقه إليه بعد عدم كونه من الكتب المشهورة، و طول الفاصل الزمني بينهما. و لا سيما مع غرابة ما تضمنه من جهل امرأة محمد بن مسلم الذي هو من أركان الطائفة بالحكم. كما لا مجال لدعوي انجبار ضعف الحديثين بعمل الأصحاب، لعدم وضوح اعتمادهم عليهما، خصوصا الثاني منهما، بل لعله علي النصوص الأخر المتقدمة، لدعوي رجحانها علي نصوص الثمانية عشر.

و منها: ما في العيون بسنده عن الفضل بن شاذان

أن في كتاب الرضا عليه السلام للمأمون في شرايع الدين: «و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فإن طهرت قبل ذلك صلت، و إن لم تطهر حتي تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت و عملت بما تعمل المستحاضة» «1».

و ما عن بعض مشايخنا من الإشكال في سنده بعدم صحة طريق الصدوق للفضل. غير ظاهر، إذ ليس طريقة إلا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري و الأول قد أكثر الصدوق الرواية عنه مترضيا عليه، و مثل ذلك ظاهر في رفعة مقامه بنظره الشريف، و الثاني قال عنه الشيخ قدّس سرّه في رجاله: «نيسابوري فاضل»، و ذكر النجاشي أن الكشي اعتمد عليه في كتاب الرجال، و يشهد بذلك النظر في الكتاب المذكور، و اعتماد الكشي عليه- الذي صرح الشيخ أنه بصير بالرجال- ملازم لوثاقته عنده. و هو لا ينافي ما صرح به النجاشي نفسه من أن الكشي قد روي عن الضعفاء. لأنه طعن فيمن يروي عنه لا فيمن يعتمد عليه، علي أن الصدوق بعد أن روي الكتاب المتقدم بالسند المذكور رواه بسند آخر يخالفه قليلا في المتن، ثم قال: «و حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي اللّه عنه عندي

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من ابواب النفاس حديث: 24 و كتاب عيون أخبار الرضا باب: 35 ج 2 ص 124 طبع النجف الأشرف.

ص: 341

______________________________

أصح» و الظاهر ابتناء التصحيح المذكور منه مع قلة الوسائط علي وثاقتهما عنده، بل ما فوق الوثاقة. فلاحظ.

و أما الإشكال فيه بأنه لا مجال للتعويل علي أصالة الجهة فيه، لكون المكتوب له ممن يخاف سلطانه و جوره. فيندفع بالنظر في مجموع الكتاب، لاشتماله علي جملة كثيرة من أصول الدين و فروعه التي تتميز بها الخاصة، أولي بأن يتقي فيها من هذا الحكم. و لا سيما مع عدم ثبوت القول بالثمانية عشر من العامة، حيث لم ينسبه أحد من أصحابنا إليهم.

غاية الأمر أن الشيخ في التهذيب قال في الجواب عن الأخبار المختلفة المشتركة في عدم الإرجاع للعادة، و منها أخبار الثمانية عشر. «يحتمل أن تكون هذه الأخبار خرجت مخرج التقية، لأن كل من يخالفنا يذهب إلي أن أيام النفاس أكثر مما نقوله، و لهذا اختلفت ألفاظ الأحاديث كاختلاف العامة في مذاهبهم، فكأنهم أفتوا كل قوم منهم علي حسب ما عرفوا من آرائهم و مذاهبهم».

و منها: خبر حنان بن سدير:

«قلت: لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما، و لم تعط أقل منها و لا أكثر؟ قال: لأن الحيض أقله ثلاثة أيام، و أوسطه خمسة أيام، و أكثره عشرة أيام، فأعطيت أقل الحيض و أوسطه و أكثره» «1» و نحوه مرسل الفقيه «2»، بل لعله هو منقولا بالمعني.

و الإشكال فيهما بوهن التعليل فهو يشبه تعليلات العامة. كما تري، لمألوفية هذا السنخ في التعليلات الواردة للأحكام الشرعية. فالعمدة ضعف سند الأول و إرسال الثاني. و مثله في ذلك مرسل المقنع: «روي: انها تقعد ثمانية عشر يوما» «3» فلا تصلح إلا للتأييد.

و مثلها ما رواه الأعمش عن الصادق عليه السلام في حديث شرايع الدين من قوله:

______________________________

(1) علل الشرائع باب: 217 ص: 291. و رواه في الوسائل بايجاز باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 23.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 22.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 26.

ص: 342

______________________________

«و النفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما، إلا أن تطهر قبل ذلك، فإن لم تطهر قبل العشرين اغتسلت و احتشت و عملت عمل المستحاضة» «1»، بناء علي الجمع بينه و بين نصوص الثمانية عشر بحمل اليومين فيه علي الاستظهار. و منه يظهر وجه الاستدلال بالصحيح الذي أشار إليه في المعتبر. قال بعد نقل كلام ابن أبي عقيل المتقدم: «و قد روي ذلك البزنطي في كتابه عن جميل عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام» «2» و نحوه في المنتهي و التذكرة، بل في الأول أن الشيخ رواه أيضا لا بالسند المذكور، و إن لم أجده في التهذيبين. حيث يجمع بينه و بين نصوص الثمانية عشر بحمل ما زاد علي الثمانية عشر علي الاستظهار، كما يجمع بينه و بين صحيح محمد بن مسلم الذي اقتصر في الاستظهار فيه علي اليومين و حديث الأعمش المقتصر فيه علي العشرين علي غير كثيرة الدم، و أن الكثيرة تزيد فيه يوما.

و كذا الحال في صحيح ابن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: تقعد النفساء تسع عشرة ليلة، فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة» «3» كذا رواه في التهذيب و الاستبصار و المختلف و المنتهي و غيرها.

نعم، رواه في الوسائل عن الشيخ و في الحدائق و الجواهر و غيرها: «سبع عشرة» «4»، فلا يصلح للاستدلال، لصعوبة جمعه مع النصوص المتقدمة. لكن الظاهر أنه اشتباه، لما هو المعلوم من أخذ الوسائل له من التهذيبين، و الظاهر متابعة الحدائق و الجواهر و من بعدهما له.

نعم، لا مجال للاستدلال بصحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كم تقعد النفساء حتي تصلي؟ قال: ثمانية عشرة، سبعة عشرة ثم تغتسل و تحتشي و تصلي» «5» لأن التخيير المذكور لا يناسب هذا القول و لا نصوصه المتقدمة، و قوة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 25.

(2) المعتبر ص: 67.

(3) التهذيب ج: 1 ص: 177 طبع النجف الاشرف. و الاستبصار ج: 1 ص: 152 طبع النجف الاشرف.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 14.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 12.

ص: 343

______________________________

ظهورها في لزوم الثمانية عشر. بل لم يعرف القول بمضمونه عن أحد و احتمال كونه ترديدا من الراوي فيما قاله الإمام عليه السلام- مع مخالفته لظاهره- لا يصحح الاستدلال به علي الثمانية عشر، كما صدر من بعضهم. فالعمدة ما سبق.

هذا، و لا بد من البناء علي عدم وجوب الاستظهار المذكور، بصراحة نصوص قصة أسماء علي كثرتها في عدم زيادتها عليها و قوة ظهور صحيح محمد بن مسلم في عدم وجوبه بل ليس مقتضي الجمع المذكور إلا جوازه.

اللهم إلا أن يقال: لا مجال للجمع المذكور، بلحاظ رواية الفضل كتاب الرضا عليه السلام للمأمون، للنهي فيه عن جلوسها أكثر من ثمانية عشر يوما، حيث لا يناسب جواز الاستظهار لها بالزيادة. و حمله عن النهي عن الجلوس متعبدة بالنفاس، فلا ينافي مشروعية الجلوس استظهارا، بعيد جدا عن ظاهره. و من ثم كان التعارض بينه و بين نصوص الاستظهار مستحكما.

و قد ترجح عليه بكثرة العدد، و بموافقة ما تقدم في الوجه الأول للاستدلال علي العشرة من أن الاستمرار علي أحكام النفاس مقتضي عموم أدلة تلك الأحكام، أو استصحاب النفاس، بناء علي ما تقدم في الحيض من عدم منافات تشريع الاستظهار للاستصحاب. فراجع التنبيه الخامس بعد الكلام في دليل وجوب الاستظهار.

و بذلك يتم ما عن ابن أبي عقيل، و ما عن كتاب الأحكام للمفيد لو رجع إليه، بأن كان مختصا بكثيرة الدم، و إلا لم يكن له وجه ظاهر.

هذا كله في دليل القول بالثمانية عشر. لكن المراد بذلك إن كان هو الرجوع لها مطلقا و لو لذات العادة- كما هو ظاهر من قال بذلك من قدماء الأصحاب، بل صريح بعضهم- فهو مما لا مجال له بلحاظ نصوص الإرجاع للعادة لكثرة عددها، و وضوح دلالتها، و قوة سند جملة منها، و اشتهارها بين الأصحاب رواية و عملا حتي اقتصر عليها الكليني رضي اللّه عنه في باب النفساء مضيفا إليها مرفوع إبراهيم ابن هاشم المتقدم المتضمن عدم صلوح قصة أسماء للتحديد.

ص: 344

منها ما قد يظهر من كلام ابن ابي عقيل بان مقدار النفاس بذات العادة بحسب طبعها

______________________________

و أما ما قد يظهر من كلام ابن ابي عقيل المتقدم من حملها علي بيان مقدار النفاس بذات العادة بحسب طبعها، و إن لزم الخروج عنه مع استمرار الدم بعد العادة للثمانية عشر، و به يرتفع التدافع في كلامه. فهو مخالف لصريحها، حيث تضمنت ترتيب أحكام الاستحاضة مع استمرار الدم بعد العادة مطلقا أو بعد الاستظهار.

و إن كان في خصوص من لا عادة لها، جمعا بين الطائفتين- كما قربه شيخنا الأعظم، و في المنتهي: «كأنه أقرب إلي الصواب» و إليه قد يرجع ما في المختلف و استحسنه في محكي التنقيح، و ربما مال إليه غير واحد من متأخري المتأخرين من حمل النصوص الثمانية عشر علي المبتدئة بأن يراد منها مطلق من لا عادة لها ترجع إليها- فهو بعيد عن نصوص الثمانية عشر، لأن ذات العادة في الحيض إن لم تكن أكثر خارجا من غيرها، فلا أقل من كونها الأصل في النفساء عرفا، و لذا اقتصرت النصوص الأول علي بيان حكمها مع إطلاق عنوان النفساء في موضوعها، فيبعد جدا حمل إطلاق نصوص النفساء علي غيرها.

نعم، لو كان مفادها مجرد بيان أن الثمانية عشر أكثر النفاس- كما تضمنت النصوص أن أكثر الحيض عشرة- كان البناء علي ذلك سهلا، لأن مجرد كون الثمانية عشر أكثر لا تستلزم العلم بنفاسية الدم المستمر إليها المستلزم للعمل عليه، ليكون مقتضي الإطلاق عمل جميع النساء عليه، و يصعب تنزيله علي غير ذات العادة، بل لا بد في العمل عليه مع الاستمرار من ضم الاستصحاب أو قاعدة الإمكان، فلا تنافي أمارية العادة علي عدم نفاسية ما زاد عليها مطلقا أو بعد الاستظهار، ليختص العمل علي الثمانية عشر بغير ذات العادة.

لكن من الظاهر أن النصوص المذكورة لم تتضمن ذلك، بل تضمنت عمل النفساء علي الثمانية عشر، و لا مجال لحمل إطلاقها علي غير ذات العادة، لما ذكرنا.

و يؤيده ما تقدم في مرفوع إبراهيم بن هاشم و حديث حمران من الردع عن الفتوي بالثمانية عشر، لعدم صلوح قصة أسماء للتحديد، لقوة ظهورهما في عدم

ص: 345

______________________________

التحديد بذلك، لا في قصور التحديد به عن ذات العادة، بل ما في الثاني من الإرجاع للعادة بعد إنكار التحديد بالثمانية عشر كالصريح في المفروغية عن التنافي بين التحديدين و عدم إمكان الجمع بينهما.

و ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من سوقهما للردع عن تخيل عموم الثمانية عشر لذات العادة و عن الاستشهاد فيها بقصة اسماء. في غاية البعد، بل الغرابة، إذ لا إشعار فيهما بكون أسماء و لا السائلة ذات عادة، و لا بالردع عن عموم التحديد مع المفروغية عن أصله، بل ظاهرهما الردع عن أصل التحديد، كما ذكرنا. و ليس الاقتصار في الثاني علي بيان حكم ذات العادة كاشفا عن كون الغرض الردع عن العموم لها لا عن أصل التحديد- كما ذكره قدّس سرّه- بل لأنها الأصل في النساء مع المفروغية عن التنافي بين التحديدين، كما ذكرنا.

و أما ما ذكره غير واحد في وجه منع الحمل المذكور من استبعاد عدم العادة لأسماء بنت عميس عند نفاسها بمحمد لأنها تزوجت بأبيه بعد قتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام و كانت قد ولدت له عدة أولاد. فهو غير ظاهر، إذ لا استبعاد في كونها مضطربة لم تستقر لها عادة. مع أن مرفوع ابن هاشم و حديث حمران قد تضمنا أن أسماء لم تكن وظيفتها الثمانية عشر، فيكون مقتضي الجمع المذكور أنها ذات عادة. فالعمدة ما ذكرنا. و لعله هو الوجه في ظهور حال القدماء في عدم الفرق بين ذات العادة و غيرها، لإطلاق أصحاب كل من القولين حكم النفساء. و لذا لوّح في الجواهر بأن الجمع المذكور خرق للإجماع المركب.

هذا، و قال الفقيه الهمداني قدّس سرّه: «لو لا مخالفة الإجماع لأمكن الجمع بين بعض الأخبار المتقدمة و هذه الروايات «1» بالالتزام بكون الثمانية عشر حدّ النفاس، فلو جاوزها الدم لرجعت إلي عادتها، لكن يجوز لها بعد العادة أن تعمل عمل المستحاضة اعتناء باحتمال طهارتها، كما لها ترك العبادة اعتناء باحتمال انقطاع الدم قبل بلوغ الحد.

______________________________

(1) و هي روايات الثمانية عشر. (منه عفي عنه).

ص: 346

______________________________

لكن يتوجه علي هذا التوجيه- مع ما فيه من البعد، و مخالفته لفتاوي الأصحاب- عدم تطرقه بالنسبة إلي جملة من الأخبار المتقدمة، منها موثقة الجوهري «1»، و مرسلة المفيد».

بل هو لا يلائم جميع الأخبار، لظهور أخبار الاقتصار علي العادة في لزوم العمل بعدها عمل المستحاضة، و ظهور أخبار الثمانية عشر في البدء بأعمال المستحاضة بعدها لا في انكشاف لزومها من أول الأمر، و ظهور ما تضمن أن أكثر النفاس عشرة- كمرسلة المفيد- في التحديد الواقعي بها.

و ظهور مرفوع ابن هاشم و حديث حمران في عدم التحديد بالثمانية عشر، و ظهور الثاني منهما في التنافي بين التحديدين. و كأن التوجه لمثل هذا الاحتمال ناشئ عن الاهتمام برفع التعارض بين النصوص، فيتعمل بالجمع بينها و إن لم يكن عرفيا.

و من ذلك يظهر ضعف ما احتمله في المدارك من الجمع بالتخيير بعد العادة إلي الثمانية عشر بين ترتيب أحكام النفساء و أحكام الطاهر. فإنه- مضافا إلي فقد الشاهد عليه- مخالف لظهور نصوص الرجوع للعادة جدا، و لمرفوع إبراهيم بن هاشم و خبر حمران في الردع عن التحديد بالثمانية عشر، و لظهور الثاني في التنافي بين التحديدين. و من هنا كان الظاهر استحكام التعارض بين الطائفتين، كما هو ظاهر جمهور الأصحاب رضي اللّه عنهم.

و حينئذ لا ينبغي التأمل في ترجيح نصوص العادة، لقوتها بما سبق، و وهن نصوص الثمانية عشر باختلاف مضامينها، و قرب كون الغرض من سوقها إبطال أقوال العامة المكثرة التي هي من الثلاثين إلي السبعين بما لا يبعد كثيرا عن أقوالهم، و لا عما عليه العرف، مع الاحتجاج له بما لا يسعهم رده من قصة أسماء، بخلاف الرجوع للعادة فإنه أمر اختص به الأئمة عليهم السلام يبعد عما عليه العرف و العامة من دون حجة تلزم خصومهم و تمنع التشنيع عليهم.. بل ربما كان استغرابه مانعا من التصريح به حتي للخاصة في بعض الموارد، و سببا في اختلاف النصوص و عدم

______________________________

(1) و هي رواية حمران المتقدمة المروية عن كتاب الاغسال لابن عياش الجوهري. (منه عفي عنه).

ص: 347

______________________________

إجماعها عليه، كي لا يعرفوا به، حذرا من التشهير بهم و بأحكامهم و أخبارهم عن أئمتهم الأطهار عليهم السلام.

بل ربما كانت مخالفة هذا الحكم لما عليه العرف في مقدار النفاس و صعوبة جري النفساء عليه- التي هي كالمريضة لا يسهل عليها القيام بوظائف المستحاضة- هما السبب في عدم إعلان المعصومين عليهم السلام له من أول الأمر، بل تركوا الناس أولا علي ما عليه العرف، ثم تدرجوا في تقليل مدة النفاس، حتي انتهوا أخيرا للإرجاع للعادة، إما لسبق تشريعه مع المصلحة في تأخير بيانه، أو لسبق تشريع الثمانية عشر، ثم نسخ مع المصلحة في عدم الاجهار بنسخه بالإرجاع للعادة إلا تدريجا بالوجه الخاص.

و بذلك قد يفسر شدة اختلاف المسلمين في تحديده، كما قد يفسر جهل أسماء بنت عميس به، بل جهل امرأة محمد بن مسلم علي ما تضمنته رواية حمران المتقدمة، فكانت تتنفس بأربعين يوما ثم أفتوها بثمانية عشر حتي أرسلت للإمام الباقر عليه السلام فأوضح لها الحال «1».

و بالجملة: لا مجال بعد ما ذكرنا للتعويل علي نصوص الثمانية عشر يوما.

و أولي منها في ذلك صحيح علي بن يقطين «2» المتقدم المتضمن جلوسها ثلاثين مع كون الدم عبيطا، و موثق حفص «3» و خبر الجعفريات «4» المتضمنان قعودها أربعين، و صحيح محمد بن مسلم «5» المتضمن قعودها ثلاثين أو أربعين إلي الخمسين، و موثق الخثعمي «6» المتضمن جلوسها كما جربت مع اولادها، فإن لم تلد قبل ذلك فبين الاربعين إلي الخمسين و مرسل المقنع «7» المتضمن جلوسها بين الأربعين إلي الخمسين، و مرسله الآخر المتضمن قول الصادق عليه السلام: «إن نساءكم لسن كالنساء الأول، إن نساءكم أكثر لحما و أكثر دما فلتقعد حتي تطهر» «8» و نحوه خبر ليث «9» المتقدم المتضمن نفي الحد

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 16.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 17.

(4) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 13.

(6) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 18.

(7) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 28.

(8) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 27.

(9) الوسائل باب: 2 من أبواب النفاس حديث: 1.

ص: 348

______________________________

للنفاس، و قريب منهما في ذلك موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك، و استظهرت بمثل ثلثي أيامها، ثم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المستحاضة، و أن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، و استظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي و تغتسل» «1» لقوة ظهوره في إرادة أيام النفاس دون أيام الحيض.

فإن هذه النصوص- مع اختلاف مضامينها و ضعف بعضها- متروكة بين الأصحاب معارضة لنصوص الرجوع للعادة بالتقريب المتقدم في معارضته نصوص الثمانية عشر لها، و هي أولي من نصوص الثمانية عشر بالطرح، لأن كل ما تضمن منها حدا من الحدود أقل عددا من تلك النصوص، و جملة منها موافقة لبعض أقوال العامة صريحا، و الباقي منها أقرب لأقوالهم. قال في الفقيه: «و الأخبار التي رويت في قعودها أربعين يوما و ما زاد إلي أن تطهر معلولة كلها وردت للتقية لا يفتي بها إلا أهل الخلاف». كما أشرنا آنفا إلي عدم القائل بصحيح محمد بن مسلم المتضمن التخيير بين السبع عشرة و الثمان عشرة «2»، و مثله ما أشير إليه في الرضوي السابق «3» مما تضمن التحديد بثلاثة و عشرين، بل تمام مفاده، علي ما سبق في دليل العشرة و من هنا يتعين الاقتصار في المقام علي نصوص الإرجاع لعادة الحيض.

نعم، يبقي الإشكال فيما سبق من عدم نهوضه ببيان حدّ الحيض الواقعي. و هو لا يهم في ذات العادة التي لا تتجاوز عادتها مع الاستظهار العشرة، بناء علي ما يأتي من عدم لزوم تحيضها بالعشرة لو قصرت الأيام المذكورة عنها، حيث لا أثر عملي لتحديد أكثر الحيض فيها، و إنما يظهر الأثر في موردين:

الأول: ذات العادة التي تتجاوز أيامها مع الاستظهار العشرة، حيث يجوز لها

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 12.

(3) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 1.

ص: 349

______________________________

استيفاء أيام الاستظهار لو لم يكن أكثر النفاس عشرة، دون ما لو كان كذلك، لأن الاستظهار فرع الاحتمال.

و دعوي: أن مرسل بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر، فإذا كانت أقل استظهرت» «1» ظاهر في عدم جواز الاستظهار بالنحو المستلزم للزيادة علي العشرة، لأن المستفاد عرفا أن عدم جوازه مع كون العادة عشرة إنما هو لأن منتهي القعود عشرة.

مدفوعة- مضافا إلي عدم ثبوت حجية المرسل- بأن استفادة ذلك إنما هي للمفروغية عن عدم تجاوز زمان القعود واقعا العشرة، فلا موضوع مع الزيادة عليها للاستظهار الذي هو فرع الاحتمال، و حيث يختص ذلك بالحيض فلا وجه للتعدي منه للنفاس المفروض عدم ثبوت ذلك فيه. علي أن كون المراد بالأيام في المقام أيام الحيض موجب لانصراف الاستظهار إليه، و لا أقل من كونه المتيقن دون النفاس. فلاحظ.

الثاني: من ليس لها عادة ترجع إليها، كالمبتدأة و المضطربة، حيث يبتني عدم جواز تنفسها بأكثر من عشرة علي ثبوت كونها أكثر النفاس، و إلا كان جواز الزيادة عليها مقتضي ما تقدم منا في الوجه الأول من وجوه الاستدلال للتحديد بالعشرة من أن المرجع في المقام استصحاب النفاس أو عموم أحكامه المقدمان علي عموم أحكام الطاهر. و من هنا كان إثبات التحديد بها مهما جدا.

إذا عرفت هذا فالظاهر انحصار وجه التحديد بها باستفادته من نصوص الرجوع للعادة، لا للتلازم بين الأمرين واقعا، لما تقدم، بل لاستفادته منه عرفا بعد ورود النصوص لبيان حكم مطلق النفساء، لا خصوص ذات العادة منها مع فرض عدم ثبوت التحديد بوجه آخر، فإن إهمال بيان مثل هذا الأمر المهم و الاكتفاء من السائل و المجيب في بيان حدّ النفاس بالإرجاع للعادة مما يناسب المفروغية عن اتفاق النفاس و الحيض في الحدّ واقعا كما اتفقا في الارجاع للعادة في مقام الظاهر. و إلا كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2.

ص: 350

و إذا رأته بعد العشرة لم يكن نفاسا (1)،

______________________________

البيان قاصرا. مؤيدا ذلك بتحديد الاستظهار بالعشرة في صحيح يونس المتقدم «1» الذي ورد نظيره متنا و سندا في الحيض «2»، كما سبق، حيث يقرب جدا وحدة منشئهما، و هو عدم احتمال التجاوز عنها الذي هو موضوع الاستظهار.

و يشهد بما ذكرنا أو يؤيده ظهور مفروغية الأصحاب عن استفادة التحديد المذكور من هذه النصوص، حتي عبر مثل المفيد بالحد المذكور في بيان مفادها، و فهمه مثل الشيخ و غيره مرسلين له إرسال المسلمات، و كان كلامهم و خلافهم منصبا علي التحديد بالعشرة عملا بهذه النصوص أو بالثمانية عشر عملا بنصوصها، إذ يكشف ذلك عن إفادتها التحديد المذكور بالقرينة الحالية الارتكازية المذكورة، و التي لم يحتاجوا للتنبيه عليها لاستيضاحها.

مضافا إلي قرب دعوي الإجماع علي عدم الفصل بين التحديد بالثمانية عشر عملا بنصوصها و التحديد بالعشرة، فمع ثبوت بطلان الأول بنصوص الإرجاع للعادة يتعين الثاني. و ملاحظة مجموع ذلك توجب الاطمئنان بما عليه الأصحاب. و الأمر مع ذلك محتاج للتأمل. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم، و منه نستمد العون و التسديد.

هذا، و قد تقدم من السرائر عن المفيد القول في كتاب أحكام النساء بأحد عشر يوما، و في كتاب الاعلام بأحد و عشرين يوما. و لم يعرف وجههما.

نعم، أشرنا آنفا إلي احتمال رجوع الثاني إلي قول ابن أبي عقيل بأن يكون مختصا بكثيرة الدم، فيشاركه في الاستدلال المتقدم له. ثم إن الكلام في دخول الليل هنا هو الكلام في الحيض. فراجع ما تقدم في الفصل الثالث منه.

إذا رأته بعد العشرة لم يكن نفاسا

(1) إن كان المراد به ما يستمر بعد العشرة مع الرؤية فيها فسيأتي الكلام فيه. و إن كان المراد به ما يبدأ بعد العشرة فالظاهر أنه مفروغ عنه بناء علي التحديد

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 352

ص: 351

و إذا لم تر فيها دما لم يكن لها نفاس أصلا (1).

______________________________

المتقدم، لأن المراد به التحديد بلحاظ الزمان المتصل بالولادة، لا المنفصل عنها، كما هو المنصرف من جميع نصوص التحديد.

بل هو ظاهر موثق مالك بن أعين الجهني: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب» «1»، و موثق عبد الرحمن بن أعين الشيباني: «قلت له: إن امرأة عبد الملك ولدت فعدّ لها أيام حيضها ثم أمرها فاغتسلت و احتشت … فقالت: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد … فقال: قد أمر بذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم … » «2»، و لا أقل من كونه مقتضي استصحاب عدم النفاس الذي سبق في الاستدلال للتحديد بالعشرة جريانه حتي لو لم يثبت التحديد بها و شك في الحدّ.

(1) بلا إشكال ظاهر. و قد نفي الخلاف فيه في جامع المقاصد و محكي أحد شرحي الجعفرية، كما ادعي الإجماع عليه صريحا في التذكرة و المدارك و محكي شرح الجعفرية الآخر، و ظاهرا في كشف اللثام. و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا حدّ الاستفاضة، بل لعله متواتر». كما لا يجب الغسل عند علماء أهل البيت، كما في التذكرة، و إجماعا كما في الخلاف.

هذا، و المتيقن من الاجماع المذكور نفي أحكام النفاس فلا يجب الغسل، لأن ذلك هو المهم في مقابل بعض العامة القائلين بوجوبه. و أما انتفاء عنوانه حقيقة فهو و إن صرح به في معقد إجماع بعضهم و جملة من كلماتهم و استدلالاتهم، إلا أنه يشكل حصول العلم به من الإجماع المذكور بعد كونه أمرا واقعيا يحتمل صدقه، كما سبق في تعريف النفاس و قرب كون المراد من معقد الإجماع لبا نفي الأحكام.

و كيف كان، فيكفي الإجماع المذكور في الخروج عن إطلاق نصوص الأحكام

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 9.

ص: 352

و مبدأ حساب الأكثر من حين تمام الولادة (1)،

______________________________

لو فرض صدق النفاس لغة. مضافا إلي قرب انصرافها عن الفرض حينئذ، لارتكاز تبعية الحدث للدم، كما يشهد به ظهور المفروغية عنه في نصوص التحديد فلاحظ.

مبدأ حساب الأكثر من حين تمام الولادة

(1) قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «كما عن شرح البغية التصريح به، و إن لم يعثر علي مصرح به ممن تقدم … مع أنه مما لا ينبغي الإشكال فيه، إذ لو كان الحساب من حين خروج أول جزء من الولد يلزم البناء علي الطهر مع عدم تحقق الولادة فيما لو خرج جزء من الولد و بقي غير منفصل حتي مضي أحد عشر يوما، و هو مقطوع بفساده».

و زاد عليه بعض مشايخنا- فيما حكي عنه- أن عنوان النفساء الوارد في الروايات كما يصدق علي من خرج منها بعض الولد يصدق علي من خرج منها تمام الولد، فمقتضي إطلاق نصوص التحديد البدء بالحدّ حينئذ.

و يندفع الأول: بأن ندرة الفرض المذكور تمنع من حصول القطع بفساد اللازم المزبور من السيرة أو نحوها، بل القطع بفساده مساوق للقطع بالمدعي، و لا يصلح دليلا عليه.

و الثاني بأنه بعد الاعتراف بصدق عنوان النفساء من حين خروج بعض الولد لا ينفع صدقه عند خروج تمامه بعد وضوح وحدة النفاس، حيث لا إشكال في أن مبدأ العدّ حدوث النفاس، لا في أثنائه.

فالعمدة في الاستدلال: أن الظاهر عدم صدق النفاس و النفساء عرفا إلا بعد خروج الولد بتمامه، و وضعها له، فيكون بدء العدّ حينئذ و مجرد ترتب حكم النفاس علي خروج الدم عند خروج بعض الولد و كونه من ماهية دم النفاس، كما يظهر من أحد الخبرين «1» المتقدمين في تلك المسألة لا ينافي عدم صدق النفاس به الذي هو موضوع التحديد. مضافا إلي ظهور موثقي مالك و عبد الرحمن «2» المتقدمين فيما لو لم

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4، 9.

ص: 353

لا من حين الشروع فيها، و إن كان جريان الأحكام عليه من حين الشروع (1). و لا يعتبر فصل أقل الطهر بين النفاسين (2)، كما إذا ولدت

______________________________

تر في العشرة دما في أن مبدأ الحساب من حين الوضع و الولادة غير الصادقين إلا بخروج تمام الولد.

(1) كما تقدم في أول المسألة.

كون النقاء المتخلل بين أجزاء النفاس الواحد بحكم النفاس

(2) قد يظهر منه امتناع تخلل ما دون أقل الطهر بين أجزاء النفاس الواحد.

و لازمه كون النقاء المتخلل بين أجزاء النفاس الواحد بحكم النفاس، كما صرح به في مستمسكه و سبقه إليه جملة من الأصحاب، كما في المبسوط و الخلاف و السرائر و المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و الروض و الروضة و غيرها، و عن كشف الالتباس نسبته لسائر عبارات الأصحاب، و عن مجمع البرهان الإجماع عليه، و في الجواهر أنه لا يعرف فيه خلافا.

و قد يستدل عليه- مضافا إلي ذلك، و إلي أن النفاس بحكم الحيض أو فرد منه حقيقة- بما تضمن أن أقل الطهر أو القرء عشرة أيام «1».

لكن لا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع في الحيض علي ما تقدم، فضلا عن النفاس، الذي قد يظهر منهم تفرع حكمه علي حكم الحيض.

و كون النفاس بحكم الحيض أو فرد منه غير ثابت، علي ما يظهر بمراجعة الوجه الثالث للاستدلال علي أن أكثر النفاس عشرة أيام. علي أنه لا ينفع مع ما تقدم منا من منع ذلك في الحيض. و مع ما سبق هناك من أن النقاء ليس حيضا قطعا، غاية الأمر أنه بحكمه، و حينئذ فكون النفاس بحكم الحيض لا يستلزم كون النقاء المتخلل بين أجزائه بحكم النقاء المتخلل بين أجزاء الحيض.

و أما ما تضمن أن أقل الطهر عشرة فقد سبق منا في الحيض أنه لا بد من حمله علي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض.

ص: 354

______________________________

الطهر بين الحيضتين، دون أجزاء الحيضة الواحدة، فضلا عن أجزاء النفاس الواحد.

و لا سيما مع بنائهم في مسألة التوأم علي أن الطهر المتخلل بين النفاسين لا يلزم أن يكون بقدر العشرة. و لذا نقض بذلك علي الاستدلال المذكور في كشف اللثام هذا و عن بعض مشايخنا الاستدلال بإطلاق ما تضمن رجوع النفساء إلي عادتها و تنفسها بقدر أيامها، حيث يشمل ما إذا تخلل النقاء الدم المرئي في الأيام المذكورة. و يتم في غير ذات العادة بعدم الفرق، حيث يبعد جدا كون النقاء بين الدميين نفاسا في ذات العادة دون غيرها.

و فيه: أن الارجاع للعادة العددية لا ينهض بنفسه ببيان ما يحقق النفاس، و انه يشمل النقاء المتخلل، بل يمكن أن يكون خصوص الدم، فيكون النفاس منه بقدر العادة و لو مع التفرق، فلو رأت بقدر العادة متفرقا في ضمن اثني عشر يوما كان كله نفاسا.

نعم، قد يتم الاستدلال بضميمة ما تضمن أن مبدأ الحساب من حين الولادة إلي مضي مقدار العادة، لأن مضي مقدارها منه يشمل صورة تخلل النقاء. لكن الظاهر أو المنصرف منه فرض وجود الدم فيها، و لذا تضمنت الاستظهار و ترتيب أحكام المستحاضة، فكما لا إشكال في قصورها عما لو لم تر دما في العادة، أو رأته في آخرها أو انقطع قبل مضيها و لم يعد فيها، حيث لا إشكال عندهم في عدم نفاسية النقاء الحاصل في مدة العادة، كذلك لا تشمل النقاء المتخلل بين الدميين في طرفيها.

و ليس خروج تلك الصور تخصيصا مع شمول الإطلاق لها كي يتعين شموله للمقام و يتعين العمل به فيه بعد عدم الدليل علي التخصيص بالإضافة إليه.

و بعبارة أخري: النصوص المذكورة واردة لبيان مقدار الجلوس ظاهرا في ظرف تحقق مقتضيه، و هو الدم، لا في تشريع الجلوس قدر العادة رأسا، كي يكون مقتضي إطلاقه العموم لصورة عدم الدم أو انقطاعه.

كما لا مجال للرجوع للاستصحاب. إذ لو أريد به استصحاب النفاس، فالظاهر عدم صدق النفاس علي النقاء عرفا، لما تقدم عند الكلام في عدم الحد لأقله من أن بقاء

ص: 355

توأمين، و قد رأت الدم عند كل منهما، بل النقاء المتخلل بينهما طهر و لو كان لحظة، بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلا، كما إذا ولدت و رأت الدم إلي العشرة، ثم ولدت آخر علي رأس العشرة و رأت الدم إلي عشرة أخري، فالدمان جميعا نفاسان متواليان (1)، و إذا لم تر الدم حين الولادة و رأته قبل

______________________________

النفاس ببقاء الدم. و لو فرض إجماله من هذه الجهة كان من استصحاب المفهوم المردد الذي لا يجري علي التحقيق. و إن أريد به استصحاب أحكامه فهو- مع الإشكال فيه بعدم إحراز الموضوع الذي يجري في غالب استصحابات الأحكام التكليفية التي موضوعها فعل المكلف القابل للتقييد- محكوم لعموم أحكام الطاهر التي يلزم الاقتصار في الخروج عنها علي المتيقن من مورد التخصيص، و هو النفاس بمعني حال الدم. و من هنا يشكل البناء علي ذلك، كما في الحدائق و عن الذخيرة.

و قد تقدم في الحيض ما قد ينفع في المقام، حيث أطلنا الكلام هناك في الاستدلال للوجهين. فراجع.

هذا، و أما البناء علي نفاسية الدم الثاني إذا كان في العادة أو العشرة فهو مبني علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي في الدم المنفصل عن الولادة.

حكم التوأمين
اشارة

(1) قال في الناصريات عند الكلام في مسألة التوأمين: «لست أعرف لأصحابنا نصا صريحا في هذه المسألة. و الذي يقوي في نفسي أن النفاس يكون من مولد الأول … » ثم استدل علي ذلك. و في المبسوط: «و إذا ولدت ولدين و خرج معهما جميعا الدم كان أول النفاس من الولد الأول، و تستوفي أكثر النفاس من وقت الولادة الأخيرة، لأن اسم النفاس يتناولهما … »، و قريب منه في الخلاف و جواهر القاضي و الوسيلة و السرائر و المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و محكي المهذب و الإصباح و الجامع و غيرها، و في الدروس أن لها نفاسين، و هو ظاهر كل من استدل بأن اسم النفاس يتناولهما، بل هو صريح السرائر، و كالصريح مما في المعتبر من

ص: 356

______________________________

قعودها للثاني و إن كان ما بين الولادتين عشرة أو أكثر.

و كيف كان، فلا ينبغي التأمل في نفاسية الدم المتعقب للأول. و قد نسبه إلي علمائنا في المنتهي و التذكرة، و في الجواهر أنه لم يعثر علي مخالف فيه. و أن كان في كفاية ذلك في الاجماع الحجة منع بعد ما سبق من الناصريات من عدم العثور علي نص فيه لأصحابنا، و ما في السرائر، حيث قال بعد تحقيق وجه المسألة بتمامها: «فليلحظ ذلك و يحقق فقد شاهدت جماعة ممن عاصرت من أصحابنا لا يحقق القول في ذلك». لعدم كشف الإجماع عن الحكم الشرعي في المسائل المستحدثة التحرير و التي يبتني الحكم فيها علي النظر، فالعمدة في الدليل صدق النفاس عرفا، فيشمله إطلاق أدلة التحديد المتقدمة، كما أشير إليه في المبسوط و غيره.

و أما ما في صدر كلام المحقق في المعتبر من التردد فيه، لأنها حامل، و لا حيض و لا نفاس مع حبل. فهو كما تري، لأن امتناع اجتماع الحيض مع الحبل لو تم- كما هو مختاره قدّس سرّه- فامتناع اجتماع النفاس معه خال عن الدليل، ليخرج به عن الإطلاق.

و عموم التساوي بينهما ممنوع، كما تقدم. و ليس المعيار في النفاس إلقاء الحمل، كي لا يصدق مع إلقاء بعضه، بل الولادة- الصادقة في الفرض- كما يشهد به الرجوع للغة و العرف، و إطلاق بعض نصوص التحديد و غيرها، حيث تضمن الولادة و الوضع «1».

و بذلك يظهر الفرق بين النفاس و العدة، حيث قيل بعدم خروجها عن العدة بوضع الأول فإن المعيار في الخروج عنها وضع الحمل غير الصادق به، دون الولادة.

فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر، كما عن بعض العامة.

غاية الأمر أنه لا يجتمع النفاس بالولد مع الحبل به بناء علي ما سبق- في وجه ابتداء العدّ من إكمال الولادة- من عدم صدق النفاس عرفا إلا بعد انفصال الولد.

و هو أجنبي عن محل الكلام.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3، 4، 9 و باب: 4 منها حديث: 1، 3.

ص: 357

______________________________

هذا، و لو فرض عدم صدق النفاس به أمكن استفادة إجراء حكمه مما تقدم في وجه جريانه بخروج بعض الولد و أن لم ينفصل مما صرح فيه بترك الصلاة بخروج بعضه أو بالولادة، لدخوله في إطلاقه أو فهمه منه بالأولوية العرفية. فتأمل جيدا.

و أما نفاسية الدم المتعقب للثاني إذا لم يتجاوز اكثر النفاس من ولادته فقد قطع به في المنتهي، بنحو يظهر في عدم الخلاف فيه، و هو داخل في معقد إجماع التذكرة و نفي العثور علي الخلاف في الجواهر، و إن عرفت الإشكال في حجية ذلك.

و لا إشكال فيه مع فصل أقل الطهر بين الدميين، حيث لا أشكال في صدق النفاس به. و أما مع عدم الفصل به فقد يشكل بأنه إن بني علي وحدة النفاس لزم زيادته علي الحدّ، و إن بني علي تعدده فلا بد من الفصل بأقل الطهر، لأن النفاس كالحيض عندهم في الأحكام، كما في الجواهر. قال: «و خصوصا في ذلك، كما يشعر به حكمهم بعدم حيضية الدم السابق علي الولادة بدون تخلل أقل الطهر … و كذا اللاحق بعد انتهاء مدة النفاس … »

و لا يخفي أن مقتضي هذا الوجه- لو تم- عدم نفاسية الثاني شرعا و إن كان نفاسا عرفا، لعدم الإشكال في أن امتناع الزيادة علي الحد إنما تقتضي خروج الآخر عن الحد دون الأول بعد فرض صدق العنوان عليه، و كذا اعتبار فصل أقل الطهر، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في الحيض. و قد تقدم منا توضيحه في الفصل الخامس في الدم المتقطع من مباحث الحيض.

اللهم إلا أن يقال: ما تقدم مختص بالحيض، لاختصاص دليله به، و هو بعض النصوص و قاعدة الإمكان، التي كان ظاهر بعض أدلتها ذلك، دون النفاس الذي كان مقتضي إطلاق أدلته التنفس بعد الولادة، حيث لا يفرق في تطبيقها بين الولادتين، و بعد تعارض التطبيقين يكون المرجع الأصل المقتضي لعدم نفاسية كلا الدميين، لو لا ظهور المفروغية عن الحكم بالنفاس في الجملة في الفرض، فيعمل علي مقتضي العلم الإجمالي في كل منهما، إلا أن يتداخل النفاسان في بعض الوقت- كما لو كان مجموعهما

ص: 358

______________________________

خمسة عشر يوما- حيث يعلم بتنفس المرأة في وقت التداخل- كالخمسة المتوسطة- فيستصحب فيما بعده، كما يستصحب عدمه فيما قبله، و لا يكون العلم الإجمالي منجزا.

فتأمل. بل قد يدعي القطع بنفاسية الثاني مطلقا، فيتعين البناء علي عدم نفاسية الأول كذلك، للوجه المتقدم من امتناع تجاوز النفاس الواحد عشرة و لزوم الفصل بين النفاسين بأقل الطهر.

إلا أن يقال: مقتضي إلحاق النفاس بالحيض- الذي هو مبني هذا الوجه- هو البناء علي نفاسية الأول، دون الزائد علي الحد من الثاني، كما أفتي به أولا في محكي كشف الغطاء، و إن قوّي بعد ذلك ما عليه الأصحاب من كونه نفاسا مستقلا.

فلاحظ.

و كيف كان، فيندفع الوجه المتقدم بأنه إن كان المعيار في النفاس علي وضع الحمل بتمامه يتعين البناء علي وحدة النفاس في المقام، و أن مبدأ العدّ الولادة الثانية.

و ترتيب أحكام النفاس علي الأولي يبتني علي الإلحاق، نظير ترتيبها علي الدم بخروج أول جزء من الولد، كما تقدم، فلا ينافي التحديد.

و إن كان المعيار فيه علي الولادة- كما هو الظاهر، علي ما سبق- فاللازم البناء علي تعدد النفاس و إن اتصل الدم، لأن وحدة الأمر الاستمراري المقومة لفرديته إنما تكون بعدم انقطاعه إذا لم تكن هناك جهة أخري صالحة لاعتبار وحدته و فرديته.

فالطواف مثلا و إن كان أمرا استمراريا إلا أنه لما كان تشريعه سبعة أشواط، فوحدته شرعا إنما تكون بإكمال السبعة و لو مع تخلل الفصل بين أجزائه، كما أن الأربعة عشر شوطا طوافان و إن اتصلت، كما تقدم عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض. و في المقام حيث فرض تبعية النفاسية شرعا و عرفا للولادة تعين تعدده بتعددها و لو مع الاتصال. و لا دليل علي لزوم الفصل بين النفاسين بطهر، بل إطلاق الأدلة ينفيه، كما أشار إليه في كشف اللثام.

و أما ما تضمن أن أقل الطهر عشرة. فهو- مع اختصاصه بما بين الحيضتين، كما

ص: 359

______________________________

تقدم عند الكلام في النقاء المتخلل بين أجزاء النفاس الواحد- إنما يقتضي عدم نقص الطهر في فرض ثبوته عن العشرة، لا لزوم الفصل بين النفاسين بعشرة بحيث يمتنع اتصالهما.

و إلحاق النفاس بالحيض في ذلك للإجماع علي اشتراكهما في الأحكام. كما تري، لا مجال له مع كون المعروف بين الأصحاب في المقام عدم اعتبار الفصل بين النفاسين، و إن لم يبلغ مرتبة الإجماع الحجة، كما تقدم.

و إنما يتجه ذلك لو كان الاشتراك مقتضي عموم دليل لفظي، حيث يتعين الاقتصار في الخروج عنه علي مورد قيام الحجة من إجماع أو غيره، و قد سبق في الوجه الثالث للاستدلال علي تحديد أكثر النفاس بعشرة عدم ثبوت العموم المذكور.

بل لو فرض ثبوته أشكل عمومه للمقام، لأن امتناع اتصال الحيضتين ليس مقتضي دليل شرعي، بل غاية الأمر أن المستفاد مما دل علي تحديد الحيض بالعشرة امتناع حيضية ما زاد عليها متصلا، لعدم المنشأ لتعدد الحيض مع الاتصال، فهي عرفا حيضة واحدة تمنع منها أدلة التحديد، لا حيضتان قام الدليل علي امتناع اتصالهما.

أما النفاس فحيث فرض تعدده بتعدد الولادة فامتناع الاتصال فيه يحتاج إلي دليل، و هو مفقود فيه و في الحيض.

و منه يظهر أن ما تضمن أن أقل الطهر عشرة- لو شمل ما بين النفاسين- لا يمنع من فصل النقاء الذي لا يبلغ العشرة بين النفاسين إذا لم يتجاوز مع دم النفاس الأول أو الثاني العشرة، كما لو رأت الدم بعد ولادة الأول خمسة أيام، ثم نقت خمسة أخري، ثم ولدت الثاني و رأت الدم معه، او رأت الدم بعد ولادة الأول عشرة أيام، ثم نقت خمسة ثم ولدت الثاني و رأت الدم معه خمسة أيام. غاية الأمر أنه يمنع من كون النقاء المذكور طهرا، فيلزم البناء علي نفاسيته إلحاقا بالنفاس الأول أو الثاني، كالنقاء المتخلل بين أجزاء النفاس الواحد عندهم. بل ربما يلتزم بذلك أيضا لو أمكن إلحاقه بكل من النفاسين علي نحو التبعيض لتعذر إلحاقه بخصوص أحدهما، كما لو كان ستة

ص: 360

______________________________

أيام بين نفاسين كل منهما سبعة أيام. و استبعاد ذلك ليس بأولي من استبعاد شمول دليل تحديد الطهر لما يكون بين النفاسين.

نعم، لو امتنع إلحاقه بالنفاسين مطلقا و لو بنحو التبعيض- كما لو كان في الفرض ثمانية أيام- اتجه البناء علي العكس، و إتمام الطهر من أحد النفاسين، و العمل بمقتضي العلم الإجمالي في المقدار الصالح للتتميم من كل منهما، أو إتمامه من خصوص الثاني منهما، عملا بالاستصحاب. فتأمل.

و دعوي: لزوم رفع اليد عن العموم المذكور في المقام، للإجماع علي ترتيب أحكام النفاس في كل من الدميين، المستلزم لعدم اعتبار كون الفاصل بينهما أقل الطهر. مدفوعة بما سبق من عدم ثبوت الإجماع الحجة في المقام. و لا سيما مع أن ظاهر كلام الأكثر فرض الصورة الغالبة، و هي صورة استمرار الدم و تداخل النفاسين من دون فصل بينهما، التي عرفت قصور العموم عن إثبات لزوم الفصل فيها بين النفاسين، و لم يذكر صورة الفصل بين الولادتين بأكثر من عشرة إلا بعض المتأخرين، تبعا لما سبق من المعتبر، و هو لا يكفي في انعقاد الإجماع قطعا.

و مثله ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من معارضة العموم المذكور بعموم ما تضمن تبعية النفاس للولادة و عموم ما دل علي الرجوع للعادة، و عموم ما تضمن عدم زيادة النفاس علي العشرة. قال قدّس سرّه: «فإذا فرضنا أنها رأت الدم عقيب الأول، فانقطع علي مقدار عادتها، كالتسعة، ثم رأت البياض في التسعة، ثم ولدت الثاني و رأت الدم، فإما أن يرفع اليد عن عموم تحيض النفساء مقدار عادتها فنخصصها بمن لم تر بعده قبل أقل الطهر نفاسا آخر، و إما أن يرفع اليد عن عموم جعل أكثر النفاس عشرة، فيقال: ان نفاسها نفاس واحد و هو عشرون مثلا، أو يقال بأن دم الولادة الثانية ليس بنفاس، و إما أن يقال بأن عموم أدلة الطهر مخصصة بما عدا ما بين النفاسين. و من الظاهر عند المتأمل المنصف أولوية التخصيص في العموم الأخير».

وجه الإشكال فيه: ما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن عموم أقل الطهر

ص: 361

______________________________

عشرة، و عموم أكثر النفاس عشرة، يتضمنان التحديد الواقعي، و عموم: تبعية النفاس للولادة، و عموم الرجوع للعادة، يتضمنان طريقيهما لإحراز النفاس في مورد الشبهه الموضوعية، نظير قاعدة الإمكان و حجية العادة في الحيض. و اللازم تقديم عموم التحديد الواقعي لحكومته عرفا علي عموم حجية الطريق في المقام الظاهر، لرافعيته لموضوعه، و هو الإمكان و الشك، حيث يعلم بسبب التحديد الواقعي بكذب الطريق. و لذا لا الإشكال في تقديم عموم تحديد الطهر علي عموم الرجوع للعادة في الحيض، و تقديم عموم تحديد الحيض علي عموم حجية الصفات فيه.

هذا كله بناء علي عموم تحديد أقل الطهر بعشرة لما بين النفاسين. لكن أشرنا آنفا إلي اختصاصه بما بين الحيضتين، فلا موجب لرفع اليد عن العمومات الأخر.

و يتجه ما ذكره الأصحاب، و إن لم يبلغ مرتبة الإجماع الحجة. فلاحظ، و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

بقي في المقام أمران:
الأول: الكلام في الفرق بين القول بوحدة النفاس و بتعدده في التوأمين

ذكر في الروض و الحدائق و محكي الذخيرة و حاشية الروضة أنه يظهر الفرق بين القول بوحدة النفاس و القول بتعدده في النقاء المتخلل بين دميي الولادتين إذا لم يفصل بين الولادتين عشرة أيام أو مقدار العادة، كما لو ولدت الأول فرأت الدم أربعة أيام، ثم نقت يوما أو يومين، ثم ولدت الثاني فرأت الدم و استمر بها. فإن قيل بوحدة النفاس و بدئه بولادة الأول كان النقاء المذكور نفاسا، و إن قيل بتعدده كان طهرا.

لكنه مبني.. أولا: علي ما سبق منهم من نفاسية النقاء المتخلل بين أجزاء نفاس واحد دون المتخلل بين نفاسين، و قد سبق المنع من نفاسيتهما معا.

و ثانيا: علي اختصاص ما تراه بعد الولادة الثانية بالنفاس الثاني، و عدم تداخل النفاسين فيما يتمم العشرة أو مقدار العادة للأول من الثاني، و هو- مع مخالفته لما اعترف به بعض من تقدم كالمحقق الخوانساري في محكي حاشية الروضة من تداخل

ص: 362

______________________________

النفاسين- مخالف لإطلاق أدلة التحديد، بناء علي شمولها للدم المتقطع الذي هو مبني نفاسية الدم الثاني في النفاس الواحد الذي يتوقف علي نفاسية النقاء المتخلل عندهم.

و لا يهم مع ذلك دعوي: أن الدم المتأخر منسوب عرفا للولادة الثانية. علي أنها غير ظاهرة، لعدم كفاية ذلك في الخروج عن إطلاق الأدلة.

و أما دعوي اختصاص ما دل علي امتناع تخلل النقاء بين أجزاء نفاس واحد بما إذا كان كلا الدميين منسوب لولادة واحدة، دون المقام، حيث ينسب الثاني للولادتين معا. فيدفعها- مضافا إلي الانتقاض بالنقاء المتخلل بين أجزاء النفاس الثاني، كما لو استمر الدم بعد ولادة الثاني في الفرض المتقدم ثلاثة أيام ثم نقت ثلاثة أيام ثم رأت الدم يومين- أن ذلك مخالف لإطلاق أن أقل الطهر عشرة الذي هو الدليل عندهم في المقام علي نفاسية النقاء المتخلل بين أجزاء نفاس واحد، حيث يلزم الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن، و غايته ما بين النفاسين غير المتداخلين، دون ما إذا كان في ضمن نفاس واحد و أن كان بعضه متداخلا مع نفاس آخر.

نعم، لو كانت نفاسية الدم الثاني في النفاس الواحد المتقطع مستفادة من أدلة لبية لا إطلاق لها اتجه الاقتصار فيها علي المتيقن، و هو صورة عدم تجدد سبب نفاس أخر، فلا يحرز أن النقاء المفروض متخلل بين دميي نفاس واحد.

الثاني: لو ألقت الولد الواحد قطعا متفرقة

فعن الموجز و كشف الالتباس و غاية المرام القطع بأن حاله حال التوأمين. فإن كان المراد أن حاله حالهما في تعدد النفاس- كما هو ظاهر كشف اللثام و احتمله في محكي الذكري- فهو لا يخلو عن إشكال، بل منع، لعدم صدق الولادة إلا بصدق الولد عرفا علي المولود، و هو لا يكون إلا بإتمام القطع المتعاقبة، إذ كل منها بعض الولد لإتمامه، فلا يصدق بإلقائه الولادة التي هي مبدأ العدّ في مدة النفاس علي ما سبق. و لا وجه لما في الحدائق من إمكان الاستناد للعمومات المتقدمة في البناء علي تعدد النفاس بتعدد الولادة. و لعله لذا تنظر في الدروس في تعدد الولادة.

ص: 363

______________________________

و إن كان المراد ترتيب آثار النفاس علي الدم المقارن لأول جزء لأنه من ماهية دم النفاس، و إن لم يكن له عدّ مستقل به- كما هو المتيقن مما عن نهاية الأحكام من أنه لو سقط عضو من الولد و تخلف الباقي و رأت الدم فهو نفاس- فهو المستفاد مما تضمن ترتب أحكام النفاس بظهور أول جزء من الولد، فانه لو فرض انصرافه إلي صورة الاتصال فخصوصيته ملغية عرفا، حيث يستفاد منه عرفا أن المعيار في ترتب الحكم علي الدم الشروع في الولادة.

خلافا لما في الجواهر من الفرق بين الاتصال و التقطع. كما لا وجه مع ذلك لتوقف ترتب أحكام النفاس عليه علي كونه نفاسا مستقلا، كما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه. و لا لما يظهر منه أيضا من التنافي بين كونه نفاسا و كون مبدأ العدّ تمام الولادة. بل مقتضي النظر في جميع الأدلة البناء عليهما معا.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من عدم استبعاد كون مبدأ العشرة سقوط معظم الأجزاء التي تصدق معه الولادة و إن بقي بعض الأجزاء، كما لو ولدت الحمل متصلا و بقي منه بعض أصابعه أو نحوه مما لا تتوقف الولادة علي إلقائه. فهو لا يخلو عن إشكال، للفرق عرفا بين ولادة الناقص متصلا و تدرج الأجزاء المتقطعة في الإلقاء بالمقدار الذي يصدق بمجموعه الولد الناقص، لأن اتصال الناقص- و لو بمقدار عضو كاليد- موجب للاعتداد به عرفا، بحيث يصدق عليه الولد و علي وضعه الولادة، بخلاف ما لو تقطع، لأن النظر يكون للأجزاء التي لا يصدق بوضع كل منها الولادة، إلا بلحاظ تماميتها.

علي أن البناء في كلتا الصورتين علي عدم ترتيب أحكام دم النفاس علي ما يقارن وضع الجزء الأخير لو كان بعد مضي أكثر النفاس علي وضع ما يصدق به الولد الناقص بعيد عن المرتكزات جدا. و لا سيما بعد النظر إلي ما تضمن بدء ترتبها بظهور أول جزء من الولد، حيث قد يستفاد من ذلك أن الدم المقارن لأي جزء من الولد محكوم بالنفاس و واجد لحقيقته لإلغاء خصوصية التقدم و التأخر عرفا.

ص: 364

______________________________

نعم، يبقي الإشكال في مدة الاستمرار علي ذلك بعد فرض كون مبدأ العدّ الولادة التي تصدق قبله بوضع المقدار المعتد به من الولد. و من هنا قد يجعل له عدّ مستقل، لا لكونه ولادة بل لدعوي إلغاء خصوصية الولادة في العدّ عرفا، و فهم أن المعيار مطلق عملية الوضع و لو للقطعة. و إليه قد يرجع ما سبق منهم من دعوي تعدد الولادة في المقام. لكنه لا يخلو عن إشكال. و الأقرب الاقتصار علي ما يري من سنخ دم النفاس عرفا. فتأمل.

و مما ذكرنا يظهر حال ما ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه من أن الأقرب تعدد النفاس إذا كان خروج كل قطعة بمنزلة ولادة مستأنفة عرفا، و إلا فالمجموع نفاس واحد ابتداؤه من أول ظهور الجزء الأول، و منه يبدأ العد، لا من وضع الجزء الأخير، حيث لا وجه له مع وحدة النفاس عرفا، بل عقلا.

إذ فيه.. أولا: أن المعيار في اختلاف الفرضين غير ظاهر، لعدم صدق الولادة إلا بوضع الولد غير الحاصل بوضع الجزء إلا أن يكون بنحو يصدق عليه الولد الناقص، و لا يمكن فرضه في أكثر من قطعة واحدة.

و دعوي: أن وضع القطع المتعددة إن كان بمخاض واحد فمجموعه ولادة واحدة، و إن كان مع اختصاص كل منها بمخاض لزم تعدد الولادات بعدد القطع.

ممنوعة لا يساعد عليها العرف، بل المعيار عندهم في صدق الولادة ما ذكرنا. إلا أن يرجع إلي ما سبق احتماله من أن الموضوع أعم من الولادة. فتأمل.

و ثانيا: أن لازم ما ذكره في الفرض الثاني عدم ترتب حكم النفاس علي الدم المصاحب لوضع القطعة الأخيرة إذا كان بعد مضي أكثر النفاس علي ظهور أول جزء من الولد، و هو بعيد جدا كما سبق.

و ثالثا: أن وحدة الولادة و النفاس لا تنافي كون مبدأ النفاس ظهور أول قطعة، و مبدأ العدّ إكمال الولادة بوضع آخر قطعة، كما يظهر مما سبق، و عليه العمل.

ص: 365

إذا لم تر الدم إلا في العاشر

العشرة و انقطع عليها فذلك الدم نفاسها (1).

______________________________

(1) كما في السرائر و المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و كشف اللثام و محكي الجامع و غيرها، و يستفاد ممن ذكر الفرع الآتي، و يظهر من غير واحد المفروغية عنه في الجملة.

قال في المدارك: «و اعلم أن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. و هو محل إشكال، لعدم العلم باستناد هذا الدم إلي الولادة، و عدم ثبوت الإضافة إليها عرفا».

و قد استدل له في كلام غير واحد بأنه دم بعد الولادة، فيكون نفاسا، و لكنه كما تري، لعدم الدليل علي تحديد النفاس بذلك، بل المتيقن منه الدم المستند للولادة، بل الظاهر اختصاصه به عرفا. و ترتيب أثره علي كل دم متصل بالولادة إنما هو لإحراز ذلك فيه بالأصل المشار إليه في أول هذا الفصل. فراجع.

و مثله ما تضمن تحديد النفاس بالعشرة، لما سبق من عدم ثبوت ذلك في نص معتبر، لينظر في لسانه، غاية الأمر أنه قد يستفاد مما تضمن الرجوع للعادة العددية تبعا، بأن يفهم منه مساواة النفاس للحيض في الحد ثبوتا مع تساويهما في الرجوع للعادة ظاهرا، و من الظاهر أن تحديد الحيض بالعادة العددية و بالعشرة لا يرجع إلي بيان زمان إمكان الحيض و لزوم الحكم به، بل إلي بيان مقداره- كما هو الحال في تحديد النفاس بالعشرة في بعض النصوص غير المعتبرة- و إنما يستفاد إحرازه و وقته من طرق أخري كالعادة الوقتية و التمييز و قاعدة الإمكان، و لا موضوع للعادة الوقتية في النفاس، كما لا إشكال في عدم حجية التمييز فيه.

و أما قاعدة الإمكان فلا دليل علي الرجوع إليها فيه بعد اختصاص أدلتها بالحيض، و كونه فيه ارتكازية دون النفاس، لتوقف العرف عن البناء علي النفاسية مع انفصال الدم عن الولادة بنحو معتد به.

نعم، لو ثبت عموم مساواة النفاس للحيض في الأحكام كان دليلا علي جريان

ص: 366

______________________________

القاعدة المذكورة فيه. لكن سبق عدم ثبوته، و إن جري عليه الأصحاب في غير مورد، و منها المقام. علي أنه لو ثبت كان مقتضاه البناء علي نفاسية الدم و إن كان مبدؤه بعد الولادة بعشرة أيام، لما أشرنا إليه من عدم ورود نصوص التحديد بها للتوقيت، مع أنه ليس بناؤهم علي ذلك. و كأنه لفهمهم من دليل التحديد بالعشرة التوقيت بها، الذي سبق المنع عنه.

نعم، يظهر من نصوص الإرجاع للعادة المفروغية عن نفاسية الدم، و المتيقن منه صورة اتصاله بالولادة حقيقة أو عرفا، لأنه المتيقن من نفاسية الدم الخارج بعدها. و مثلها النصوص المتضمنة أن مبدأ العدّ من تمام الولادة، لما سبق- في حكم النقاء المتخلل بين الدميين- من أنها واردة لبيان مقدار الجلوس بعد الفراغ عن تحقق مقتضيه، و هو الدم، و لا تشمل صورة انفصال الدم.

و بعبارة أخري: جميع نصوص العادة واردة لبيان مقدار جلوس النفساء بعد الفراغ عن كونها نفساء، لا بمعني كونها ذات ولد، بل بمعني كونها ذات دم نفاس، فلا تنهض بإثبات نفاسية الدم، بل يلزم الاقتصار فيه علي المتيقن، و هو ما يكون متصلا بالولادة، حسبما تقتضيه طبيعة النساء المعهودة للعرف.

و من هنا لا مجال للبناء علي نفاسية كل دم تراه في العشرة و أن كان في طرفها، لو لا ظهور مفروغية الأصحاب عنه التي في نهوضها بإثباته إشكال، لعدم وضوح شيوع الابتلاء بذلك، ليبعد خطؤهم فيه، بل هو من الفروع الفرضية التي يبتني كلامهم فيها علي النظر و الاجتهاد و النظر في مفاد الأدلة، فمع عدم ظهور صحة اجتهادهم لا تعويل علي تسالمهم في الخروج عن استصحاب عدم النفاس و عموم أحكام الطاهر.

نعم، لو علم باستناد الدم إلي الولادة كان من أفراد النفاس العرفي، و إن لم يتسن للعرف تشخيصه، فيكون مقتضي إطلاق أدلة أحكام النفساء ترتبها عليه، كما يكون مقتضي إطلاق أدلة التحديد استيفاء الحدّ له- إما بقدر العادة أو العشرة- و أن

ص: 367

______________________________

خرج عن العشرة من حين الولادة- كما عن بعض مشايخنا- لما عرفت من ورود أدلة التحديد بالعشرة و العادة من حين الولادة لبيان المقدار في فرض وجود دم النفاس، لا التوقيت، فلا تنهض بالمنع عن ترتيب أحكام النفاس عليه في الفرض، لخروجه عن موضوعها.

بل يجري ذلك حتي لو انفصل عن الولادة بمقدار العادة أو العشرة. لكن العلم باستناد الدم للولادة في ذلك فرض غير معلوم التحقق في الخارج.

مع أنه لم يتضح عموم مفهوم النفاس عرفا لكل دم يستند للولادة، كما لم يثبت تحديده بذلك بوجه معتبر، بل يقرب اختصاصه عرفا بالدم الطبيعي للنساء، و هو المتصل بالولادة المعدود عرفا من توابعها و آثارها.

كما لم يتضح إطلاق أدلة التحديد بنحو يشمل المنفصل- لو فرض عموم مفهوم النفاس- لأن النصوص بين ما هو مختص بالمتصل و ما هو منصرف إليه. و كذا الحال في إطلاق أحكام النفساء لو فرض عموم مفهوم النفاس. لانحصار الدليل علي جملة منها بالإجماع علي مشاركة النفاس للحيض في الأحكام الذي لا يبعد اختصاصه بما يكون في ضمن العشرة، و بالنصوص الظاهرة في فرض رؤية الدم فيها متصلا بالولادة.

و دعوي: إلغاء خصوصية مواردها، لارتكاز تبعية الحكم للنفاس و أنه موضوع الحدث من دون خصوصية لوقته. ممنوعة، إذ لا مجال لاستبعاد اختلاف حكم النفاس باختلاف ذلك. و لا سيما مع احتمال رجوع التحديد بالعادة أو العشرة أو غيرهما لحكم النفاس شرعا، لا لموضوعه واقعا، كما يناسبه التعرض في الأسئلة و الأجوبة للعمل، و ليس كالتحديد في الحيض بلسان تحديد الموضوع الواقعي، إذ لو تم ذلك رجع إلي عدم ترتب الأحكام علي النفاس في بعض حالاته، فكيف يمكن مع ذلك فهم عدم خصوصية موارد الأدلة المتقدمة؟! و لو فرض الإطلاق في نصوص بعض الأحكام لم يبعد انصرافه للنفساء المعهودة ذات الأحكام الخاصة التي كان المتيقن منها من اتصل

ص: 368

______________________________

دمها بالولادة. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. و هو سهل بعد ما ذكرناه أولا من عدم العلم باستناد الدم للولادة في الفرض، و عدم ظهور عموم نفاسية ما يستند إليها. فلاحظ.

هذا، و بناء علي ما عليه الأصحاب من نفاسية الدم المنفصل عن الولادة فقد وقع في كلماتهم إطلاق نفاسية العاشر أو ما يري في العشرة. و لا إشكال فيه عندهم تقريبا لو كانت وظيفة المرأة الرجوع للعشرة، إما لأن عادتها عشرة، أو للبناء علي ذلك حتي فيمن عادتها دون العشرة مطلقا أو إذا لم يتجاوز دمها العشرة- علي ما يأتي الكلام فيه في بعض المسائل الآتية- أو لكونها مضطربة أو مبتدأة.

و أما لو كانت وظيفتها الرجوع للعادة التي هي دون العشرة فقد يشكل التنفس بما يري بعد العادة قبل العشرة. قال في محكي الذكري: «و علي اعتبار العادة ينبغي أن يكون ما صار فيها نفاسا دون ما زاد عليها. و يحتمل اعتبار العشرة إذا لم يتجاوز، كما لو انقطع دم المعتادة علي العشرة. أما مع التجاوز فالرجوع إلي العادة قوي».

و في جامع المقاصد: «و التحقيق أن يقال: علي اعتبار العادة إنما يكون العاشر نفاسا إذا لم يتجاوز الدم العاشر، أو كانت مبتدأة أو مضطربة أو ذات عادة هي عشرة، لمصادفته جزءا من العادة. و كذا لو كانت أقل و صادف الدم جزءا منها، إلا أن ذلك الجزء هو النفاس خاصة مع التجاوز» و قريب منه في الروض و الروضة و المسالك و المدارك و غيرها.

بل استشكل في الرياض في نفاسية ما يري بعد العادة حتي إذا لم يتجاوز العشرة. قال: «للشك في صدق دم الولادة عليه، مع كون وظيفتها الرجوع إلي أيام العادة التي لم تر فيها شيئا بالمرة». و يدفعه ما أشار إليه في الجواهر من عدم الأمر لها بالرجوع للعادة في هذا الحال، لما هو المعروف بينهم من تحيض ذات العادة بتمام العشرة إذا لم يتجاوزها الدم، و ألحق به هو قدّس سرّه تبعا لهم النفاس في ذلك، و لم يحكموا بالاقتصار علي العادة إلا مع تجاوز الدم العشرة.

ص: 369

______________________________

هذا، و قد أصر سيدنا المصنف قدّس سرّه علي نفاسية ما في العشرة مطلقا و لو بعد العادة، و دفع ما سبق منهم بأن ما تضمن اقتصار النفساء علي عادتها مختص بما إذا رأت الدم في العادة، أما مع عدم رؤيته إلا بعدها مع تجاوزه العشرة فنصوص العادة قاصرة عنه، و يتعين البناء علي نفاسيته لقاعدة الإمكان التي عليها المعول في هذه المسائل.

و بملاحظة مجموع ما ذكره يتضح ابتناء كلامه علي التفكيك بين التحديد بالعادة العددية و التحديد بالعشرة، و أن مرجع الأول بيان المقدار من دون نظر للتوقيت، و جعل المبدأ في بعض نصوصه الولادة أو انصراف جميع نصوصه لذلك، إنما هو لفرض وجود الدم حينئذ، لا لبيان وقت التنفس لذات العادة، فلا ينافي تأخر تنفسها بالقدر المذكور أو بغيره مع تأخر الدم، لقاعدة الإمكان، أما الثاني فمرجعه إلي التوقيت، بالعشرة من حين الولادة، فيمنع من تأخر التنفس عن ذلك و لو مع تأخر الدم، و يكون واردا علي قاعدة الإمكان.

و لذا ذكر أنه لو أمكن الجمع بين الأمرين في الدم المنفصل عن الولادة تعين، فلو كانت عادتها أربعة أيام فرأت الدم في ثالث الولادة كان نفاسها إلي سادس الولادة، أو رأته في سادسها كان نفاسها إلي تاسعها.

أما لو تعذر الجمع بين الأمرين كما لو رأته في الفرض في ثامن الولادة، أو كانت عادتها سبعة فرأت الدم في سادس الولادة، فحيث لا مجال لرفع اليد عن التوقيت بالعشرة يدور الأمر بين تخصيص عموم التنفس بقدر العادة بغير الأيام الخارجة عن العشرة، فتتبعض العادة في الفرضين، و تتنفس فيهما إلي العشرة من الولادة بثلاثة في الأول و خمسة في الثاني، و بين قصره علي صورة استيعاب العشرة للعادة، فيخرج الفرضان المتقدمان و نحوهما عن عموم التحيض بالعادة رأسا، و يكون المرجع في التنفس بالدم الحاصل في ضمن العشرة قاعدة الإمكان لا غير.

لكن يشكل ما ذكره قدّس سرّه- مضافا إلي ما سبق من عدم الدليل علي جريان قاعدة الإمكان في النفاس- بما أشرنا إليه آنفا من أن التحديد بالعشرة واقعا مستفاد

ص: 370

______________________________

تبعا من نصوص التحديد بالعادة ظاهرا لذات العادة، فان بني علي رجوع التحديد في النصوص للتوقيت و بيان أمد النفاس من حين الولادة، فكما تدل علي أن النفاس لا يتجاوز واقعا العشرة من حين الولادة، لا حدوثا و لا استمرارا، كذلك تدل علي أنه لا يتجاوز ظاهرا لذات العادة مقدار العادة من حين الولادة، فتكون العادة لصاحبتها حاكمة علي قاعدة الإمكان حكومة الأمارة علي الأصل.

و إن بني علي رجوع التحديد لبيان المقدار دون التوقيت، فهو لا يصلح للتوقيت من حين الولادة لا بقدر العادة ظاهرا و لا بالعشرة واقعا- كما تقدم أنه الظاهر- بل المرجع في الوقت قاعدة الإمكان- المفروض جريانها في النفاس عندهم- و حينئذ كما يمكن في ذات العادة التنفس بالدم المرئي بعدها في ضمن العشرة، يمكنها التنفس به بعدها، سواء حدث بعدها أم فيها و استمر بعدها فلو كانت عادتها ستة ايام تنفست بها سواء رأت الدم في سادس الولادة أم في الثاني عشر و استمر، كما يمكن لغير ذات العادة التنفس بالعشرة سواء رأته في العشرة أم بعدها إذا استمر، كما سبق منا عند الكلام في الدم المنفصل.

و لا مجال للتفكيك بين التحديد بالعادة و التحديد بالعشرة في كون الأول للتقدير و الثاني للتوقيت مع وحدة لسان دليلهما.

و أشكل من ذلك ما ذكره السيد الطباطبائي قدّس سرّه في العروة الوثقي من أن ذات العادة لا تتنفس بالدم المتجاوز عن العشرة من حين الولادة إذا رأته بعد مضي قدر عادتها، أما إذا رأته قبل ذلك تنفست بقدر عادتها منه إن أمكن، كما لو كانت عادتها سبعة أيام و رأته في ثاني الولادة، فإنها تتنفس إلي الثامن، و إن لم يمكن تنفست بما دون عادتها من دون أن تتجاوز العشرة من حين الولادة، كما لو رأته في الفرض في الخامس من الولادة، فإنها تتنفس ستة أيام.

إذ فيه: أن التحديد بالعادة إن كان للتوقيت لزم عدم الاستمرار في التنفس بعد مضي قدرها من حين الولادة، و لا تتم مقدار العادة و إن أمكن قبل مضي العشرة. و إن

ص: 371

______________________________

كان لبيان المقدار، فإن بني علي جريان قاعدة الإمكان في النفاس لزم التنفس بالدم و إن كان مبدؤه بعد مضي قدر العادة من حين الولادة، و إن بني علي عدم جريانها فيه لزم عدم التنفس بالدم المنفصل مطلقا و إن كان مبدؤه قبل مضي مقدار العادة من حين الولادة، خصوصا إذا تعذر تتميم مقدار العادة من حين العشرة. فتأمل جيدا.

و لعله لذا قد يظهر من الجواهر البناء علي أن التحديدين معا لبيان المقدار دون التوقيت، و أن جعل مبدأ الحساب الولادة في بعض النصوص لفرض وجود الدم حينها. و لذا مال إلي أنها لو رأته بعد العادة في ضمن العشرة و استمر كان لها التنفس بقدر عادتها إلي ما بعد العشرة.

نعم، لو رأته بعد العشرة فلا نفاس لها، للفرق بينهما بالإجماع، أو بجريان استصحاب النفاس في الأول و عدمه في الثاني. و هو و إن كان أقرب إلي مفاد النصوص مما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه إلا أنه يشكل أيضا بأنه لا مجال للفرق بين الفرضين بالإجماع، لظهور كلمات الأصحاب في عدم الفرق في نفي نفاسية ما بعد العشرة بين الحدوث و الاستمرار فكما لا يكون الدم الحادث بعدها نفاسا لا يستمر النفاس باستمرار الدم الحادث فيها و تجاوزه لها.

فإن بني علي تماميته لزم البناء علي نفي النفاسية في الموردين، و إن لم ينهض بالحجية- كما هو الظاهر، و يتضح وجهه مما تقدم- فإن بني علي جريان قاعدة الإمكان في النفاس لزم البناء علي النفاسية في الموردين، و الخروج بها عن استصحاب عدم النفاس في الثاني، و إن بني علي عدم جريانها- كما سبق- فحيث كان الدم المنفصل عن الولادة خارجا عن مورد نصوص التحديد الظاهرة في مجرد بيان المقدار دون التوقيت- كما تقدم- يتعين الرجوع فيه لاستصحاب عدم النفاس، من دون فرق بين الفروض المتقدمة، كما تقدم.

نعم، بناء علي ما فهمه الأصحاب من ورود النصوص للتوقيت يتجه نفاسية ما يري في العادة، دون غيره في حق من ترجع لعادتها، كما تقدم من جماعة. فتأمل

ص: 372

و إذا رأته حين الولادة ثم انقطع ثم رأته قبل العشرة و انقطع عليها (1) فالدمان و النقاء بينهما كلها نفاس واحد (2). و أن كان الأحوط استحبابا في النقاء الجمع بين عمل الطاهرة و النفساء.

(مسألة 42): الدم الخارج قبل ظهور الولد ليس بنفاس (3)،

______________________________

جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

إذا رأته حين الولادة ثم انقطع ثم رأته قبل العشرة و انقطع عليها

(1) أما لو لم ينقطع عليها فسيأتي الكلام فيه.

(2) لا إشكال في نفاسية المتصل بالولادة، لأنه المتيقن من أدلة التنفس، كما تقدم. و أما النقاء المتخلل فالكلام في نفاسيته بعد فرض نفاسية الدم الثاني قد تقدم قبيل الكلام في حكم التوأمين، و تقدم هناك التعرض لمن صرح بالحكم المذكور في المتن. و أما الدم الثاني فنفاسيته تبتني علي ما تقدم في الفرع السابق، لأنهما من باب واحد.

و منه يظهر أنه لو لم ينقطع علي العشرة جري فيه ما تقدم هناك، كما في الجواهر.

و لذا صرح في جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة بعدم نفاسيته إذا كان بعد مضي مقدار العادة، و إلا فالنفاس منه ما يكون في العادة لا غير. و كان علي سيدنا المصنف قدّس سرّه الحكم بنفاسيته مطلقا، لقاعدة الإمكان بعد اختصاص نصوص الرجوع للعادة بصورة وجود الدم فيها، فيخرج الفرض عنها. و لا أقل من البناء علي ذلك إذا كان مقتضي العادة العددية بالنحو الذي يناسبها، فلو كانت عادة المرأة سبعة أيام فانقطع في ثاني الولادة و عاد في سادسها و تجاوز العشرة، فيبني علي نفاسية الثاني إلي السابع.

نعم، لو كان انقطاع الأول بعد مضي مقدار العادة اتجه عدم نفاسية الثاني، كما لو استمر بعد العادة.

مسألة 42: الدم الخارج قبل ظهور الولد ليس بنفاس

(3) إجماعا، كما في التذكرة و المنتهي و المختلف و المدارك و محكي حاشية

ص: 373

فإن كان متصلا بالولادة (1) و علم أنه حيض و كان (2) بشرائطه جري عليه حكمه (3)

______________________________

الإرشاد، كما نفي الخلاف فيه في الخلاف و جامع المقاصد و محكي كشف الرموز و التنقيح و شرحي الجعفرية و غيرها. و يقتضيه قوله عليه السلام في موثقي عمار فيمن يصيبها الطلق فتري الصفرة أو الدم: «تصلي ما لم تلد» «1»، و في موثق السكوني: «إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلا أن تري علي رأس الولد» «2»، و نحوه حديث زريق [رزيق] الآتي، و قد تقدمت كلها عند الكلام في نفاسية ما يري حين الشروع في الولادة.

(1) الظاهر أن مراده الاتصال بالدم المسبب عنها المحكوم بالنفاسية، سواء كان خروجه عند الشروع في الولادة بخروج بعض الولد، أم بتمامها، لأن المعيار في احتمال شرطية الطهر علي تخلّله بين الحيض و النفاس، و لا ينفع اتصاله بالولادة لو لم تر حينها الدم، بل تأخر عنها دم النفاس، بل يلحقه ما يأتي في المنفصل. و منه يظهر أنه مع اتصال الدميين لا بد في واجدية ما قبل الولادة لشرط الحيض من مضي ثلاثة أيام عليه إلي حين الشروع في الولادة حيث يحكم بنفاسية الدم، لا إلي حين الفراغ منها.

(2) بناء علي ما تقدم من إمكان حيض الحامل.

(3) لإطلاق أدلته. و أما لزوم الفصل بين الحيض و النفاس بطهر عشرة فهو غير ثابت، كما لم يثبت لزوم الفصل بها بين النفاسين، علي ما سبق في ولادة التوأمين، لأن المقامين من باب واحد.

و دعوي: استفادته في المقام مما دل علي لزوم الفصل بها بين النفاس و الحيض المتأخر بضميمة عدم الفصل كما في الروض. ممنوعة، لأن مجرد عدم الفصل لا ينفع ما لم يرجع إلي الاجماع علي القول بعدم الفصل و هو غير ثابت، و لا سيما مع ثبوت الخلاف من بعضهم، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي، بل صرح في المنتهي بأن بينهما فرق ما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 1، 3.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 2.

ص: 374

______________________________

كما لا محذور أيضا في لزوم استمرار جلوس المرأة أكثر من عشرة أيام لو كان مجموع الحيض و النفاس زائدا عليهما، إذ ليس مفاد الأدلة إلا عدم زيادة كل منهما علي العشرة، لا عدم زيادة مجموعهما لو اتصلا، و لذا أمكن اتصال النفاسين و زيادة جلوس المرأة علي العشرة في النفاس بمقدار الولادة.

كما أن النصوص النافية لنفاسية ما يخرج قبل الولادة و لزوم الصلاة المتضمنة معه لا تمنع من ذلك أيضا، لابتناء موثق السكوني علي عدم حيض الحامل، و لا بد من رفع اليد عنه في ذلك، لما تقدم، و ظهور موثقي عمار في دم المخاض المسبب عن الطلق، و لا نظر فيهما للدم الخارج حين المخاض المفروض كونه حيضا.

و أظهر منهما في ذلك حديث زريق [رزيق] عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ان رجلا سأله عن امرأة حاملة رأت الدم. قال: تدع الصلاة. قلت: فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض. قال: تصلي حتي يخرج رأس الصبي … قلت: جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟ قال: إن الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلي أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس و الحيض، فأما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فانما ذلك من فتق في الرحم» «1».

غاية الأمر أنه ظاهر في أن الأصل في دم الحامل أن يكون حيضا ما لم تكن في حال المخاض فالاصل في دمها أن يكون منه لا من الحيض، و هو لا ينافي ترتب أحكام الحيض عليه لو علم بحيضيته، كما هو مفروض المتن، عملا بعموم أدلتها.

بل مقتضي العمومات المذكورة جريان حكمه و إن كان فاقدا لشرائطه، كما تقدم منا عند الكلام فيما يري في غير سن الحيض أو فاقدا لحده من أن أدلة الشروط المذكورة لما كانت بلسان تحديد الحيض الواقعي فلو فرض الخروج عنها و العلم بحيضية فاقدها تعين حملها علي التحديد الغالبي الذي لا ينافي ترتب الأحكام علي الفاقد للحد، لا علي تصرف الشارع في مفهوم الحيض الذي هو موضوع أحكامه،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 17.

ص: 375

و كذا إذا كان منفصلا عنها بعشرة أيام نقاء (1). و إن كان منفصلا عنها بأقل من عشرة أيام نقاء و كان بشرائط الحيض (2)، أو كان متصلا بالولادة و لم يعلم أنه حيض و كان بشرائطه (3) فالأحوط وجوبا الجمع فيه بين أحكام الحيض و الاستحاضة (4).

______________________________

ليخرج فاقد الحدّ عن الحيض شرعا، و لا علي تخصيص عموم أحكامه، كي لا تترتب علي الفاقد و إن كان حيضا كما هو مختار سيدنا المصنف قدّس سرّه. و منه يظهر أنه لو ثبتت شرطية الفصل بين الحيض و النفاس بعشرة، أو عدم زيادة مجموعهما متصلين علي العشرة، لم يمنع من ترتيب أحكام الحيض في الفرض، لأن دليل الشرطين المذكورين علي غرار أدلة الشروط المتقدمة لا يمنع من ترتب حكم الحيض علي الفاقد لو علم بحيضيته.

(1) بلا إشكال بناء علي حيض الحامل. و قد سبق أن المعيار علي دم النفاس، لا علي نفس الولادة.

(2) أما لو كان فاقدا لها فيحكم بعدم ترتب حكم الحيض عليه مع عدم العلم بحيضيته، لعدم جريان قاعدة الإمكان فيه بلا إشكال. و أما مع العلم بحيضيته فيبتني علي ما تقدم.

(3) أما لو كان فاقدا لها فيحكم بعدم ترتب حكم الحيض، لما سبق من عدم جريان قاعدة الإمكان فيه بلا إشكال.

(4) ففي القواعد أنه استحاضة، و قواه في جامع المقاصد و ظاهر الروض و المسالك و محكي الذكري، حيث ذكر أنه لم يثبت كفاية فصل الولادة عن الطهر، و في الدروس: «و دم الطلق استحاضة إلا أن يتخلل بينه و بين الولادة عشرة». بل في الخلاف: «الدم الذي يخرج قبل الولادة ليس بحيض عندنا» كما أطلق في مسألة معاقبة الحيض للنفاس نفي الخلاف في اعتبار الطهر بين الحيض و النفاس.

ص: 376

______________________________

لكن يوهنه استدلاله علي نفي حيضية الدم الذي قبل الولادة بالإجماع علي عدم حيض الحامل المستبين حملها، حيث يظهر منه ابتناء المسألة علي ذلك، كما هو ظاهر المبسوط، و لعله مبني ما في الشرائع من كونه طهرا، لأنه ممن يري عدم حيض الحامل. بل حيث كان مختاره في الخلاف عدم حيض الحامل تعين اختصاص نفيه الخلاف في اعتبار الطهر بين الحيض و النفاس بالحيض المتأخر.

هذا، و يظهر من التذكرة التردد في عدم حيضية الدم السابق علي الولادة، بل قد يظهر من المنتهي و محكي نهاية الأحكام الميل إلي حيضيته و عدم اعتبار فصل أقل الطهر بين الحيض المتقدم و النفاس، كما قواه في المدارك و محكي الحواشي المنسوبة للشهيد علي القواعد و الذخيرة، و يظهر من بعض عباراتهم و صريح آخر عدم الفرق بين اتصال الدميين و الفصل بينهما بأقل من عشرة.

و يظهر وجه البناء علي الحيضية مع اتصال الدميين مما تقدم من عدم الدليل علي لزوم الفصل المذكور، بل مقتضي إطلاق أدلة أحكامه عدمه. مع أنه لو فرض ورود عموم قاض بلزوم الفصل بين الحيض و النفاس يجري فيه بعض ما يأتي في صورة الفصل بأقل من عشرة بينهما كما يظهر بالتأمل فيه. و الظاهر أن وجه توقف سيدنا المصنف قدّس سرّه في ذلك مع جزمه به في صورة العلم بأنه حيض قصور قاعدة الإمكان و العادة و نحوهما من طرق إحراز الحيض عن إحراز الحيضية إذا كان الشك للشبهة الحكمية، كما نبه له في مستمسكه.

لكنه كما تري، إذ بعد فرض قضاء إطلاقات الأحكام بترتبها علي الحيض الواقعي و نفي اشتراط فصل أقل الطهر يتمحض الشك في الشبهة الموضوعية التي هي موضوع قاعدة الإمكان.

نعم، قد تضمن موثقا عمار و حديث زريق [رزيق] المتقدمة الحكم بعدم حيضية دم المخاض الخارج حين الطلق. و مقتضي إطلاقها عدم حيضيته حتي لو تخلل بينه و بين النفاس أقل الطهر، خلافا لما تقدم من الدروس. و بها يخرج عن عموم قاعدة

ص: 377

______________________________

الإمكان. لكن موردها ما إذا بدأ خروج الدم حالة المخاض، و لا تشمل ما لو بدأ قبله و استمر حينه، فيتعين البناء علي حيضيته، لعدم المخرج عن قاعدة الإمكان فيه.

هذا كله مع اتصال الدميين، و أما مع الفصل بينهما بأقل من عشرة فقد استشكل سيدنا المصنف قدّس سرّه في حيضية الدم السابق علي الولادة بمنافاة عموم: أن أقل الطهر عشرة لها، بدعوي: شموله للطهر بين النفاس و الحيض، و إن لم يمنع من اتصالهما، كما سبق في التوأمين.

و يشكل- مضافا إلي ما سبق غير مرة من اختصاصه بما بين الحيضتين- بأنه لا ينهض بالمنع من حيضية الدم السابق إذا أمكن إلحاق النقاء بالحيض- كما لو رأت الدم خمسة ايام ثم النقاء خمسة ثم النفاس عشرة- أو بالنفاس- كما لو رأت الدم عشرة ثم النقاء خمسة ثم النفاس خمسة- أو بهما- كما لو رأت الدم ستة أيام، ثم النقاء ثمانية، ثم النفاس ستة- نظير ما تقدم منا في النقاء المتخلل بين النفاسين في التوأمين. لأن ذلك هو المناسب لما ذكروه من أن عموم التحديد هو الملزم بالبناء علي حيضية النقاء المتخلل بين دميي حيضة واحدة.

و أما ما ذكره قدّس سرّه من أن هذا النقاء ليس بنفاس، لأن النفاس هو الدم حال الولادة أو بعدها، و لا يشمل ما قبلها من الدم فضلا عن النقاء، و ليس بحيض، لأن النقاء لا يكون حيضا إلا إذا تخلل دميي حيضة واحدة. فهو كما تري، لأن تحديد النفاس بالدم الخارج حين الولادة أو بعدها إنما هو بلحاظ النفاس الحقيقي، كتحديد الحيض بأنه الدم المخصوص، و عدم نفاسية الدم الخارج قبل الولادة فضلا عن النقاء حقيقة بلحاظ ذاتيهما لا ينافي نفاسية النقاء حكما فرارا عن محذور نقصان الطهر عن عشرة، كما حكم بحيضيته في بعض الموارد لذلك.

كما أنه لا وجه لاختصاص حيضية النقاء بما إذا تخلل دميي حيض واحد بعد كون منشأ الحكم بحيضيته في ذلك فرارا عن محذور نقص الطهر الذي يجري في المقام، كما اعترف به بعد ذلك.

ص: 378

______________________________

و مثله ما يظهر منه قدّس سرّه من التعويل في المقام علي الإجماع علي كون النقاء طهرا.

إذ لا مجال له بعد عدم دعواه من أحد في المقام، غايته أنه لم يظهر منهم احتمال حدثيته، و هو لا يكفي في تحصيل الإجماع بعد احتمال كون منشئه مجرد الاستبعاد، و لا سيما مع عدم تحرير المسألة ممن يري إمكان حيض الحامل قبل العلامة قدّس سرّه مع اضطرابه فيها و اختلاف كلامه في كتبه.

و من هنا يختص الإشكال بما إذا تعذر إلحاق النقاء بأحد الأمرين من الحيض و النفاس أو كليهما، كما لو رأت الدم عشرة أيام ثم النقاء ستة أيام ثم النفاس عشرة أيام، نظير ما تقدم في التوأمين. و إن كان قد يندفع فيما إذا أمكن تتميم الطهر من آخر الدم الأول مع المحافظة علي حيضية أوله، كما في الفرض المتقدم، فيبني علي حيضية الستة الأولي من الدم فقط، و حينئذ ينحصر الإشكال فيما إذا تعذر ذلك أيضا، كما إذا رأت الدم أربعة أيام، ثم النقاء ثمانية، ثم النفاس عشرة. فتأمل.

و أما ما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أنه يحتمل أيضا كون النقاء المذكور حدثا ثالثا غير الحيض و النفاس، قال في الجواب عن عمومات تحديد الطهر: «مع أنها إنما تنفي كون الأقل طهرا، فلعله حيض أو نفاس أو حالة حدث بين الحالتين» فيتعين البناء عليه مع تعذر إلحاقه بأحد الحدثين أو تتميمه من الدم الأول. فالظاهر أنه لا مجال للبناء عليه، إذ لازمه البناء علي كون الدميين اللذين يفصل بينهما أقل من عشرة حيضتين، عملا بقاعدة الإمكان، مع كون النقاء حدثا آخر غير ملحق بهم، فظهور امتناع ذلك من النصوص و الفتاوي شاهد ببطلان الاحتمال المذكور. فلاحظ.

نعم، قد يدفع الإشكال في حيضية الدم الأول في الفرض المذكور و في بقية الفروض المتقدمة لو غض النظر عما ذكرناه فيها بما أشرنا إليه في مسألة التوأمين و فصلنا الكلام فيه في الفصل الخامس من مباحث الحيض من أن اعتبار فصل أقل الطهر لا يمنع من حيضية الدم السابق عليه، بل من حدثية ما لم يتم معه الطهر بعده، لأن موضوع قاعدة الإمكان في الحيض هو إمكان حيضية الدم بلحاظ ما سبق عليه

ص: 379

______________________________

و قارنه، لا بلحاظ جميع الجهات حتي اللاحقة له.

و حينئذ حيث فرض تمامية شروط الحيض في الدم السابق علي الولادة، لواجديته لحده و تقدم طهر كامل عليه، فتعقبه بالنقاء الذي لا يبلغ قدر أقل الطهر لا يمنع من حيضيته، بل من نفاسية الدم المقارن للولادة، لأن مرجع التحديد حينئذ إلي أن الطهر لو بدأ لزم أن يستمر عشرة أيام، و لا حدث إلا بعدها، لا أنه لو انتهي لزم أن يتقدم عشرة أيام و لا حدث إلا قبلها.

فإن أمكن البناء علي عدم نفاسية الدم المقارن للولادة، لعدم جريان قاعدة الإمكان فيه حينئذ فهو، و إن فرض القطع بنفاسيته و لو للإجماع المدعي رجع إلي تخصيص عموم تحديد الطهر في المورد، لمنافاته لمفاده، من دون وجه للبناء علي عدم حيضية الدم السابق عليه، لعدم منافاته له.

و كأنه إلي هذا يرجع ما في محكي نهاية الأحكام، قال في تقريب حيضية الدم السابق علي الولادة: «لتقدم طهر كامل عليه. و نقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله، و هنا لم يؤثر فيما بعده، لأن ما بعد الولد نفاس إجماعا، فأولي أن لا يؤثر فيما قبله.

و نمنع حينئذ اشتراط طهر كامل بين الدمين مطلقا، بل بين الحيضتين».

هذا كله إذا كانت حيضية الدم السابق مقتضي قاعدة الإمكان، و أما إذا علم بحيضيته وجدانا فالأمر أظهر، لأنه- لو لم يتم ما سبق- يدور الأمر- بعد فرض الإجماع علي نفاسية الدم اللاحق- بين تخصيص عموم أحكام الحيض في الدم السابق و تخصيص عموم تحديد الطهر في المورد، و ليس الأول بأولي من الثاني.

و قد تحصل من جميع ما تقدم: أنه كما لا يعتبر الفصل بين النفاس و الحيض السابق عليه بطهر كذلك لا يعتبر في فرض الفصل بينهما كون الطهر الفاصل عشرة أيام، فيحكم بحيضية الدم الخارج قبل النفاس مع إمكانها، فضلا عما إذا علم بحيضيته.

نعم، لو بدأ ظهور الدم حالة الطلق و المخاض فلا مجال للرجوع في حيضيته

ص: 380

(مسألة 43): إذا تجاوز دمها العشرة من حين الولادة، فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية و قد رأت الدم في تمامها- كأن ولدت في أول العادة و رأت الدم من حين الولادة و استمر حتي تجاوز العشرة- اقتصرت في النفاس علي عادتها (1)،

______________________________

لقاعدة الإمكان، فإن علم بحيضته وجدانا فهو، و إلا كان استحاضة، كما تقدم. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

مسألة 43: إذا تجاوز دمها العشرة من حين الولادة رجعت لعادتها في الحيض

(1) كما في التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و المختلف، حاكيا له فيه عن جميع كتبه، و حكاه في مفتاح الكرامة عمن تأخر عنه، و قال: «و لو ادعي مدع إجماع المتأخرين علي ذلك كان في محله» و في الرياض أنه المشهور. و يقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة الرجوع للعادة التي سبق أنها عمدة الدليل علي تحديد الأكثر بالعشرة و به صرح في الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و محكي البيان و غيرها.

خلافا للمحقق، قال في النافع: «و تعتبر حالها عند انقطاعه فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت، و إلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، و لو رأت بعدها دما فهو استحاضة» و نحوه في المعتبر، بل فيه أيضا: «لا يرجع النفساء مع تجاوز الدم إلي عادتها في النفاس، و لا إلي عادتها في الحيض، و لا إلي عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاسا، و ما زاد استحاضة حتي تستوفي عشرة، و هو أقل الطهر».

و نسب في كلام بعضهم للأصحاب، بل في الخلاف و التهذيب و المعتبر دعوي الإجماع علي نفاسية العشرة، و مقتضي إطلاق معقده عدم الفرق بين انقطاع الدم عليها و تجاوزه عنها من ذات العادة و غيرها.

و لذا قال في محكي الذكري: «الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلي عادتها في الحيض، و الأصحاب يفتون بالعشرة، و بينهما تناف ظاهر. و لعلهم ظفروا

ص: 381

______________________________

بأخبار غيرها … و حينئذ فالرجوع إلي عادتها- كقول الجعفي في الفاخر و ابن طاوس و الفاضل رحمهما اللّه- أولي. و كذا الاستظهار، كما هو هناك.

نعم، قال الشيخ: لا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من النفاس … و الزائد علي العشرة مختلف فيه. فإن صح الإجماع فهو الحجة. و لكن فيه طرح للأخبار الصحيحة أو تأويلها بالتقييد». و كأن نسبته للأصحاب لاقتصارهم علي بيان أكثر النفاس الظاهر في الرجوع إليه مع استمرار الدم، من دون تعرض لحكم ذات العادة.

اللهم إلا أن يبتني اقتصارهم علي بيان الأكثر علي المفروغية حينئذ عن مساواة النفساء للحائض في الوظيفة الواقعية و الظاهرية حينئذ، نظير استدلالهم عليه بالنصوص المتضمنة للرجوع للعادة من دون أن تشير إلي بيان الأكثر.

كما لا يبعد كون ذلك هو مبني دعوي الشيخ الإجماع المتقدم، لسوقه في مساق الأخبار، و مناسبته لما في الاستبصار، حيث ذكر أن نصوص الرجوع للعادة مجمع علي مضمونها، ثم قال: «لأنه لا خلاف في أن أيام الحيض في النفاس معتبرة، و إنما الخلاف فيما زاد علي ذلك.

و لعله لذا كان ظاهر المنتهي ندرة بالقول بالانتظار للعشرة، حيث قال: «لو انقطع الدم لدون العشرة أدخلت قطنة، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت … و إن خرجت ملوثة صبرت إلي النقاء أو يمضي مدة الأكثر، و هي عشرة أيام إن كانت عادتها، و إلا صبرت عادتها خاصة و استظهرت بيوم أو يومين. و كذا البحث لو استمر بها الدم … و بعض المتأخرين غلط هاهنا فتوهم أن مع الاستمرار تصبر عشرة». و كأنه عرض بالمحقق قدّس سرّه.

و كيف كان، فيدل علي الرجوع للعادة الوقتية النصوص الكثيرة المتضمنة لذلك، التي هي عمدة الدليل علي تحديد الأكثر بالعشرة، كما سبق. بل لو فرض تمامية بعض ما يدل علي التحديد بالعشرة غيرها لم يناف ذلك، لأن كون الأكثر عشرة لا

ص: 382

______________________________

يستلزم التحيض بها، و إنما يتحيض بها حينئذ لقاعدة الإمكان أو استصحاب النفاس، و هما محكومان لأمارية العادة المستفادة من النصوص المذكورة فنصوص الرجوع للعادة لا تنافي دليل التحديد المذكور حتي بالعموم و الخصوص.

نعم، قد تضمن جملة من النصوص إضافة الاستظهار لأيام العادة، و منه صحيح يونس المتضمن الاستظهار بعشرة «1» و قد يظهر من المعتبر الاعتماد عليه في مختاره. لكن الاستظهار عنوان خاص غير التعبد بالنفاس يأتي الكلام فيه في المسألة الرابعة و الأربعين إن شاء اللّه تعالي.

ثم إن النصوص المذكورة بين ما عبر فيه بأنها تجلس أيامها التي كانت تجلس فيها أيام حيضها و ما عبر فيه بأنها تجلس قدر أيامها المذكورة. و ظاهر الثاني إرادة العادة العددية، و عليه يحمل الأول، كما يناسبه ما هو المرتكز من عدم التناسب بين وقت الحيض و وقت النفاس، لأن ذات العادة الوقتية كثيرا ما لا تلد في أول أيام عادتها، و حيث لا إشكال في أنها تتنفس بالولادة كان وقت النفاس تابعا لها، و لا تعويل فيه علي العادة الوقتية، بل المعيار علي العادة العددية لا غير، كما هو ظاهر الأصحاب في المقام.

هذا و مقتضي إطلاق المختلف و المنتهي و الإرشاد و اللمعة عدم الفرق في ذلك بين انقطاع الدم علي العشرة و تجاوزه عنها، و هو مقتضي إطلاق النصوص المذكورة.

لكن صرح في القواعد و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك باختصاص ذلك بما إذا تجاوز الدم العشرة، أما مع انقطاعه عليها فالجميع نفاس، و هو ظاهر التذكرة و الدروس و كشف اللثام.

و استدل عليه بحمله علي الحيض، بناء منهم علي ثبوت التفصيل المذكور فيه.

لكن تقدم في الحيض عدم ثبوت هذا التفصيل فيه، كما تقدم هنا عدم ثبوت عموم إلحاق النفاس بالحيض، فلا مخرج عن إطلاق نصوص الرجوع للعادة. فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 383

و الزائد عليه استحاضة (1)، و إن رأته في أثناء العادة الوقتية جعلت ما يساوي عادتها العددية نفاسا (2)، و الباقي استحاضة، كما إذا كانت العادة سبعة في أول الشهر، فولدت في أول الرابع، و رأت الدم حينئذ، فإن نفاسها إلي العاشر الذي هو سابع الولادة، و كذا إذا رأته بعد العادة الوقتية، كما إذا كانت عادتها الخمسة الأولي من الشهر فولدت في أول السادس منه، كان نفاسها الخمسة الثانية لا غير. و إذا لم يمكن الرجوع إلي عادتها العددية، لكون الدم المرئي في العشرة أقل من العشرة، اقتصرت علي المقدار الذي ينتهي بالعشرة (3)، كما إذا ولدت في المثال الأخير أول الشهر و رأت الدم في الثامن، فإن نفاسها يكون ثلاثة أيام لا غير.

(مسألة 44): إذا رأت الدم في عشرة الولادة و استمر حتي تجاوز العشرة من حين الولادة فإن لم تكن ذات عادة لأنها مبتدئة أو مضطربة أو ناسية (4) كان نفاسها تمام العشرة (5).

______________________________

(1) يعني: واقعا، و إن كان عليها ترتيب آثار النفاس عليه ظاهرا عنده قدّس سرّه من باب الاستظهار عند الشك في تجاوز الدم العشرة. و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي في المسألة الرابعة و الأربعين.

(2) لما سبق من أن المعيار في المقام علي العادة العددية دون الوقتية. و منه يظهر الحال فيما بعده.

(3) تقدم الكلام فيه في الدم المنفصل عن الولادة.

(4) يأتي الكلام في الناسية، لخصوصية لها في المقام.

مسألة 44: حكم غير ذات العادة و ذات العادة إذا رأت الدم في عشرة الولادة و استمر حتي تجاوز العشرة من حين الولادة

(5) كما صرح به جماعة، بل الظاهر عدم الإشكال فيه في الجملة، بناء علي أن العشرة هي أكثر النفاس، لمفروغيتهم ظاهرا عن أصالة النفاس- لقاعدة الإمكان أو

ص: 384

______________________________

لاستصحابه- مع عدم المخرج عنها من عادة أو نحوها، نظير الحيض، كما يناسبه اقتصارهم في بيان وظيفة النفساء علي بيان أكثر النفاس، حيث لا يصلح ذلك لبيان وظيفتها لو لم يرجع للأصل المذكور. و حيث كان الابتلاء بالفرع المذكور شايعا كان خفاء حكمه عليهم و خطؤهم فيه بعيدا جدا، بل ممتنعا عادة.

كما ربما يستفاد من نصوص الإرجاع للعادة، لأن الاقتصار في بيان حكم النفساء علي الحكم برجوعها لعادتها في الحيض لو لم يبتن علي المفروغية عن مشاركة النفساء للحائض في الأمد الواقعي و الظاهري حتي في غير ذات العادة لا يكون مستوفيا لحكم أقسامها، بل يكون ناقصا، نظير ما تقدم في وجه استفادة تحديد أكثر النفاس بالعشرة من النصوص المذكورة. فلاحظ ما سبق هناك، لأن له نفعا في المقام.

و هو لا ينافي ما تكرر منا من عدم ثبوت عموم مشاركة النفساء للحائض، لأن ظهور مفروغية الأصحاب و النصوص المذكورة يغني عن العموم المذكور في المقام.

لكن قال في الذكري: «و لو استمر فحكمها حكم الحائض» و في محكي البيان:

«و لو كانت مبتدأة و تجاوز العشرة فالأقرب الرجوع إلي التمييز ثم النساء ثم العشرة، و المضطربة إلي العشرة مع فقد التمييز». كما احتمل في المنتهي و محكي التحرير جلوسها ستة أو سبعة، و إن قرب في الأول بعد ذلك جلوسها ثمانية عشر، كما تقدم نقله عنه عند الكلام في تحديد أكثر النفاس.

و يظهر منهم أن الوجه فيه عموم مشاركة النفساء للحائض، و أن النفاس حيض حقيقة. و هو لو تم اقتضي اعتبار الأمور الثلاثة بنحو الترتيب، و هي التمييز و أقراء النساء و التحيض بالعدد، كما هو ظاهر الذكري، لا خصوص الأولين، كما يظهر من البيان، و لا خصوص الأخير كما هو محتمل المنتهي و محكي التحرير، و هو- كالأخير- مستلزم لعدم تنفسها بالعشرة أصلا مع تجاوز الدم عنها، و هو مما تأباه كلمات الأصحاب جدا، لظهور تحديدهم لأكثر النفاس بالعشرة في تنفس المرأة بها، كما تقدم.

ص: 385

______________________________

و كيف كان، فقد سبق غير مرة أن عموم التنزيل غير ثابت، و غاية الأمر أن يتشبث في ذلك بما تقدم قريبا من أن المستفاد من نصوص الإرجاع للعادة مشاركة النفساء للحائض في الأمد الواقعي و الظاهري حتي في غير ذات العادة.

لكنه يشكل بأن رجوع الحائض للتمييز لما كان لتعيين الوقت و المقدار معا، و كان ذلك متعذرا في النفساء، لعدم الإشكال ظاهرا في نفاسية الدم المتصل بالولادة مطلقا- و إن كان فاقدا للصفات و كان ما بعده واجدا لها- فلا مجال لاستفادة حجية التمييز في النفاس في خصوص المقدار من دليل المشاركة المذكور، لعدم ابتناء دليل حجيته في الحيض علي الانحلال بنحو يمكن التفكيك فيها بين الوقت و المقدار.

و لأجله قد يشكل الرجوع لأقراء النساء و للعدد في النفاس بدليل المشاركة، لأن حجيتهما في الحيض في فرض فقد التمييز الحجة لترتبهما عليه، فلا ينهض دليل المشاركة بإثبات حجيتهما في النفاس- المفروض فيه عدم حجية التمييز رأسا- ابتداء. فتأمل.

هذا كله بناء علي عموم حجية التمييز و أقراء النساء و التحيض بالعدد في الحيض لمستمرة الدم حتي في الدور الأول. كما لعله المعروف بينهم، أما بناء علي ما تقدم منا من عدم حجيته إلا في الدور الثاني و ما بعده، و أنها في أول الدم ترجع لقاعدة الإمكان و تتحيض بعشرة، فالأمر أظهر، إذ ليس في النفاس إلا دور واحد، و هو المتصل بالولادة، فيكون نفاسها عشرة حتي لو بني علي مشاركة النفساء للحائض مطلقا أو في خصوص الأمد الواقعي و الظاهري.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا ينفع في الرجوع لأحد هذه الأمور حمل أيام الأقراء في نصوص المقام علي مطلق الأيام التي يجب التحيض فيها- لعادة أو تمييز أو أقراء النساء أو تحيض بالعدد- لا خصوص أيام العادة. قال في كشف اللثام في تقريب الرجوع لغير العادة مما تقدم: «و يجوز تعميم أيام الأقراء المحكوم بالرجوع إليها لجميع ذلك».

و إليه قد يرجع ما في المنتهي، قال في تقريب احتمال تنفسها بستة أيام أو سبعة:

ص: 386

______________________________

«و لأن قوله عليه السلام: تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض، كما يتناول الماضي يتناول المستقبل. و فيه ضعف». إذ بما ذكرنا يتضح أن الأيام التي يجب التحيض فيها لغير ذات العادة هي العشرة في أول رؤية الدم، و هو الدور الأول له، الذي عرفت اختصاص النفاس به. علي أن حمل أيام الأقراء في النصوص علي مطلق الأيام التي يجب التحيض فيها بعيد جدا، و لذا اعترف في المنتهي بضعفه، بل ليس المفهوم منها إلا أيام العادة.

و أضعف من ذلك الاستدلال للرجوع لأقراء نسائها في كلام غير واحد بموثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك، و استظهرت بمثل ثلثي أيامها ثم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المستحاضة، و إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، و استظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي و تغتسل» «1».

إذ فيه: أنه ظاهر جدا في رجوع النفساء لعادتها أو عادة نسائها في النفاس، لا في الحيض، نظير موثق الخثعمي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النفساء. فقال: كما كانت تكون مع ما مضي من أولادها و ما جربت. قلت: فلم تلد فيما مضي. قال: بين الأربعين إلي الخمسين» «2»، و هو مخالف للنصوص المعول عليها و الفتاوي عدا ما يظهر من صاحب الوسائل، فلا مجال للعمل به في مضمونه، و لا للاستدلال به علي المدعي. و تعذر العمل به في مضمونه لا يصحح حمله علي العادة في الحيض، بنحو يكون دليلا عليه، كما تقدم في الحيض.

علي أنه قد رمي في المعتبر و المنتهي و الروض الموثق بالشذوذ بعد الاستدلال به للمدعي، و في جامع المقاصد أنه لا عمل عليه، كما يناسبه عدم التعرض للرجوع لأقراء النساء و لا لغيره- و هو التمييز و التنفس بالعدد- في كلام الأصحاب، و اقتصارهم علي بيان أكثر النفاس، بنحو يظهر منهم لزوم التنفس بالأكثر، بل ظاهر

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 18.

ص: 387

و إن كانت ذات عادة عددية اقتصرت عليها (1) في أول الدم (2)، فجعلته

______________________________

جملة من الفروع التي ذكروها المفروغية عنه، و قد سبق استبعاد خطئهم في ذلك، بل امتناعه عادة بسبب شيوع الابتلاء به، و إنما لم يكن الرجوع لعادة الحيض منافيا له، لاستدلالهم بنصوصه الظاهر في عملهم بها، بل هو صريح بعض عباراتهم، كما تقدم.

و من هنا لا مجال للخروج عما يظهر منهم من التنفس بالعشرة، مع عدم وجود عادة في الحيض يرجع إليها.

هذا كله مع تجاوز الدم العشرة، و أما مع عدمه فالظاهر عدم الإشكال بينهم في نفاسية المجموع و يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. و الوجه فيه اختصاص أدلة الرجوع للتمييز و عادة نسائها و التحيض بالعدد بالمستحاضة التي يتجاوز دمها العشرة، دون من لم يتجاوز دمها التي هي حائض أو نفساء في تمام المدة بمقتضي قاعدة الإمكان أو الاستصحاب، بل تقدم من بعضهم البناء علي ذلك حتي في ذات العادة، و إن سبق المنع منه.

بقي شي ء: و هو أنه سبق في الحيض عدم حجية العادة المنسية مطلقا حتي في القدر المتيقن منها لو علم بها إجمالا، فمن كانت عادتها مرددة بين الثلاثة أيام و الخمسة تتحيض بمقتضي الوظيفة المتأخرة عن العادة و إن كان أكثر من خمسة، و حيث كان دليل ذلك مختصا بالحيض يتوقف التعدي منه للنفاس علي إحراز مشاركته للحيض مطلقا أو في خصوص المقام، و هو تعيين الأمد ظاهرا كما هو غير بعيد، و لو لاه كان مقتضي إطلاق ما دل علي رجوع ذات العادة إليها هو حجيتها في المتيقن، و الرجوع في المشكوك لقاعدة الإمكان أو الاستصحاب، و لا تتنفس فيما زاد عليه في ضمن العشرة. و الأمر لا يخلو عن إشكال، فيلزم لأجله الاحتياط، و إن كان الأمر قد يهون بسبب تشريع الاستظهار فلاحظ و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) لما تقدم في المسألة السابقة من اقتصار ذات العادة عليها.

(2) لما تقدم فيمن رأت الدم بعد العشرة من أن نصوص الرجوع للعادة بين ما

ص: 388

نفاسا، و ما زاد عليها استحاضة (1)، فإذا كانت عادتها خمسة أيام و قد ولدت في أول الشهر فالدم في الخمسة الأولي نفاس، و الزائد عليه إلي ما بعد العشرة استحاضة، سواء كانت الخمسة الأولي عادة وقتية لها أم لا (2)، إما لكون عادتها الوقتية في الوقت المذكور، أو بعضها في غيره، أو لعدم كونها ذات عادة وقتية.

(مسألة 45): النفساء بحكم الحائض في الاستظهار عند تجاوز الدم أيام العادة (3)،

______________________________

صرح فيه بأن مبدأ العدّ الولادة، و ما هو منصرف لذلك، و أن الدم المتصل بالولادة هو المتيقن من أصالة نفاسية الدم الخارج بعد الولادة.

(1) يعني: واقعا، و إن كان عليها ترتيب آثار الحيض ظاهرا من باب الاستظهار عنده قدّس سرّه علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الرابعة و الأربعين إن شاء اللّه تعالي.

(2) لما تقدم في المسألة السابقة من أنه لا عبرة بالعادة الوقتية في النفاس.

مسألة 45: النفساء بحكم الحائض في الاستظهار عند تجاوز الدم أيام العادة
اشارة

(3) كما في الذكري و المسالك، كما تعرض للاستظهار في المنتهي و جامع المقاصد. و لعل إهماله في كلام أكثر الأصحاب اكتفاء بما صرح به بعضهم و يظهر من آخرين من مشاركة النفساء للحائض في الأحكام، و لا سيما مع استدلالهم بالنصوص المشتملة عليه، و ظهور بعض كلماتهم في العمل بها فيه، و منه ما ذكره المحقق في المعتبر من استدلاله بما تضمن الاستظهار للعشرة علي وجوب التنفس بها حتي لذات العادة.

و كيف كان، فالكلام.. تارة: يقع في حكم الاستظهار.

و أخري: في مقداره.

أما حكمه فظاهر مساق كلمات جملة منهم و صريح بعضها أنه علي نحو

ص: 389

______________________________

الاستظهار في الحيض، فيجري فيه ما سبق من الخلاف فيه. و لذا كان ظاهر سيدنا المصنف قدّس سرّه وجوبه وجوبا ظاهريا طريقيا لاحتمال عدم تجاوز الدم العشرة، فمع تجاوزه عنها ينكشف كون ما زاد علي العادة استحاضة، و مع عدمه ينكشف كون الدم بتمامه نفاسا.

و قد سبق منا عدم تمامية ذلك في الحيض فهو لا يتم هنا، لعين الوجه المذكور هناك. كما لا مجال هنا لما سبق منا هناك من تخصيص الاستظهار بالدور الأول، إذ ليس للنفاس إلا دور واحد قد اختلفت النصوص فيه، فاشتمل أكثرها عليه، و اقتصر علي أيام العادة في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «قال: النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» «1»، و موثق عبد الرحمن بن أعين: «قلت له: إن امرأة عبد الملك ولدت فعدّلها أيام حيضها ثم أمرها فاغتسلت و احتشت و أمرها أن تلبس ثوبين نظيفين، و أمرها بالصلاة. فقالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد، فدعني أقوم خارجا منه و أسجد فيه. فقال: قد أمر بذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم. قال: فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، و أمر علي عليه السلام بهذا قبلكم فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، فما فعلت صاحبتكم؟ قلت: لا أدري». «2»

و ربما يجمع بين الطائفتين بحمل الاستظهار علي الاستحباب، كما نسب للمشهور في الحيض، و قد سبق هناك أن الجمع المذكور تبرعي، لظهور كل من الطائفتين في لزوم العمل علي مقتضاها، و هو جار هنا، و إن زاد الأمر هناك بإباء بعض النصوص عن الجمع المذكور، و لا نظير له هنا.

و لعل الأقرب الجمع بالتخيير، فإن ذلك و إن كان خلاف ظاهر كل من الطائفتين، لظهورها في لزوم ما تضمنته، إلا أنه لا يبعد عرفا بلحاظ اختلاف نصوص الاستظهار في مقداره، الذي تقدم نظيره في الحيض، و تقدم هناك كما يأتي هنا حمله علي التخيير، فإن التخيير في مقداره مع ظهور كل طائفة في لزوم المقدار الذي تضمنته،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 9.

ص: 390

______________________________

مناسب للتخيير في أصله مع الاشتراك بينهما في الدوران بين محذورين، و حيث لا يأبي العرف الحمل عليه و الجمع به بلحاظ ذلك. بل سبق أن ذلك مقتضي الجمع بين النصوص، لقوة ظهورها في عدم وجوبه، و ذلك هو العمدة في البناء علي الاستحباب.

لكنه حيث كان مختصا بالحيض فالتعدي منه للنفاس لا يخلو عن إشكال، و إن كان قريبا، فلا ينبغي ترك الاحتياط.

نعم، لا يبعد استحبابه بلحاظ خصوص الوطء، كما يناسبه موثق مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟

قال: نعم، إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب» «1»، لقوة ظهوره في أن الاستظهار مانع للزوج من الوطء و إن احب، و هو إنما يكون مع مطلوبيته و لو استحبابا.

هذا كله في حكم الاستظهار، و أما مقداره فقد اختلفت نصوصه فيه، فأطلق في صحيح يونس «2» من دون ذكر مقدار له، و قدر بيوم في موثق مالك بن اعين المتقدم، و بيومين في صحيح زرارة «3» و موثقة «4»، و في صحيح يونس الآخر «5» أنها تستظهر بعشرة أيام الذي تقدم حمله علي الاستظهار بإتمام العشرة، و في خبر حمران أنها تستظهر بيومين أو ثلاثة «6».

و الظاهر الجمع بينها بالتخيير عرفا بقرينة ثبوت ذلك في الحيض كما تقدم، فانه يصلح للكشف عرفا عن ابتناء الاستظهار علي التخيير بنحو يتعين في وجه الجمع بين النصوص في النفاس، مؤيدا بالتصريح بالتخيير فيه في خبر حمران المشار إليه. و قد سبق في الحيض أن المستفاد حينئذ التخيير بين اليوم و ما زاد عليه إلي العشرة، لا بين خصوص المراتب التي تضمنتها النصوص، كما تقدم هناك التعرض لبعض الوجوه الأخر في الجمع مع بيان ضعفها. فراجع، فإن المقامين من باب واحد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

ص: 391

و في لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم (1).

و يحرم عليها ما يحرم علي الحائض، و يندب لها ما يندب لها، و يكره لها ما يكره لها (2)

______________________________

(1) كما في النهاية و النافع و المعتبر و المنتهي و التذكرة. و هو مقتضي إطلاق جماعة مشاركة النفساء للحائض في الأحكام، علي ما يأتي، فإن تم الإجماع علي ذلك، و إلا كفي في وجوبه إطلاق بعض نصوصه، و هو موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قلت له: المرأة تري الطهر و تري الصفرة أو الشي ء فلا تدري أ طهرت أم لا؟ قال:

فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلي حائط و ترفع رجلها … » «1»، و مرسل يونس عنه عليه السلام: «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري اطهرت أم لا؟ قال: تقوم قائما و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة … » «2»، فإن موضوعهما الشك في الطهر الحاصل للنفساء أيضا، لا خصوص الطهر من الحيض، كما هو موضوع النصوص الأخر.

مضافا إلي أن عدم جواز ترتيب أحكام الطهر. بمجرد انقطاع الدم عن الخروج للظاهر مقتضي استصحاب النفاس، أو استصحاب خروج الدم- بناء علي ما هو الظاهر من جريانه في التدريجات فتأمل- أو استصحاب الحدث و عدم الطهارة بعد الغسل. و عدم جواز ترتيب أثار النفاس مقتضي المرتكزات المتشرعية و العرفية علي ما تقدم تقريبه هناك بنحو قد يجري هنا.

نعم، تقدم هناك أن مقتضي بعض النصوص «3» عدم وجوب الاختبار ليلا، و بعضها شامل للنفاس. كما تقدم الكلام في كيفية الاختبار و في فروع ذلك بنحو يجري في المقام. فراجع.

يتعلق بالنفاس جميع ما يتعلق بالحيض علي السواء من المحرمات و المكروهات
اشارة

(2) قال في المبسوط: «و يتعلق بالنفاس جميع ما يتعلق بالحيض علي السواء من المحرمات و المكروهات، و نحوه في الشرائع و النافع و المعتبر و المراسم و الوسيلة و محكي

______________________________

(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 19 من أبواب الحيض.

ص: 392

______________________________

الجمل، و في المعتبر: «و هو مذهب أهل العلم لا أعلم فيه خلافا» و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب»، و زاد في التذكرة عدم الخلاف في كفارة وطئها، و قال: «و لا نعلم في ذلك خلافا» كما زاد في جامع المقاصد الاشتراك في المندوبات.

بل عمم مشاركتها لها في جميع الأحكام في الاقتصاد و إشارة السبق و الغنية و السرائر و القواعد و الإرشاد و اللمعة، مدعيا في الغنية الإجماع عليه، و في السرائر عدم الخلاف فيه. و في المسالك أنه قول الأصحاب، و في المنتهي: «و حكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها و يكره و يباح و يسقط عنها من الواجبات و يستحب، و تحريم وطئها و جواز الاستمتاع بما دون الفرج لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، و إنما يتفاوتان في أقل أيامه، فلا حدّ له هاهنا، و في أكثره علي رأي، و بانقضاء العدة، فإن الحيض علة بخلاف النفاس، إذ المقتضي للخروج من العدة إنما هو الوضع، و بالدلالة علي البلوغ، فإنه يحصل بالحيض دونه، لحصوله بالحمل قبله».

و زاد بعضهم في المستثنيات عدم الرجوع لعادتها في النفاس، و لا لعادة نسائها فيه و في الحيض، و لا للتمييز، و عدم التحيض بالعدد، و عدم اعتبار الفصل بأقل الطهر بين النفاسين، و الخلاف في اعتبار الفصل به بين الحيض و النفاس.

و لعل إهمال هذه المستثنيات في كلام بعض من أطلق الاشتراك في الأحكام لأن مراده بها خصوص الأحكام اللاحقة للحيض و المترتبة عليه، دون ما يرجع إلي تحديده أو تشخيصه، كالرجوع لأقراء النساء و اعتبار الفصل بأقل الطهر، و إنما لم يستثنوا الدلالة علي البلوغ و الخروج عن العدة به لعدم الموضوع لهما فيه، بسبب استنادهما لما هو أسبق منه. و لذا نبه بعضهم علي إنه قد يستند الخروج عن العدة نادرا كما في النفاس من الزنا، لأنه بحكم القرء الذي يستند إليه الخروج من العدة.

نعم، حمل الأحكام علي ما ذكرنا لا يناسب استثناء عدم الحد للأقل في كلام بعضهم، بل هو مناسب لإرادتهم الاشتراك في جميع الجهات.

فلا بد أن يكون عدم استثنائهم بقية الأمور المتقدمة لوضوح حالها، أو للغفلة عنها.

ص: 393

______________________________

و من هنا لا مجال لدعوي الإجماع الحجة علي المشاركة في جميع الأحكام حتي الراجعة لتحديد الحيض و تشخيصه، و لا سيما مع ما هو المعلوم من طريقتهم من الرجوع في تحديد النفاس و تشخيصه لظاهر أدلته الخاصة التي قد تقتضي المشاركة و قد لا تقتضيها.

و لو فرض البناء فيها علي المشاركة فليس هو لكون المشاركة بنفسها موردا لإجماع تعبدي حجة في قبال الأدلة الأخر، بل مقدم عليها، بل لكون دليل الحكم مقتضيا لها و هو المتبع فيها. و لو فرض تحقق الإجماع عليها فهو راجع إلي ثبوت الإجماع علي الحكم نفسه في النفاس لا إلي الإجماع علي عنوان المشاركة.

بل غاية ما يدعي هو الإجماع علي المشاركة في خصوص الأحكام اللاحقة للحيض بعد الفراغ عن تحديده و تشخيصه، كما يظهر منهم الجري علي ذلك في كثير من الموارد مع عدم ظهور دليل عليها غير الإجماع المذكور علي أنه قد يشكل تحصيل الإجماع التعبدي الحجة علي ذلك. لبعد اطلاعهم علي دليل تعبدي يتضمن عموم التنزيل قد خفي علينا، و عدم وضوح جهة ارتكازية تقتضي ذلك أدركها المدعون للمشاركة أو للإجماع عليها، و عدم كون جميع الأحكام شايعة الابتلاء و موردا لسيرة عملية استندوا إليها في الدعويين المذكورتين ليحرز بذلك رأي المعصوم عليه السلام الذي هو المعيار في حجية الإجماع.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن المتيقن من الإجماع هو المساواة في أحكام الحائض كحرمة الصلاة و الصوم و قراءة العزائم و كراهة قراءة القرآن، لأن ذلك هو المستفاد من مثل قوله في الشرائع: «و يحرم علي النفساء ما يحرم علي الحائض، و كذا ما يكره»، دون أحكام نفس الحيض مما يمكن أن يرجع للحائض بنحو العناية، كتحريم وطئها و وجوب الكفارة به و كراهة سؤرها.

ففيه: أن ذلك لا يناسب اقتصارهم في بيان أحكام النفاس علي مثل البيان المذكور، مع ما هو المعلوم من بنائهم علي حرمة الوطء و نحوها، فلا بد من كون

ص: 394

______________________________

مرادهم المشاركة في مطلق أحكام الحيض التحريمية و التنزيهية، كما هو ظاهر عبارة المبسوط المتقدمة أو مطلق أحكامه و لو كانت وضعية، كما هو ظاهر غيرها.

فالعمدة ما عرفت من عدم وضوح الإجماع التعبدي الحجة، لا في مطلق الأحكام اللاحقة للحيض، و لا في خصوص الأحكام التكليفية منها.

هذا، و قد سبق عند الكلام في أكثر النفاس أنه لا مجال لدعوي عموم جريان أحكام الحيض في النفاس لأنه من أفراده حقيقة أو تنزيلا. كما لا مجال للاستدلال عليه بما في صحيح زرارة بعد الحكم برجوع النفساء لعادتها ثم الاستظهار ثم القيام بوظيفة المستحاضة من قوله: «قلت: و الحائض؟ قال: مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم، و إلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء» «1». لما أشرنا إليه هناك من أنه ظاهر في مساواة الحائض للنفساء في الحكم المذكور في الصحيح، لا مطلقا.

و لو سلم ظهوره في عموم المساواة فمقتضي مساواة الحائض للنفساء ثبوت أحكام النفساء للحائض، دون العكس الذي هو المطلوب، بل هو موقوف إما علي التعبير بمساواة النفساء للحائض، أو بالتساوي بينهما.

و دعوي: أنه لو لم يثبت حكم الحائض للنفساء لم تكن الحائض مثل النفساء بل تزيد عليها. مدفوعة بأن الحكم بأن الحائض مثل النفساء مسوق عرفا لنفي نقص الحائض عن النفساء في الحكم، لا لنفي زيادتها عليه فيه. فينحصر وجه استفادة مشاركة النفساء بالإجماع الذي عرفت حاله.

نعم، لا ينبغي التأمل بعد النظر في كلمات الأصحاب و النصوص في المفروغية عن نحو من المشاركة بين النفساء و الحائض، لا بمعني ثبوت بعض الأحكام لهما معا، بل بمعني الاكتفاء في إثبات الحكم للنفساء بثبوته في الحائض. كما يناسبه أن الأدلة لم ترد- غالبا، بل دائما- لبيان تشريع أحكام النفساء، كما وردت في أحكام الحائض، بل أحكام النفساء بين ما لم يرد فيه نص أصلا، و إنما استفيد من الإجماع أو العمومات،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

ص: 395

______________________________

و ما ورد فيه النص تبعا لبيان حكم آخر، كتحديد النفاس أو غيره، بنحو يظهر في المفروغية عن ثبوت الحكم في النفاس من دون أن يتصدي فيه لبيانه، كما أن النصوص في النفاس لم ترد لبيان خصوصيات أحكامه و فروعها الخفية، كما وردت في الحيض، فلولا المفروغية عن مشاركة النفساء للحائض في الأحكام بنحو يستغني عن إثباتها لها بثبوتها فيها لم يكن وجه للمفروغية عن ثبوت الحكم في النفاس مع عدم تصدي الأدلة لتشريعه فيه، و لا لإهمال التعرض لفروعه و خصوصياته مع شدة الحاجة لبيانها.

لكن المتيقن من ذلك الأحكام الثابتة للحيض من حيثية حدثيته و خبثيته و استقذاره، لأنها جهة ارتكازية يقرب ابتناء مفروغية الأصحاب عن المشاركة في الأحكام- تبعا لما يستفاد من النصوص بالتقريب المتقدم- علي إدراكهم مشاركة النفاس للحيض فيها و لو بمعونة المرتكزات و السيرة المأخوذة يدا بيد متصلة بعصور المعصومين عليهم السلام. و لا ينافيه قصور عبارتهم عن التحديد بذلك، لقرب غفلتهم عن هذه الجهة تفصيلا، و إن كانت مدركة لهم إجمالا. فالبناء علي المشاركة بالوجه المذكور قريب جدا. و استفادة المشاركة فيما زاد علي ذلك في غاية الإشكال، لابتنائه علي أمر تعبدي محض غير ارتكازي يبعد اطلاعهم عليه و خفاؤه علينا، و لا أقلّ من كونه خلاف المتيقن بلحاظ ما تقدم. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم بحقائق الأحكام، و منه نستمد العون و التسديد.

و من هنا كان المناسب النظر في كل حكم من أحكام الحيض، و في نهوض الأدلة بإثباته للنفساء.
الأول: تحريم العبادات المشروطة بالطهارة،

و يقتضيه- مضافا إلي كونه متيقنا من معقد الاجماع علي مشاركتها للحائض في الأحكام، لأنه من أظهر الأحكام التي هي مورد الابتلاء و يمتنع الخطأ معه عادة، و إن لم ينهض الإجماع بإثبات عموم المساواة في مطلق الأحكام أو خصوص ما ثبت من الحيثية المتقدمة، و إلي كونه مقتضي عموم شرطية الطهارة فيها، و عموم تحريم الصلاة حال الحدث، الذي تقدم في الحيض

ص: 396

______________________________

تقريب دلالته علي الحرمة الذاتية- ما ورد في نصوص تحديد مبدأ النفاس «1» و منتهاه «2» من ترك النفساء للصلاة و موثق عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: «سألته عن النفساء تضع في شهر رمضان بعد صلاة العصر أ تتم ذلك اليوم أو تفطر؟ فقال:

تفطر ثم لتقض ذلك اليوم» «3»، و قد يشعر بالمفروغية عن عدم مشروعية الصوم لها صحيح ابن مهزيار «4» المتقدم في صوم المستحاضة.

هذا، و الموثق صريح في وجوب قضاء الصوم عليها، و حديث زريق [رزيق] المتقدم في مبدأ النفاس ظاهر في عدم وجوب قضاء الصلاة عليها، لقوله فيه: «قلت فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض. قال: تصلي حتي يخرج رأس الصبي، فاذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة. و كل ما تركته في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة و الجهد قضته إذا خرجت من نفاسها … » «5».

فإن التنبيه علي قضاء ما يفوتها حال الطلق ظاهر في عدم وجوب قضاء ما يفوتها حال النفاس، و أن التكليف بالقضاء يدور مدار التكليف بالاداء.

و أما بقية فروع حرمة العبادات المشروطة بالطهارة حال النفاس مع وجوب قضائها أو عدمه بعده، فإن تم مشاركة النفساء للحائض في الأحكام الثابتة لها من الحيثية المتقدمة- كما قربناه- أو مطلقا، فهو، و إلا لزم الرجوع لما تقتضيه الأدلة الأخر أو الأصول مما يظهر بالتأمل، و لا يسع المقام تفصيل الكلام فيه، بل قد يظهر بعضه مما تقدم في الحيض.

الثاني: تحريم وطئها.

و يقتضيه- بعد كونه متيقنا من معقد الإجماع علي مشاركتها للحائض بالوجه الذي تقدم في سابقه- موثق مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17 و باب: 4 من أبواب النفاس.

(2) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب النفاس حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17.

ص: 397

______________________________

عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال: نعم، إذا مضي لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أحب» «1».

و مقتضاه و إن كان هو الحرمة حتي بعد الطهر من النفاس قبل الغسل، إلا أنه يتعين رفع اليد عنه و حمله علي الكراهة لما ورد في الحيض. بناء علي ما سبق من تقريب مشاركتها للحائض بالوجه المتقدم، لظهور أن ثبوت الحكم للحائض من حيثية الحدث.

و أما ما يظهر من الوسائل من الاستدلال له بموثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» «2». فكأنه مبني علي المفروغية عن مشاركتها للحائض، و إلا فالحديث قد حذف منه السؤال بسبب تقطيع الروايات، و مقتضي ذكر الشيخ له في أبواب الحيض كون السؤال فيه عن الحائض، و لا أقل من إجماله، إذ لا مجال للبناء علي إطلاقه بعد ثبوت النقص فيه.

علي أنه لو فرض إطلاقه فمقتضي موثق مالك رفع اليد عنه في النفاس و العمل به في الحيض، لو غض النظر عن مشاركة النفساء للحائض، بحيث يكون الدليل علي الترخيص في الحيض دليلا عليه في النفاس.

هذا، و عن بعض مشايخنا الاستدلال علي الجواز بالسيرة القطعية علي نكاح الكتابيات و المخالفات مع أنهن لا يغتسلن من النفاس أو يغتسلن غسلا باطلا. و هو موقوف علي التعدي عن مورد السيرة لمورد الموثق الظاهر في فرض مشروعية الغسل و صحته من المرأة. و لازمه كراهة مناكحة المخالفات و الكتابيات من الحيثية المذكورة، لما دل علي كراهة الوطء قبل الغسل بعد فرض عدم الفرق بين من يشرع منها الغسل و يصح و غيرها.

نعم، قد يستشكل في دلالة موثق مالك بن أعين علي الحرمة بأن المفروض فيه

______________________________

(1) الوسائل باب: 7 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب النفاس حديث: 2.

ص: 398

______________________________

استمرار الدم بعد مضي قدر العادة و الاستظهار، و لعل الأمر بالغسل من جهته، نظير ما ورد في المستحاضة، فيلحقه ما تقدم فيها. فتأمل جيدا.

هذا، و قد تقدم في الحيض الكلام في فروع حرمة الوطء، و جريانه في النفاس يبتني علي تمامية مشاركته للحيض، نظير ما تقدم في حرمة العبادات. و منه يظهر الحال في وجوب الكفارة بوطئها، الذي تقدم من التذكرة التنصيص علي عموم المساواة للخلاف المتقدم فيه، ثم قوله: «و لا نعلم في ذلك خلافا» كما هو ظاهر غيره أيضا، فإنه حيث كان من لواحق حرمة الوطء الثابت للحيض من حيثية الأذي و القذر يدخل في موضوع المساواة التي تقدم تقريبها.

و من الغريب تمسك سيدنا المصنف قدّس سرّه بأصالة المساواة فيه مع ما سبق منه من أن المتيقن من معقد الاجماع المساواة في أحكام الحائض، دون أحكام الحيض و إن رجعت للحائض بنحو من العناية. و قد تقدم في الحيض التعرض لبعض الفروع المترتبة علي ثبوت الحكم المذكور في النفاس. فراجع.

الثالث: تحريم دخولها للمساجد.

و العمدة فيه: أنه متيقن من الإجماع علي مشاركتها للحائض في الأحكام، لشيوع الابتلاء به، نظير ما تقدم في سابقيه.

مضافا إلي ظهور المفروغية عنه من موثق عبد الرحمن بن أعين: «قلت له: إن امرأة عبد الملك ولدت فعدّ لها أيام حيضها، ثم أمرها فاغتسلت … فقالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد … فقال: قد أمر بذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم … » «1»، لأن عدم طيب نفس المرأة بدخول المسجد بعد مضي عدة النفاس الشرعية إنما هو لكون استمرار الدم بعد ذلك يشبه النفاس أو يحتمله، و هو يناسب المفروغية عن عدم دخول المسجد حال النفاس، و ظاهر الجواب الإقرار علي ذلك، و إن تضمن الردع عن التوقف بعد مضي عدة النفاس.

و أما ما ورد في قصة أسماء بنت عميس من عدم طوافها بالبيت في نفاسها،

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 9.

ص: 399

______________________________

فلعله لتوقف الطواف علي الطهارة، لا لحرمة دخول المسجد. و الكلام في فروع ذلك مبني علي مساواتها للحائض في الأحكام مطلقا، أو في خصوص ما ثبت لها من الحيثية المتقدمة، لظهور أن الحكم المذكور من ذلك.

الرابع: تحريم قراءة العزائم.

و الكلام فيه يبتني علي ثبوت المساواة للحائض مطلقا أو في خصوص ما ثبت من الحيثية المتقدمة، لظهور أن الحكم المذكور من ذلك.

و نظيره في ذلك كراهة قراءة غيرها من القرآن لو تمت في الحائض.

و أما الاستدلال علي الحكمين المذكورين بالإجماع و إن لم تثبت به المساواة، للتقريب المتقدم في سوابقه، فلا يخلو عن إشكال، لعدم شيوع الابتلاء بقراءة العزائم، ليمتنع الخطأ فيها عادة. و كراهة قراءة القرآن حيث لم تكن حكما إلزاميا فقد يتسامحون في دليلها.

الخامس: تحريم مس كتابة القرآن المجيد.

و حيث تقدم أنه لا دليل عليه في الحيض إلا عموم مانعية الحدث اتجه عمومه للنفساء. و مثله في ذلك كراهة تعليقه علي ما تقدم في الحيض.

و أما حرمة مس الاسم الشريف فقد سبق في الحيض أن دليلها- لو تم- وارد في الجنب. و لو تم التعدي منه للحائض تعين التعدي للنفساء، لاتحاد الوجه فيهما.

فراجع أول الفصل السابع من مباحث الحيض.

السادس: كراهة سؤرها علي ما تقدم في الأسآر.

و الظاهر أن جريانها في النفساء مبني علي عموم مساواتها للحائض في جميع الأحكام أو في خصوص ما ثبت من الحيثية المتقدمة، حيث لا يبعد كون ثبوت الحكم المذكور للحائض من الحيثية المذكورة.

و إن كان قد يتأمل فيه و يحتمل كونه لخصوصيتها البدنية، دون الاستقذار. فتأمل.

السابع: كراهة الخضاب.

و الظاهر أن جريانها في النفساء مبني علي عموم المساواة لجميع الأحكام، أما بناء علي ما ذكرنا من اختصاصه بما ثبت من الحيثية الخاصة فلا مجال للبناء عليه، لعدم الدليل علي دخلها في ثبوتها للحائض، بل صريح

ص: 400

و تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة (1)، و لا يصح طلاقها (2)،

______________________________

بعض نصوصه أن عليته خوف الشيطان «1».

و يشهد بعدم مشاركة النفساء لها في ذلك المرسل عن مكارم الأخلاق عن أبي اللّه عليه السلام: «قال: لا تختضب و أنت جنب، و لا تجنب و أنت مختضب، و لا الطامث، فإن الشيطان يحضرها عند ذلك. و لا بأس به للنفساء» «2»، و في مرسله الآخر عنه عليه السلام:

«قال: تختضب النفساء» «3»، من دون نص بالنهي كما ورد في الحائض.

الثامن: كراهة حضورها عند الميت حال النزع

علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و لا يبعد ثبوت الحكم المذكور لها من الحيثية المتقدمة، كما يناسبه تعليله في بعض نصوصه بأن الملائكة تتأذي بذلك، و تعميمه في بعضها للجنب «4»، فيدخل في موضوع المساواة التي تقدم تقريبها. فلاحظ.

التاسع: استحباب الذكر لها في أوقات الصلاة.

و الكلام فيه كما في كراهة الخضاب، لأن ثبوته للحائض ليس من الحيثية المذكورة، بل للبدلية عن الصلاة، و من المحتمل عدم مشاركة النفساء لها في ذلك، لأن الابتلاء بالنفاس أقل من الابتلاء بالحيض في غالب النساء، و لأن النفساء مجهدة كالمريضة بنحو يناسب التخفيف عنها حتي في المستحبات و المكروهات. و ربما كانت هناك أحكام أخر يظهر حالها مما تقدم.

فلتلحظ.

تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة و لا يصح طلاقها

(1) تقدم الكلام فيه عند التعرض لحرمة العبادات المشروطة بالطهارة عليها.

(2) لا يخفي أن ثبوت الحكم المذكور للحيض تعبدي، و لا قرينة علي كونه من الحيثية المتقدمه التي سبق أنها مورد المساواة الارتكازية، إلا أن الإجماع المدعي في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة، و باب: 42 من أبواب الحيض

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 13.

(4) راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار.

ص: 401

إلي غير ذلك من أحكام الحائض (1).

______________________________

كلماتهم كاف في إثبات مانعية النفاس من الطلاق، و إن لم تثبت به المساواة بعنوانها، لأن شيوع الابتلاء بالحكم مانع من الخطأ فيه عادة. فتأمل. علي أن النصوص وافية به، إذ يقتضيه- مضافا إلي إطلاق ما تضمن اعتبار وقوعه حال الطهر «1» - صحيح جماعة من الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنهما قالا: «إذا طلق الرجل في دم نفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقه إياها بطلاق» «2» و غيره.

و مثله الظهار في دعوي الإجماع، و في النصوص المتضمنة اعتبار الوقوع حال الطهر «3». و في مرسل الصدوق و ابن فضال عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يكون الظهار إلا علي مثل موضع الطلاق» «4» و ظاهرهم المفروغية عن العمل بمضمونه. و يجري هنا ما تقدم في الحيض من المستثنيات و بعض الفروع المتقدمة، لأن الأدلة فيهما علي نحو واحد. فراجع.

(1) كوجوب الغسل عليها، و كيفيته، و حكمه. أما وجوب الغسل فلا كلام فيه. و يدل عليه من النصوص موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و غسل النفساء واجب» «5» و ما ورد في بيان حدّ النفاس.

نعم، في خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سمعته يقول: ليس علي النفساء غسل في السفر» «6». و قد حمله الشيخ قدّس سرّه علي ما إذا تعذر الغسل عليها، لعدم الماء أو لمحذور في استعماله. و هو- كما تري- مخالف لظاهره، لقوة ظهوره في خصوصية السفر، و إن كان غلبة صعوبة الغسل ارتكازا هو الحكمة في الحكم. لكن

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 8، 9 من أبواب مقدمات الطلاق و شروطه.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمات الطلاق و شروطه حديث: 5.

(3) راجع الوسائل باب: 2 من كتاب الظهار.

(4) الوسائل باب: 2 من كتاب الظهار حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 402

______________________________

قد يتعين ما ذكره قدّس سرّه بلحاظ ظهور عدم العامل به علي إطلاقه، و لا سيما عن بعض نسخ التهذيب المخطوطة: (النساء) بدل (النفساء) و في المنتهي أنه مخالف للإجماع.

و يشهد به إهمالهم التعرض للحكم المذكور مع شدة الحاجة لبيانه، لشيوع الابتلاء بمورده، فيمتنع عادة الخطأ في ذلك. مضافا إلي قوة ظهور نصوص قصة أسماء بنت عميس في وجوب الغسل عليها في السفر. و احتمال كونه من حيثية الاستحاضة إن تم يقتضي وجوب غسل النفاس بالأولوية العرفية. فتأمل جيدا. و الأمر سهل بعد ضعف سند الخبر.

و أما كيفية الغسل فالظاهر عدم الإشكال بينهم في أنه كغسل الحيض الذي هو كغسل الجنابة نصا و فتوي، و به صرح جماعة مرسلين له إرسال المسلمات، كما هو داخل في معاقد الإجماع المتقدم علي المساواة. و هو المناسب لعدم التعرض لكيفيته في النصوص، إذ لو لا المفروغية عن كونه كغسل الجنابة و الحيض لاحتيج للسؤال عنه و عن غيره من الأغسال، و لا سيما بناء علي دلالة النصوص علي اعتبار الترتيب في غسلهما علي خلاف مقتضي الإطلاق، حيث يكون ذلك مثارا للسؤال عن غيرهما. بل ذلك هو المناسب للتداخل بين الأغسال.

بل عدم التعرض في نصوصه لكيفية الغسل المجزي عن الغسلين أو الأغسال يشهد بالمفروغية عن ذلك أيضا، كما ذكرناه في مبحث غسل الحيض. و من ثم كان المفهوم من نصوص غسلي الجنابة و الحيض بيان كيفية جميع الأغسال المشروعة، و إنما خص البيان بهما لأهميتهما و كثرة الابتلاء بهما و علي ذلك جري الأصحاب في جميع الأغسال حتي المستحبة.

و أما حكم الغسل فليس مورد الكلام فيه إلا إجزاؤه عن بقية الأغسال و عن الوضوء و انتقاضه بالحدث الأصغر في أثنائه. و يظهر الحال في الأول مما تقدم في المسألة الثالثة و السبعين من مباحث الوضوء، و في الأخيرين مما تقدم في غسل الحيض، لأن الأدلة بالإضافة إليهما علي نهج واحد.

ص: 403

مسألة 46: شروط الحيض المتأخر عن النفاس

(مسألة 46): إذا استمر الدم بعد العشرة شهرا أو أكثر أو أقل، فإن كانت لها عادة بينها و بين النفاس عشرة أيام (1) كان حيضا في أيام العادة

______________________________

(1) ظاهره المفروغية عن اعتبار الفصل بين النفاس و الحيض للتأخر عنه بعشرة أيام، كما صرح به في المبسوط و السرائر و المعتبر و المنتهي و التذكرة و غيرها، بل ظاهر غير واحد المفروغية عنه، و في الخلاف أنه لا خلاف فيه. لكن الذي يظهر من إطلاق جامع المقاصد- أن النفاس يفترق عن الحيض بوجود القول بعدم اعتبار الفصل بين الحيض و النفاس بطهر- وجود الخلاف في ذلك، بل صرح في الروض بتعميم القول المذكور للحيض المتأخر، بل تقدم منه دعوي عدم القول بالفصل بينه و بين الحيض المتقدم الذي سبق وجود الخلاف فيه.

نعم، لم يعرف القول بعدم اعتبار الفصل بين النفاس و الحيض المتأخر و لم ينسب لأحد، كما سبق منع عدم الفصل بينه و بين المتقدم، و تصريح المنتهي بالفرق بينهما.

و كيف كان، فقد استدل علي اعتبار الفصل المذكور في المبسوط و الخلاف و غيرهما بما تضمن أن أقل الطهر عشرة أيام. و يظهر ضعفه مما تقدم في التوأمين، و في الدم السابق علي الولادة.

نعم، يمكن الاستدلال علي لزوم الفصل بين النفاس و الحيض اللاحق له بالنصوص المتضمنة أن المراة مع استمرار دمها بعد أيام النفاس الشرعي تعمل عمل المستحاضة، لعمومه لما إذا صادف ذلك عادتها أو كان بصفات الحيض، فضلا عما إذا لم يكن كذلك.

مضافا إلي صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأول عليه السلام: «في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما ثم طهرت ثم رأت الدم بعد ذلك. قال: تدع الصلاة، لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس» «1»، فإنه لو لا المفروغية عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 1.

ص: 404

______________________________

لزوم الفصل بين النفاس و الحيض المتأخر بطهر لم يحتج للتعليل المذكور.

و دعوي: أن مقتضي فرض السائل أنها تركت الصلاة ثلاثين يوما كون نفاسها تمام الثلاثين، و حيث لم يردع الإمام عليه السلام عن ذلك فلا بد من تنزيل التعليل علي كون أيام النفاس نفسها طهرا، بأن لا يراد بالطهر ما يقابل الحيض و النفاس معا، بل ما يقابل الحيض وحده، فيدل علي الاكتفاء بالفصل بأيام النفاس، لا لزوم الفصل بين النفاس و الحيض بالطهر منهما معا، غايته أنه يبتني علي فرض كون النفاس ثلاثين يوما، و عدم العمل به في ذلك مستلزم لسقوطه عن مقام الاستدلال، لا الاستدلال به علي لزوم الفصل بين النفاس المحدد بما سبق و الحيض بطهر، كما هو المدعي.

مدفوعة بأنه لم يفرض في السؤال سبق الحيض منها، ليكون المراد الفصل بين الحيضتين بطهر و يمكن حمل الطهر علي حال عدم الحيض و لو قارن النفاس، بل ظاهر فرض النفاس في السؤال كون المراد الفصل بينه و بين الحيض و كون المراد بالطهر الطهر منهما، فيلزم تنزيل الجواب علي أن النفاس الشرعي ليس هو تمام الثلاثين، بل ما دونهما مما يتحقق معه الفصل بالطهر بينه و بين الحيض و إن قارن الدم الزائد عليه الذي جلست فيه المرأة لتخيل نفاسيته. و بذلك يستفاد الردع عما تخيلته المرأة و عملت عليه في النفاس. و لعل عدم التصريح به للمفروغية عن عدم مشروعية جلوسها المدة المذكورة بين الإمام عليه السلام و السائل، أو للتقية، أو لغيرهما.

و أما قدر الطهر بعد المفروغية عن لزوم الفصل به فالظاهر عدم الإشكال في لزوم بلوغه العشرة أيام، و قد يستفاد من الصحيح، بضميمة أن المرتكز كون لزوم الفصل بالطهر لاحتياج الحيض لتجمع الدم بعد نفاده بالنفاس، لاتحادهما سنخا، فيراد بالطهر في الصحيح الطهر المعود الذي لا بد منه قبل الحيض، الذي لا يكون دون العشرة.

و بعبارة أخري: المرتكز أن اعتبار الطهر لأجل ما بعده، و حيث كان ما بعده في المقام هو الحيض كان المناسب اعتبار الطهر المعتبر فيه، و أقله عشرة أيام. فلاحظ.

ص: 405

و استحاضة في غيرها (1).

______________________________

(1) قال في المعتبر: «لا ترجع النفساء مع تجاوز دمها إلي عادتها في النفاس …

بل تجعل عشرة نفاسا، و ما زاد استحاضة حتي يستوفي عشرة، و هو أقل الطهر» و ظاهر ذيل كلامه أن لزوم البناء علي الاستحاضة في الزائد علي العشرة الأولي مختص بالعشرة الثانية، تحقيقا لأقل الطهر، ثم لا ملزم بالبناء علي الاستحاضة، بل ترجع إلي ما تقتضيه القاعدة في حيضية الدم في العشرة الثالثة، علي ما ورد في مستمرة الدم، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن قال في الروض: «و إن كانت ذات عادة جعلت بقدر عادتها في الحيض من الدم نفاسا، و الباقي استحاضة إلي تمام طهرها المعتاد، ثم ما بعده حيضا». و قريب منه في محكي نهاية الأحكام. و ظاهرهما استيفاء قدر الطهر المعتاد، بحيث تنقلب عادتها الوقتية تبعا للنفاس و لو في الدور الأول من الحيض، فإذا كانت عادتها في الحيض سبعة من أول الشهر فولدت في الحادي عشر من الشهر تنفست بسبعة، تم عملت عمل المستحاضة ثلاثة و عشرين يوما- بقدر طهرها المعتاد- و يكون حيضها السبعة من أول العشرة الثانية من الشهر الثاني.

و ما استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن مرادهما استيفاء وقت طهرها و إن لم تستكمل مقداره، فتعمل عمل المستحاضة في الغرض المتقدم ثلاثة عشر يوما، و مرجعه إلي التحيض بوقتها المعتاد- كما في المتن- مخالف لظاهر كلامهما جدا. و لا سيما مع ما في الروض من أن نفاس المبتدئة و المضطربة عشرة، ثم تجعلان ما بعدها استحاضة حتي يمضي شهر من الولادة، و يرجعان في الشهر الثاني لوظيفة مستمرة الدم. فإن المناسب لذلك بناؤه علي عدم التحيض حتي للمعتادة إلا في الشهر الثاني.

و ما استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من تفصيله في ذلك بين المعتادة و غيرها بعيد. و لعله لذا جعل في الجواهر المسألة ذات قولين من دون إشارة للتفصيل المذكور.

قال قدّس سرّه: «ثم إذا استمر الدم في النفساء و جلست الأيام الموظفة لها فهل يعتبر بالنسبة

ص: 406

______________________________

إلي ما عليها من أحكام مستمرة الدم فصل أقل الطهر فحسب ثم ينتقل إلي تعرف حال دمها، أو مضي شهر؟ يظهر من الأصحاب- كالمصنف في المعتبر- الأول. و يحتمل الثاني. و يظهر وجهه مما تقدم لنا في المباحث السابقة في الحيض».

هذا، و مبني القولين علي شمول أدلة وظائف مستمرة الدم للمقام، و إنما الخلاف في أن مقتضي أدلتها إعمالها بمجرد الإمكان- بمضي أقل الطهر- أو بعد مضي شهر من الولادة.

لكن قد يستشكل في ذلك، لعدم الإطلاق في نصوص الوظائف المذكورة لكل من استمر بها الدم بنحو يحتمل كونه حيضا، لاختصاص بعضها بمن استمر بها الدم بعد الحيض، و ظهور ما تضمن منها أخذ عنوان المستحاضة فيمن اختلط حيضها بطهرها أو استمر دمها بعد الحيض، دون من حكم علي دمها في زمان ما بأنه دم استحاضة- كما في المقام- و ظهور ما تضمن أخذ استمرار الدم في الموضوع في إرادة الاستمرار المثير لاحتمال الحيض لتوقعه عرفا من المرأة، فينصرف عمن يستمر دمها بعد النفاس، لما هو المرتكز و لو بسبب العادة من استناد الدم للولادة، فإن لم يكن نفاسا فهو دم علة و استحاضة مسببة عنها، و الحكم بحيضيته لو تم تعبد شرعي لا يناسب المرتكز المذكور، و لا سيما مع ما تقدم من قصور قاعدة الإمكان عن إثبات الحيضية في الدم المستمر إذا لم يكن حيضا حين حدوثه.

و لعله لذا اعترف سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن مورد نصوص مستمرة الدم غير المسبوقة بالنفاس. غاية الأمر أنه استظهر عموم الحكم لها لإلغاء الخصوصية المذكورة عرفا، و لا سيما بملاحظة قوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم سن في الحيض ثلاث سنن بيّن فيها كل مشكل لمن سمعها و فهمها حتي لا [لم] يدع لأحد مقالا فيه بالرأي» «1» حيث يستفاد منه استقصاء أقسام مستمرة الدم.

و يشكل بلحاظ ما ذكرنا من الخصوصية للدم المستمر بعد الولادة، و الحديث

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1

ص: 407

______________________________

إنما يدل علي استقصاء أقسام المستحاضة، لا مستمرة الدم.

نعم، لو تم عموم تنزيل النفاس منزلة الحيض كان استمرار الدم معه بمنزلة الاستمرار بعد الحيض موجبا لشمول حكمه و حكم المستحاضة بالمعني المتقدم الذي أخذ في موضوع بعض نصوص وظائف مستمرة الدم. لكن سبق المنع من ذلك.

ثم أنه لو فرض عموم أدلة الوظائف المذكورة للمقام لم يبعد الخروج عنه بنصوص المقام المتضمنة لزوم ترتيب أحكام المستحاضة بعد مضي مدة النفاس الشرعية، فإنها و إن كانت بصدد الحكم بالاستحاضة حدوثا في مقابل استمرار النفاس، الذي هو مقتضي النظر العرفي بدوا، و ذهب إليه العامة و تضمنته جملة من النصوص، و لا أقل من كونه المتيقن منها، إلا أن عدم التنبيه فيها علي كثرتها- كالنصوص المتضمنة لما زاد علي ذلك كالثمانية عشر و غيرها- لترتيب أحكام الحيض بعد ذلك- بمضي أقل الطهر أو الشهر- ظاهر في الاستمرار علي حكم المستحاضة في تمام الدم المستند عرفا للولادة للغفلة عنه بدونه بسبب انسباق الذهن إلي أن البناء علي الاستحاضة في مقابل النفاس المتوهم، فكما كان من جملة الاحتمالات الأقوال و كون تمام الباقي نفاسا، تبعا لنظر العرف البدوي، كذلك ينصرف الذهن من الأمر بإجراء حكم المستحاضة جريانه في تمامه.

و لا سيما بملاحظة حديث حمران «1» المتضمن أن امرأة محمد بن مسلم كانت تقعد في نفاسها أربعين يوما، ثم أفتوها بثمانية عشر لقصة أسماء بنت عميس، و ردع الإمام عليه السلام عن ذلك ببيان التحديد بقدر العادة ثم الأمر بالاستظهار ثم بأعمال المستحاضة، فإن لزوم التحيض مع ذلك ببعض الدم المذكور مغفول عنه جدا مع ذلك و يحتاج الي عناية في البيان خصوصا لو كان المراد التحيض بمضي أقل الطهر، الذي هو خلاف المتعارف في جلوس المرأة. بل هو لا ينافي ما تضمنته النصوص من أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم أسماء بنت عميس بالقيام بأعمال المستحاضة بعد الثمانية عشر يوما من

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11.

ص: 408

______________________________

دون استفصال عن مقدار عادتها و حال الدم بعدها، إذ لو كانت عادتها العددية سبعة، مثلا، و عليها نفاسها، و بعد عشرة أيام منها تدخل عادتها الوقتية يلزمها التحيض من الثامن عشر، و كذا لو لم يكن لها عادة وقتية، حيث يجب عليها التحيض بالتمييز أو العدد حينئذ، و لو لم يكن لها عادة عددية و كان نفاسها عشرة فكون لزوم البناء علي الاستحاضة لها يومين فقط يحتاج إلي تنبيه، للغفلة عنه بدونه جدا، كما يحتاج للتنبيه علي ذلك في كلام الأئمة عليهم السلام الناقلين للواقعة، لئلا ينسبق خلافه في حق بقية النساء.

و بالجملة: النظر في مجموع نصوص النفساء و ملاحظة ظروف صدورها قد يشرف بالناظر فيها علي القطع بعدم التحيض بالدم المنسوب للولادة عرفا.

و لو غض النظر عن جميع ذلك كفي إطلاق صحيح عبد اللّه بن المغيرة «1» المتقدم، حيث لم يفصل فيه في حيضية الدم الثاني بين كون تمام الدم الأول محكوما بعدم الحيضية و كون آخره محكوما بها لعادة أو تمييز أو غيرهما، و أنه علي الثاني لا بد من مضي أقل الطهر بين الدميين في حيضية الدم الثاني، و لا يكفي مضي الطهر بعد النفاس الشرعي.

و مثله في ذلك صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن امرأة نفست فمكثت [و بقيت. يب. صا] ثلاثين ليلة [يوما] او اكثر ثم [و. صا] طهرت وصلت ثم رأت دما أو صفرة. قال: إن كانت [كان. صا] صفرة فلتغتسل و لتصل و لا تمسك عن الصلاة، فإن [و إن. يب. صا] كان دما ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام قرئها. ثم لتغتسل و لتصل» «2» و من الثاني يظهر أنه لا مجال لاحتمال التحيض مع استمرار دم النفاس حتي بعد الشهر.

و دعوي: أن اشتمالهما علي التنفس بتمام الدم مانع من الاستدلال بهما. ممنوعة، لأن اشتمال الخبر علي ما لا يمكن الالتزام به لا يمنع من العمل به فيما يمكن الالتزام

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 3.

ص: 409

______________________________

به إذا لم يتضمن تفرعه عليه. و لا سيما مع أنهما لم يتضمنا أمر الامام عليه السلام بالتنفس بتمام الدم، بل مجرد عمل المرأة علي ذلك، و سكوت الامام عليه السلام عن ذلك لا يكون تقريرا له بعد أن كان مصب السؤال و الجواب أمرا آخر لا دخل له بذلك، و لعل عدم الردع لعدم الأثر العملي- بناء علي عدم وجوب التدارك مع الجهل بالحكم لا عن تقصير- أو للمفروغية عن كون عملها في غير محله بين الإمام عليه السلام و السائل، أو غيرهما.

بل سبق تقريب ظهور قوله عليه السلام في صحيح ابن المغيرة: «لأن ايامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس» في الردع عن ذلك، و هو المناسب للحكم في صحيح ابن الحجاج بحيضية الدم الثاني من دون اعتبار فصل أقل الطهر، بناء علي ما سبق من لزوم الفصل به بين النفاس و الحيض المتأخر.

و بالجملة: لا مجال للتوقف عن الاستدلال بالصحيحين لذلك. كما لا مجال لحملهما علي صورة عدم اقتضاء القاعدة في مستمرة الدم التحيض بالدم المفروض فيهما، بأن تكون المرأة ذات عادة وقتية لم يصادفها الدم.

إذ فيه: أن إطلاقهما أقوي من إطلاق أدلة القاعدة لو كان شاملا للمقام، فيتعين رفع اليد بهما في المقام عن إطلاق أدلة القاعدة، و لا سيما مع اعتضادهما بما تقدم، و مع ما سبق من أن شمول نصوص القاعدة للدم المسبب عن النفاس مبني علي إلغاء خصوصية مواردها عرفا، إذ لا أقل من كون ما تقدم مانعا من التعميم بالوجه المذكور للدم المستمر المسبب عن النفاس.

نعم، لا بد من كون الاستمرار بنحو يكون الدم دم نفاس عرفا، دون ما لو طالت مدته كثيرا بنحو لا يتعارف في النفاس، و لا سيما لو تبدل حاله، كما لو خف بعد مدة من الولادة حتي أشرف علي الانقطاع ثم كثر، و خصوصا لو تجدد له سبب ظاهر، حيث تقصر النصوص المتقدمة عنه قطعا، فتشمله نصوص مستمرة الدم، و لو بلحاظ ما سبق في كلام سيدنا المصنف قدّس سرّه من إلغاء خصوصية مواردها، فإن ما تقدم منا يرجع إلي خصوصية دم النفاس العرفي، لا خصوصية الدم المسبوق بالولادة و لو لم يكن نفاسا عرفا. فتأمل جيدا.

ص: 410

و إن لم تكن لها عادة (1) و كان هناك تمييز بينه و بين النفاس عشرة أيام كان

______________________________

هذا، و لو بني علي شمول نصوص مستمرة الدم لدم النفاس من دون مخرج عنها، لغض النظر عن جميع ما ذكرنا، فإن بني علي كون النفاس بمنزلة الحيض كانت المرأة كمن استمر بها الدم بعد الحيض، حيث يظهر مما تقدم أنها ترجع بعد مضي أقل الطهر إلي عادتها الوقتية قربت أو بعدت. فإن لم تكن لها عادة وقتية أو نسيتها رجعت للتمييز و لو استلزم الحيض أكثر من مرة في الشهر الواحد، خلافا لما يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من الإشكال فيه في الناسية، و لما في الجواهر من منافاته فيها و في غيرها لما تضمن أن الحيض في كل شهر مرة «1».

فإن لم تكن ذات تمييز تحيضت بأقراء أقاربها أو بالعدد علي نحو يقتضي التحيض في الشهر مرة، المستلزم في المقام لبدء التحيض بهما بعد مضي شهر من الولادة.

و إن لم يبن علي كون النفاس بمنزلة الحيض كانت المرأة بحكم ذات الدم المستمر المحكوم حين حدوثه بالاستحاضة، كما لو رأت الدم قبل مضي أقل الطهر و استمر. و يظهر مما تقدم أنها ترجع بعد مضي أقل الطهر إلي عادتها ثم إلي التمييز علي الوجه الذي تقدم في الفرض السابق، و مع عدمهما تتحيض بأقراء الأقارب أو بالعدد بعد مضي شهر من الحيض السابق، علي ما سبق في الأمر الثاني من تتميم المسألة العاشرة من مباحث الحيض، و حيث لا حيض سابق في المقام أشكل الحال، و إن كان قد يستفاد من النصوص التحيض بمجرد الإمكان و مضي أقل الطهر.

بل لا إشكال فيه بناء علي نهوض قاعدة الإمكان بإثبات حيضية الدم باستمراره إذا امتنعت حيضيته بحدوثه. لكن سبق المنع من نهوضها بذلك. و منه يظهر حال جملة من كلماتهم في المقام مما تقدم ما لم يتقدم. و لا يسعنا استقصاء الكلام فيها. فلاحظها.

(1) يعني: ترجع إليها، و لو لكونها ناسية لها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الحيض حديث: 2

ص: 411

حيضا في أيام التمييز و استحاضة في غيرها، و إن لم تكن لها عادة و لا تمييز رجعت إلي اختيار العدد (1)، كما تقدم في الحائض (2). و كذلك إذا كانت ذات عادة أو تمييز و لم يكن بينه و بين النفاس عشرة أيام، فإنها ترجع إلي العدد أيضا (3).

______________________________

(1) مقتضي ما تقدم منه قدّس سرّه رجوع المبتدئة- التي يمكن فرضها في المقام- مع عدم التمييز لعادة أقاربها، ثم التحيض بالعدد، و مراعاة المضطربة الاحتياط بينه و بين التحيض بالعدد. و أما الجزم بالانتقال من التمييز للحيض بالعدد رأسا فيختص عنده قدّس سرّه بالناسية. علي إشكال تقدم التعرض له منا. فراجع.

(2) لم يتقدم منه في الحيض تعيين مبدأ العدد، و يستفاد منه مما يأتي التعجيل بمجرد مضي أقل الطهر، و قد تقدم الكلام في ذلك هنا و هناك.

(3) مقتضاه التعجيل بالتحيض بالعدد و عدم انتظار الدور الثاني للعادة، و لا للتمييز لو كان.

و لا يخلو عن إشكال، بل منع، فإن مقتضي إطلاق رجوع ذات العادة أو التمييز لهما انحصار المرجع بهما. و مجرد تعذر الرجوع لأحدهما في الدور الأول لا يوجب خروجها عنهما و تبدل وظيفتها، بل يلزم انتظار الدور الثاني. و لا يظن منه قدّس سرّه البناء علي ذلك في الحيض كما لو كانت عادة المرأة سبعة أيام اول الشهر فتأخر دمها الي العشرين منه فتحيضت بالسبعة بعد العشرين، ثم استمر دمها الي الشهر الثاني، حيث لا يظن منه قدّس سرّه البناء علي رجوعها للوظيفة المتأخرة عن العادة في الشهر الثاني بعد مضي أقل الطهر، لعدم الفصل بين حيضها و عادتها بعشرة في الشهر المذكور، بل بثلاثة. بل الظاهر أنها لا تتحيض فيه، بل تنتظر وقت عادتها في الشهر الثالث، لما ذكرنا. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي سيدنا محمد و آله الطاهرين.

ص: 412

______________________________

انتهي الكلام في مبحث النفاس ليلة الثلاثاء الثامن و العشرين من شهر ذي الحجة الحرام من السنة الأولي بعد الألف و الأربعمائة للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و أزكي التحية. في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه الصلاة و السلام. بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه نجل العلامة الجليل حجة الإسلام السيد (محمد علي) الطباطبائي الحكيم دامت بركاته.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم، الوكيل. كما انتهي تبييضه بعد تدريسه ليلة الأربعاء التاسع و العشرين من الشهر المذكور بقلم مؤلفه الفقير حامدا مصليا مسلما.

ص: 413

ص: 414

الفهرست

الفصل السابع: في أحكام الحائض 5

يحرم علي الحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات و غيرهما مما يحرم علي المحدث، علي كلام في مثل مس اسم اللّه تعالي مما اختص دليله بالجنب 5

الكلام في أن حرمة العبادات علي الحائض ذاتية أو تشريعية 7

ثمرة النزاع في الحرمة الذاتية و التشريعية 13

يحرم وطء الحائض علي الواطئ و عليها 17

هل يكون وطء الحائض كبيرة؟ 20

إدخال بعض الحشفة 20

الوطء في الدبر 22

يجوز الاستمتاع بالحائض بغير الوطء 24

الوطء بعد الطهر من الحيض قبل الغسل منه مع الكلام في مفاد الآية الشريفة 25

هل يقوم التيمم مقام الغسل؟ 29

هل يجب غسل الفرج قبل الوطء؟ 30

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 5، ص: 415

الكلام في وجوب الكفارة بوطء الحائض 32

مقدار الكفارة في وطء الزوجة 34

الكلام في دفع القيمة 39

موارد سقوط الكفارة 41

كفارة وطء الأمة الحائض 43

الكلام في بعض اقسام الأمة 46

الكلام في عموم حكم الزوجة لأقسامها 47

وطء غير الزوجة و الأمة 47

يجوز دفع كفارة الزوجة الحائض وطء الحائض لمسكين واحد 48

الكلام في وجوب الكفارة بالوطء في الدبر، أو بإدخال بعض الحشفة 49

وطء الميتة 49

ص: 415

المعيار في اول الحيض و وسطه و آخره 50

الكلام في تعدد الكفارة بتعدد الوطء 52

لو فجأ الحيض في أثناء الوطء 56

وطء من يخرج حيضها من غير الفرج 57

لو تعذرت الكفارة في المقام و غيره. و حكم ما لو تجددت القدرة عليها بعد فعلا لبدل المسقط 57

المعيار في تعذر الكفارة 62

الكفارة تتبع الواقع لا اعتقاد الزوج 63

الوطء مع اشتباه الحيض 63

قبول قول المرأة في الحيض 64

الكلام في مشاركة النفساء للحائض في حكم الكفارة 67

لا يصح طلاق الحائض و ظهارها بشروط 68

الكلام في الوظيفة مع اشتباه الحيض و التخيير في التعبد به بين الأقل و الأكثر 73

الكلام في أن المدار في هذا الحكم علي الحيض أو حدثه 74

يجب الغسل من الحيض لكل مشروط بالطهارة، و يستحب للكون علي الطهارة 76

كيفية غسل الحيض 77

الكلام في انتقاض غسل الحيض بتخلل الحدث الأصغر فيه 79

الكلام في إجزاء غسل الحيض عن الوضوء 81

الكلام في أن الوضوء مشروع قبل الوضوء أو بعده 91

يجب علي الحائض قضاء الصوم الذي يفوتها حال الحيض مع الكلام في اختصاص ذلك بصوم رمضان و عمومه لغيره 95

لا يجب علي الحائض قضاء الصلاة 97

الكلام فيما لو لم يستغرق الحيض وقت الصلاة، مع تحديد مقتضي الأصل في ذلك الذي يرجع إليه مع فقد الدليل الخاص 99

إذا حاضت المرأة في أثناء الوقت 101

لا يكفي في وجوب القضاء سعته للصلاة بالتيمم أو نحوها من الصلوات الاضطرارية، مع الكلام في تعذر الصلاة التامة من غير جهة الحيض 106

لو علمت المرأة بمفاجأة الحيض لها لما يلزمها المبادرة للصلاة 107

لو شكت في سعة الوقت لها 108

ص: 416

إذا طهرت المرأة في أثناء الوقت 109

إذا لم يسع الوقت الطهارة و ركعة لم يجب عليها الأداء فضلا عن القضاء 109

إذا وسع الوقت الطهارة و الصلاة التامة وجب أداؤها، مع الكلام في أن المعيار في ذلك علي الوقت الاختياري أو الاضطراري أو الفضيلي 112

الكلام فيما لو أدركت من الوقت مقدار أداء الصلاة الاضطرارية 119

الكلام في استحباب القضاء لو طهرت قبل خروج الوقت بمقدار لا يسع الركعة 120

هل يشرع للحائض الغسل من الحدث الأكبر؟ 122

تشرع الأغسال المستحبة من الحائض 126

يشرع الوضوء للحائض 127

يستحب للحائض الوضوء و الذكر في أوقات الصلاة 127

الكلام في أن الوضوء المذكور مطهر 133

الكلام في مشروعية التيمم بدلا عن الوضوء المذكور لو تعذر 134

الكلام في قيام الغسل مقام الوضوء المذكور 135

هل يجزي الوضوء المذكور إذا أحدثت بالأكبر غير الحيض؟ 136

يكره الخضاب للحائض 136

يكره للحائض حمل المصحف و تعليقه و لمس هامشه و ما بين سطوره 137

المقصد الثالث: في الاستحاضة 139

تحديد الاستحاضة مفهوما و بيان صفات دمها 140

لا حدّ لقليل دم الاستحاضة و لا لكثيره و لا للطهر المتخلل بين أفراده 140

تحديد موارد الاستحاضة مع الكلام في انحصار دم المرأة الخارج من الرحم بالحيض و الاستحاضة و النفاس و في الدم الخارج من غير الرحم 141

الكلام في شرطية ناقضية الاستحاضة للطهارة 153

تحديد صور الاستحاضة الثلاث القليلة و المتوسطة و الكثيرة 154

هل يجب الفحص عن صور الاستحاضة الثلاث 159

لو تعذر الفحص عن صور الاستحاضة 163

كيفية الفحص 167

لو صلت من دون فحص 168

هل يجب تبديل القطنة أو تطهيرها في القليلة؟ 169

هل يجب تبديل الخرقة في القليلة؟ 170

ص: 417

هل يجب تطهير الفرج في القليلة؟ 172

يجب في القليلة الوضوء لكل صلاة فريضة 172

الكلام في الصفرة 179

الكلام في جواز الاكتفاء بوضوء واحد لفريضتين، و في الاجتزاء بغسل الحيض أو غيره لفريضتين 185

هل تحتاج النافلة للوضوء؟ مع الكلام في مقتضي الأصل 186

المعيار في وحدة الصلاة 193

لا يعتبر إيقاع الوضوء بداعي الصلاة التي يؤتي بها معه 193

تجب المبادرة للصلاة بعد الوضوء 193

لا يجب إعادة الوضوء لصلاة الاحتياط و الأجزاء المنسية 195

هل يجب إعادة الوضوء لإعادة الصلاة؟ 198

لا تجب إعادة الوضوء لسجود السهو علي تفصيل و كلام 199

الكلام في وجوب الوضوء لكل صلاة في الاستحاضة المتوسة 199

الكلام في وجوب تجديد القطنة في المتوسطة 204

الكلام في وجوب تبديل الخرقة و تطهير الفرج في المتوسطة 212

يجب في المتوسطة غسل واحد في اليوم 212

حكم ما لو تلوثت الخرقة بدم الكرسف و لم ينفذ الدم فيها 212

الكلام في وجوب إيقاع الغسل قبل صلاة الصبح 212

إذا كان عدم سيلان الدم للتعجيل في تبديل الكرسف 216

إذا سال الدم من دون كرسف 216

هل تجب المبادرة من الغسل للصلاة؟ 217

هل يجب تبديل القطنة في الاستحاضة الكثيرة؟ 217

هل يجب الوضوء لكل صلاة في الكثيرة؟ 220

يجب في الكثيرة أغسال ثلاثة 226

الكلام في استحباب الغسل لكل صلاة و في مشروعية الغسل التجديدي في الكثيرة 228

لا يجوز الفصل بين الظهرين و العشاءين، كما تجب المبادرة لهما بعد الغسل 228

الكلام في الجمع بين أكثر من صلاتين بغسل واحد.

مع الكلام في عموم ترتيب أحكام الطاهر مع القيام بوظائف المستحاضة 230

حكم الصلاة غير اليومية المستحاضة 233

ص: 418

حكم الطواف للمستحاضة 239

الكلام في النوافل الرواتب 245

هل يجوز إيقاع الفريضة اليومية مع صلاة غير يومية بغسل واحد 249

هل يجب إيقاع الوظيفة في الوقت أو يجوز تقديمها؟ 249

تتداخل الاستحاضة مع غيرها من أسباب الحدث الأكبر و الأصغر 251

لو حدثت المتوسطة بعد صلاة الصبح 252

إذا لم تغتسل ذات المتوسطة لصلاة الصبح 256

إذا حدثت الكثيرة في أثناء النهار 257

إذا انقطع دم الاستحاضة للبرء أو مع العدد 258

هل المعتبر في كمية أوقات الصلاة 266

لو انقطع الدم قبل إكمال الصلاة 268

إذا انقطع الدم بعد الصلاة قبل خروج الوقت 269

انقطاع الدم لفترة 271

إذا علمت المستحاضة بأن لها فترة 275

إذا انقطع الدم انقطاع برء أو فترة طويلة لم تجب المبادرة للصلاة بعد القيام بالوظيفة 276

إذا لم تجمع ذات الكثيرة بين الصلاتين أوجب تجديد الغسل للثانية 277

إذا انتقلت الاستحاضة من الأدني للأعلي 278

إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلي للأدني 281

ما يستثني من وجوب المبادرة للصلاة 284

في وجوب التحفظ من خروج الدم 286

يختص وجوب التحفظ بالكثيرة 289

يبدأ وجوب التحفظ بعد الغسل و لا يختص بحال الصلاة 290

الكلام في وجوب التحفظ علي الصائمة 291

المعيار في التحفظ 292

الكلام في توقف صوم المستحاضة علي الأغسال النهارية، مع تعيين تلك الأغسال 293

الكلام في توقف جواز وطء المستحاضة علي الغسل 308

الكلام في دخول المساجد و قراءة العزائم للمستحاضة 315

الكلام في مس المستحاضة للقرآن و نحوه 317

المقصد الرابع: في النفاس 319

ص: 419

تحديد النفاس مفهوما 319

الكلام في إسقاط المضغة 320

الكلام في إسقاط العلقة 324

الكلام في إلقاء النطفة 324

الدم الخارج حين الشروع في الولادة 325

لا حدّ لقليل النفاس 327

الكلام في أكثر النفاس 328

ما تراه بعد العشرة ليس نفاسا 351

إذا لم تر دما في ضمن العشرة من حين الولادة لم يكن لها نفاس 352

مبدأ العد بعد إكمال الولادة 353

النقاء المتخلل بين الدميين من نفاس واحد 354

لا يعتبر تخلل الطهر بين النفاسين مع الكلام في التوأمين 356

الكلام في الفرق بين القول بوحدة النفاس و بتعدده في التوأمين 362

إذا ألقت الولد قطعة قطعة 363

الكلام فيما لو انفصل الدم عن الولادة 366

الكلام فيما لو عاد دم النفاس بعد انقطاعه 373

الدم الخارج قبل ظهور الولد 373

إذا تجاوز دم الولادة العشرة من حينها تنفست بقدر رعايتها و كان الزائد استحاضة 384

الكلام في غير ذات العادة إذا تجاوز منها العشرة 384

الناسية لعادتها 384

الكلام في استظهار النفساء بعد مضي قدر عادتها 389

الكلام في وجوب الاستبراء علي النفساء 392

الكلام في أحكام النفساء مع الكلام في ثبوت عموم مشاركة النفساء للحائض في الأحكام 392

يحرم علي النفساء العبادات المشروطة بالطهارة 396

يحرم وطء النفساء، مع الكلام فيما لو طهرت من النفاس و لم تغتسل 397

تحريم دخولها المساجد و قراءتها العزائم و من الكتاب و الاسم الشريف 399

الكلام في كراهة سؤر النفساء 400

الكلام في كراهة الخضاب عليها 400

الكلام في كراهة حضورها عند المحتضر 401

ص: 420

الكلام في استحباب الذكر لها في اوقات الصلاة 401

لا يصح طلاق النفساء و ظهارها 401

الكلام في وجوب غسل النفساء و و كيفيته و أحكامه 403

الكلام فيما لو استمر الدم بعد العشرة شهرا أو أكثر.

مع الكلام في شروط الحيض المتأخر عن النفاس 404

الفهرست 415

ص: 421

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.